محمود درويش بلا مناسبة

محمود درويش بلا مناسبة

كان محمود في بيت بيروت
منسجماً مطمئناً لأحلامه،
غير مضطربٍ.
كان يدرك ما نفشل الآن في صنعه
حتى إذا ما بسطنا اعتذاراتنا
لا نرى أحداً سوف يصغي لنا.
محمود كان ينتظر الباصَ مستوحشاً
في صلافة أخبارنا
وضراوة سرد السقيفة في غابةٍ،
يخطئ الباصَ حتى يفوت الأوان،
وينسى،
كان محمود ينسى مواعيده كلها
ويؤجل أشعاره، 
ويضحك في طللٍ موشكٍ
ثم يذهب إلى الموت طواعيةً،
بنفسجةُ الروحِ تجعله بعد بيروت
طيفاً وحيداً
يضيّعُ أسفارَه شارعاً شارعاً
ويموتُ قليلاً مع الحرب
في كل نصٍ،
يفقد الانسجام مع النوم في كل يوم 
ويفقد تأشيرة للوطن،
أحلامه حدثٌ جللٌ، 
ولا تستقرُّ به الطرقاتُ،
خطى كالخطايا،
سئم الوصف في التفاصيل 
في ما تبقى من الوقت.
في بيت بيروت يكتب محمود أنشودةً
ويمدح في خيمةٍ وطناً عابراً
زاحمته عليه الخرائط واستكثرته
الفيافي،
محمود لولا المنافي انتهينا، 
كأن البلاد التي ستفقدنا سوف تبكي علينا.
انتهينا ، انتهينا،
وليس لأحلامنا أملٌ في التفاصيل،
لا بيت بيروت يبقى لنا
ولا حولنا من سيصغي لمرثيةٍ تمدح أخطاءنا
ذهبَ الأصدقاءُ الذين استعاروا القصائد بَعدكْ
ذهبَ الضاغنون لأوهامهم بلا حجةٍ
واستمرَ الطغاةُ يديرون ثوراتنا باستعاراتنا
بالبلاغة ذات الأراجيح،
كي يقولوا لنا إننا نفشل اليوم في ما منحنا له العمرَ من لحمنا، ونصدّق أنَّ في الكون حريةً 
واستدارَ لنا مَنْ تماهى مع الله
مَنْ سَنَّ الكتابَ على عظمنا
لينتابنا مثل نصلٍ بلا وجلٍ
غير مستعجلٍ
غير مكترثٍ، 
غير مستسلمٍ للقليل من الحب، 
الله،
تذكر؟ 
في بيت بيروت جرَّبتَه،
في الحصار الذي صار بيتكْ،
وانتبهنا، 
أوشكَ البعضُ فينا يشكُّ،
ولكننا وحدنا 
عندما كنتَ تذهب إلى الموت وحدك.
فكم ستحتاج أحلامُنا بيتَ بيروت
ماذا سيبقى من البيت في حلمها
وهي محزومة بالبواقي من الله
مكتوبة في القصيدةِ بعدك؟ >