قصيدة «ثلاث برقيات عاجلة إلى وطني» أنموذجاً عتبة اللوحة الداخلية وطاقة الإسناد الشعري في شعر سعاد الصباح

قصيدة «ثلاث برقيات عاجلة إلى وطني» أنموذجاً عتبة اللوحة الداخلية وطاقة الإسناد الشعري في شعر سعاد الصباح

في اللوحة الداخلية لقصيدة «ثلاث برقيات عاجلة إلى وطني» الواقعة ضمن مجموعة «برقيات عاجلة إلى وطني», الشعريةِ؛ نجد التشكيلَ للَّوحةِ يتمُّ ببساطةٍ عميقةٍ مختزِلةٍ لمشاهد البرقيات الثلاث في هذه القصيدة؛ فاللوحة - كما تظهر أدناه - عبارة عن تخطيطٍ بالأبيض والأسود.

أُسْنِدَ فيها أمر تمثيل المشاهِد، البرقيات الثلاث للأبيض، وعلى النحو الآتي:
1 - الأبيض: الذي تمركز في ثلاث دالاتٍ تتضح في اللوحة وهي:
- دالَّة الحمــــامة... علامة السلام المعروفة.
- دالَّة الأبراج... أحد المعالم الحضارية المميزة في الكويت.
- دالَّة علامة النصر المتشكّلة من الإصبعين الأوسط والسبابة. 
وقد مثَّلت كل دالَّةٍ منهنَّ برقيةً من البرقيات الثلاث للقصيدة، إذ تجسَّدت الدالَّة الأولى في شكل الحمامة الذي أخذ أعلى ارتفاعٍ على سطح اللوحة، للدلالة على سيطرة السلام والحب على المشهد الأول من القصيدة، أو البرقية الأولى التي مثَّلتها هذه الدالَّة؛ وظهر مصداق ذلك في قول الشاعرة في برقيتها الأولــــى من القصيدة:
(1)
سوف نظلُّ دائماً...
أهلَ الندى، والعفوِ، والسماحْ
لو جرَّحونا مرةً
نطلعُ كالأزهارِ من ذاكرةِ الجراحْ
أو كسَّروا جناحَنا
كنّا لهم،
أكثرَ من صدرٍ، ومن جناحْ
أو دخلوا بيوتَنا
نطعمهم من خبزِنا، وتمرِنا
نُشْرِكُهم برزقِنا
نحيطُهم بحبِّنا...
ونفرشُ الورودَ في موكبِهم 
وننثرُ الأقاحْ...
  وهكذا نرى هطولَ مفرداتِ السلامِ (الندى، العفو، السماح، الخبز، التمر، الورود... إلخ)، وكلَّ ذلك يتناسب مع حجم دالَّة هذه البرقيةِ، فقد أخذت الحمامة المساحة الأبرز من محيط لوحة القصيدة.
  أما الدالة الثانية - أبراج الكويت الشهيرة - 
فقد جاءت بارتفاعٍ أقلَّ بقليلٍ من ارتفاع «الحمامة»، وفي ذلك تواصلٌ حميميٌّ مع دالَّة السلام، وفي برقيتها الثانية من قصيدتها مصداق ذلك، إذ تقول:
نحن الكويتيين... من عاداتِنا
أنْ نستضيفَ الشمسَ في بيوتِنا
وأن نجيرَ الجارْ.
نحن الكويتيين... من طباعِنا
أن ننبذَ العنفَ،
وأن ندعو العصافيرَ إلى مائدةِ الحوارْ.
نحن الكويتيين من أخلاقِنا
أن نرفضَ الظلمَ على أنواعهِ
ونكرهَ الطغاةَ والطغيانْ.
نحن الكويتيين... من تراثِنا
أن نعصرَ القلبَ لمن نحبُّهم.
وأن نكونَ دائماً في جانبِ الإنسانْ
 وهنا نلحظ أن الشــــاعرة عمدت إلى استخدام أسلوب الاختصــــاص (نحــــن الكويتييـــــن)، إذ إن هذا الاستخدام يرفـــــع من نسبة القصديَّة في الاشــــتغال النصّي المــــتـــناوَب علــــيه من قـــــبل لوحة القصيدة ومتن القصــــيدة، فالقصيدة ببرقيَّاتها الثلاث تؤكد روح السلام، والشاعرة بأسلوب اختصاصها هنا تؤكّد الدور المرجوّ من هؤلاء المخْصوصِيْن (الكويتيين) بالسلام.
أما الدالة الثالثة, التي تمظهرت في علامة النصر التي تقدَّمت مُخطَّطَ اللوحة، فقد جاءت على شكلٍ معتدلٍ منتصبٍ، لإبراز قوةِ وروحِ النصرِ، ولكن هذه العلامة بيضاء، أي إنها علامة انتصار السلام، وليست علامةَ انتصار الحروبِ التي ترتفعُ فوق القتلى والدماء... إنها انتصارُ الداخلِ/ العاشقِ، على الخارجِ/ الآلَة... وقد مثَّلت هذه الدالَّةُ البرقيةَ الثالثةَ من القصيدة، والتي تقول فيها الشاعرة:
يا من زرعتم في ضلوعِ شعبي الرماحْ
كيفَ بوسعِ عاشقٍ أن يرفعَ السلاحْ؟
في وجهِ من يحبُّهم
كيف بوسع العينِ أن تقاتلَ الأجفانْ?
نحن الكويتيين... لا تخيفنا
مفاجآتُ البحرِ، أو زمجرةُ الرياحْ
فنحن عشنا دائماً في داخلِ الإعصارْ
ونحن ندري جيداً ما قلقُ البحرِ، وما أسئلةُ البحَّارْ
فلملموا خيولكم... وانسحبوا...
ولملموا أشياءكم وانصرفوا...
لا أحدٌ يقدرُ أن يغيِّرَ التاريخَ...
أو يستعمرَ الأرواحْ
لا أحدٌ يقدرُ أن يطفئَ نورَ الشمسِ
أو يصادرَ الصباحْ
2 - الأسود: ظهر بدالَّة واحدة في اللوحة على شكل مسدس مهشَّم الفوهة، تموضَعَ بين علامة الانتصار/ الإصبعَيْن، وعلامة السلام/ الحمامة، وفي ذلك دلالة بارزة على محاصرة لغة الموت واندحارها، وانفتاح لغة السلام وانتصارها، وهذا المعنى نتج عن التعاضد الدلالي الذي قدَّمته اللوحة الفرعية، لوحة القصيدة ومتنها، وقد استُمِدَّ ذلك من لوحة الغلاف، فإذا رجعنا سريعاً إلى لوحة الغلاف وجدناها على شكل خمس حمامات ملونة تحمل الورد.
وهذا معناه أن هذه البرقيات برقــــياتُ سلام، وإذا دققنا النــــظر في اللوحــــة وجــــدنا في زاويتها العليا يميناً جزءاً من صدر الحمامة السادسة ظاهــــراً في اللوحة، وفي ذلـــك دلالة على أن برقيات السلام مستمرَّة، وفــــي هذا يكتمل نصاب تعريــــفنا لهذه العتبة (اللوحة الداخلية) على أنها علامة فرعية يــــجب أن تكـــــون مساندةً للعلامة الرئيــــسة (لوحة الغلاف)، وفي الوقت نفسه يجب أن تكون ممثِّلةً للنص الذي اشتُغلتْ في ضوء سياقهِ وتأويلهِ ومعناه .