هامبورغ مدينة تسكن الميناء
هامبورغ مدينة تسكن الميناء أو الميناء يسكن المدينة، ففي بداية القرن التاسع تم بناء قلعة لحماية طرق الملاحة من قبل القيصر الألماني شارلمان،والتي اتخذتها هامبورغ فيما بعد شعاراً لها.
من النظرة الأولى للمدينة ولمينائها المهيب والروافع العملاقة التي تظلل السفن الكبيرة الراسية على سطح مياه نهر الألب الذي يصب في بحر الشمال، عرفت أني في مدينة بحرية بامتياز، فميناؤها يعتبر الأكبر بألمانيا والثالث أوربياً، ويسميه الألمان بوابة العالم، وعلى أرصفته شجون وذكريات، لاسيما أن معظم الهجرات الأوربية للعالم الجديد - أي الأمريكتين - تمت في البداية من هذا الميناء الذي يمتد بمسافة كبيرة، لدرجة أنك تصعد محطة قطار المترو إلى المحطة المقبلة ومازال الميناء ممتداً بسفن عملاقة وحاويات كثيرة تحتوي على البضائع الألمانية المصدرة لمختلف دول العالم، إضافة للبضائع الواردة، وتتصدر القهوة هذه السلعة المحببة الواردات إلى هامبورغ، التي تعتبر من أكبر مخازن القهوة بالعالم.
وسعيد الحظ من ينال كوباً من القهوة الطازجة المحمصة من أحد مقاهي مدينة المخازن والشحن المجاورة للميناء، حيث يتم تحميص القهوة بالطرق التقليدية القديمة، وقد خضت تلك التجربة - أي شربت فنجان قهوة - وأنا أطل على قنوات مائية شبيهة بالمدينة الإيطالية العريقة فينيسيا، مدينة المخازن والشحن في هامبورغ، وهي مجموعة من المباني متعددة الطبقات تم بناؤها قبل أكثر من مائة عام لتكون منطقة جمركية تابعة للميناء، وتحتضن مخازن القهوة والشوكولاتة والسجاد الإيراني، وتعتبر من أكبر مخازن السجاد العالمية، ويمكن ملاحظة السجاد بنقوشه الجميلة الآتية من الشرق عبر نوافذ هذه المباني، حيث أطل على أحد تجار السجاد، وجرت دردشة معه عن قِدَم وجود عوائل تجار السجاد الذي يلقى رواجاً من الألمان والأوربيين.
خزانة أسرار المدينة
ومن المخازن التي شاهدتها مخازن الشاي الآتي من سريلانكا، فبذلك تكون مدينة الشحن معرضاً لمنتجات العالم، وليس ببعيد عن مدينة الشحن مبنى متحف التاريخ البحري الذي بجانبه تقع آلة قياس سرعة الرياح، وبدورانها السريع كأنها ترحب بزوار المتحف. وعند تجوّلي في المتحف الذي يحتوي على البوصلات القديمة والمعدات الملاحية ومعدات بناء السفن والخرائط، استوقفني نموذج للبوم الكويتي بإتقانه ورشاقته وأشرعته البيضاء، وبذلك يكون خير سفير للكويت في هامبورغ، حيث إن الكويت وهامبورغ لهما ارتباط كبير بالبحر والملاحة.
ويوجد شرح للبوم الكويتي يوضح لرواد المتحف الخلفية التاريخية لهذه السفينة الجميلة، والمتحف غني جداً باللوحات التي تشرح التاريخ البحري بشكل عام ولهامبورغ بشكل خاص، ليكون المتحف خزانة أسرار للمدينة التي بها الكثير للاكتشاف.
كرنفال سوق السمك
ومن معالم هامبورغ المدينة المطلة على نهر الألب وبجانب الميناء سوق السمك الذي بدأ نشاطه عام 1907 وتقام فيه مزادات الأسماك، وهو بجانب الميناء، وفي يوم الأحد يشهد كرنفالاً، ففي الصباح الباكر يُحضر الباعة ما لذ وطاب من أسماك وفواكه وخضراوات وحلويات، بل حتى الملابس والتحف وتذكارات مدينة هامبورغ، والسوق فرصة جميلة لاقتناء الهدايا للأصدقاء، كما أن الأسعار بشكل عام مناسبة وأقل بكثير من المحلات التجارية، مما يفسر هذا الزحام والتهافت على الشراء من هذا السوق الجميل الذي تحفه طيور النورس والسفن الراسية بالميناء الكبير.
وبعيداً عن ضوضاء الميناء والسوق نذهب للجانب الرومانسي والتاريخي لمدينة هامبورغ التي تطل على أكثر من مسطح مائي، ففي المدينة بحيرة الألستر العامرة بالبجع والبط، وعلى ضفافها رقعة خضراء تضفي جمالاً على المدينة التي يستقبلك في مدخلها مبنى مهيب وهو مبنى البلدية الذي بني عام 1897، وفيه 647 غرفة ويتزين بتماثيل للقيصر الألماني وبجانبه تتناثر المقاهي والمتاجر التي يرتادها القيصر شارلمان وأهل المدينة وهم بالمناسبة من أعراق مختلفة، لتكون هامبورغ مدينة عالمية بامتياز.
ومن الجاليات المهمة في المدينة الجالية العربية، فوجود العرب بمختلف المهن ملحوظ جداً، وفي شارع مونكيبرغ الذي تنبض فيه الحياة، توجد الكثير من المتاجر المعروفة وكذلك المكتبات، فهامبــورغ مدينة الثقافة تكثر فيها المكتبات، وفيها المبنى والمركــز الرئيس لمجلة دير شبيغل الألمانـــية، التي تصدر عنها أكثر من مجلة تهتم كل واحدة منها بشأن مختلف كالثقافة والتاريخ التي تضم الكثير من الموضـــوعات المهمة عالمـــــياً، تلك المجلة الألمـــــانية العريقة التي يطل مبناها الكبير على النهر، فزيارتها أمر ضروري وقد اطلــــعت علــــى أرشيف الأعداد القديمة وبعض الإصدارات ومعارض للصور، كما أني بحثت عن أي إصدار باللغــــة الإنجليـــــزية - لكن مع الأسف - لم أحصل عليه، فاكتفيت بتصفح بعض المــــجلات خصوصاً التقارير المصورة، فالمدرسة الفوتــــــوغرافــــية الألمانية تعتبر الأعرق عالمياً، وقد كان الزعيم النــــازي سيئ الذكر أودلف هتلر يستعين بالمصورين الألمان لعمل «بروباغندا» ودعاية مؤثــــرة لجلــــب التأييد له ولحزبه النازي الذي قاد ألمانيا إلى حرب مدمرة.
وقد تضررت هامبورغ كثيراً بالحرب العالمية الثانية، ولحسن الحظ توجد هناك كثير من المباني التاريخية التي نجت بأعجوبة من القصف المدمر، وبعد الحرب تم ترميم وإعادة بناء المدينة التي يسميها أهلها بوابة العالم، وهي كذلك، أو على الأقل بوابة ألمانيا ■
مبنى بلدية هامبورغ الذي تم افتتاحه عام 1897 ويتكون من 647 غرفة
جولة داخل المدينة التي أسماها أهلها بوابة العالم
سفن شراعية وبواخر عملاقة ترسو بميناء هامبورغ الذي يطل على نهر الألب المتصل ببحر الشمال