دار الأوبرا السلطانية في مسقط عندما تصنع الفنون ميثاق السلام والمحبة

دار الأوبرا السلطانية  في مسقط عندما تصنع الفنون ميثاق السلام والمحبة

لكل‭ ‬مدينة‭ ‬مَعلم‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتجاوزه‭ ‬خلال‭ ‬زيارتك‭ ‬لها،‭ ‬وإنْ‭ ‬حدث،‭ ‬فإن‭ ‬زيارتك‭ ‬منقوصة‭ ‬جداً‭ ‬وغير‭ ‬كاملة‭. ‬وعندما‭ ‬تجد‭ ‬نفسك‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬مسقط‭ ‬العاصمة‭ ‬البهية‭ ‬لسلطنة‭ ‬عمان‭ ‬والمستكينة‭ ‬بهدوء‭ ‬ودعة‭ ‬على‭ ‬البحر،‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تحجز‭ ‬تذكرة‭ ‬لحضور‭ ‬حفل‭ ‬أوبرالي‭ ‬أو‭ ‬موسيقي‭ ‬أو‭ ‬مسرحي‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬الأوبرا‭ ‬السلطانية‭ ‬بمسقط‭ ‬تتوج‭ ‬به‭ ‬زيارتك‭ ‬للمدينة‭.‬

في‭ ‬دار‭ ‬الأوبرا‭ ‬السلطانية‭ ‬ستجد‭ ‬نفسك‭ ‬تبحر‭ ‬في‭ ‬سمائها‭ ‬وأنت‭ ‬تستعيد‭ ‬موزارت‭ ‬وبيتهوفن‭ ‬والأعمال‭ ‬الأوبرالية‭ ‬الخالدة‭ ‬التي‭ ‬سطرها‭ ‬بوتشيني‭ ‬وفيردي،‭ ‬وتستعيد‭ ‬أم‭ ‬كلثوم‭ ‬عبر‭ ‬آمال‭ ‬ماهر‭ ‬وكونشرتو‭ ‬العود‭ ‬عبر‭ ‬عمالقة‭ ‬العود‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬وتعيش‭ ‬مشهداً‭ ‬ثقافياً‭ ‬باذخاً‭ ‬بالجمال‭ ‬الراقي،‭ ‬وتحلق‭ ‬عالياً‭ ‬عالياً‭ ‬إلى‭ ‬سماوات‭ ‬الإبداع‭.‬

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬مسقط‭ ‬مدينة‭ ‬متخمة‭ ‬بالتاريخ‭ ‬وبالقلاع‭ ‬الشامخة‭ ‬والأسواق‭ ‬التقليدية‭ ‬التي‭ ‬تشتم‭ ‬عبرها‭ ‬عراقة‭ ‬الشرق،‭ ‬والمعالم‭ ‬التي‭ ‬تعيدك‭ ‬إلى‭ ‬قرون‭ ‬طويلة‭ ‬مضت،‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬عُمان‭ ‬فقط‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬منطقة‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬بأكملها،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬صوت‭ ‬الفنون‭ ‬الشعبية‭ ‬العمانية‭ ‬المغناة‭ ‬وصوت‭ ‬العازي‭ ‬يتردد‭ ‬صداه‭ ‬بين‭ ‬البحر‭ ‬والجبل،‭ ‬فإن‭ ‬دار‭ ‬الأوبرا‭ ‬السلطانية‭ ‬منذ‭ ‬افتتاحها‭ ‬عام‭ ‬2011‭ ‬أعادت‭ ‬رسم‭ ‬خريطة‭ ‬طريق‭ ‬أي‭ ‬رحلة‭ ‬إلى‭ ‬مسقط،‭ ‬واستطاعت‭ ‬أن‭ ‬تضع‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬برنامج‭ ‬الرحلات‭ ‬للمدينة‭ ‬وتصنع‭ ‬مع‭ ‬معالم‭ ‬المدينة‭ ‬معادلة‭ ‬الأصالة‭ ‬والمعاصرة‭ ‬التي‭ ‬ارتضتها‭ ‬عُمان‭ ‬لنفسها‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬عصر‭ ‬نهضتها‭ ‬الحديث‭ ‬مطلع‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وصارت‭ ‬أسوارها‭ ‬تطاول‭ ‬قلعتي‭ ‬الجلالي‭ ‬والميراني،‭ ‬وجمالها‭ ‬يحاكي‭ ‬جمال‭ ‬نقوش‭ ‬جامع‭ ‬السلطان‭ ‬قابوس‭ ‬الأكبر‭ ‬ومبنى‭ ‬مجلس‭ ‬عُمان‭ ‬والمحكمة‭ ‬العليا‭.‬

وفي‭ ‬المسافة‭ ‬الزمنية‭ ‬بين‭ ‬شهري‭ ‬سبتمر‭ ‬ومايو،‭ ‬يغيب‭ ‬عنك‭ ‬وأنت‭ ‬في‭ ‬مسقط‭ ‬سؤال‭ ‬‮«‬أين‭ ‬أذهب‭ ‬الليلة؟‮»‬،‭ ‬فدار‭ ‬الأوبرا‭ ‬التي‭ ‬تزدحم‭ ‬روزنامة‭ ‬فعالياتها‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬أيام‭ ‬العام‭ ‬تعطيك‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬الخيارات‭ ‬الخيالية‭ ‬والمتنوعة‭.‬

في‭ ‬الذكرى‭ ‬الخامسة‭ ‬لافتتاح‭ ‬دار‭ ‬الأوبرا‭ ‬السلطانية،‭ ‬كانت‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬حاضرة‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬لترصد‭ ‬التجربة‭ ‬استقراء‭ ‬للمتحقق‭ ‬واستشرافاً‭ ‬للمستقبل‭.‬

 

أوبرا‭ ‬في‭ ‬جزيرة‭ ‬العرب

لم‭ ‬يكن‭ ‬استيعاب‭ ‬فكرة‭ ‬إنشاء‭ ‬دار‭ ‬للأوبرا‭ ‬في‭ ‬مسقط‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬بالأمر‭ ‬السهل‭ ‬قبل‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬اليوم‭ ‬فقط‭ ‬لأسباب‭ ‬كثيرة،‭ ‬ليس‭ ‬أولها‭ ‬أن‭ ‬فن‭ ‬الأوبرا‭ ‬فن‭ ‬غريب‭ ‬عربياً‭ ‬وخليجياً،‭ ‬وهو‭ ‬إنْ‭ ‬كان‭ ‬معروفاً‭ ‬فعند‭ ‬نخب‭ ‬النخب‭ ‬فقط،‭ ‬وليس‭ ‬آخرها‭ ‬أيضا‭ ‬النظرة‭ ‬الدينية‭ ‬التي‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬إنشاء‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الدُور‭ ‬ابتعاداً‭ ‬حقيقياً‭ ‬عن‭ ‬روح‭ ‬الإسلام‭ ‬إلى‭ ‬مناطق‭ ‬تغريبية‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬الضفة‭ ‬الأخرى‭ ‬منه‭.‬

وواجهت‭ ‬دار‭ ‬الأوبرا‭ ‬السلطانية‭ ‬منذ‭ ‬افتتاحها‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬النقد‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬حتى‭ ‬أنهم‭ ‬طالبوا،‭ ‬بعد‭ ‬التجاذبات‭ ‬والأحداث‭ ‬التي‭ ‬شهدها‭ ‬عام‭ ‬2011،‭ ‬بتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬مركز‭ ‬إسلامي‭.‬

ولكن‭ ‬إدارة‭ ‬الدار‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تذيب‭ ‬الجليد‭ ‬شيئاً‭ ‬فشيئاً‭ ‬وتجسر‭ ‬الهوة‭ ‬بين‭ ‬الدار‭ ‬وعموم‭ ‬الجمهور،‭ ‬فعمدت‭ ‬إلى‭ ‬تنظيم‭ ‬أيام‭ ‬مفتوحة‭ ‬للأسر‭ ‬تكشف‭ ‬لهم‭ ‬حقيقة‭ ‬دار‭ ‬الأوبرا‭ ‬والدور‭ ‬الذي‭ ‬تقوم‭ ‬به،‭ ‬واستضافت‭ ‬الدار‭ ‬أيضاً‭ ‬عروضاً‭ ‬في‭ ‬الإنشاد‭ ‬الديني،‭ ‬وعروضاً‭ ‬في‭ ‬الرقص‭ ‬الصوفي‭ (‬رقص‭ ‬الدراويش‭) ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬البلدان‭ ‬الإسلامية،‭ ‬كما‭ ‬تحتفي‭ ‬الدار‭ ‬سنوياً‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬المناسبات‭ ‬الدينية‭.‬

وبعد‭ ‬أنْ‭ ‬زار‭ ‬بعض‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬دار‭ ‬الأوبرا‭ ‬اكـــــتشفوا‭ ‬أنها‭ ‬ليـــست‭ ‬مبنى‭ ‬لــــهدم‭ ‬أركـــــان‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي،‭ ‬ولــكنها‭ ‬مبنــى‭ ‬للثقـافة‭ ‬والفـــن‭ ‬الراقــــي،‭ ‬فخفت‭ ‬خطاب‭ ‬النقد،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬غريباً‭ ‬أن‭ ‬تصادف‭ ‬معممين‭ ‬يحضـــرون‭ ‬عـــروضاً‭ ‬فـــي‭ ‬دار‭ ‬الأوبرا‭ ‬أو‭ ‬ينشرون‭ ‬صوراً‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬وسائط‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬حفــــلات‭ ‬أوبرالية‭.‬

لكن‭ ‬قوة‭ ‬دار‭ ‬الأوبرا‭ ‬في‭ ‬مسقط‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬رعاية‭ ‬السلطان‭ ‬قابوس‭ ‬بن‭ ‬سعيد‭ ‬سلطان‭ ‬عُمان‭ ‬لها‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر،‭ ‬وهو،‭ ‬كما‭ ‬قالت‭ ‬‮«‬اليونسكو‮»‬‭ ‬ذات‭ ‬يوم،‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬الحكام‭ ‬العرب‭ ‬الداعمين‭ ‬للثقافة‭ ‬والفن،‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬العربي‭ ‬فقط‭ ‬وإنما‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬العالمي‭.‬

ويرأس‭ ‬اللجنة‭ ‬العليا‭ ‬لدار‭ ‬الأوبرا‭ ‬السيد‭ ‬فهد‭ ‬بن‭ ‬محمود‭ ‬نائب‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬لشؤون‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬في‭ ‬عُمان،‭ ‬وهو‭ ‬الرجل‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬العماني‭.‬

 

ريادة‭ ‬عمانية

عندما‭ ‬افتتحت‭ ‬دار‭ ‬الأوبرا‭ ‬السلطانية‭ ‬في‭ ‬مسقط‭ ‬عام‭ ‬2011‭ ‬كانت‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج،‭ ‬وأحدثت‭ ‬مفاجأة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المستويات‭ ‬العربية‭ ‬والعالمية،‭ ‬وكان‭ ‬التحدي‭ ‬الأول‭ ‬أمام‭ ‬الدار‭ ‬ليس‭ ‬تجهيز‭ ‬مبنى‭ ‬ومسرح‭ ‬وفق‭ ‬أحدث‭ ‬ما‭ ‬تبنى‭ ‬عليه‭ ‬دور‭ ‬الأوبرا‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬فقط،‭ ‬ولكن‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬استقطاب‭ ‬العروض‭ ‬العالمية‭ ‬وفق‭ ‬مستوى‭ ‬جودة‭ ‬لا‭ ‬تنزل‭ ‬عنه،‭ ‬وفي‭ ‬تناغمها‭ ‬مع‭ ‬المجتمع‭ ‬العماني‭ ‬وبالتالي‭ ‬تشكل‭ ‬تواصلاً‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬الجمهور‭ ‬مع‭ ‬تفهم‭ ‬لرسالتها‭. ‬لكن‭ ‬المفاجأة‭ ‬كانت‭ ‬أن‭ ‬التذاكر‭ ‬تنفد‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬فور‭ ‬عرضها‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬كل‭ ‬موسم‭. ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬رواد‭ ‬الدار‭ ‬من‭ ‬الأوربيين‭ ‬الذين‭ ‬يقطعون‭ ‬آلاف‭ ‬الكيلومترات‭ ‬لحضور‭ ‬عرض‭ ‬لأوبرا‭ ‬عايدة‭ ‬أو‭ ‬أوبرا‭ ‬توراندوت‭ ‬أو‭ ‬أوبرا‭ ‬روميو‭ ‬وجولييت‭ ‬أو‭ ‬كارمن‭ ‬أو‭ ‬سماع‭ ‬أحد‭ ‬نجوم‭ ‬السوبرانو‭ ‬العالميين،‭ ‬بل‭ ‬صار‭ ‬الحضور‭ ‬العماني‭ ‬والخليجي‭ ‬يزاحم‭ ‬الحضور‭ ‬الأوربي‭. ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬تحولت‭ ‬دار‭ ‬الأوبرا‭ ‬السلطانية‭ ‬خلال‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬قاعة‭ ‬عرض‭ ‬تستقطب‭ ‬العروض‭ ‬العالمية‭ ‬إلى‭ ‬دار‭ ‬تنتج‭ ‬عروضاً‭ ‬متكاملة،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬عرض‭ ‬‮«‬الرحلة‭ ‬العظيمة‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬حاول‭ ‬اختزال‭ ‬التاريخ‭ ‬العماني‭ ‬في‭ ‬عرض‭ ‬استمر‭ ‬90‭ ‬دقيقة‭. ‬وهو‭ ‬العرض‭ ‬الذي‭ ‬أُنتج‭ ‬بمناسبة‭ ‬مرور‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬على‭ ‬افتتاح‭ ‬الدار‭.‬

 

5‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬النجاح

من‭ ‬بين‭ ‬الشخصيات‭ ‬التي‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬تقابلها‭ ‬وأنت‭ ‬تزور‭ ‬دار‭ ‬الأوبرا‭ ‬السلطانية‭ ‬شخصية‭ ‬كامل‭ ‬بن‭ ‬فهد‭ ‬آل‭ ‬سعيد،‭ ‬عضو‭ ‬مجلس‭ ‬إدارة‭ ‬الدار،‭ ‬الذي‭ ‬يتحدث‭ ‬بابتسامة‭ ‬دائمة‭ ‬عن‭ ‬الإنجازات،‭ ‬ولكنه‭ ‬أيضاً‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬طموحات‭ ‬الدار‭.‬

يقول‭ ‬كامل‭ ‬بن‭ ‬فهد‭: ‬‮«‬كانت‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬رائعة‭ ‬شعرنا‭ ‬فيها‭ ‬بالنجاح‭ ‬الكبير،‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬السمعة‭ ‬التي‭ ‬اكتسبتها‭ ‬الدار‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي‭ ‬كواحدة‭ ‬من‭ ‬دور‭ ‬الأوبرا‭ ‬الرائدة‭ ‬في‭ ‬التنّوع‭ ‬والتميّز‭ ‬وفي‭ ‬تقديم‭ ‬أعلى‭ ‬مستويات‭ ‬الجودة،‭ ‬مما‭ ‬جعلها‭ ‬تتربع‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬الآلاف‭ ‬في‭ ‬عُمان‭ ‬والعالم‮»‬‭.‬

ويحلو‭ ‬لابن‭ ‬فهد‭ ‬أن‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬الأوبرا‭ ‬السلطانية‭ ‬باعتبارها‭ ‬رسالة‭ ‬السلام‭ ‬العمانية‭ ‬للعالم‭ ‬أجمع،‭ ‬فما‭ ‬تفرقه‭ ‬السياسة‭ ‬تجمعه‭ ‬الفنون،‭ ‬معتبراً‭ ‬الموسيقى‭ ‬والفنون‭ ‬لغة‭ ‬تعبر‭ ‬فوق‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬وتعانق‭ ‬بجمالها‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬اختلاف‭ ‬الثقافات‭ ‬واللغات،‭ ‬فهي‭ ‬تحمل‭ ‬لغة‭ ‬عالمية‭ ‬يفهمها‭ ‬الجميع‭ ‬ويشعرون‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬وسائط‭.‬

وما‭ ‬يذهب‭ ‬له‭ ‬كامل‭ ‬بن‭ ‬فهد‭ ‬صحيح‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير،‭ ‬فلم‭ ‬يعد‭ ‬غريباً‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬عمانيين‭ ‬قادمين‭ ‬من‭ ‬ولايات‭ ‬على‭ ‬تخوم‭ ‬الربع‭ ‬الخالي‭ ‬لحضور‭ ‬عروض‭ ‬موسيقية‭ ‬أو‭ ‬أوبرالية،‭ ‬وليس‭ ‬غريبا‭ ‬أن‭ ‬تجدهم‭ ‬يتحدثون‭ ‬عن‭ ‬أوبرا‭ ‬روميو‭ ‬وجولييت‭ ‬أو‭ ‬تسمعهم‭ ‬يتحدثون‭ ‬حول‭ ‬أداء‭ ‬التينور‭ ‬العالمي‭ ‬بلاسيدو‭ ‬دومينجو‭.  ‬لقد‭ ‬أحدثت‭ ‬دار‭ ‬الأوبرا‭ ‬السلطانية‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬العماني‭ ‬والخليجي‭ ‬تغيرات‭ ‬جوهرية،‭ ‬وصار‭ ‬خطاب‭ ‬الأوبرا‭ ‬وما‭ ‬تقدمه‭ ‬من‭ ‬عروض‭ ‬حديث‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬فئات‭ ‬المجتمع‭ ‬العماني‭ ‬والخليجي‭.‬

ومن‭ ‬تابع‭ ‬عرض‭ ‬‮«‬الرحلة‭ ‬العظيمة‮»‬‭ ‬وعشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الحضور‭ ‬الذين‭ ‬احتشدوا‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬الدار‭ ‬لمتابعة‭ ‬العرض،‭ ‬يعرف‭ ‬حجم‭ ‬التغيير‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬خلال‭ ‬سنوات‭ ‬قليلة‭.‬

لكن‭ ‬المدهش‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬التقارير‭ ‬العالمية‭ ‬أكدت‭ ‬أن‭ ‬دار‭ ‬الأوبرا‭ ‬السلطانية‭ ‬أصبحت‭ ‬خلال‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬ضمن‭ ‬أجندة‭ ‬المطاردين‭ ‬للعروض‭ ‬الأوبرالية‭ ‬والموسيقية‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬ولذلك‭ ‬يزور‭ ‬عُمان‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬سنوياً‭ ‬بهدف‭ ‬حضور‭ ‬العروض‭ ‬الأوبرالية‭ ‬التي‭ ‬تعرضها‭ ‬الدار‭ ‬بشكل‭ ‬حصري‭ ‬أحياناً‭.‬

 

دروس‭ ‬تعليمية

قبل‭ ‬ساعة‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬عرض‭ ‬من‭ ‬عروض‭ ‬الدار،‭ ‬يفتتح‭ ‬الدكتور‭ ‬ناصر‭ ‬الطائي‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬الفصل‭ ‬الدراسي،‭ ‬ويقدم‭ ‬تعريفاً‭ ‬بالعرض‭ ‬وقراءة‭ ‬فنية‭ ‬وموسيقية‭ ‬له،‭ ‬يضعان‭ ‬الحضور‭ ‬في‭ ‬السياق‭ ‬التاريخي‭ ‬للعمل‭ ‬والرموز‭ ‬التي‭ ‬يحملها،‭ ‬كما‭ ‬يضعان‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬مكانه‭ ‬وسياقه‭ ‬الفني‭. ‬هذه‭ ‬الندوات‭ ‬التي‭ ‬تسبق‭ ‬العروض‭ ‬استطاعت‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬أن‭ ‬تعزز‭ ‬الثقافة‭ ‬الموسيقية‭ ‬والأوبرالية‭ ‬التي‭ ‬ساهمت‭ ‬العروض‭ ‬المتوالية‭ ‬في‭ ‬بنائها‭.‬

لكن‭ ‬هذه‭ ‬الندوات‭ ‬والمحاضرات‭ ‬اليومية‭ ‬التي‭ ‬يقدمها‭ ‬د‭.‬ناصر‭ ‬الطائي‭ ‬ليست‭ ‬وحدها‭ ‬التي‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬ثقافة‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬الأوبرا،‭ ‬ولكن‭ ‬الرجل‭ ‬يصمم‭ ‬برامج‭ ‬تعليمية‭ ‬وأياماً‭ ‬مفتوحة‭ ‬للأطفال‭ ‬والناشئة‭ ‬يعرفهم‭ ‬بهذه‭ ‬الفنون‭ ‬وقيمتها‭ ‬الحضارية،‭ ‬وهو‭ ‬يأمل‭ ‬وينتظر‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬جيل‭ ‬الأطفال‭ ‬والناشئة‭ ‬الذين‭ ‬يزورون‭ ‬دار‭ ‬الأوبرا‭ ‬أو‭ ‬يذهب‭ ‬هو‭ ‬ليلتقيهم‭ ‬ويتحدث‭ ‬إليهم‭ ‬ومعهم‭ ‬في‭ ‬المدارس،‭ ‬رافداً‭ ‬من‭ ‬روافد‭ ‬الدار‭ ‬وحاملا‭ ‬مشاعل‭ ‬رسالتها‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬التي‭ ‬سيتبوأونها‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭.‬

 

دار‭ ‬لكل‭ ‬العمانيين

يقول‭ ‬د‭.‬عصام‭ ‬الملاح‭ ‬مستشار‭ ‬مجلس‭ ‬الإدارة‭: ‬إن‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬أهدافنا‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬الأوبرا‭ ‬أن‭ ‬نحقق‭ ‬أحد‭ ‬شعارات‭ ‬الدار‭ ‬وهو‭ ‬‮«‬دار‭ ‬الأوبرا‭ ‬دار‭ ‬كل‭ ‬عماني‮»‬،‭ ‬ولذلك‭ ‬من‭ ‬يحب‭ ‬البرامج‭ ‬الدينية‭ ‬يجدها‭ ‬لدينا،‭ ‬ومن‭ ‬يحب‭ ‬الأوبرا‭ ‬يجدها،‭ ‬ومن‭ ‬يحب‭ ‬عروض‭ ‬الباليه‭ ‬يجدها‭ ‬لدينا،‭ ‬ومن‭ ‬يحب‭ ‬كاظم‭ ‬الساهر‭ ‬يجده‭ ‬ومن‭ ‬يحب‭ ‬محمد‭ ‬عبده‭ ‬يجده،‭ ‬ومن‭ ‬يحب‭ ‬أم‭ ‬كلثوم‭ ‬يجدها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عرض‭ ‬سنوي‭ ‬أسميناه‭ ‬‮«‬كلثوميات‮»‬،‭ ‬ونحن‭ ‬نراهن‭ ‬على‭ ‬تغير‭ ‬أفكار‭ ‬البعض،‭ ‬فمن‭ ‬يأتي‭ ‬للفعاليات‭ ‬الدينية‭ ‬فلا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يتعرف‭ ‬على‭ ‬عروض‭ ‬الأوبرا،‭ ‬ونراهن‭ ‬أن‭ ‬رأيه‭ ‬سيتغير‭ ‬تجاهها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يتعرف‭ ‬على‭ ‬أذواق‭ ‬الآخرين‭. ‬

وبرغم‭ ‬أن‭ ‬عصام‭ ‬الملاح‭ ‬بدا‭ ‬متحفظاً‭ ‬قليلاً،‭ ‬فإنه‭ ‬تحدث‭ ‬عن‭ ‬مشروع‭ ‬‮«‬أوبرا‭ ‬عربية‮»‬‭ ‬تفكر‭ ‬فيها‭ ‬دار‭ ‬الأوبرا‭ ‬السلطانية‭ ‬بشكل‭ ‬جاد‭ ‬قد‭ ‬يرى‭ ‬النور‭ ‬قريباً‭. ‬ووفق‭ ‬الملاح‭ ‬فإن‭ ‬الأوبرا‭ ‬العربية‭ ‬ستكون‭ ‬منطلقة‭ ‬من‭ ‬روح‭ ‬عربية‭ ‬بكل‭ ‬تفاصيلها‭ ‬بدءاً‭ ‬بالموسيقى‭ ‬وليس‭ ‬انتهاء‭ ‬بالأداء‭.‬

وتبدو‭ ‬المرحلة‭ ‬المقبلة‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬الأوبرا‭ ‬السلطانية‭ ‬مرحلة‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬والجودة‭ ‬اللذين‭ ‬حققتهما‭ ‬الدار‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الخمس‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬عمرها،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الخوض‭ ‬في‭ ‬تجارب‭ ‬الإنتاج‭ ‬التي‭ ‬شجعها‭ ‬النجاح‭ ‬الكبير‭ ‬للعرض‭ ‬العماني‭ ‬الأول‭ ‬‮«‬الرحلة‭ ‬العظيمة‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬مازال‭ ‬صدى‭ ‬نجاحه‭ ‬يتردد‭ ‬في‭ ‬الأرجاء‭ ‬المحلية‭ ‬والعالمية‭.‬

 

هنا‭ ‬كانت‭ ‬البداية

في‭ ‬عام‭ ‬1972‭ ‬كان‭ ‬أربعـــــة‭ ‬موســـيقيين‭ ‬عمانيين‭ ‬قد‭ ‬انتظـــــموا‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬فرقة‭ ‬موسيقية‭ ‬عمانية‭ ‬تابعة‭ ‬لشرطة‭ ‬عمــان‭ ‬السلــــطـــانية،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬الأمـــر‭ ‬سهـــلاً‭ ‬أبداً،‭ ‬فــــهذا‭ ‬النوع‭ ‬مـــن‭ ‬الموسيقى‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬داخلاً‭ ‬ضمن‭ ‬السياق‭ ‬العمـــاني،‭ ‬لكن‭ ‬لكل‭ ‬شيء‭ ‬بداية،‭ ‬وكانت‭ ‬تلـــك‭ ‬هي‭ ‬بداية‭ ‬حكاية‭ ‬التطور‭ ‬الموسيقي‭ ‬الذي‭ ‬تشهده‭ ‬عُمان‭ ‬اليوم‭.‬

وبرغم‭ ‬أن‭ ‬عُمان‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬من‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬كانت‭ ‬مشغولة‭ ‬بإخماد‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الجبهات‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬تقلق‭ ‬فكرة‭ ‬بناء‭ ‬الدولة‭ ‬الحديثة،‭ ‬فإن‭ ‬لبنات‭ ‬بناء‭ ‬الدولة‭ ‬كانت‭ ‬توضع‭ ‬في‭ ‬مكانها‭ ‬ولو‭ ‬بشكل‭ ‬بسيط‭ ‬ومتدرج‭.‬

في‭ ‬عام‭ ‬1973‭ ‬كانـــت‭ ‬الموسيقى‭ ‬العمانية‭ ‬المطورة‭ ‬حاضرة‭ ‬في‭ ‬الأعياد‭ ‬الوطنية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬استمر‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬اللاحقة‭ ‬وبمشاركة‭ ‬نخبة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الموسيقيين‭ ‬الخليجيين،‭ ‬وبشكل‭ ‬خاص‭ ‬الكويتيين،‭ ‬الذين‭ ‬أعادوا‭ ‬تطــــوير‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الألحان‭ ‬التقليدية‭ ‬العمانية‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الموسيقيين‭ ‬العرب،‭ ‬أمثال‭ ‬محمد‭ ‬عبدالوهاب‭ ‬وعمار‭ ‬الشريعي‭ ‬وغيرهما‭.‬

وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬بعشر‭ ‬سنوات‭ ‬أنشئ‭ ‬مركز‭ ‬عمان‭ ‬للموسيقى‭ ‬التقليدية‭ ‬الذي‭ ‬استطاع‭ ‬جمع‭ ‬وتوثيق‭ ‬كل‭ ‬الفنون‭ ‬العمانية‭ ‬التقليدية‭ ‬وحفظها‭ ‬وفق‭ ‬أسس‭ ‬علمية‭ ‬من‭ ‬مصادرها‭ ‬الأصلية‭. ‬وكان‭ ‬المشهد‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬مهيأً‭ ‬لتأسيس‭ ‬أول‭ ‬أوركسترا‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬والثالثة‭ ‬عربياً‭ ‬بعد‭ ‬الفرقة‭ ‬السيمفونية‭ ‬العراقية،‭ ‬وأوركسترا‭ ‬القاهرة‭ ‬السيمفونية‭ ‬المصرية،‭ ‬وكلتاهما‭ ‬أُسست‭ ‬عام‭ ‬1959‭.‬

لم‭ ‬يمض‭ ‬وقت‭ ‬طويل‭ ‬حتى‭ ‬صارت‭ ‬الأوركسترا‭ ‬السلطانية‭ - ‬التي‭ ‬أصبح‭ ‬كل‭ ‬العازفين‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬العمانيين‭ - ‬من‭ ‬بين‭ ‬أفضل‭ ‬الأوركسترات‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وأسست‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬ثقافة‭ ‬موسيقية‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬عُمان‭.‬

ومع‭ ‬هذا‭ ‬التأسيس‭ ‬جاءت‭ ‬دار‭ ‬الأوبرا‭ ‬السلطانية‭ ‬متسلسلة‭ ‬مع‭ ‬الخط‭ ‬الموسيقي‭ ‬الذي‭ ‬انتهجته‭ ‬عُمان‭ ‬ومتناغمة‭ ‬مع‭ ‬المرحلة‭.‬

 

بذخ‭ ‬المكان‭ ‬وجماله

نتجاوز‭ ‬العتبات‭ ‬النظرية‭ ‬لما‭ ‬أحدثته‭ ‬الدار‭ ‬من‭ ‬تغييرات‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الثقافي‭ ‬العماني،‭ ‬لنضع‭ ‬أقدامنا‭ ‬على‭ ‬العتبات‭ ‬الأولى‭ ‬لمبنى‭ ‬الدار،‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬مباني‭ ‬دور‭ ‬الأوبرا‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬ومنذ‭ ‬العتبة‭ ‬الأولى‭ ‬سيحاصرك‭ ‬انطباع‭ ‬بعظمة‭ ‬المكان‭ ‬وهيبته،‭ ‬وستبقى‭ ‬رهن‭ ‬ذلك‭ ‬الشعور‭ ‬الذي‭ ‬سيسكنك‭ ‬منذ‭ ‬اللحظ‭ ‬الأولى‭.‬

يحضر‭ ‬المعمار‭ ‬العماني‭ ‬المستمد‭ ‬من‭ ‬نماذج‭ ‬القلاع‭ ‬والحصون‭ ‬التي‭ ‬تنتــشـــر‭ ‬فــي‭ ‬كل‭ ‬بقاع‭ ‬عمان‭ ‬في‭ ‬مبنى‭ ‬دار‭ ‬الأوبــــرا،‭ ‬فالأوبـــرا‭ ‬وإن‭ ‬كـــانــــت‭ ‬فناً‭ ‬غربـــياً‭ ‬بحتاً،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬العمانيـــــين‭ ‬أرادوا‭ ‬لــــهذه‭ ‬الدار‭ ‬أن‭ ‬تنطــلق‭ ‬من‭ ‬تفاصــــيل‭ ‬المكان،‭ ‬ومن‭ ‬منجزه‭ ‬الثقافي‭ ‬والحضاري‭. ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تلحظ‭ ‬من‭ ‬المشربيات‭ ‬الخشبية‭ ‬في‭ ‬المبنى،‭ ‬وكذلك‭ ‬الفوانيس‭ ‬والثريات،‭ ‬تأثراً‭ ‬بالتراث‭ ‬المعماري‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬المملوكي‭.‬

لكن‭ ‬المعمار‭ ‬العمانـــــي‭ ‬ليس‭ ‬وحده‭ ‬حاضراً‭ ‬في‭ ‬مشهد‭ ‬مبنى‭ ‬دار‭ ‬الأوبرا‭ ‬السلطانية،‭ ‬بل‭ ‬هناك‭ ‬مشاهد‭ ‬لزخارف‭ ‬مغـــولية‭ ‬وهندية‭ ‬في‭ ‬الكُوات‭ ‬العديدة‭ ‬على‭ ‬جدران‭ ‬المبنى،‭ ‬هذه‭ ‬الزخارف‭ ‬وذلك‭ ‬الميراث‭ ‬متعدد‭ ‬الأعراق‭ ‬والحضارات‭ ‬يتناغمان‭ ‬بشكل‭ ‬حواري‭ ‬مع‭ ‬الرخام‭ ‬الذي‭ ‬يلعب‭ ‬دوراً‭ ‬أساسياً‭ ‬في‭ ‬تصميم‭ ‬دار‭ ‬الأوبرا،‭ ‬حيث‭ ‬استخدام‭ ‬رخـــام‭ ‬الترافرتيـــــن‭ ‬الجــــيري‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬ما‭ ‬أنتج‭ ‬بـــريقاً‭ ‬بديعاً‭ ‬في‭ ‬الأجزاء‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية،‭ ‬وأعطى‭ ‬المكان‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬سمات‭ ‬الاتســاع‭ ‬والإضاءة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نطلق‭ ‬عليها‭ ‬بهدوء‭ ‬وحب‭ ‬إضاءة‭ ‬كلاسيكية؛‭ ‬وهي‭ ‬تعطي‭ ‬بسخاء‭ ‬مساحة‭ ‬للرؤية‭ ‬العميقة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأروقة‭ ‬والعقود‭ ‬المتتابعة،‭ ‬وهذا‭ ‬في‭ ‬مجمله‭ ‬ثيمة‭ ‬معمارية‭ ‬بارزة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬دار‭ ‬الأوبرا‭ ‬السلطانية،‭ ‬حيث‭ ‬فكرة‭ ‬العبور‭ ‬فوق‭ ‬الأزمنة،‭ ‬وعبرها،‭ ‬ما‭ ‬ينتج‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬تراكماً‭ ‬معمارياً‭ ‬يُستلهم‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الحضارات‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬على‭ ‬الشرق‭.‬

 

تقنية‭ ‬حديثة

صممت‭ ‬دار‭ ‬الأوبرا‭ ‬السلطانية‭ ‬لتتناسب‭ ‬مع‭ ‬آخر‭ ‬ما‭ ‬وصلت‭ ‬إليه‭ ‬التقنية‭ ‬الحديثة،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬حركة‭ ‬خشبة‭ ‬المسرح‭ ‬أو‭ ‬الإضاءة‭ ‬والصوت‭.‬

وعندما‭ ‬تضع‭ ‬قدمك‭ ‬في‭ ‬الردهة‭ ‬الرئيسة‭ ‬للمبنى،‭ ‬تشعر‭ ‬بمعنى‭ ‬الفخامة‭ ‬والأناقة،‭ ‬ويمكنك‭ ‬أن‭ ‬تسمع‭ ‬صوت‭ ‬الموسيقى‭ ‬المضخمة‭ ‬بأجهزة‭ ‬تكبير‭ ‬الصوت،‭ ‬ولكن‭ ‬تم‭ ‬إخفاء‭ ‬مكبرات‭ ‬الصوت‭ ‬داخل‭ ‬الأعمدة‭ ‬المحيطة‭ ‬والعالية‭ ‬ليبقى‭ ‬المكان‭ ‬محتفظاً‭ ‬بأبهته‭ ‬وخفيفاً‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬تعقيدات‭. ‬وصمم‭ ‬المبنى‭ ‬ليكون‭ ‬قادراً‭ ‬على‭ ‬امتصاص‭ ‬الصوت‭ ‬وترجيع‭ ‬الصدى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تصميم‭ ‬ألواح‭ ‬المشربيات‭ ‬حول‭ ‬المقصورات‭ ‬الجانبية،‭ ‬حيث‭ ‬يمكن‭ ‬تخفيض‭ ‬ورفع‭ ‬العناصر‭ ‬الماصة‭ ‬للصوت‭ ‬وفق‭ ‬مقتضيات‭ ‬الحاجة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يراها‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬الحضور‭.‬

ويجد‭ ‬الزوار‭ ‬للدار‭ ‬عندما‭ ‬يصلون‭ ‬إلى‭ ‬الطابق‭ ‬الأول‭ ‬صعودا‭ ‬من‭ ‬الردهة‭ ‬الرئيسة‭ ‬أنفسهم‭ ‬أمام‭ ‬هيبة‭ ‬المبنى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬السقف‭ ‬العالي‭ ‬المعقود‭ ‬والمزين‭ ‬بفن‭ ‬الزواق‭ ‬والثريات‭ ‬المعدنية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬حضور‭ ‬كبير‭ ‬لفن‭ ‬التجصيص‭ ‬المطعم‭ ‬بالزجاج‭ ‬الملون‭ ‬المعروف‭ ‬بفن‭ ‬‮«‬الشماسية‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬يأخذ‭ ‬اسمه‭ ‬من‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬شمس‮»‬‭ ‬العربية‭. ‬وتستند‭ ‬القبة‭ ‬في‭ ‬الردهة‭ ‬الرسمية‭ ‬إلى‭ ‬قبة‭ ‬أخرى‭ ‬تحيط‭ ‬بها،‭ ‬وينعكس‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬تلك‭ ‬القبة‭ ‬غير‭ ‬المرئية‭ ‬ثم‭ ‬يعبر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الزجاج‭ ‬الملون‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬الجصي‭ ‬المتشابك‭ ‬والزخرف،‭ ‬وينتج‭ ‬ذلك‭ ‬إطاراً‭ ‬دقيقاً‭ ‬خفيفاً‭ ‬للثريا‭ ‬الباهرة‭ ‬في‭ ‬الأسفل،‭ ‬ويعكس‭ ‬التصاميم‭ ‬الخارجية‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬الردهة‭ ‬الرئيسة‭.‬

وتستلهم‭ ‬القاعة‭ ‬الرئيسة‭ - ‬حيث‭ ‬المسرح‭ ‬الذي‭ ‬يستوعب‭ ‬1100‭ ‬مقعد‭ ‬والمكون‭ ‬من‭ ‬مقاعد‭ ‬مقدمة‭ ‬القاعة‭ ‬وثلاث‭ ‬شرفات‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬مقصورات‭ ‬الجلوس‭ ‬الجانبية‭ - ‬تصاميمها‭ ‬من‭ ‬التراث‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي،‭ ‬كما‭ ‬تتميز‭ ‬بالفخامة‭ ‬بما‭ ‬يناسب‭ ‬اتساعها،‭ ‬ويكثر‭ ‬في‭ ‬التصميم‭ ‬استعمال‭ ‬خشب‭ ‬الساج‭ ‬في‭ ‬العوارض‭ ‬والشرفات‭ ‬والمسطحات‭ ‬الخشبية‭ ‬والألواح‭ ‬المفرغة،‭ ‬وتتميز‭ ‬القاعة‭ ‬بروعة‭ ‬نقوشها‭ ‬وزخارفها‭ ‬الدقيقة‭ ‬المتشابكة،‭ ‬وهنا‭ ‬أيضا‭ ‬توجد‭ ‬نقوش‭ ‬‮«‬الزواق‮»‬‭ ‬المطلي‭ ‬باليد‭ ‬في‭ ‬السقف‭.‬

ويعتبر‭ ‬المسرح‭ ‬قلب‭ ‬الدار،‭ ‬ويحوي‭ ‬نظام‭ ‬تحكم‭ ‬صوتياً‭ ‬متطوراً‭ ‬جداً،‭ ‬وكذلك‭ ‬نظام‭ ‬إضافة‭ ‬يعتبر‭ ‬آخر‭ ‬ما‭ ‬توصلت‭ ‬إليه‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬الإضافة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬المسارح‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

أما‭ ‬خشبة‭ ‬المسرح‭ ‬فهي‭ ‬قابلة‭ ‬للتحرك‭ ‬والتعديل‭ ‬بحسب‭ ‬العرض‭ ‬الذي‭ ‬تستضيفه،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬عرض‭ ‬أوبرا‭ ‬أو‭ ‬عرضاً‭ ‬لفرق‭ ‬أوركسترالية‭ ‬أو‭ ‬فنون‭ ‬أدائية‭.‬

 

شاهدة‭ ‬على‭ ‬التاريخ

ليس‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬تقديم‭ ‬وصف‭ ‬للمكان‭ ‬ولا‭ ‬لإمكاناته‭ ‬التقنية‭ ‬الحديثة،‭ ‬فالمخرجون‭ ‬وشركات‭ ‬العرض‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬يستطيع‭ ‬معرفة‭ ‬التقنيات،‭ ‬لأنهم‭ ‬يتعاملون‭ ‬معها‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭.‬

أما‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المبنى‭ ‬فالزائر‭ ‬وحده‭ ‬من‭ ‬يعيش‭ ‬الدهشة،‭ ‬وهو‭ ‬يجول‭ ‬ببصره‭ ‬في‭ ‬أرجاء‭ ‬المبنى‭ ‬الذي‭ ‬يتناغم‭ ‬بهدوء‭ ‬مع‭ ‬المباني‭ ‬التاريخية‭ ‬العمانية‭ ‬التي‭ ‬يعرفها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬زار‭ ‬قلاع‭ ‬عمان‭ ‬وخاصة‭ ‬قصر‭ ‬جبرين‭.‬

والمدهش‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬الأحجار‭ ‬والرخام‭ ‬والنقوش‭ ‬والزخارف‭ ‬والمشربيات‭ ‬والفوانيس‭ ‬والأخشاب‭ ‬صنعت‭ ‬في‭ ‬مصانع‭ ‬عمانية‭ ‬وفي‭ ‬ورش‭ ‬عمل‭ ‬محلية‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬متخصصين‭ ‬من‭ ‬عمان‭ ‬ودول‭ ‬أخرى‭ ‬تمت‭ ‬الاستعانة‭ ‬بهم‭.‬

ولم‭ ‬يعد‭ ‬مبنى‭ ‬دار‭ ‬الأوبرا‭ ‬السلطانية‭ ‬غريباً‭ ‬في‭ ‬الطراز‭ ‬المعماري‭ ‬العماني‭ ‬الذي‭ ‬يستلهم‭ ‬التاريخ،‭ ‬فقد‭ ‬بني‭ ‬مبنى‭ ‬مجلس‭ ‬عمان‭ (‬البرلمان‭) ‬بالطريقة‭ ‬نفسها،‭ ‬وكذلك‭ ‬مبنى‭ ‬المحكمة‭ ‬العليا‭ ‬ومباني‭ ‬مجمعات‭ ‬المحاكم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬عمان‭ ‬والمساجد‭ ‬الحديثة؛‭ ‬مثل‭ ‬جامع‭ ‬السلطان‭ ‬قابوس‭ ‬الأكبر‭ ‬وجوامع‭ ‬السلطان‭ ‬المنتشرة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الولايات‭. ‬وهي‭ ‬مبان‭ ‬بنيت‭ ‬بمواصفات‭ ‬لتبقى‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬تفوق‭ ‬ثلاثة‭ ‬قرون‭ ‬لتكون‭ ‬شاهدة‭ ‬على‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬مراحل‭ ‬عُمان‭ ‬الحديثة،‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬القلاع‭ ‬والحصون‭ ‬شاهدة‭ ‬على‭ ‬مراحل‭ ‬مهمة‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬السلطنة‭ ‬‭>‬

كل‭ ‬عروض‭ ‬الدار‭ ‬تحلق‭ ‬عاليا‭ ‬في‭ ‬سماوات‭ ‬الإبداع‭ ‬والتميز

الرزحة‭ ‬العمانية‭ ‬تتناغم‭ ‬مع‭ ‬الصوت‭ ‬الأوبرالي‭ ‬بين‭ ‬جنبات‭ ‬دار‭ ‬الأوبرا‭ ‬السلطانية

أطفال‭ ‬عمانيون‭ ‬يشاركون‭ ‬في‭ ‬العرض‭ ‬العماني‭  ‬‮«‬الرحلة‭ ‬العظيمة‮»‬

الأوركسترا‭ ‬السمفونية‭ ‬العمانية‭ ‬تطرب‭ ‬الحضور‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬الأوبرا‭ ‬السلطانية

لون‭ ‬السماء‭ ‬ينعكس‭ ‬على‭ ‬ساحات‭ ‬الدار‭ ...‬‭ ‬والإضاءة‭ ‬ترسم‭ ‬لوحة‭ ‬جمالية‭ ‬خلابة