د. وفاء كامل: لُغتنا تعاني نقص المصطلحات العلمية العربية

د. وفاء كامل: لُغتنا تعاني نقص المصطلحات العلمية العربية

يُعد‭ ‬اختيار‭ ‬د‭.‬وفاء‭ ‬كامل‭ ‬فايد‭ ‬الأستاذة‭ ‬بكلية‭ ‬الآداب‭ - ‬جامعة‭ ‬القاهرة‭ ‬عضواً‭ ‬عاملاً‭ ‬بمجمع‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬بالقاهرة‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬الأحداث‭ ‬الثقافية؛‭ ‬بوصفها‭ ‬أول‭ ‬سيدة‭ ‬تحظى‭ ‬بهذا‭ ‬الموقع‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬المجمع‭ ‬الذي‭ ‬أنشئ‭ ‬عام‭ ‬1932،‭ ‬وهي‭ ‬أستاذة‭ ‬متفرغة‭ ‬بجامعة‭ ‬القاهرة‭ ‬وخبيرة‭ ‬بالمجمع‭ ‬اللغوي‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2007،‭ ‬ومن‭ ‬مجالات‭ ‬اهتمامها‭ ‬التخصصية‭ ‬المعاجم‭ ‬والصوتيات‭ ‬الصرفية،‭ ‬وعلم‭ ‬اللغة‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬واللسانيات‭ ‬الحاسوبية،‭ ‬وقد‭ ‬أشرفت‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬50‭ ‬رسالة‭ ‬علمية،‭ ‬ولديها‭  ‬أبحاث‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬الأصول‭ ‬والألفاظ‭ ‬والأساليب‭ ‬واللهجات‭ ‬والبحوث‭ ‬اللغوية،‭ ‬ويجتمع‭ ‬تخصصها‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬مع‭ ‬معرفتها‭ ‬القوية‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬وصلتها‭ ‬بالألمانية،‭ ‬واهتمامها‭ ‬بالحاسب‭ ‬الآلي‭ ‬لتمثل‭ ‬معاً‭ ‬إضافة‭ ‬لنشاطها‭ ‬بالمجمع‭.‬

وترى‭ ‬د‭. ‬وفاء‭ ‬أن‭ ‬المجامع‭ ‬اللغوية‭ ‬العربية‭ ‬يقع‭ ‬عليها‭ ‬النهوض‭ ‬بعبء‭ ‬إيجاد‭ ‬مصطلحات‭ ‬جديدة‭ ‬للعلوم‭ ‬الحديثة،‭ ‬تعبر‭ ‬بدقة‭ ‬عن‭ ‬المعنى‭ ‬العلمي‭ ‬المقصود،‭ ‬وتكون‭ ‬صحيحة‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬اللغوية،‭ ‬متماشية‭ ‬مع‭ ‬روح‭ ‬لغتنا‭ ‬العربية،‭ ‬والتنسيق‭ ‬بين‭ ‬المصطلحات‭ ‬القديمة‭ ‬والحديثة،‭ ‬ثم‭ ‬محاولة‭ ‬توحيد‭ ‬المصطلحات‭ ‬القائمة،‭ ‬سواء‭ ‬بين‭ ‬علماء‭ ‬القطر‭ ‬الواحد‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬الأقطار‭ ‬المختلفة‭. ‬وحول‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭:‬

‭< ‬ما‭ ‬أوجه‭ ‬معاناة‭ ‬لغتنا‭ ‬العربية؟

- العلم معيار حضارة الأمة، ولغته هي الأداة التي تربط فكر العلماء بعضهم ببعض، ولما كان وضع المصطلحات – في أغلبه – عملاً من أعمال الأفراد، فلابد أن يحدث اختلاف في اختيار الألفاظ العربية الدالة على معنى علمي واحد؛ لأن لكل عالِم من واضعي المصطلحات رأيه وذوقه الخاص في معالجة المصطلح العلمي الأجنبي، فلغتنا تعاني أمرين، هما: نقص المصطلحات العلمية العربية، وتعدد المصطلحات العربية للمعنى العلمي الواحد. ويشكل اختلاف المصطلحات العلمية في لغتنا العربية داءً يستشري باتساع الثقافة في البلاد العربية، وازدياد عدد المترجمين والمؤلفين بها في تلك العلوم، واختلاف المصطلحات بين الأقطار العربية من شأنه أن يولد الالتباس، وقد يحول دون الاتفاق على مفهوم المراد من المصطلح.

‭< ‬ما‭ ‬أهمية‭ ‬توحيد‭ ‬المصطلحات‭ ‬العلمية‭ ‬العربية؟

- أدى اختلاف المصطلحات بين الدول العربية إلى جعل الشعور بضرورة توحيد المصطلحات العلمية العربية شعوراً عاماً نادى به كثير من علماء العربية؛ فالتوحيد يتيح التعاون العلمي المثمر بين العلماء في المشرق والمغرب العربيين؛ إذ إنه يجعل ما يؤلفه عالم في أحد الأقطار العربية متداولاً مفهوماً بين بقية الأقطار، يتدارسه أبناء الأمة، ومن ثم تتضافر جهود علماء العربية ويبني الخالف على ما ابتكره السالف، وهو ما يتيح للعلم نهضة كبرى، فتزدهر العلوم بالعربية؛ وتعود الأمة إلى سالف مجدها.

ويهدف توحيد المصطلحات العلمية والحضارية العربية إلى إصدار معجم علمي عربي عصري موحد، ثلاثي اللغة «الفرنسية، الإنجليزية، العربية» في كل فرع من فروع العلم، تشترك الهيئات العلمية بالوطن العربي في وضعه، ليشتمل على المصطلحات العلمية والفنية والفلسفية والأدبية واللغوية وألفاظ الحضارة التي يتفق عليها علماء الدول العربية، وتعرف المصطلحات بالعربية تعريفاً علمياً مختصراً دقيقاً يناسب حجم المعجم، فاشتراك الدول العربية في وضع المعجم الموحد لفروع المصطلحات المختلفة يضمن توحيد الجهود العلمية في العمل، واشتراك العلماء في وضعه، وتبادل الآراء حوله، وسرعة إنجازه، كما أن مشاركة الدول العربية بالمال تزيد من إحساسها بالمسؤولية المشتركة والصلة الحميمة تجاه هذا العمل، وتكون الحكومات العربية– في هذه الحالة– ميالة إلى فرض ألفاظه على مؤلفي الكتب المدرسية، وعلى الدوائر الحكومية والمؤسسات العامة. وحين تشيع هذه الألفاظ سيكون من الطبيعي أن يستعملها الأدباء والإعلاميون، بل يجب على الحكومات العربية– عند صدور هذا المعجم المنشود– أن تُلزِم وزاراتها وإداراتها ومحاكمها ومؤسساتها التعليمية الاقتصار على استعمال الألفاظ العربية المدرجة فيه.

ولا شك في أن التقاء علماء العربية يساعد على تقارب وجهات نظرهم حول المصطلحات المختلف عليها، ونحن نلحظ ذلك في المؤتمرات السنوية لمجمع اللغة العربية القاهري، الذي يضم علماء العربية من أقطار العالم، دون اقتصار على أعضاء مجامع الدول العربية. ولكن قِصَر الفترة الزمنية التي يلتقي فيها هؤلاء العلماء لا يسمح بإخراج عمل متكامل لتوحيد المصطلحات.

‭< ‬ما‭ ‬المطلوب‭ ‬من‭ ‬علماء‭ ‬اللغة‭ ‬العربية؟

- تضافر جـــهود علــــماء العربيــــة ومجــــامعــــها وهيئاتها الثقافية للعمل على تحقيق هذا المعجم؛ ذلك أنها قضية مهمة تواجه الحياة العربية المعاصرة من وجهين؛ أولهما: الوجه العلمي، الذي يمهد الطريق للغتنا العربية كي تسير على درب اللحاق بركب التطور العلمي الحديث، وثانيهما: الوجه الاجتماعي؛ الذي يجعل اللغة العربية وافية بمطالب العلوم والفنون في التماسك والتقارب بين دولنا العربية. 

نحتاج – لتحقــــيق هــــذا التوحـــيد المصطلحي– إلى مؤسسة أو هيئة عربية يكون رأيها هو القول الفصل لترجيح بعض المصطلحات على بعض، وتَخضع الحكوماتُ العربية، كما يخضع العلماء والمترجمون لحكمها، كما نحتاج إلى الإكثار من ترجمة أمهات الكتب العلمية، وإلحاقها بمسارد توضح المصطلحات الأجنبية التي استخدمت فيها، مع ترجمتها وتوضيح مفهومها.

‭< ‬برأيك‭ ‬ما‭ ‬العوائق‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬توحيد‭ ‬المصطلحات‭ ‬العلمية‭ ‬والحضارية؟

- مشكلة الاتفاق على المصطلحات الموحدة بين المجامع في العالم العربي, ومشكلة تقَبُّل العامة لمصطلحات المجمع؛ لذلك يلزم الحرص على تداول المصطلحات الموحدة بين أفراد الأمة, إلى جانب مشكلة عدم قدرة المجمع على ملاحقة المصطلحات الجديدة، ومواكبة المترجمات التي تصدر في الصحف أو وسائل الاتصال؛ مما يؤدي إلى أن تشيع الكلمة غير المجمعية، ويصعب قبول غيرها بعد ذلك, ثم مشكلة تمسك علماء كل قُطر بمصطلحاتهم الخاصة التي يظنون أنها تؤكد هويتهم؛ فيجب أن نتسامى على الاعتبارات الشخصية أو القُطرية حتى يمكن الوصول إلى اتفاق في المصطلحات.

‭< ‬هل‭ ‬من‭ ‬رؤية‭ ‬للتقريب‭ ‬بين‭ ‬المجامع‭ ‬اللغوية‭ ‬لتوحيد‭ ‬المصطلحات؟

- يجب أن توضع المصطلحات من قِبَل المتخصصين العلميين من أعضاء المجامع العلمية، أو من اللجان العلمية المتخصصة في وضع المصطلحات بالمجامع اللغوية، على أن يكون من أعضائها واحد أو أكثر من اللغويين، وأقترح أن يضطلع اتحاد المجامع اللغوية بعملية توحيد المصطلحات العلمية والحضارية بين أقطار الأمة العربية، ولتحقيق ذلك يلزم أن يؤسس له موقع إلكتروني على شبكة الإنترنت، يستخدم التقانات المنـــــاسبة، لمساعدة العلماء والمتخصصين فــــي كــــل فروع العلم في الالتقاء وإجراء النقــــاش العلمي، وتبادل الأفكار ووجهات النظر، مع تشكيل لجــنة مركزية لتنسيق المصطلحات، تتكون من عضوين من كل مجمع عربي، وعضوين من مكتب تنسيق التعريب بالرباط، تكون مهمتها مراجعة المصطـــلحات التي أصدرتها المجامع اللغوية والعلمـــــية العــــربية، ومحاولة تمحيصها للوصول إلى المصطلح الذي يوافق عليه أغلب أعضاء اللجنة، ثم إنشاء بنك للمصطلحات العلمية في المـــــوقع، تُدْرَج فيه المصطلحات الموحدة التي ارتضتها لجنة تنسيق المصطلحات، وترتب فيه مصطلحات كل فرع من فروع العلم هجائياً.

‭< ‬ما‭ ‬مقترحاتُكِ‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬وضع‭ ‬المصطلحات‭ ‬العلمية؟

 - أقترح: أولاً إنشاء هيئة، أو مركز، لترجمة البحوث العلمية التي تنشر في الحوليات والدوريات العلمية المتخصصة، سواء الأمريكية أو الروسية أو الأوربية أو غيرها. 

ثانياً: إنشاء قاعدة بيانات تضم أسماء علماء العالم العربي المتخصصين في فروع العلم المختلفة، مصنفين وفقاً لتخصصاتهم الدقيقة، ومكاتبة هؤلاء العلماء بشأن ترجمة المصطلحات الحديثة في تخصصاتهم، ثم الاشتراك في المناقشة العلمية لهذه الترجمات، والمواءمة بينها وبين الترجمات التي اقترحت من قِبَل غيرهم من علماء الأمة؛ بغية الوصول إلى أدق ترجمة وأصلحها. 

على أن تخصص مكافأة مالية مناسبة للمصطلحات المترجمة، وكذلك للمصطلحات المتفق على توحيدها؛ لضمان الجدية في العمل، ثم تنشأ قاعدة بيانات لمصطلحات العلماء غير المجمعيين
– في كل فرع من فروع العلوم – وتضم الترجمات التي يتفق عليها أغلب العلماء والمختصين في مناقشاتهم عبر الموقع. ويلزم أن يحتوي كل مصطلح على الحقول التالية: المعنى اللغوي للمصطلح, المعنى الاصطلاحي له, طريقة كتابته صوتياً وفقاً لرموز الرابطة الدولية للصوتيات IPA, ترجمته إلى اللغات المعتمدة بالمعجم الموحد.

وتعرض الترجمات التي أقرتها هيئة– أو مركز- ترجمة البحوث العلمية المنشورة، وكذلك الترجمات التي تضمنتها قاعدة بيانات مصطلحات العلماء غير المجمعيين، على اللجنة المركزية لتنسيق المصطلحات لكي تراجعها وتمحصها للوصول إلى المصطلح الموحد الذي يوافق عليه أغلب أعضائها.

‭< ‬هل‭ ‬هناك‭ ‬نموذج‭ ‬ناجح‭ ‬للمصطلحات‭ ‬العلمية‭ ‬الموحدة؟

- نعم، عندنا نموذج ناجح للمصطلحات العلمية الموحدة، يمكن أن يحتذى به، يتمثل في المعجم الطبي الموحد (فرنسي – إنجليزي – عربي) – للدكتور محمد هيثم الخياط، ومنظمة الصحة العالمية (المكتب الإقليمي لشرق المتوسط)، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم. وقد بدأت جهود هذه الكوكبة من علماء الطب العرب بإصدار معجم طب الأسنان الموحد في مجلدين (إنجليزي – عربي – وعربي إنجليزي)، ومعجم الصيدلة الموحد، ومعجم التشريح الموحد، والمعجم الطبي الموحد الثنائي اللغة (الإنجليزية – العربية). 

كما تتهيأ منظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط لإصدار عدد من المعجمات الطبية، مثل المعجم الطبي الموحد الوجيز للطلاب والعاملين الصحيين والمهتمين بالشؤون الصحية من غير المتخصصين بالطب، وأيضاً المعجم الطبي الموحد الخماسي اللغة (الإنجليزية والفرنسية والعربية والإسبانية والألمانية) في نسخة ورقية وأخرى إلكترونية. ثم المعجم الطبي الموحد المرصع بالشروح العربية بلغة سهلة، مع تزيينه بالصور التوضيحية. 

ويظهر إلى النور قريباً نموذج آخر من التكاتف والعمل العلمي المشترك الذي أنتج عدداً من المصطلحات ضمن مشروع اللغات التطبيقية الذي تضطلع به كلية الآداب بجامعة الإسكندرية، في إطار برنامج اللغات التطبيقية، وعنوانه «نحو شبكة من المعرفة المتعددة اللغات».

‭< ‬ماذا‭ ‬عن‭ ‬لافتات‭ ‬الشارع‭ ‬التجاري‭ ‬في‭ ‬المشرق‭ ‬العربي؟

- يشكل التغريب ظاهرة واضحة في الشارع العربي، ويُعد تشويه التركيب العربي أخطر أنواع التغريب على لغتنا العربية المعاصرة؛ لأنه يُخِلّ بالأبنية اللغوية العربية، ويفسد تركيب الجملة أو العبارة العربية، فالخطر المحدق بالعربية يتمثل في زعزعة نظامها النحوي والصرفي، وتشويهه وإحلال غيره محله؛ لأن ذلك هو النمط المرتبط بالفكر ارتباطاً مباشراً، وهو الذي يكون كالسمط الذي تنتظم فيه مراحل تاريخ الأدب والحضارة للأمة. 

وقد تتبعت الظاهرة في بحوث رصدتها في ست دول عربية، وتمثلت أقل نسب التغريب في الأردن، إذ بلغت 4.18 في المائة، ثم سورية 7.82 في المائة فمصر 9.66 في المائة. بينما بدت أعلى النسب المئوية للتغريب في لبنان 56.2 في المائة فالبحرين 23.89 في المائة، ثم الكويت 20.29 في المائة, وتجلت أعلى نسب التغريب في وجوه نشاط المعلوماتية والسياحية والترفيهية. كما ظهرت أقل نسب التغريب في جوانب النشاط الخاصة بالخدمات، وتجارة المواد الغذائية والاستهلاكية، والأنشطة الحرفية. 

وتجسد التغريب في خمس صور، هي استعمال الحروف أو الأرقام الأجنبية، ونقل الكلمة بحروف عربية، ونحت كلمة من كلمتين أجنبيتين أو أكثر، وتركيب أجنبي من كلمتين أو أكثر، وتركيب عربي مشوه .

تكريم‭ ‬من‭ ‬الجامعة