سلامة البشرية في سلامة البيئة

أزمة الماء هي قضية البيئة الكبرى

قد لا نعجب للاهتمام البالغ الذي تستأثر به قضية تآكل الأوزون في طبقات الجو العليا، أو قضية تزايد الحرارة في المناخ العالمي، أو ظاهرة "البيت الزجاجي" المترتبة على تراكم غاز ثاني أكسيد الكربون في جو الأرض، فهاتان هما القضيتان الكبريان بين قضايا البيئة في الوقت الحاضر، ولكننا نعجب أشد العجب لعدم تركيز الاهتمام، كل الاهتمام، على قضية أخرى ستصبح، عما قريب، قضية البيئة الأولى، أعني أزمة الماء العالمية.

يقول أسيت بسواس (Asit biswas) رئيس اتحاد موارد المياه العالمية في ألينوي في الولايات المتحدة الأمريكية: "الماء ثروة محدودة، وسكان الأرض في تكاثر غير محدود تقريبا، ولعل اليوم الذي تتقلص فيه تلك الثروة وتشح إلى درجة النضوب، آت في أواسط القرن الواحد والعشرين، إن لم نقل في أوائله" ويقول إلياس سلامة: "ستتضاعف حاجتنا إلى الماء ضعفين بحلول سنة (2020)، وعندها يصبح الماء لا البترول هو المورد الأول الذي يتحكم بمصائر العباد في شتى البلاد، وبمستقبل منطقة الشرق الأوسط".

فنهر النيل الذي كاد أن يكون بحرا في الأمس القريب، قد تناقصت مياهه في المدة الأخيرة، ولأسباب كثيرة مختلفة، حتى بات ينذر بعواقب وخيمة، ما لم تتخذ الإجراءات الكفيلة بحل مشكلته، إن كان ثمة إجراءات. وحسبك أن التفكير الرسمي في مصر اتجه قبل حين إلى إغلاق إحدى محطات الكهرباء التي تولد نحو 50% من حاجات البلاد، ولكن الأمطار الغزيرة ما لبثت أن أنقذت الموقف.

وقل مثل ذلك في المملكة السعودية وهي خلوٌ من الأنهار، كما هو معروف، وتعتمد على المياه الجوفية بنسبة 90%، فقد شحّت مقادير تلك المياه بنسبة خطيرة في المدة الأخيرة.

ولعل أزمة في المملكة الأردنية والأراضي المحتلة أبعث على القلق والتشاؤم، فقد اختلست إسرائيل، كما هو معروف، الكثير من ثروتهما المائية، وهي ثروة محدودة أصلا. وبالرغم من هذه السرقة الواسعة النطاق فقد عمدت إسرائيل إلى عقد الاتفاقيات مع دول مختلفة لاستيراد ملايين الأمتار المكعبة من ماء الشرب في مستقبل قريب، تفاديا لاستفحال أزمة المياه فيها في مستقبل قريب أيضا.

أما مشكلة نهر الفرات فمعروفة وفي غنى عن مزيد من إيضاح، فمياهه مهددة بالتناقص لأسباب عديدة مختلفة، وقد يكون سد أتاتورك في تركيا على رأس تلك الأسباب.

فتركيا ماضية في إنشاء سد أتاتورك المذكور، بل قل السدود الكثيرة التي يشملها هذا السد والتي سيكتمل بناؤها في سنة (2005) على أبعد تقدير، فالاسم (سد أتاتورك) يوحي بأنه سد واحد فقط وهو في الواقع (22) سدا، بالتمام والكمال، تستهدف إرواء 6500 ميل مربع وتوليد (27) ألف مليون كيلو واط/ ساعة من الكهرباء.

ويمضي المرء في استعراض مشاكل المياه في سائر دول المشرق العربي، فلا يلقى أية صورة تختلف كثيرا عما ذكرنا. ويختلف الوضع في مغرب العالم العربي، وفي الجماهيرية الليبية على وجه التحديد، عما هو عليه في مشرقه، فقد اضطلعت الجماهيرية بأعباء مشروع عملاق، هو مشروع النهر العظيم الكفيل بحل أزمة المياه في المناطق الساحلية في أقصى الشمال وذلك بجر المياه إليها بكميات وافرة من المناطق الصحراوية في أقصى الجنوب، فما دامت المياه تفيض على الحاجة وتذهب هدرا في الجنوب الصحراوي القاحل، فلمَ لا نعمل على جرها إلى حيث شَحت ونضب معينها في الشمال الزراعي الخصب؟، ولعل مشروع النهر العظيم في ليبيا هو مشروع القرن العشرين الأول، حسبك أن تكاليف إنشائه ستجاوز (25) ألف مليون دولار.!

حقا ثمة مزاعم تؤكد أن المياه الجوفية في جنوب ليبيا لا تعدو كونها مياها قابلة للنضوب المبكر، ولكنها مزاعم مغرضة ولا ريب، وقد غفلت أو تغافلت عن الدراسات العلمية الدقيقة المستفيضة التي أثبتت جدوى مشروع النهر العظيم على المدى القريب والبعيد، وهل يعقل أن تُقْبل الجماهيرية على تنفيذ مشروع بهذه الضخامة دون أن تتأكد 100% من جدواه العلمية والاقتصادية والبيئية.؟!