مساحة ود

مساحة ود

جماعة كاتبات البطة السوداء

كان لابد من أن نطلقها صيحة احتجاج على ظلم الواقع للمرأة الكاتبة التي تتسلح بموهبتها فقط دون أي وسائط أخرى، نحن كاتبات البطة السوداء نحتج ولو على طريقة عمنا غاندي على الظلم الواقع علينا من الواقع الثقافي.. حيث حركة الواقع «تهرس» من ليس له «شلة» أو يعمل في مؤسسة صحفية أو ثقافية أو إعلامية ومن لا يتبنى آليات البلطجة الثقافية.

جميل جدًا ألا نفقد قدرتنا على الصياح والاحتجاج والاعتراض على فساد الواقع واستاتيكيته التي تكرس لنمط واحد من المثقفين وتدهس الآخر، فنحاصر بالصمت والاستبعاد والتهميش، ولأننا جميعًا موظفون فالوظيفة بآلتها الصدئة وشروطها الضاغطة إداريًا واجتماعيًا واقتصاديًا تلعب دورًا عبقريًا في سحق أصحابها المبدعين والمبدعات وتلقي عليهم صفة «كتاب وكاتبات خارج الدعم».

وكنت ومجموعة من الكاتبات العربيات اللائي يقعن تحت مطرقة القمع الوظيفي وسندان الإدانة الاجتماعية والأخلاقية وسط عالم الموظفين والموظفات الذي يقمع كل من لا يتبنى نمط حياتهم. أغلبهم ييستخدمون أدب المرأة كنافذة للتلصص على عالمها الخاص، من خلال التفسيرات والتأويلات المتعسفة لإبداع زميلتهم «الأديبة» أو البحث عما يختبئ في كتاباتها من ميتافيزيقا الذات الأنثوية إذا جاز التعبير. وبدلاً من أن نلعب دورًا ديناميكيًا داخل جمود عالم الوظيفة والموظفين والموظفات رحنا نتماهى مع السائد والعادي والمألوف فصرنا مثقفات عاطلات، يقرأن ويكتبن ثقافة ومرغمات على ممارسة التخلف خشية من المزيد من النفي والإقصاء.

وحين ضاقت بنا الحلقة واستحكمت بين ظلم الواقع الثقافي وضرورات الوظيفة قررنا المواجهة بتأسيس جماعة «كاتبات البطة السوداء» وما إن علم بعض الأدباء الموظفين وهم أيضًا مغبونون لا ينالون نصيبًا من تورتة الشهرة أو كعكة الترجمة أو طراوة وإطراء الحفاوة النقدية أو رضى المؤسسات الثقافية، قالوا صراحة «نحن أيضًا أبناء البطة السوداء».. وشرعنا بالاجتماع والتفكير في عمل يعبّر عن احتجاجنا واعتراضنا على تجاهلنا وتهميشنا.

وما إن تناهى إلى سمع وبصر الإعلام حتى انبرى يتابع المشهد بتفصيلاته عبر قنواته الكثيرة فضجت حركة الواقع وأفرزت نوعًا من الاستياء والاستهجان لكاتبات وكتّاب البطة السوداء الذين - من وجهة نظر البط الأبيض - يشعرون بالدونية تجاه بقية الكتاب والكاتبات.. ثم تناول دائرة الإعلام والضوء والتي يهيمن على أغلبها البط الأبيض الفكرة باعتبارها «طرفة» أو نكات ساخرة أو عادم الآلة الثقافية «العفية» لا جماعة للاحتجاج المهذب على ظلم حركة الواقع الثقافي وغبنها لأبنائها المبدعين والمبدعات.

ما حدث بعد ذلك أن الكثيرين من البط الأبيض انبروا باستقطاب البعض من كتّاب وكاتبات البطة السوداء عبر مؤسسات ثقافية وإعلامية وراح البعض من البط الأسود يدخل في عملية «تطبيع» مع كتّاب وكاتبات البط الأبيض. في ذلك الوقت أصررت على الصمود في الاتكاء على الكتابة والكتابة فقط وقد استشعرت أننا جميعًا كتّاب بلاد العالم الثالث «بط أسود» إلى جوار أبناء البطة البيضاء الكبيرة الرأسمالية العالمية التي تهمش نمطًا من البشر وتسيّد أنماطًا أخرى لا لشيء إلا لأنهم «يخدِّمون» على أحلام أبناء البطة البيضاء المتوحشة. وأن القضية أكبر من تهميش كاتب أو مجموعة من الكتّاب، فالقضية هي تهميش ونفي وإقصاء لنصف سكان العالم الفقراء الذين لا يستطيعون أن يتحولوا إلى قوة منتجة وهم أيضًا لا يستطيعون أن يتحولوا إلى قوة مستهلكة.

 

نعمات البحيري