اللعب المرضي (إدمان اللعب)

اللعب المرضي (إدمان اللعب)

‭ ‬كتحديد،‭ ‬اللعب‭ ‬هو‭ ‬لذّة‭ ‬وتسلية‭ ‬ذات‭ ‬دور‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الكائنات‭ ‬البشريّة‭ ‬وتوازنها؛‭ ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬قد‭ ‬يصبح‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الظروف‭ ‬مرضاً‭ ‬حقيقياً‭ ‬يؤدّي‭ ‬إلى‭ ‬تعاسة‭ ‬الفرد‭ ‬ومحيطه،‭ ‬وعند‭ ‬ذلك،‭ ‬نتحدث‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬اللذّة‭ ‬عن‭ ‬لعب‭ ‬مرضي،‭ ‬حيث‭ ‬يصبح‭ ‬اللعب‭ ‬محور‭ ‬أفكار‭ ‬اللاعب‭ ‬وجوانب‭ ‬نشاطه،‭ ‬فتتفتّت‭ ‬أحــياناً‭ ‬حــــياته‭ ‬الـــــعلائـــقية‭ ‬تدريجــــيّاً‭ ‬مـــــع‭ ‬انعكاســــات‭ ‬مــــادّية‭ ‬ومهنيّة‭ ‬خطِرة‭ (‬قروض‭ ‬ماليّة،‭ ‬ترك‭ ‬المدرسة‭ ‬أو‭ ‬العمل‭.. ‬إلخ‭)‬،‭ ‬وبخاصّة‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬التبعيّة‭ ‬هي‭ ‬للّعب‭ ‬على‭ ‬المال،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬الكازينو‭ ‬مثلاً‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬لعب‭ ‬البوكر‭.‬

انتشار‭ ‬اللعب‭ ‬المرضي

  تصيب التبعية للّعب المرضي حوالي 1-3 في المائة من جمهور الراشدين، والذكور بوجه خاص، إذ يمثّلون 90 في المائة من المصابين بهذه التبعيّة، وقام 20 في المائة من هؤلاء المصابين بمحاولة انتحار؛ ألمهم هو، إذن، ضخم. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أنّ 20 في المائة من اللاعبين القهريين قد ارتكبوا جنحةً ما. وبالتالي، لا تشكّل هذه التبعية مشكلة شخصية وعائلية فحسب، بل، أيضاً، مشكلة اجتماعية وقانونية.

 

اللوحة‭ ‬العيادية

  تمّ تصنيف اللعب المرضي في الدليل الإحصائي والتشخيصي الرابع DSM IV، عام 1980، ضمن فئة اضطرابات ضبط النزوات غير المصنّفة في مكان آخر، والموصوف والمحدد بكونه «ممارسة غير متكيّفة، دائمة ومتكرّرة للعب»؛ المحك الأساسي، إذن، هو لعب بالمال متكرّر بمثابرة ومكثّف غالباً رغم النتائج الاجتماعية السلبية الناجمة عنه، كالفقر واضطراب العلاقات العائلية والاجتماعية وتدهور الوضعية الشخصية. وينبغي تمييز هذا الاضطراب عن ألعاب المال والمراهنات المعتادة، وعن اللعب المتطرّف عند المرضى الهوسيين، وعن لعب الأفراد المصابين باضطراب الشخصية المضادّة للمجتمع، ثمّ، هناك أنماط متعدّدة من اللعب بالمال: اللعب على آلات تحتوي على قطع مالية (وهي الأكثر انتشاراً)، إلى جانب مختلف الألعاب الموجودة في الكازينوهات، على الإنترنت، وفي البورصات... إلخ.

 

أسبابه

  ذكر محدّدات جينية Génétiques  وبيو-عصبية Neurobiologiques تحت شكل اختلال في مختلف الأجهزة (الدوبامين، السيروتونين، النورأدرينالين)؛ وعلى مستوى الشخصية، تمّ ذكر الاندفاعيّة (النزق) L’impulsivité، النقص على مستوى ضبط النزوات، الميل القوي للمخاطرة ولسلوكات التعرّض للخطر. وقد يعتبر اللعب المرضي، أيضاً، محاولة وهمية من قِبَل الفرد بأنّه سيبلغ، بفضله وبسرعة، نهاية مطاف الوضعيات الصراعية التي يتخبّط بداخلها.

 وحسب نظريّة التعلّم، هناك أنساق تدعيم إيجابي تلعب دوراً مهماً في بداية الاضطراب حين يربح الشخص؛ ولاستتباب الاضطراب، يتعلّق الأمر بمبدأ التدعيم السلبي، حيث يضع الفرد، بتحقيقه للعب، حدّاً لحالة انزعاج تسبّبت بها صراعات موجودة في الخلفية لديه. وإلى جانب كل ذلك، تمّ ذكر التعلّم بالنمذجة... إلخ.

 وقد تكون انعكاسات اللعب في غاية التنوّع على اللاعب وعلى محيطه العائلي والاجتماعي...تزايد خطر الانتحار نتيجة خسارة المال المتزايدة والقروض المترتبة عنها مثلاً أو نتيجة صراعات عائلية؛ تعرّض للاكتئاب؛ كذب على الأهل والأصدقاء؛ وحتى ارتكاب أعمال غير مشروعة للحصول على المال اللازم.

  ووفقاً لالتماس علم النفس المعرفي، نجد عند اللاعبين معتقدات واهمة بالقدرة على ضبط الأمور، كالتفكير السحري (تفكير اللاعب، مثلاً، أنّ بإمكانه تغيير وجهة الحظ عبر ممارسته بعض الطقوس)، توقع إمكانيّة الحصول على أرباح غير واقعيّة وتقديم البراهين لتبرير الخسارة... إلخ.

  ويوجد اللعب المرضي على خلفيّة مشكلات متنوّعة موجودة سابقاً؛ فمثلاً، إلى جانب عجز اللاعب عن إدارة الإثارة الداخليّة التي تعتمل في داخله، وعن ضبط ذاته، هناك مشكلات احترام الذات والقدرة على التفاعل مع الآخرين، بالإضافة إلى المشكلات الزوجية والعائلية، الإرهاق المهني، البطالة، الإحساس بانعدام الجدوى والفاعلية، الاكتئاب، قصور في السلوك الاجتماعي وفي إدارة الصراعات، عجز عن تنظيم أوقات الفراغ... إلخ.

 ولتفسير الإدمان بشكل عام، نقول مع
د. سالا L. Sala بوجوب فهم اضطرابات الإدمان على أنها نتاج لتفاعل ثلاث سلاسل من العوامل: عوامل خطر مرتبطة بالشخص، عوامل فردية مرتبطة بقابلية الشخص للانجراح (اضطرابات الشخصية، الطبع...إلخ) وعوامل خطر بيئية (العوامل الثقافية والاجتماعية، العوامل العائلية ودور الأقران بالدرجة الأولى).

  تجدر الإشارة هنا إلى واقع في غاية الأهميّة، ونعني به استحالة عزل الإدمان عن التأثير الخارجي، إذ يتعلّق خطر الوقوع في هذه المشكلة أو تلك بتركيبة الشخص النفسيّة، بثقافته الشخصية وبيئته الاجتماعية: الأهل، العائلة، المدرسة، الأصدقاء والزملاء، العمل... إلخ؛ كما أنّ التقاليد، مخططات العائلة والتربية، تشكّل بصمات لا تُمحى عند الفرد.

  كما تجدر الإشارة، أيضاً، إلى أنّ الوعي بمظاهر أعراض الانسحاب العضوية، كان أحد أكثر الأسباب المذكورة في البحوث لإيقاف الإدمان.

 

علاج‭ ‬هذه‭ ‬التبعيّة

  في المرحلة الأولى، لابد من تحقيق التشخيص النفسي والتشخيص الفارقي  عبر القيام بتحليل سلوكي مفصّل ومتنوّع لعادات اللعب والإشكاليات الكامنة وراءها، كي يتحقق فهم وتقييم وظائفية اللعب عند الفرد بوساطة تطبيق المقاييس المناسبة، ومن ثم يُتبَع بتحقيق التحليل الوظائفي؛ يتبع ذلك توضيح الدافعية  les motivations وتحديد الخطّة العلاجيّة.

  والخطّة العلاجيّة تتضمّن، عموماً، تطبيق تقنيات متعددة مستوحاة من العلاجات السلوكية - المعرفية، من الدافعية، وهذه العلاجات  شديدة التنوّع من دون أن يكون هناك، حالياً، اتفاق على الأمر، إذ لاتزال الدراسات في بداياتها بهذا المضمار.

  ينبغي التنويه هنا إلى الواقع الذي أشار إليه كثير من المعالجين بخصوص أهميّة تصحيح الإدراكات الخاطئة قبل أن تترسّخ في نمط التفكير لدى المراهقين. الأمر الذي يسمح بالوقاية من تطوّر عادات لعب مرضية لديهم، إذ، كما يقال، الوقاية خير من قنطار علاج.

وتعمل البرامج المعرفيّة - السلوكيّة المعدّة للعب المرضي على المظاهر الآتية:

- الإعلام بخصوص اللعب.

- تقويم ذاتي لسلوك اللعب، سجلات أسبوعية، دوافع اللعب لإيقافه أو خفضه.

- في بداية العلاج، ضبط المثيرات: ميزانيّة أسبوعيّة، وضعيات خطر، إعلام الأقرباء، بداية دفع الديون.

- إدارة حالات انفعاليّة سلبيّة (عبر الاسترخاء مثلاً).

- عمل على التشوّهات المعرفية كوهم الضبط، حيث يتعلّم الفرد، مثلاً، استخدام طريقة التفكير بصوت عالٍ (أي قول ما يقوله ذهنياً بصوت مرتفع... إلخ).

- تدريب على المهارات الاجتماعية تحت شكل لعب أدوار تساعد اللاعب على التعامل مع التعليقات والطلبات السلبية والمزعجة.

- ممارسة وجوه نشاط سارّة كبديل عن اللعب.

- الوقاية من الانتكاسات، في ضوء اعتبار العديد من المعالِجين مرحلة استتباب التغيير بمنزلة المرحلة الأهم في العلاج النفسي. علاج حالات التبعيّة بشكل خاص، يتم إعلام المدمن بأنّ احتمالات حصول الانتكاسة وعودته إلى الإدمان، حتى بعد الشفاء، تبقى مرتفعة جدّاً، وبأنّ الانتكاسة هي صعوبة قابلة للتجاوز؛ لذا، يعلّمه المعالِج كيف يتعرّف على وضعيات الخطر. وفي هذا الإطار، تمّ تكييف برنامج «الوقاية من الانتكاس» لأصحاب اللعب المرضي، المستوحى من برنامج مارلات وجوردون Marlatt et Gordon, 1989.

 وفي هذا الإطار، تستحوذ «المقابلة الدافعية» Entretien de motivation على مكانتها الخاصّة في مستوى الإدمان، ليغدو الهدف الأساسي من وضعها يتعلق بتنشيط ميل الفرد المصاب نحو تغيير سلوك معين لديه، عن طريق مساعدته على استكشاف الأسباب المسؤولة عن التجاذب الذي يتعرض له وحلّه، ليتمكّن من تحقيق التغيير. الأمر الذي يفتح المجال واسعاً، في ما بعد، لاستخدام التماسات علاجية أخرى، كالعلاجات السلوكية - المعرفية وغيرها.

 تجدر الإشارة هنا إلى الأهميّة التي تكتسبها العلاقة العلاجية (أي العلاقة القائمة بين المعالِج والمدمن) في هذا النموذج؛ تضاف إلى ذلك الأهميّة المعطاة إلى كلٍّ من الاثنين وللتعاون القائم بينهما، إلى مرحلة الدافعية للتغيير عند المدمن، إلى استراتيجيات المواجهة التي يعتمدها، إلى شعوره بالفاعلية... إلخ، في تحضيره كشخص كي يحقّق التغيير الفعلي المراد. 

 ويرى بعض المعالجين أنّ «النماذج ذات النمط التحليلي» لها مكانتها، الأكثر تلاؤماً مع بعض أنواع الإدمان (على الإنترنت، مثلاً)، لأنّها تعتمد اللغة اللفظية تعبيراً عن التفكير، لكنّها تنسى المعطيات التي تسهم في ظهور هذا النوع من الإدمان كالضغوطات من نمط معيّن Stresseurs particuliers، التعلّم، المشكلات في العلاقات الاجتماعية... إلخ.

 

تفسير‭ ‬الإدمان‭ ‬وعلاجه

 ولا يمكن تجاهل دور «نموذج اضطرابات الشخصية» في تفسير الإدمان وعلاجه، إذ يُقال عن الأشخاص المدمنين إنّ لديهم استعداداً لذلك نتيجة لخصائص في شخصياتهم (أي وجود استعداد شخصي لديهم للإدمان، حيث للعوامل البيو -عصبية والجينية دور مهم)، وإن الإدمان يُعد، في حد ذاته، مجرّد عارض لهذه المشكلة. لكنّ الأمر المؤكد بوضوح هو عدم وجود شخصية إدمانية واحدة، فالمدمنون بمختلف أنواع الإدمان يشكّلون مجتمعات غير متجانسة بشكل واضح، وإن كان هناك بعض الصفات المشتركة المميِّزة للمدمنين بشكل عام. 

ولابد من الإشارة، في هذا الإطار، إلى أن كلّاً من النماذج المذكورة يقدّم تفسيراً جزئياً للجوانب المختلفة لاضطراب الإدمان، ومن ثمّ لكيفيّة علاجه؛ لكن هناك جانباً من جوانب التبعية لموضوع الإدمان لم يُقيم كما يجب، ونعني استخدامه كإدمان من قِبَل الشخص، فالناس لا يقعون فجأةً وبشكل لا يقبل التفسير ضحايا الإدمان، بل يتطورون بشكل نشط في استخدامهم له، وتلعب اتجاهاتهم ومعتقداتهم ونواياهم وتوقعاتهم دوراً مهماً في التورط بهذا الإدمان. ولقد كشفت نتائج بحوث مختلفة أن المدمنين يتوقعون أن يخفض الإدمان توترهم. 

وهناك أنماط علاجيّة أخرى مكمِّلة للعلاج المذكور، مثل جماعات المساعدة على غرار جماعات المساعدة السرّية للكحوليين، علاقات الدعم، علاجات الثنائي الزوجي والعائلي... إلخ.

 

علاجات‭ ‬الإدمان‭ ‬والتبعيّة‭ (‬من‭ ‬دون‭ ‬مادّة‭) ‬بشكل‭ ‬عام

 توجد الآن أنواع متعدّدة من العلاجات، وإن شكّل ظهور جماعات المساعدة الذاتيّة أولى الطرق التمهيديّة في هذا المضمار، فهناك العلاجات الطبّية أو الفارماكولوجية، والعلاجات النفسيّة الشديدة التنوّع، والعلاجات السلوكية - المعرفية التي تأتي في المقدمة، حيث أثبتت قدرتها اللافتة للانتباه على الجمع بين الأساليب العلاجية المتنوّعة، وبشكل متناغم.  إلى جانب العلاج الجمعي، العلاج الثنائي، العلاج الأسري (أو العائلي) ... إلخ.

  خــــلاصة الـــقول، مـهــــما تــكن العوامل المــــــسؤولة عن حدوث الإدمــــــانات السلــــوكـــيّة
 Les addictions comportementales واستتبابها عند الأفراد، فهي كما تقول د. قزعور ج، تندرج دائماً ضمن إطار تاريخ شخصي فريد من نوعه، يعطيها دلالتها الحقيقيّة. من هنا تأتي أهميّة الكشف عن تأثير الأحداث التي طبعت حياة المدمن؛ يضاف إلى ذلك أهميّة قابليّة الشخصيّة للعطب، وأهميّة أنماط استجابة هذه الشخصية لمختلف مصادر الضغط؛ الأمر الذي يفسّر لمَ يتعرّض بعض الأشخاص للتفكّك الذُهاني فقط في فئات عمريّة تكون المخاطر خلالها شديدة الارتفاع.