فوبيا المدرسة... الأسباب والعلاج

فوبيا المدرسة... الأسباب والعلاج

‭ ‬يعد‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬المدرسة‭ ‬أو‭ ‬افوبياب‭ ‬المدرسة،‭ ‬School Phobia،‭ ‬حالة‭ ‬انفعالية‭ ‬وشعورية‭ ‬تنتاب‭ ‬المتعلم‭ ‬الذي‭ ‬يلج‭ ‬المدرسة‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬نتيجة‭ ‬تمثلاته‭ ‬الخاطئة‭ ‬عنها،‭ ‬أو‭ ‬التعامل‭ ‬العنيف‭ ‬للمدرس‭ ‬والإدارة‭ ‬التربوية‭ ‬أو‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬الفشل‭ ‬الدراسي‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد؛‭ ‬نجد‭ ‬انقساماً‭ ‬حاداً‭ ‬بين‭ ‬الاختصاصيين‭ ‬حول‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬المدرسة‭ ‬والفوبيا‭ ‬المدرسية،‭ ‬فبعضهم‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬الأعراض‭ ‬التي‭ ‬تنتاب‭ ‬المتعلم،‭ ‬مثل‭ ‬الشعور‭ ‬بالغثيان‭ ‬أو‭ ‬آلام‭ ‬الرأس‭ ‬والبطن‭ ‬قبل‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬المدرسة‭ ‬سببها‭ ‬الشعور‭ ‬بالخوف‭ ‬منها،‭ ‬بينما‭ ‬يرى‭ ‬الفريق‭ ‬الآخر‭ ‬أنها‭ ‬افوبياب‭ ‬ورهاب‭ ‬مدرسي‭.‬

  إذاً؛ ما الذي يجعل المتعلم يتوجس ويخاف من المدرسة؟ وهل ذلك مرتبط بطبيعة البناء النفسي، أم بطريقة المدرس، أم بالمجموعة الصفيَّة غير المنسجمة، أم بهذه العناصر كلها، أم إن هذه «الفوبيا» لحظة عابرة سرعان ما تزول بتعود المتعلم على الوسط البيئي- التربوي الجديد؟ وما الحلول المقترحة لمواجهة استفحال الظاهرة؟

 

1‭ - ‬تباين‭ ‬الرؤى‭ ‬والمواقف‭ ‬تجاه‭ ‬الخوف‭ ‬المدرسي

في هذا المضمار يمكن التمييز بين ثلاثة مواقف متباينة:

أ- الموقف الفطري: يرى الخوف حالة انفعالية داخلية طبيعية يشعر بها الطفل في بعض المواقف، ويسلك فيها سلوكاً يحاول به الابتعاد عن مصدر الضرر، وهذا كله ينشأ عن استعداد فطري أوجده الخالق في الإنسان.

ب - الموقف المكتسب: يرى أن الخوف ينشأ نتيجة لمؤثرات خارجية معينة، فلا توجد عند الكائن الحي دوافع فطرية تدفعه للخوف.

ج - الموقف التفاعلي بين الفطري والمكتسب: يرى الخوف أحد الانفعالات البدائية العنيفة، يتملك الفرد فيشله عن الحركة، ويُخمد نشاطه، ويتصف الخوف بحدوث تغيرات واسعة المدى في الجسم، كما يتصف بسلوك لدى الشخص قوامه الهروب أو الفرار أمام المثير الخارجي.

 

2‭ - ‬أسباب‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬المدرسة

تتعدد الأسباب المؤدية إلى ظهور حالة الرهاب والخوف من المدرسة (فوبيا المدرسة)؛ ونعرض لبعضها بشكل مختصر:

أ- التمثلات الخاطئة المرتبطة بالمدرسة: تبدو المدرسة في مخيلة المتعلم مجالاً لردعه وشل حركته الزائدة، أضف إلى ذلك تخويف من المدرسة من طرف الأبوين؛ خاصة عندما يتحدثان أمام الطفل عن العقاب في المدرسة، أو يصفون المدرس بأنه شديد غليظ ويستعمل أساليب عديدة لتأديب المتعلمين، ومنها ما يقع فيه كثير من الآباء في وضع صورة غير سليمة في ذهن الأطفال عن المدرسة من خلال تهديدهم عندما يرتكبون بعض الأخطاء بأنهم سوف يزورون المدرسة لتعاقب الطفل، مما يتسب في خوفه من المدرسة.

سوء المعاملة وسرعة غضب المدرس: مثل تهكم المدرس من المتعلمين والاستهزاء بهم، مما يجعلهم في حيطة وخوف من أمرهم، خشية أن يصدر منهم أي حركة أو سلوك يصبح مادة دسمة للتنابز من قبل الأقران خارج الفصل الدراسي، كما يلجأ المدرس إلى أسلوب التهديد بالعقاب البدني أو الرمزي بالتخويف من الامتحانات التي تفتقد مقومات الصدق والثبات والموضوعية.

ج - الاستجابة الفورية للخوف: ويظهر ذلك خصوصاً وبشكل جلي وقوي في عمر سنتين إلى ست سنوات. كما أجمع الباحثون في علم النفس التربوي على أن الأطفال في سن 3 إلى 10 بنسبة 2 في المائة يعانون هذه الحالة وتكثر عند الإناث عنها لدى الذكور، فعند التحاق الطفل للمرة الأولى يبدي عدم رغبته في الذهاب إلى المدرسة، وتصحب خوفه الشديد أعراض جسمية تظهر كالقيء والإسهال وألم البطن... وكل تلك أعراض نفسية، أي إنها لا يصاحبها سبب عضوي وتزول بمجرد الرجوع إلى المنزل.

د - البيئة الأسرية: الطفل في غالب الأحيان مدلل من والديه، بل لا يتمتع بالاستقلالية في اتخاذ القرار، فهو عالة على أفراد أسرته في كل شيء.

هـ - القمع والتوبيخ على الخطأ: التهديد المستمر والمبالغ فيه لأخطاء الأطفال يقود إلى الخوف والاضطراب النفسي، فالأطفال الذين يهددون ويُنتقدون على نشاطهم وإبداعهم يجعلهم ذلك دائما في خوف وتردد مستمر.

من هنا ظهرت «بيداغوجيا، الخطأ»، التي تعتبر الخطأ منطلقاً مهماً لبناء التعلمات بشكل وظيفي وأساسي للمتعلمين، فتصبح راسخة في ذهنه، عكس التلقي السلبي الذي يجعل المعلومات، تندثر وتتلاشى من ذاكرة المتعلم بمجرد انتهائه من اجتياز الامتحان.

و - الشجار بين زملاء الفصل: في حال غياب الانضباط التربوي في المؤسسة التعليمية، غالبًا ما يقع شجار بين زملاء الفصل، ونتيجة عدم قدرة التلميذ المسالم على مواجهة «الخصم» التلميذ العنيف وردعه عن عنفه واستهزائه وتهكمه، يكون لهذه الحالة تأثير سيئ على نفسية الأول، فيزعزع الثقة بانخراطه السليم في البيئة الصفيّة. فالطفل المتوجس والخائف يجد صعوبة في تكوين أصدقاء من داخل الفصل، فيعيش في عزلة وانطواء على ذاته.

ز - الخوف من الفشل الدراسي: بحكم أن مجتمعاتنا العربية والإسلامية، تركز بشكل كبير على نتائج التحصيل الدراسي، دون التركيز على تكوين وتأهيل المتعلم للانخراط في الحياة اليومية، فإن ذلك جعل المتعلم يشغل باله بالنتيجة النهائية، هل ستكون إيجابية فيُحمد عليها من طرف آبائه، أم تكون سلبية فيتعرض لشتى أصناف العذاب (البدني أو النفسي...)؟!

ح - الخوف ذريعة للامبالاة المدرسية: قد يصطنع بعض الأطفال سلوكا من أجل اجتذاب اهتمام والديه أو معلمه في بعض الأحيان، وقد يوافق الآباء أو الكبار على مثل هذا السلوك، فيغضون الطرف عن تصرفات الطفل هذه، مما يدعم فكرة الخوف لديه لتصبح مع مرور الزمن عادة سلوكية.

ط - الخوف من الامتحانات: هي ظاهرة طبيعية يشعر بها كل طفل يطمح للنجاح في امتحانه، وكل امتحان من الممكن أن يثير مخاوف عدة، منها: الخوف من المجهول، الخوف من التعرض للعقاب أو السخرية أو الخوف من التعرض للطرد من المدرسة... كل هذه المخاوف من الممكن أن تؤثر في  نفسية الطفل الممتحن، إلا إذا أعطي شيئاً من الثقة بنفسه وقدراته واطمأن بأن الامتحان أمر طبيعي ومتوقع لتحديد اختلاف القدرات.

ي - أسباب غير واضحة: قد تحدث بعض مخاوف الأطفال لأسباب غير مفهومة وغامضة، لكنها سرعان ما تتلاشى إذا تم تجاوزها.

 

3‭ - ‬طرق‭ ‬مواجهة‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬المدرسة

بعد أن استعرضنا مجموعة من الأسباب التي تجعل الطفل يتوجس ويزداد خوفاً من المدرسة، يكون لزاماً طرح مجموعة من الحلول لمواجهة هذه الظاهرة، أو على الأقل الحد من استفحالها، وفي ما يلي أبرز الطرق:

أ- المواكبة والمصاحبة عن بُعد: من خلال زرع الثقة بنفس الطفل، وتشجيعه على التربية على الاختيار والاستقلالية – كما نص على ذلك الميثاق الوطني للتربية والتكوين بالمغرب- من جهة أخرى، فالإكثار من العطف الزائد والرعاية الزائدة واتهامه بالجبن وغير ذلك من الأساليب القاسية من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم الإحساس بالخوف ليصبح مشكلة مرضية.

ب - الدعم النفسي: عندما يجد الأطفال من يشاركهم في مشاعرهم من الجو المخيف الذي يعيشون فيه، فإنهم يتعلمون أن الهموم والمخاوف أمور مقبولة، لكن يجب عدم المبالغة في ذلك، كأن يشارك الطفل الراشدين في مشاعرهم وأفكارهم، وإنما التحدث عن المخاوف الواقعية التي توجد لدى الجميع.

ج - الاستفادة من نماذج: ومن الأمثلة على ذلك استخدام نماذج متلفزة من الرفاق لمساعدة الطفل للتغلب على قلق الامتحان، فقد تم تعريض النماذج بشكل تدريجي لمواقف امتحان تزداد إثارتها للخوف شيئاً فشيئاً، وبذلك أصبح الأطفال الذين قاموا بالملاحظة أقل خوفاً من الامتحانات المدرسية.

د-  مكافأة الشجاعة: إن مكافأة الطفل على السلوك الشجاع درءا لمخاطر الخوف المرضي من المدرسة من شأنها أن تعزز الثقة بنفس المتعلم وتشجعه على التعلم الطبيعي وتنمي فيه الرغبة الجامحة في الإبداع والابتكار وتكسر حواجز الخوف التي تعترض مسيرته الدراسية.

وختاما؛ فالخوف قد يكون حالة شعورية طبيعية وتلقائية تظهر عند الطفل في حالته المدرسية الأولى من منطلق لكل مبتدئ دهشة، إذ سرعان ما يزول بتكيفه وتوافقه مع الوسط المدرسي وتفاعله معه. لكن في المقابل يوجد خوف مرضي (فوبيا المدرسة) يلحق الضرر الشديد بالمتعلم ويصيبه بالعجز عن الاندماج والاستمرار في التعلم، فتظهر عليه علامات وأعراض مستمرة من آلام البطن والرأس والتلعثم والعجز عن الكلام... وقد يستمر معه مدى الحياة إن لم يتم تدارك الموقف، ما يستدعي المتابعة والمصاحبة الأسرية والنفسية والاجتماعية، لتجاوز هذه الحالة المرضية، لتصبح لحظة عابرة طبيعية .