حتى نلتقي

حتى نلتقي

جاء إلى الفندق ليحضر فعالية ثقافية حُدد لها وقت وميعاد. كعادته حضر قبل الأوان بخمس عشرة دقيقة. الموعد المحدد له كان الساعة الرابعة مساء. جلس في بهو الفندق، لاحظ واحداً من المنظمين، صافحه وسأله عن بداية الفعالية والمكان المخصص لها في الفندق، بيّن له المنظم التفاصيل وطلب منه الجلوس في بهو الفندق قليلاً حتى يبلغه ببداية النشاط. انتظر طويلاً في البهو، طلب شاياً بالنعناع. بلغت الساعة الخامسة مساء من دون أن يلحظ أي بدايات للفعالية. هناك عدد من الأشخاص الذين قدموا وجلسوا على المقاعد في البهو. بعد أن تجاوزت الساعة الخامسة والنصف لاحظ المنظم قادماً نحوه، وطلب منه التوجه إلى القاعة المخصصة لتلك الفعالية.

جلس على مقعد في الصف الثاني في القاعة، أتت سيدة يبدو أنها فرنسية، وجلست بجانبه، حيّت بابتسامة رقيقة. السيدة تبدو جميلة وأنيقة، وإن كانت قد تجاوزت الستين كما خمّن لها عمرها. تبادلا الحديث بالإنجليزية، وإن كانت إنجليزيتها متواضعة. أبدى لها تذمُّره من الانتظار وتأخير النشاط. ضحكت وقالت له إن ذلك «Normal» في هذا البلد، وعليك أن تتعامل مع هذه الأمور من دون تذمّر إن أردت أن تتفادى الصداع والضغط! استغرب هذا الموقف من سيدة قادمة من بلد تظل فيه المواعيد مقدّسة ويبقى الوقت مهماً وثميناً. سألها عن المدة التي قضتها في البلاد، أجابته بالعربية «عشرين عاماً». كيف أمضت هذه المدة الطويلة في هذه البلاد؟ أفادته بأنها تزوجت مواطناً من هذه البلاد التقت به في باريس، وعاشا هناك ما يزيد على خمسة عشر عاماً، ثم عاد إلى البلاد واستقرا هنا. أوضحت له أن البلاد جميلة والناس طيبون وعشريون.

مضى وقت منذ أن جلسا على المقاعد في القاعة من دون أن يبدو أن هناك فعالية ثقافية ستقام. في السادسة والنصف دخل عريف الحفل وتبعه المشاركون في الندوة. تساءل في نفسه: كم من الأنشطة كان يمكن أن يقوم بها خلال الوقت الذي ذهب هدراً؟ قال للسيدة إنه كان يمكن أن يقرأ كتاباً أو يزور أحياء المدينة للتعرّف عليها، حيث إنه يزورها لأول مرة. كيف يمكن لهؤلاء أن يفهموا قيمة الوقت؟ هل فكروا بوقت المدعوين، وقد جاء بعضهم  من مدن عدة في البلاد، وهناك آخرون جاءوا من بلدان بعيدة؟ هل يمكن التسامح مع إضاعة الوقت؟ لولا ذلك التسامح لأصبحت هذه البلاد وغيرها من بلدان عربية في مصاف بلدان عدة، ناشئة ومتقدمة. لكن لا حياة لمن تنادي... ضحكت السيدة الفرنسية من أفكاره وتعليقاته، وقالت له: يبدو أنك نتاج ثقافة مختلفة، وربما أصبحت معولماً!