الأبعاد الثقافية في قصيدة «طباق» لمحمود درويش.. عندما يرثي الشاعر المفكر

الأبعاد الثقافية في قصيدة «طباق» لمحمود درويش.. عندما يرثي الشاعر المفكر

لا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬العلاقة‭ ‬التي‭ ‬جمعت‭ ‬بين‭ ‬علمين‭ ‬كبيرين‭ ‬من‭ ‬أعلام‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬والعالمية‭ ‬الحديثة،‭ ‬كانت‭ ‬أبعد‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬التصورات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تطرح،‭ ‬فمحمود‭ ‬درويش‭ ‬وإدوارد‭ ‬سعيد‭ ‬جمعتهما‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬صلة‭: ‬فقد‭ ‬جمعتهما‭ ‬الثقافة‭ ‬الموسوعية‭ ‬والمعرفة‭ ‬العالمة،‭ ‬وجمعهما‭ ‬الانتماء‭ ‬للوطن‭ ‬الواحد،‭ ‬وذاقا‭ ‬مرارة‭ ‬ضياعه‭ ‬معاً،‭ ‬وجمعهما‭ ‬المنفى‭ ‬ذاته،‭ ‬والتوق‭ ‬ذاته‭ ‬لرؤية‭ ‬فلسطين‭ ‬حرة‭ ‬ترفرف‭ ‬فوقها‭ ‬الأعلام‭ ‬دون‭ ‬تنغيص‭ ‬إسرائيلي‭ / ‬أمريكي،‭ ‬كما‭ ‬جمعهما‭ ‬الجرح‭ ‬ذاته،‭ ‬وغادرا‭ ‬عالمنا‭ ‬ولم‭ ‬يزل‭ ‬مفتوحاً‭ ‬في‭ ‬صدريهما‭ ‬معاً،‭ ‬وطبيعي‭ ‬أمام‭ ‬علاقة‭ ‬كهذه‭ ‬أن‭ ‬تتفجر‭ ‬براكين‭ ‬الكينونة‭ ‬لتعبر‭ ‬عما‭ ‬يخالجها‭ ‬عندما‭ ‬يقرر‭ ‬أحدهما‭ ‬المغادرة‭ ‬نهائياً،‭ ‬ودون‭ ‬سابق‭ ‬إنذار‭.‬

غادر إدوارد سعيد الحياة تاركاً وراءه مشروعاً فكرياً ضخماً ومهماً، أحدث إبدالات في تاريخ النظرية الأدبية، كما خلّف مواقف جريئة قلّما نصادفها اليوم لدى مثقفي التبعية والتدجين. رحل إدوارد سعيد ولكن أبى محمود درويش إلا أن يخلده شعراً لا فكراً ومواقف، وكانت رثائيته الموسومة بـ«طباق» تخليداً ليس فقط لشخص إدوارد سعيد، ولكن لمشروعه الثقافي ككل.

إن القصيدة - كما يبدو من العنوان - تكاد تكون اختزالاً لحياة إدوارد سعيد، واتجاهه الفكري، و«طباق»، إن صحّ لنا أن نعلن عن ذلك بما يحمله من تضاد بلاغي، حيث الشيء ونقيضه، يشير ضمنياً إلى أحد المفاهيم الأساسية التي وظّفها إدوارد سعيد في قراءته الثقافية، ألا وهو مفهوم القراءة الطباقية، الذي سعى من خلاله إلى التأكيد أن الأعمال الأدبية العظيمة التي خلّدت نفسها وأثرت فينا بالغ التأثير، لم تكن في النهاية سوى وسائل استرشدت بها الإمبراطورية الغربية في إضفاء هيمنتها على باقي الشعوب، ولم يبتعد عمل الأدباء في فترات محددة، عن عمل المستشرقين الذين سهلوا الطريق أمام الاستعمار الغربي، «لأن الرواية سردية تاريخية بصورة محسـوسة تصوغها تواريخ حقيقية لأمم حقيقية».

ولأن درويش يدرك جوهر فكر إدوارد سعيد ويعي أبعاده، فلذا أذهب بنا مباشرة إلى عمق المشروع بقوله:

‭ ‬لا‭ ‬أتذكر‭ ‬أنّا‭ ‬ذهبنا‭ ‬إلى‭ ‬السينما‭ ‬

في‭ ‬المساء‭. ‬ولكن‭ ‬سمعت‭ ‬هنودا‭ ‬

قدامى‭ ‬ينادونني‭:‬

لا‭ ‬تثق‭ ‬بالحصان‭ ‬ولا‭ ‬الحداثة‭.‬

وتوظيف الهنود هنا ليس اعتباطياً من لدن شاعر كدرويش، فهو بذلك ينقل لنا تجربة شعب صدّق أوهام الحداثة، وبتعبير أدق فرضت عليه، فكان أن استؤصل من جذوره، فلا هو ابن الحداثة الغربية، ولا هو ابن تقاليده وعاداته، وفي ذلك إشارة قوية للإبادة التي تعرض لها الهنود من قبل الإمبراطورية الإنجليزية أولاً، ثم الأمريكية في ما بعد، حيث اجتثاث هوية شعب بأكمله، وإدخاله قسراً باب حداثة موهومة، ويصر درويش على هذا التوظيف لأنه من المسائل التي تعرض لها إدوارد سعيد في نقده للتوسعات الاستعمارية، وفي إطار دفاعه عن هويات متعددة، حيث من حق الشعوب أن تحدد مصائرها بنفسها.

 

مفارقة‭ ‬التضاد‭ ‬والانسجام

  يدرك درويش جيداً أن التضاد الذي يعلن عنه عنوان القصيدة، هو قمة الانسجام في حالة كحالة إدوارد سعيد، ولعل ما يميز هذه المفارقة هو الاسم أولاً، والمكان الذي ينتمي إليه ثانياً، ثم اللغة ثالثاً. تتحدد المفارقة في الاسم، وذلك في الجمع بين اسمين أحدهما غربي، والآخر عربي، إدوارد بكل ما يحمله الاسم من دلالات تظل مرتبطة بالسياق الذي تولدت عنه، وسعيد بكل التطلعات التي تكتنف الإنسان العربي، وتزداد هذه المفارقة وضوحاً وتشابكاً في الآن ذاته، عندما يربط الشاعر المرثي بمكانين أحدهما كان له، وعاش فيه طفولته واضطر لهجره قسراً، والثاني مكان العيش والعمل، ولكنه يظل في ذاكرة المرثي سبباً مباشراً لمأساته، ومأساة شعبه.

وهي المفارقة التي دفعت إدوارد سعيد كي يتحدث في سيرته  «خارج المكان» عن التيه الذي يتخبط فيه من جراء اللااستقرار الذي صاحبه، وهو ما يتضح أكثر عندما يرتبط الأمر لديه بطبيعة اللغة، يحار إدوارد سعيد أمام اللغة التي يمكن أن يعبر بها، فلغته الإنجليزية طيّعة، ولغته العربية رضعها في المهد، لكنها لا تسعفه في التعبير، وفي حالة كهذه يكتب د.جابر عصفور قائلاً: «يتخذ الفارق بين اللغتين شكل توتر غير محسوم بين عالمين مختلفين كلياً، بل متعاديين: العالم الذي تنتمي إليه عائلته، وتاريخه وبيئته وذاته الأولى الحميمة، وكلها عربية، وعالم تربيته الكولونيالي وأذواقه وحساسياته المكتسبة ومجمل حياته المهنية: معلما وكاتبا». ولذلك ظل سعيد حائراً إلى أي الأماكن ينتمي، يسجل درويش كل ذلك فيقول:

‮«‬يقول‭: ‬أنا‭ ‬من‭ ‬هناك‭ ‬ولست‭ ‬هنا

لي‭ ‬اسمان‭ ‬يلتقيان‭ ‬ويفترقان

لي‭ ‬لغتان،‭ ‬نسيت‭ ‬بأيهما‭ ‬

كنت‭ ‬أحلم

لي‭ ‬لغة‭ ‬إنجليزية‭ ‬للكتابة‭ ‬

طيّعة‭ ‬المفردات

ولي‭ ‬لغة‭ ‬من‭ ‬حوار‭ ‬السماء‭ ‬مع‭ ‬

القدس،‭ ‬فضية‭ ‬النبر،‭ ‬لكنها‭ ‬

لا‭ ‬تطيع‭ ‬مخيلتي‮»‬‭.‬

يشير مؤلفا كتاب «مفارقة الهوية» إلى هذه النقطة بتركيز كبير جداً، حيث يؤكدان أن إدوارد سعيد سواء كان «ناقداً أو محللاً سياسياً أو منظراً أدبياً وثقافياً أو مواطناً نيويوركياً، فإنه يمثل طبيعة الهوية القائمة على المفارقة، في الأغلب في دنيا متعولمة مهاجرة، نجد فيه شخصاً وضع في تشابك تناقضات نظرية وثقافية، تناقضات بين شخصيته المتغربنة وعلاقته السياسية بوطنه الفلسطيني، تناقضات بين صوته السياسي والموقع المهني، تناقضات بين الطرق المختلفة التي قرئ فيها، تناقضات في الطريقة التي وضع فيها في الأكاديمية».

   وهذه المفارقة هي التي صورها درويش بدقة متناهية، ولإلمامه الجيد بالمشروع الثقافي لإدوارد سعيد، فإن درويش لا يكتفي بإعطاء الإشارات، وإنما يدخل في حوار مباشر مع المرثي، حول مفاهيم شكلت بالنسبة له إشكالية مؤرقة، ومنها مفهوم الهوية، يقول الشاعر:

‮«‬والهوية؟‭ ‬قلت

فقال‭: ‬دفاع‭ ‬عن‭ ‬الذات‭...‬

إن‭ ‬الهوية‭ ‬بنت‭ ‬الولادة،‭ ‬لكنها

في‭ ‬النهاية‭ ‬إبداع‭ ‬صاحبها،‭ ‬لا

وراثة‭ ‬ماض‭. ‬أنا‭ ‬المتعدد‭. ‬في‭ ‬

داخلي‭ ‬خارجي‭ ‬المتجدد‭... ‬لكنني‭ ‬

أنتمي‭ ‬لسؤال‭ ‬الضحية‮»‬‭.‬

وهو بذلك  يشير إلى الأفكار التي تطرق إليها إدوارد سعيد في «خارج المكان»، حيث كان السؤال الملح بالنسبة له هو: من نحن؟ ومن أين جئنا وحيث تعارضت في ذهنه جملة من الصور: المنفى، الوطن، النحن، الآخر، الجهر، الصمت، المقاومة، الاستسلام، وغيرها من الصور التي كانت تتخبط في ذهن سعيد، وهو الذي ذاق مرارة النزوح عن الوطن، وتشبث بوطن ليس له، فكان أن جهر بأن كل الأوطان لي، وليست هناك هوية نقية وخالصة، ولكن كل الهويات هجينة، وهنا الإلماع من لدن الشاعر إلى مفهوم الهجنة الذي تبناه إدوارد سعيد في نقده للصفاء والنقاء، وإن كان البعض يرى أن هذا النقد ليس إلا تأميناً لحياة المهاجر والأقلوي الذي يخشى على نفسه في وطن ليس له، كما هي الحال مع كمال أبوديب في مقدمته لترجمة كتاب الثقافة والإمبريالية.

  وهذا ما يزيد عبدالله إبراهيم من تأكيده بقوله «وهكذا فإن المنفي يقع في منطقة وسطى، فلا هو يمثل تواؤماً كاملاً مع المكان الجديد، ولا هو تحرر تماماً من القديم، فهو محاط بأنصاف مشاركة وأنصاف انفصال، ويمثل على مستوى معين ذلك الحنين إلى الوطن وما يرتبط به من مشاعر، وعلى مستوى آخر قدرة المنفي الفائقة على محاكاة من يعيش معهم الآن، أو إحساسه الدفين بأنه منبوذ، ومن ثم يصبح واجبه الرئيس إحكام  مهارات البقاء والتعايش هنا، مع الحرص الدائم على تجنب خطر الإحساس بأنه حقق درجة أكبر مما ينبغي من الراحة والأمان».

 

مفهوم‭ ‬الهجنة‭ ‬والتعدد

يصر درويش على استجلاء المفاهيم الأساسية في المشروع الفكري لإدوارد سعيد، فيقف عند مفهوم الهجنة، ليقول:

‮«‬ففي‭ ‬السفر‭ ‬الحر‭ ‬بين‭ ‬الثقافات

قد‭ ‬يجد‭ ‬الباحثون‭ ‬عن‭ ‬الجوهر‭ ‬البشري‭ ‬

مقاعد‭ ‬كافية‭ ‬للجميع‭.‬

هنا‭ ‬هامش‭ ‬يتقدم‭. ‬أو‭ ‬مركز‭ ‬يتراجع

لا‭ ‬الشرق‭ ‬شرق‭ ‬تماماً

ولا‭ ‬الغرب‭ ‬غرب‭ ‬تماماً

لأن‭ ‬الهوية‭ ‬مفتوحة‭ ‬للتعدد

لا‭ ‬قلعة‭ ‬أو‭ ‬خنادق‮»‬‭.‬

يريد درويش من خلال هذا المقطع الشعري أن يؤكد أن تاريخ الثقافة الإنسانية تاريخ مشترك، وأن الجوهر بالمفهوم «الماهوي» يضمحل وجوده عندما يتصل الأمر بالثقافة الإنسانية، لأن الهجنة والتعدد هما الميسمان اللذان يمكن الوقوف عندهما في هذا الإطار. إن درويش يحاول ضمنياً الإحالة إلى أولئك الذين يروّجون للفكر التصادمي، حيث القول بنهاية التاريخ وصراع الحضارات، وهو ما عارضه إدوارد سعيد بحدة، حيث ظل يشدد على أن التعايش والانفتاح والتعدد هي السبيل لترميم التصدعات الموجودة، ولذلك يحاول محمود درويش، بالاستناد إلى الفكر الإدواردي، خلخلة أي تمركز، فعنده يصبح الهامش مركزاً والمركز هامشاً في استيحاء واضح للفكر التفكيكي الذي شكّل خلفية أساسية لإدوارد سعيد في ضربه للتعالي الغربي.

ولأن درويش يعيش آمال المرثي نفسها، ويدافع عن الأفكار والقضايا نفسها، يصر على أن يقحم القضية الأساس التي شغلت ذهن إدوارد سعيد في صلب رثائه، فيقول:

‮«‬أدافع‭ ‬عن‭ ‬فكرة‭ ‬كسرتها‭ ‬هشاشة‭ ‬أصحابها

وأدافع‭ ‬عن‭ ‬بلد‭ ‬خطفته‭ ‬الأساطير‮»‬‭.‬

وهو بهذا إنما يريد تأكيد الأهمية التي حظيت بها القضية الفلسطينية في فكر إدوارد سعيد، لدرجة صارت تشكل إحدى أولوياته اليومية، باعتباره أحد أكثر الأصوات منافحة عليها في المنفى، ولهذا يوجه درويش على لسان المرثي نقداً مزدوجاً: الأول للمفاوضين على القضية الفلسطينية، الذين بدلاً من توحيد الجهود انحازوا للصراعات الداخلية، ومحاولة كل طرف فرض وجهة نظره وأيديولوجيته، والثاني للفكر الصهيوني الذي روّج لأفكار موهومة وبنى كيانه على الأساطير (الشعب المختار، أرض الميعاد، الهولوكست... وغيرها)، وبصرف النظر عن الحنين الذي ينتاب المفكر، فإنه يوصي بضرورة استمرار النضال من أجل تغيير الواقع القائم.

‮«‬إذن‭ ‬قد‭ ‬يصيبك‭ ‬داء‭ ‬الحنين؟

حنين‭ ‬إلى‭ ‬الغد‭... ‬أبعد‭ ‬أعلى‭ ‬

وأبعد‭ ‬حلمي‭ ‬يقود‭ ‬خطاي‭ ‬ورؤياي

تُجْلِس‭ ‬حلمي‭ ‬على‭ ‬ركبتي‭ ‬كقط‭ ‬أليف‭ ‬

هو‭ ‬الواقعي‭ ‬الخيالي‭ ‬وابن‭ ‬الإرادة‭:‬

في‭ ‬وسعنا

أن‭ ‬نغير‭ ‬

حتمية‭ ‬الهاوية‮»‬‭.‬

وهذا التغيير هو الذي يصر عليه إدوارد سعيد، حتى بعد موته، يقول الشاعر:

‮«‬وقال‭: ‬إذا‭ ‬مت‭ ‬قبلك‭ ‬

أوصيك‭ ‬بالمستحيل‭!‬

سألت‭: ‬هل‭ ‬المستحيل‭ ‬بعيد؟

فقال‭: ‬على‭ ‬بعد‭ ‬جيل

سألت‭: ‬وإن‭ ‬مت‭ ‬قبلك؟

قال‭: ‬أعزّي‭ ‬جبال‭ ‬الجليل

وأكتب‭ ‬‮«‬ليس‭ ‬الجمالي‭ ‬إلا‭ ‬بلوغ

الملائم‮»‬،‭ ‬والآن‭ ‬لا‭ ‬تنس‭:‬

إن‭ ‬مت‭ ‬قبلك‭ ‬أوصيك‭ ‬بالمستحيل‮»‬‭.‬

وليس المستحيل هنا سوى رؤية فلسطين حرة، وهو حلم راود إدوارد سعيد، كما راود درويش أعواماً طويلة، وعبر عنه كل منهما من زاوية تخصصه، فكان أن وسم درويش بشاعر القضية الفلسطينية الأكبر، بينما تربع إدوارد سعيد على عرش المنافحين عليها في المنفى، ولعل كتبه «قضية فلسطين» و«لوم الضحايا» و«بعد السماء الأخيرة»، وغيرها من المقالات والحوارات، تكشف ذلك بجلاء أكبر.

بل إن الشاعر يذهب أبعد من ذلك ليعطينا صورة أوضح عن المرثي الذي لم ترتبط المقاومة عنده بوطنه الفلسطيني فقط، وإنما تجاوزت ذلك لتطول أماكن متعددة من مناطق التوتر، ولذلك يصور الشاعر رفض إدوارد سعيد المطلق للغزو الأمريكي للعراق، فقد كان من أشد الأصوات مقاومة للتوجهات الجديدة للإدارة الأمريكية في حربها على العراق، ومن قبلها أفغانستان وفيتنام، ولعل الانخراط في هذه المواجهة غير المتكافئة ينبئ بطبيعة الفكر الذي تبناه إدوارد سعيد،  يقول الشاعر:

‮«‬عندما‭ ‬زرته‭ ‬في‭ ‬سدوم‭ ‬الجديدة،

في‭ ‬عام‭ ‬ألفين‭ ‬واثنين،‭ ‬كان

يقاوم‭ ‬حرب‭ ‬سدوم‭ ‬على‭ ‬أهل‭ ‬بابل

والسرطان‭ ‬معاً،

كان‭ ‬كالبطل‭ ‬الملحمي‭ ‬الأخير

يدافع‭ ‬عن‭ ‬حق‭ ‬طروادة‭ ‬

في‭ ‬اقتسام‭ ‬الرواية‮»‬. 

وإجمالاً، فالقصيدة كما أسلفنا، تختزل ببلاغة شعرية نادرة مشروعاً ثقافياً كاملاً، كما تصور لنا مسار حياة بنجاحاته وإخفاقاته. إن قراءة مرثية محمود درويش تعطينا فكرة عن تبلور فكر خلاق قاد صاحبه إلى العالمية، وتشرح لنا كيف أنه من عمق المأساة والألم، ينبع الأمل من العدم .