«الأمريكاني».. من أول مشافي الكويت إلى متحف للفنون الإسلامية
على ساحل الخليج العربي، قريباً من مبنى مجلس الأمة، يلفت انتباه العابرين هذا المبنى العتيق المميز بتصميمه الذي يحمل طابعاً عمرانياً عربياً، بأقواسه المستمدة من تراث العمارة الإسلامية، ونوافذه العالية.
هذا المبنى الذي بقي شاهداً على نحو قرن من تاريخ الكويت المعاصر، والذي كان واحداً من شواهد التحول في الكويت للحداثة، باعتباره أول مشفى في هذه المنطقة.
عرف هذا المبنى باسم «الأمريكاني» حيث إن البعثة الأمريكية في الكويت آنذاك قررت أن تقدم لأهل الكويت، بمباركة حاكم الكويت الشيخ مبارك الأول، خدمة طبية متطورة، بدلاً من الطب الشعبي الذي كان سائداً آنذاك. وهي مهمة لم تكن سهلة، رغم بداهتها، في مجتمع، كما أغلب مجتمعات المنطقة العربية آنذاك، لا يميل لقبول الغريب أو الجديد بسهولة. لكن الإصرار من قيادات الكويت على تحديث المجتمع وتقديم الخدمات لسكانه، جعل من المكان تدريجياً مشفى يقدم الخدمات الطبية وينشر القيم الصحية السديدة لمحاربة الأمراض، واستمر هذا الدور طويلاً حتى توقف عمله كمشفى، وتحول دوره التاريخي من الطب إلى الثقافة، حيث أصبح المبنى اليوم واحداً من أبرز متاحف منطقة الخليج العربي التي تضم التحف والآثار، وواحداً من المراكز الثقافية التي تقدم أنشطة ثقافية وفنية وعلمية مكثفة على مدار العام، وأصبح أحد مقار دار الآثار الإسلامية في الكويت.
وبينما يمكن للرائي اليوم أن يرى هذا المبنى العتيق كجوهرة تنتمي للماضي بين العمران الحديث الذي يحيط بها من كل جانب، لكنه في قديم الزمان كان صرحاً يبدو لافتاً لأهل المنطقة الذين كانت أغلب بيوتهم مبنية بالطين والأخشاب، إذ يعد أول مبنى في الكويت يبنى بالأسمنت والحديد، واستوردت جميع مواد البناء الخاصة به من خارج الكويت.
ولأن للماضي فتنته التي تزداد كلما مر الزمن، فإن استدعاء تاريخ هذا المبنى له سحره الخاص، لأنه يستعيد أيضاً جانباً من تاريخ الكويت المعاصر. ففي عام 1909 وفي عهد الشيخ مبارك الصباح الملقب بالشيخ مبارك الكبير، بدأت بشائر هذه الفكرة حين وجه الشيخ مبارك الكبير الدعوة إلى الإرسالية العربية الأمريكية لكي يحضروا إلى الكويت، وأوعز إليهم في عام 1911 ببناء ذلك المستشفى (الأمريكاني)، وبوشر بناؤه في عام 1913 وتم الانتهاء منه في أكتوبر 1914.
إن المبنى الراهن، في هيئته الجديدة بعد انتهاء أعمال الترميم، تم افتتاحه برعاية سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، في نوفمبر 2011، مدشناً ميلاده الجديد ليعود المبنى التاريخي نفسه، لكن ليرفع في هذه المرة، وبعد نحو مائة عام من بنائه، راية الثقافة والفن الإسلامي الرفيع، وليصبح افتتاحه مناسبة جديدة من مناسبات احتفالات الكويت الثقافية، تضاف إلى المناسبات والأعياد التي واكبها افتتاحه من تزامن الاحتفال بالذكرى الخامسة لتولي سموه مقاليد الحكم واليوبيل الذهبي لاستقلال دولة الكويت والذكرى العشرين للتحرير.
ولكي يمكن للقارئ تخيل ما كان عليه الأمر حين تم بناء هذا المبنى، سوف نحيله إلى أحد الأفلام التوثيقية المهمة التي سجلت تاريخ هذا المبنى، باسم المبنى نفسه، «الأمريكاني 1914-1967»، الذي قام بكتابته أسامة الروماني، وأخرجه حاتم حسام الدين، ونُفذ بإشراف جاسم الغريب.
يتكون الفيلم من أربعة أقسام، يكشف كل منها جانباً من تاريخ المبنى، وتاريخ الكويت السياسي والاجتماعي أيضاً. ويبدأ الفيلم مع الفنان التشكيلي أيوب حسين وهو يروي قصه ميلاده بعد أن تعسرت أمه في إنجابه عام 1932، ليذهب والده إلى المستشفى الأمريكاني، ليأتي بالطبيبة خاتون مريم على ظهر حمار إلى البيت لتُتم بنجاح ما لم تستطع القابلات القيام به.
يعرض الفيلم صور مبنى «الأمريكاني» القديمة التي توثق زمن وتاريخ هذا المبنى العريق، لتوضح تقسيمات المستشفى والتغيرات التي أجريت عليه، وكذلك أعمال الترميم المختلفة التي تعرض لها.
ونجح الفيلم في ربط قصة المستشفى مع تاريخ الكويت، برؤية فنية متميزة، إذ يكشف على سبيل المثال كيف ساهم هذا المستشفى في علاج جرحى معركة الجهراء التي جرت وقائعها في العاشر من أكتوبر 1925، وكان للمستشفى عن طريق فريق الأطباء الذين باشروا العمل فيه آنذاك دور مهم في إنقاذ حياة 135 جريحاً من بين 140 مصاباً في المعركة. كما أنه أسهم بجهد كبير في مكافحة عديد من الأوبئة المعدية والأمراض التي كانت تفتك بأهل الكويت على مدى 60 عاماً.
والطريف في جولتنا التي ضمت فريقاً من مجلة العربي، أنني وبينما كنت أقف بين زملائي أتأمل الممر الواسع الذي يفصل بين المبنيين الرئيسين لهذا الصرح، تداعت لذاكرتي بعض الذكريات، فقلت لزملائي هل تعلمون أني ولدت في هذا المكان؟ نعم، ولدت أنا أيضاً في هذا المشفى، لكني في هذه اللحظة وأنا أستدعي تاريخ المكان، أحسست كم هو جميل أن هذا يستدعي أيضاً جزءاً من تاريخي أنا الشخصي. وأحسست بالفخر أني أبصرت النور في هذا المكان، وهكذا رحت أتابع جولتي فيه بخليط من المشاعر المختلفة.
الطب الشعبي
قبل بناء «الأمريكاني»، كانت الخدمات الصحية الشائعة في الكويت بسيطة تماماً مثل بساطة الحياة والظروف آنذاك. فقد كان الشائع هو الاعتماد على الطب الشعبي، باستخدام الوسائل التقليدية الشائعة، وبعض الوسائل البسيطة، وباستخدام أدوات تقليدية أيضاً. وكانت مهنة التطبيب تقتصر على بعض الأفراد أو الفئات، مثل بعض رجال الدين أو من يُطلق عليهم الملا أو المطوع، والعطار والحلاق، حيث كان الشائع التداوي باستخدام آيات القرآن الكريم، وبعض الأدعية وكتابة الأحجية، فقد استخدم الكُحل على سبيل المثال في علاج رمد العيون، والكي في علاج كثير من الأمراض، وهناك من كان يكتب على الصحون بماء الزعفران ويقدم للمريض ليشرب منه. كما كانت تقام الموالد وحفلات الزار التي كانت شائعة لدى الكويتيين في الماضي. وكانت أغلب الأدوية الشائعة هي الأعشاب وبعض النباتات التي تستخدم لفضائلها على الصحة.
والفيلم التوثيقي يضم أشهر الأطباء، وروى الدكتور خالد فهد الجارالله الاستشاري بكلية الطب في جامعة الكويت عن توثيق المستشفى، من خلال تقارير دورية لتاريخ الحالات العلاجية للنزلاء وللمنطقة، فأصبح مرجعاً طبياً إلى جانب كونه مستشفى للعلاج.
دعونا نسير باتجاه المبنى المعماري ذي الأسقف العالية والنوافذ الكبيرة والممرات الناعمة والأقواس الحانية، والزخارف الجميلة، وتوزيع الأضواء والتناسق بينها وبين الأسقف العالية، التي تجعل الزائر يشعر بالاستمتاع ونحن باتجاه هذا الصرح الرائع، وما به من مقتنيات تاريخية هي بلا مبالغة كنوز متحفية، ومجموعة باهرة من التراث التاريخي القديم الذي يمثل جانباً من حضارات الشرق العريقة.
بشائر الحلم
قبل أن نصحبكم في جولة للتعرف على بعض مقتنيات هذا التراث الإسلامي الزاخر الذي تضمه جنبات هذا المبنى التاريخي، تنبغي الإشارة بداية إلى أن مقتنيات المكان تعود للشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح وشريكة عمره الشيخة حصة صباح السالم الصباح، اللذين يمتلكان شغفاً لا مثيل له بالفنون العريقة.
والحقيقة أن الشيخ ناصر صباح الأحمد لم يدخر جهداً أو مالاً في جمع واقتناء هذا التراث القيم وحمايته من الاندثار، بالإضافة إلى رعايته المستمرة له. فقد كان في صباه يعيش في قلب القدس، حيث توافر له خلال فترة دراسته أن يعاين الأماكن الملهمة، كزيارته لكنيسة بيت لحم وقبة الصخرة والمسجد الأقصى، ما ترك في نفسه تأثيراً كبيراً، حيث كان يذهب أيام الأحد إلى كنيسة القيامة، فتصافح عيناه الأيقونات ويصغي إلى الترانيم الروحية التي كانت تؤثر فيه ثم يعرج إلى مسجد الصخرة فيصلي ركعتين، وكان يتجول في شوارع القدس كأنه يتجول في متحف مفتوح، وأصبح هذا المنظر يترسخ في ذهنه وينمو شغفه بحب هذا الفن، ومن هنا بدأت رحلة اقتناء المقتنيات الفنية لمجموعة الصباح. وقد شاركته هذا الشغف الشديد بالفنون زوجته الشيخة حصة، التي كانت مولعة بالفن التشكيلي الحديث والمعاصر، فتضافرت جهودها وكرست وقتها للمشاركة في بناء مجموعة الصباح الأثرية للفنون الإسلامية.
كانت البداية في اقتناء التحف الإسلامية عام 1975، وكان القرار أن توضع هذه المجموعة تحت رعاية متحف الكويت الوطني.
واهتم الشيخ الصباح بإقامة متحف وطني يضم مقتنيات الفنون في الكويت، ولتحقيق هذا الحلم استعان بالدكتورة مارلين جنكيز، التي كانت عملت أمينة مركز في متحف الميتروبوليتان للفنون، وكذلك البروفيسور مايكل بتيس من الجمعية الأمريكية لعلم المنمنمات، والسيد مانويل الذي كان بين فريق مجموعة الصباح.
وتم افتتاح دار الآثار الإسلامية يوم 23 فبراير عام 1983، وضمت مجموعة نادرة من تراث وتحف الفن الإسلامي المتنوع من كل ربوع العالم الإسلامي.
وقد وثق هذا الافتتاح أول الكتب التي أصدرتها دار الآثار الإسلامية للتعريف بمجموعتها في 160 صفحة من القطع الكبير، وكانت في ذلك الوقت ألف قطعة، أما الآن فهي أكثر من 30 ألف تحفة.
ذكرت د. مارلين جنكيز أن الشيخ ناصر الصباح جمع الآثار الفنية بسبب ولعه الشديد بهذا النوع من الفن، ورغبة منه في إعادة نماذج الفن الإسلامي إلى أرض الإسلام، حيث بلاد الأندلس خلال فترات زمنية تتراوح بين القرنين الأول والثالث عشر الهجريين السابع والتاسع عشر الميلاديين.
من جهة أخرى، تحكي الشيخة حصة السالم أن البداية كانت سنة 1975 تجاوباً مع اهتمام زوجها الشيخ ناصر الصباح؛ حيث كانت مهتمة بالفن التشكيلي الحديث، وبالتيارات الفنية الغربية الحديثة ومدارسها التكعيبية والتجريدية والفوضوية، وتأثير الأدب الأمريكي الحديث الذي تعلمته بجامعة الكويت، إلا أن تأثير زوجها كان أكبر.
فقد أوضحت تفاصيل تلك الفترة في مقابلة لها في تلفزيون دولة الكويت بقولها:
«في تلك الفترة كان اهتمامي منصباً على فنون الحضارية المعاصرة، وخاصة الفنون الغربية، إلى أن وضع بين يدي أول تحفة إسلامية، كان قد اشتراها من سوق العاديات في إنجلترا، وكانت عبارة عن زجاجة من العصر الملكي تعود للقرن الرابع عشر الميلادي.
وتكشفت لي أشياء آنذاك، فقد كان حبي للفن الغربي نابعاً من بساطته وأعمال التجريد به، وأدركت أن الروافد الأولى لذلك الفن موجودة في الفن الإسلامي بطبيعة الحال. وهنا شعرت أن من واجبي كإنسانة عربية مسلمة أن أترك الفن الغربي لمحبيه والمسؤولين عنه، وأتجه إلى ما تمليه عليّ الحضارة الإسلامية التي أنتمي إليها. وبدأنا معاً في الاتجاه نفسه، لنؤسس دار الآثار الإسلامية، التي يعود الفضل في تأسيسها إلى الشيخ ناصر، الذي فكر باقتنائها ومن ثم إنشائها، وطلبت وزارة الإعلام أن تضع مجموعتنا الخاصة في أحد أكبر مباني المتحف، وكان الاسم الذي اختاره الشيخ ناصر «دار الآثار الإسلامية» وليست مجموعة ناصر الصباح، وافتتحت الدار في 1983 للجمهور ومحبي التراث. وقد شعرنا بفخر واعتزاز كبيرين، لأن مجموعتنا الخاصة تعرض تحت رعاية الدولة، صاحبة الفضل الأول والأخير في هذه المجموعة، ولهذا نحن ممتنان للدولة».
سندخل معكم ردهات هذا الصرح الثقافي العالمي الجميل. وهنا تستوقفنا روائع الشرق القديم، وهي عبارة عن مجموعة من التحف الأثرية من مجموعة الصباح، التي تعبر عن فنون الشرق القديم، وهي ثمرة تاريخ من الحفائر الأثرية ونتاج من الشرق القديم، ويعود بعضها لتاريخ قديم يمتد من العصر البرونزي إلى مرحلة فجر الإسلام، حيث ذكرت الشيخة حصة أنه منذ ثلاثين عاماً خلت ومجموعة الفن من بلاد المسلمين التي أسس قواعدها زوجها الشيخ ناصر تشهد نمواً مطرداً، ولاسيما في السنوات الأخيرة.
سفير حضارة... سفير فن
بعد مرور 35 عاماً على بداية الحلم وتطور الأساليب التقنية وجماليات الثقافة البصرية في الفن، أصبحت المعارض التي تنظمها دار الآثار الإسلامية سفيراً من سفراء الفنون حول العالم، إذ راحت هذه المعارض تتجول في أكبر متاحف العالم لندرك قوة وعظم التأثير الثقافي الذي تمتلكه الدار.
لدينا عناوين موحية لمعارض جابت الدنيا: الإسلام فن وحضارة (السويد 1985)، كنوز الفن الإسلامي (سويسرا 1985)، الهند فن وحضارة (متحف المتروبوليتان للفن - نيويورك 1985)، معرض السلطان سليمان القانوني (واشنطن 1987)، تيمور والرؤية الملكية (باريس1987)، معارض العلوم والحضارة العربية الإسلامية السجاد هدية الشرق، أوائل المطبوعات الأوربية والحضارة الإسلامية (باريس 1989)، رومانسية تاج محل (كاليفورنيا 1989 )، الفن الإسلامي ورعايته «كنوز من الكويت»، الذي طاف هذا العام من متحف الفن الإسلامي في كوالالمبور إلى الهرميتاج في سان بطرسبورج، وغيرها من البقاع التي أضاءتها المقتنيات.
تجدر الإشارة هنا إلى المعرض العالمي المتنقل الثاني وهو «معرض ذخيرة الدنيا»، الذي تضمن فنون المطبوعات الهندية في عصر سلاطين المغول المسلمين الفخم، الذي يضم 368 تحفة من روائع المجوهرات والمصوغات التي صنعها السلاطين وأمراء البلاط المغولي في الهند، وبدأت رحلته في ميلانو 2010 وفيينا 2011 وسيئول 2013.
ومن بين مقتنيات المجموعة المبكرة لمجموعة الصباح من الفن الإسلامي في متحف الكويت الوطني، نرى البلاطة المستديرة بقطر 29 سم، التي أتت من مصر وتعود إلى أواخر القرن الخامس عشر الميلادي، ونقش عليها ثلاث طبقات أبوالنصر قايتباي - لمولانا السلطان الملك الأشرف - عز نصره، فهي تقدم نموذجين في قطعة واحدة: الأعمال الخزفية والكتابة الخطية، وهذه الأخيرة من بين أربع خصال تميز الفن الإسلامي، استخدام الهندسة زخرفياً، ورسم الأشخاص بإتقان شديد ودقة باهرة، وتحوير النباتات خاصة أوراق الشجر ورؤوس الأزهار، وبالطبع استخدام الخط العربي فنيا.
نافذة على الفن الإسلامي
استخدم الخط العربي في تزيين كل قطعة فنية، مثال ذلك الصندوق المخصص لحفظ المصحف الكريم، المصنوع من الخشب، والمشكل بالعقيق، والمزين بالطلاء، المصنوع في فارس، والمؤرخ بمنتصف شهر رجب 745 هجرية، أي عام 1344 ميلادية.
وهناك بلاطة أخرى أو أكثر مشابهة لهذه الكنوز التراثية التي تؤرخ للفن الإسلامي في المنطقة.
ولا تخلو مجموعة الفن الإسلامي من الأسلحة، وتأتي هذه القطعة من الهند المغولية لتبين عناية ودقة عظيمتين في شغل تلك الأسلحة، كما نرى خنجراً في غمده، نصله فولاذي مكسو بالذهب، ومقبضه من الذهب الخالص المصبوب، بينما تتوزع ترصيعات من البلور والألماس والزمرد والياقوت على هيكل الخنجر وغمده.
وهناك أكثر من نموذج من المخطوطات التي تقدم فن المنمنمات، فنرى صفحة كتبت نصوصها بالحبر على ورق وزينت ونقشت رسومها بالألوان والذهب، وتعود لحوالي عام 1580 ميلادية، وتحمل كتابة عند طرفها الأعلى إلى اليسار «سلسلة آل عثمان».
شرق قديم
في زاوية أخرى توجد قطعة نحتية لافتة، تحمل بصمة خاصة، لحامل على هيئة ماعز مارخور النادرة، من تلك التي تعيش في الجبال الصخرية، وقد تشابك هيكله وتعقدت قرونه، ويعود إلى حضارة بلاد الرافدين، بداية عصر الأسرة الأولى، أي بين عامي 2900 و2700 قبل الميلاد. الجسد سبيكة من الحديد والزرنيخ والنحاس، وعين الحيوان اليسرى لا تزال تحمل ترصيعها الأصلي، وفي جبهته مثلث غائر مطعم بالصدف وحجر اللازورد، وقد يكون أضيف حديثاً.
وللحلي مكان في مجموعة روائع الشرق القديم، مثل ذلك العقد الحلزوني الذهبي الذي يحمل في الوقت نفسه ثلاث عقارب ذهبية، مرصعة بالأحجار الكريمة، وتعود إلى مملكة باختريا التي تمتد من آخر الألفية الثالثة لبدايات الألفية الثانية قبل الميلاد.
ومن مملكة باختريا كذلك - شرق أفغانستان حالياً - يوجد نحت من ثلاث قطع، لامرأة جالسة، نُحتت ملامحها بإتقان، وفي أفغانستان نفسها، حيث ولد محمد البلخي، الذي يعرف في العالم كله باسم مولانا جلال الدين الرومي، سنجد بين المقتنيات إناء شرب من الذهب له مقبض مرصع بالياقوت، يعود للعصر الهوني في القرن الرابع الميلادي.
وهناك كذلك قطعة نحت تجسد أسدين، صيغت بالطرق والتشكيل، ليُصنع هذان الأسدان من الفضة، وهذه القطعة التي وجدت غرب إيران، تعود لأواخر القرن السابع قبل الميلاد، إلى أوائل القرن السادس قبل الميلاد.في قلب منطقة الشرق الأدنى، وغالباً في سورية، بالعودة للعصر البيزنطي، حوالي القرنين الرابع والسادس الميلاديين.
والحقيقة أن هذه النماذج غيض من فيض، لكن ما ذكرناه هنا للتمثيل على القيمة الرائعة لمعروضات متحف الشرق القديم بين محتويات مجموعة الصباح الأثرية القيمة.
وهذا كله يأتي كجانب متحفي، يقدم التاريخ، ويحتفي بالفنون الإسلامية والشرقية، لكن «الأمريكاني» لا يتوقف دوره عند ذلك، فهو يقدم على مدار العام موسماً ثقافياً وفنياً مكثفاً وثرياً يتوزع بين أروقة وقاعات ومسرح هذا المبنى الأثري العتيق، ومبنى آخر في حي اليرموك، تتوالى فيهما عروض المسرح والفن التشكيلي ومحاضرات الأكاديميين والمتخصصين في التاريخ والأنثروبولوجي والآداب والفنون الإسلامية من جميع أرجاء العالم.
تكشف عمارة مبنى الأمريكاني عن تناغمها مع بيئتها وحرصها على تراث العمارة العربية الإسلامية.
لوحات من معرض العمارة العربية.
جانب من مبنى الأمريكاني الذي يصل عمره الآن إلى نحو مائة عام.
ثور مجنّح من الفضة يبلغ ارتفاعه 285 ملم
حامل على هيئة ماعز تشابك هيكله وتعقدت قرونه
بارتفاع 67 سم وعرض 33 سم يعود إلى حضارة بلاد الرافدين