عادات وتقاليد العرب في شهر رمضان

أحــــاطــــت الـــــشعــــوب العربية شهــــر رمــــــضــــــان بمــــظاهر فريدة، عبّرت عن اهتمامها الخاص به وأضفت مسوحاً مميزة على جميع مفرداته، وشملته بإطار متكامل من المعتقدات والعادات العاكسة لخصوصيته، ومكانته رفيعة الشأن العاكسة لانشغالاتهم الروحية، وهو الأمر الذي نلمسه بصورة واضحة في الآداب والفنون التي أنتجتها الحفاوة العربية بشهر رمضان، ما أحال مشهديته على مدار التاريخ إلى بهجة مفرطة، دفعت في الآن ذاته إلى تجاوزها بالتحليق في سماوات شفيفة تجوسها الروح بصوفية خلاقة.
حظي هذا الشهر الكريم على مدار التاريخ باهتمام بالغ من الناس، الذين نظروا إليه مثل ضيف كريم وعزيز ينتظر حلوله بشوق شديد من العام للعام، فراحوا يعدون ويتجهزون له، حتى إذا ما بان هلاله وأعلن قدومه استُقبل بحفاوة وسرور، وأُقيمت لياليه وأُحييت بإخلاص نادر، وهم ينتظرون فيوضات كرمه ونفحاته التي تشمل الجميع، وتجعل الدموع تدفق من العيون وهو يلوح لهم مودعاً، ولسان حالهم الأسيان لرحيله المؤقت يردد: لا أوحشنا الله منك يا رمضان.
وإلى جانب تجليه في إتيان العبادات والفروض والإقبال عليها أملاً في الفوز؛ فإنها أنتجت - كذلك - عدداً من الممارسات المادية والمظاهر الاحتفالية، التي صارت رفيقة الروح في هذا الشهر وعلامته الدالة عليه؛ من تعليق للزينات والفوانيس في الشوارع، وتكثيف إضاءتها، والاحتفال برؤية الهلال، وترديد الأغاني له، وإقامة الولائم وموائد الإفطار الجماعية، وتخصيص أطعمة معينة لهذا الشهر، وإحياء سهراته بذكر الله ومدح نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم. كل هذه الممارسات والتجليات الثقافية والمادية تجعلنا أمام واحدة من أهم راقات Starta الشخصية العربية، التي وسمتها بطابع فريد، كان وراء اجتذاب عيون الرحالة الأجانب إليها، فسجلوا مظاهرها بانبهار لافت.
ولشهر رمضان مكانة معرفية خاصة، أوجدت رموزها وشفراتها ودلالاتها، التي استتبعتها واتصلت بها ممارسات، ليس فقط على مستوى الحدود الجغرافية الإقليمية، بل امتدت بالقدر ذاته لتشمل أبناء اللغة الواحدة وثقافة الجذر المشترك، ما يمكننا من التعامل مع المجال الثقافي لشهر رمضان على نطاق أوسع، داخل بيئته العربية، حيث انعكس هذا كله على خطاب الحياة اليومية الرمضانية في العالم العربي، وانطبعت به رؤيتها وفلسفتها وتفسيراتها للموجودات من حولها، وتعاملها مع الزمن وتبدلاته، بما يوقفنا على عظم الانشغال الفكري والروحي بشهر رمضان ومفرداته.
ومثلما هو الشهر الذي يحرص فيه المسلمون على التزود بالعبادات والتقرب إلى الله أملاً في الفوز برضاه ورحمته، فإنه كذلك الشهر الاستثنائي في حياة الشعوب العربية الذي خصته بمظاهر لم يحظ بها غيره من الشهور، فعلى محورين يحل هذا الضيف العزيز، أولهما بوصفه شهر القرآن الكريم وفيه الليلة التي هي خير من ألف شهر، ويروى أنه أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار. هذا التقسيم الثلاثي لأيامه لاقى من الشعوب العربية تقسيما مماثلاً، ولكن على محور آخر، فقد قسموا – بظُرف - أيامه إلى ثلاث عشرات: في مصر تقسم إلى عشرة للمرق وعشرة للحلق وعشـرة للخلق... يقصدون بذلك أن الأيام العشرة الأولى من شهر رمضان ينشغل فيها الجميع بالطعام وإقامة الولائم ودعوات الإفطار الجماعي، وهذا هو المقصود بكلمة «مرق»، التي تشير إلى «الشوربة» التي يحرص المصريون على استهلال فطورهم بها، أما الأيام العشرة الثانية فينتقل الاهتمام فيها إلى اللقاءات العائلية والسهر وتجمعات الأصدقاء والأحبة وتبادل الأحاديث الطيبة والحكايات الممتعة، وهذا هو المعنى الذي تحمله كلمة «حلق»، أي «حلقات». أما العشرة الأخيرة من الشهر فينصب فيها التركيز على الخروج إلى الأسواق وشراء وتجهيز ملابس العيد الجديدة، وهذا هو ما تعنيه كلمة «خلق» أي «الملابس».
وفي سورية يقسمونها إلى عشرة للمرق، وعشرة للخُرَق، وعشرة لصر الورق. فالثلث الأول يشير إلى الانشغال بالطعام وتنوع صنوفه، والشطر الأوسط يشير إلى الانهماك في تجهيز وشراء ملابس العيد، أما القسم الأخير فيشير إلى الاستعداد لإعداد حلوى العيد.
وبالروح المنبسطة نفسها؛ يقسم أهل السعودية أيامه إلى ثلاثة أقسام أيضاً: عشرة للجزّارين، وعشرة للقمّاشين، وعشرة للخيّاطين.
وواضح من التقسيم أن الثلث الأول يشير إلى الاهتمام بالطعام ونحر الذبائح من أجل الولائم والمآدب، أما في الثلث الأوسط فيبدأ الأهالي في شراء الأقمشة التي ستعد منها ملابس العيد، بينما ينهمكون في الثلث الأخير بالتردد على الخياطين الذين يحيكون ملابس العيد.
ومن طرائف الموريتانيين، تقسيمهم أيام الشهر المبارك لثلاث عشرات على النحو الآتى: «عشرة الخيول» و«عشرة الجِمال» و«عشرة الحمير»، قاصدين بذلك أن العشرة الأولى تمر وتنتهي بسرعة كسرعة الخيل؛ أما العشرة الثانية فتكون بطيئة كسير الجمال، ثم تصير أكثر بطئاً حتى إنها تكون في سرعة الحمير. وهي تقسيمات تعكس رؤية هذه المجتمعات لفكرة الزمن وطريقة تعبيرهم عنها وفقاً لمفرداتهم المعيشة.
استقبال شهر رمضان
من المشهود في البلدان العربية أن أجواء شهر رمضان تستجمع ملامحها قبل بزوغ هلاله الفعلي، ربما بشهر أو شهرين، حيث تبدأ الاستعدادات لاستقبال شهر رمضان بداية من شهر شعبان، الذي يشهد نشاطاً ملحوظاً في الأسواق للتزود باحتياجات رمضان من الأطعمة والحلويات الخاصة بهذا الشهر الاستثنائي في حياة الشعوب العربية، كما يبدأ الأهالي في تزيين الشوارع وواجهات البيوت والمساجد بالزينات المختلفة والرايات والفوانيس التي تتلألأ بها فضاءات الأحياء العربية وتنير دروبها، فضلاً عن حرص البعض على تجديد طلاء منازلهم من الداخل والخارج، والسعي لاقتناء أواني مطبخ جديدة أو تلميع الآنية القديمة المصنوعة من النحاس، والألمنيوم.
وتسمى هذه العملية بـ «العواشر» في المغرب، ومن أهم مظاهرها قيام الأطفال بتنظيف الكتَّاب الذي يحفظون فيه القرآن الكريم.
وفى الآن ذاته تبدأ رائحة مشروب الآبري في الانفلات من منازل السودانيين، وكان يُرى دقاقو الغلال والحبوب في أسواق الإمارات مشمرين عن سواعدهم، يعدون الطحين لوجبة الهريس التي يحرص البيت الإماراتي على إعدادها خلال شهر رمضان بشكل خاص.
حق الليلة
أطفال الإمارات كانوا يتهيأون لاستقبال شهر رمضان منذ منتصف شهر شعبان، في ما يعرف لديهم بـ «حق الليلة»، حيث يسيرون جماعات في الفريج (الساحة) ويطوفون على البيوت وهم يغنون:
أعطونا الله يعطيكم
أعــــطـــونا مـــــــــــال الله
بــــــــيت مكــــــــة يوديكم
ســــــلّم لكـــــــــم عبدالله
تكريزة رمضان
أما تكريزة رمضان، فهي من التقاليد الدمشقية الراسخة التي يودع بها الدمشقيون شهر شعبان، ففي منتصف شهر شعبان يقوم الدمشقيون بنزهات إلى الطبيعة. وبينما تنشغل النسوة في إعداد الطعام، ينهمك الرجال والشباب في أداء الألعاب، ويعتبرون أن «التكريزة» هي الحفل الذي يودعون به شهر شعبان، خصوصاً إذا كان الجو معتدلاً أو توافق شهر شعبان مع موسم الصيف. الاحتفالية ذاتها تسمى عند أهل طرابلس الشام، «شعبونية» نسبة إلى شهر شعبان.
«شعبانة»
في آخر شهر شعبان – كذلك - ينظم الأهالي بمدينة أصيلة المغربية، حفلة تعرف
بـ«الشعبانة»، يجتمع فيها الرجال والنساء كل في مجلس يخصه، وإذا كان الجو معتدلاً وصافياً فإن تجمعهم يكون في البساتين لتناول الأطعمة المحلية وتبادل الأحايث والذكريات والسمر.
في السياق ذاته؛ يطلق أهالي مدينة أصيلة المغربية على منتصف شعبان، يوم «النسخة»، حيث يعتقدون أن الأرواح تنسخ في هذا اليوم وتحل محلها أرواح أخرى متخلصة من آثار الماضي. لذا فإنهم يحرصون على زيارة ضريح مولاي عبدالسلام بن مشيش في الجهة الغربية الشمالية.
أما أهل البحرين فقد اعتادوا قبل حلول شهر رمضان، أن يتناولوا دواء العشرج أو السنامكي، الذي يتولى تنظيف المعدة وتهيئتها لاستقبال الأطعمة الرمضانية.
أما يوم القريش فهو المسمى الذي كان يطلقه الكويتيون على آخر أيام شهر شعبان، وكان هذا اليوم يشهد خروج أهالي الكويت إلى الميادين والمتنزهات والشواطئ، فضلاً عن حرصهم على تبادل الزيارات العائلية، وهو يوم كان يلاقي ابتهاجاً مفرطاً من الأطفال الذين يلهون فيه ويمرحون. وهو اليوم المعروف بالاسم نفسه لدى أهالي السعودية، حيث كانوا يحيونه بالطريقة ذاتها.
النافلة
وفي قطر يستعد الأطفال لاستقبال شهر رمضان منذ النصف الثاني من شهر شعبان بإقامة احتفالية خاصة تسمى النافلة، وهي من العادات الخاصة بهم وتشبه احتفالية «الكرنكعو» التي يحيونها في منتصف شهر الصيام.
كان بعض هذه الاحتفالات يصاحبه أداء لبعض الأغاني الشعبية مثلما كان يحدث بين السيدات الإماراتيات أو القطريات وهن يعملن على الرحى لدق الحبوب تمهيداً لوجبة الهريس.
استطلاع الهلال
وما إن تعلن رؤية هلال شهر رمضان حتى تتعاظم الفرحة بقدومه فتطلق المدافع ابتهاجاً ويهرع الأطفال إلى فوانيسهم، يدورون بها في الأحياء وهم يغنون لشهر رمضان.
رمضان كريم... جملة يبتدر بها المصريون بعضهم البعض، مهنئين بحلول الشهر الكريم، وهي الجملة ذاتها التي لا تفتأ تتردد على ألسنتهم حين يتقابلون في أثناء الصيام، تعبيراً عن سعادتهم بالأيام المباركة التي لا ينقطع خيرها، ومن ناحية ثانية تعبيراً عن كرمهم أو احتفائهم بالضيوف الذين حال الصيام بينهم وبين إظهار هذا الكرم، فيرد عليهم الآخرون بقولهم: الله أكرم.
وهي من عبارات التهنئة المتعارف عليها كذلك بين أهل السودان الذين يجيبون بقولهم: «الله أكرم» أو: «الشهر مبارك عليكم» أو: «تصوموا وتفطروا على خير».
أما أهل الخليج فتتردد على ألسنتهم جملة «رمضان كريم وعساكم من عوّاده»، يهنئون بها بعضهم البعض بحلول الشهر الكريم، ويعبرون بها عن فرحهم بقدوم شهر الخيرات والبركات والنفحات الإيمانية.
وما إن يتأكّد دخول الشهر حتى تنطلق ألسنة أهل المغرب بالتهنئات قائلين «عواشر مبروكة»، والعبارة تقال بالعامية المغربية، وتشير إلى أقسام الشهر الثلاثة: عشرة الرحمة، وعشرة المغفرة، وعشرة العتق من النار.
وفي اليمن يحرص أهالي البادية على ذبح الأغنام في أول رمضان في ما يعرف بالمدخل، حيث يقومون بتوزيع اللحوم على أهاليهم ويهدون قسماً منها للجيران. كذلك يفعل الموريتانيون إذا أهلّ عليهم هلال الشهر الكريم، فضلاً عن قيامهم بحلق رؤوسهم حتى يستقبلوا الشهر المبارك بشعر جديد.
وحتى عهد قريب، كان أطفال اليمن بمجرد أن يعلن أن غداً أول أيام رمضان، يقومون بجمع أكوام من الرماد ويضعونها على أسطح المنازل في هيئة دائرية، ثم يصبون عليها الكيروسين ويشعلونها، في ما يعرف لديهم بليلة «الشلعبة».
الزفة
حين تثبت رؤية هلال رمضان في السودان تبدأ الاحتفالية المعروفة بما يُعرف بـ «الزفة» وهي موكب يتقدمه رجال الشرطة، والفرق الموسيقية العسكرية، يتبعهما موكب رجال الطرق الصوفية، ثم الأهالي. وتدور «الزفة» في شوارع المدن الكبرى، معلنة بدء شهر الصيام.
كان هذا الموكب الاحتفالي واحداً من أهم المظاهر الأساسية في حياة المصريين حتى وقت قريب، وكانت تشارك فيه طوائف الشعب كافة.
ليلة القرش
يطلق التونسيون على أول ليالي شهر رمضان «ليلة القرش» (بفتح القاف)، التي تزدان فيها تونس بشتى صنوف الأطعمة والحلويات التي تلقى اهتماماً مضاعفاً بتزيينها وتجويدها ودقة صناعتها.
وكان من عادة نساء الإمارات إذا حل شهر رمضان أن يتبادلن الاجتماع في بيت إحداهن كل يوم للقيام بطحن الحبوب لإعداد الهريس، وخلالها يرددن أشعاراً عرفت بـ «دق الهريس».
واشتهرت ليالي رمضان بدمشق بمجالس الدراويش من أرباب الطرق الصوفية والمولوية التي تنسب لمؤسسها جلال الدين محمد بن بهاء الدين المولوي، وهي مجالس لها تقاليدها الخاصة.
كما أن بعض المناطق اليمنية تستقبل رمضان بما يسمى بالشعبانية أو الشعبنة، وهي احتفالية تقام بمناسبة ثبوت رؤية هلال رمضان، وخلالها يتجمع الرجال في المساجد ويقومون بالتهليل والتكبير وأداء الأناشيد الدينية.
المظاهر الاحتفالية
في شهر رمضان تأخذ العادات منحى مختلفاً باتجاه التقرب من الله وتقوية جسور المودة وأواصر الرحمة والألفة، فضلاً عن التغير الطبيعي في المواقيت الذي يستتبع تغيراً في العادات المعيشة. وإلى جانب كونه موسماً للتعبد والتقرب إلى الله بالطاعات وفعل الخيرات والإحسان إلى الفقراء والمساكين والأيتام وعابري السبيل، فإنه يعد كذلك شهر الاحتفالات العظمى بلا منازع.
ويمكن أن نلاحظ حالة من الهدوء والصفاء تتسم بها أغلب الشوارع العربية في نهار رمضان، أما في الليل فإنها تظل ساهرة تعج باللقاءات والاحتفالات حتى وقت صلاة الفجر التي يحرص الناس على أدائها في المساجد، بعدها يخلدون إلى النوم.
ليالي رمضان في الخليج العربي تشهد اجتماعات الرجال في المجالس والدواوين يتناولون الأطعمة المفضلة ويتبادلون الأحاديث والذكريات.
وفي سورية اعتاد الأطفال عقب تناول فطورهم في رمضان، أن يتجمعوا في ساحة الحي، وبيد كل منهم طبق فارغ، ويدورون على البيوت ليجمعوا طعام السحور، وكان الأطفال في الغالب يتطوعون بإهداء هذه الأطباق للعائلات الفقيرة.
وفي مصر تظل الشوارع ساهرة حتى الفجر، ويزداد الإقبال على الأماكن ذات الطبيعة الدينية، فضلاً عن انتشاء المقاهي بروادها الذين ينخرطون في أحاديث شتى أو يفضلون متابعة التلفزيون.
التماسي
ومن المظاهر الاحتفالية المشهورة في اليمن احتفالية التماسي التي كان الأطفال يتطلعون لبهجتها منذ أواخر شعبان، حيث يؤدونها في شهر رمضان ويحصلون من خلالها على العطايا النقدية من أهالي الحي، إذ كانوا يؤدونها بمصاحبة أهازيجهم الخاصة بهذه الاحتفالية:
يا رمضان يا بو الحمائم
ادي لأبي قرعة دراهـم
يا رمضان يا بو المدافع
ادي لنا مخزن بضائـع
وهي العادة ذاتها التي كان أطفال مصر يمارسونها طوال ليالي شهر رمضان، حيث يدورون على بيوت الحي وهم ممسكين بفوانيسهم ويغنون:
ادونـــــا الـــعادة
اللـــــه يــــــخــــــليكم
الفـــانوس طقطق
الله يــــــخليكم
فإذا ما أطل عليهم صاحب البيت أو صاحبته وأكرمت وفادتهم عليها بمنحهم حبات المكسرات أو الحلويات، امتدحوا البيت وأهله... وهكذا من بيت لآخر.
وهي اللعبة ذاتها التي يمارسها أطفال فلسطين، وتعرف باسم «الحواية»، حيث كانوا يشكلون في ما بينهم فرقاً جوالة عرفت بالحواية أو المدّاحة وهي فرقة تجوب الأحياء والأزقة بعد تناول الفطور، ويتوقفون عند زوايا البيوت منشدين:
لولا فلان ما جينا
حلُّوا الكيس وأعطونا
أعطونا حلاوانا
صحنين بقلاوة
النداء كان يجذب إليهم الأطفال الآخرين فينضمون إليهم ويعينون أحدهم رئيساً عليهم ليعتلي كتف أشدهم، ويصبح هو المنادي والمادح للأهالي الذين يمنحونهم العطايا من خيرات البيت.
أما الجمعة الأولى من رمضان؛ فتشغل لدى المجتمع الموريتاني أهمية خاصة، يحرصون من خلالها على تعظيم صلة الرحم والاختلاف إلى المساجد لحضور الدروس الدينية، وغالباً يستعدون لها بشراء ملابس تقليدية جديدة (الدراعة للرجل، والملحفة للمرأة)، حيث يحرصون على استقبالها بشكل جديد، وبعد أن ينهوا يومهم بوليمة مخصوصة من لحم الإبل، يسعون للبادية مخلفين وراءهم عالم المدينة ومستقبلين الصحراء بهدوئها الساحر.
الخطبة والختان
يحرص الجزائريون بعد إحياء ليلة القدر المباركة على إعلان خِطْبَة شبابهم، وختان أولادهم استبشاراً بالليلة المباركة.
أما التونسيون فيقيمون حفلات الخطوبة خلال النصف الأول من رمضان، بعدها يقدم العريس في ليلة السابع والعشرين من رمضان، ما يعرف بـ «الموسم» (بضم الميم)، وهو عبارة عن هدايا يقدمها الخطيب إلى خطيبته. الموسم أيضاً ظاهرة معروفة في مصر، خلال المواسم الدينية: ليلة الإسراء والمعراج، ليلة نصف شعبان، وليلة القدر.
كذا تقوم الأسر التونسية بختان الأطفال في ليلة السابع والعشرين من رمضان، ويتم الاحتفال بختانهم في احتفالية خاصة تحييها فرق الأناشيد الدينية المعروفة لدى التونسيين بـ «السلامية».
ومع اليوم العشرين منه؛ يبدأ شباب اليمن المقبلون على الزواج في إقامة احتفاليات خاصة لاختبار مهاراتهم من خلال لعبة شعبية تسمى المداراة، حيث يوثق حبلان غليظان بجذع شجرة ضخمة تعرف بـ «النالوق» ويربط بهما كرسي ويتبارى الشباب في تحقيق أعلى ارتفاع في أثناء التقافز، بينما كبار السن يحكمون بين الشباب، الذين يحظى الفائز منهم بتقدير زملائه والشيوخ المحكمين، فضلاً بالطبع عن إعجاب عروسه التي تكون واقفة عن بعد تراقب المنافسة.
الغبقة
ومن الأسماء التي يطلقها الكويتيون والقطريون على شهر رمضان المبارك «شهر الغبقات». والغبقة هو اسم محلي لوليمة تتناول عند منتصف الليل، يدعى لها الرجال والنساء من أهالي الحي، كل له مجلسه الخاص، وهي إحدى العادات التي تؤلف بين القلوب وتزيد من الأواصر والروابط، حيث يلتف الجمع حول الأحاديث وتبادل الآراء في الشؤون المجتمعية.
القرقاعون
ليلة القرقاعون أو القرقشون أو القرقيعان، هي ليلة الخامس عشر من شهر رمضان، كما يطلق عليها البحرينيون، وقد اعتاد الأطفال في هذه الليلة أن يصحبوا أكياساً من القماش تخيطها الأمهات لهذه المناسبة تحديداً ويعلقونها في رقابهم، ويخرجون إلى الشوارع عقب الإفطار ويجوبون أنحاء الحي لجمع «قرقاعون» رمضان، وهو عبارة عن العطايا والنقود التي يغدق بها عليهم الأهالي، فيغني لهم الأطفال بطول العمر ووفرة الرزق، ويظلون يدورون بين البيوت حتى ساعة متأخرة من الليل، وهم يرددون:
أعطــــــــونا من مـــالكم
ســــلم الــــــله عــــيالكم
وهي ليلة معروفة بالشكل ذاته في المغرب وقطر ومدينة الأحساء السعودية والكويت، غير أن أطفال الكويت يحتفلون بها على مدار ثلاث ليال متتاليات (ليالي أيام الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر من شهر رمضان).
سكبة رمضان
تحرص معظم الأسر الميسورة في البلدان العربية على زيادة المطبوخ من طعامها خلال هذا الشهر بغرض توزيعه على الأسر الفقيرة أو تبادله مع الجيران.
وهذه العادة يطلق عليها في سورية المساكبة، وهي عادة تسعى لتحقيق التكافل الاجتماعي بين الأسر، حيث تحرص الأمهات على تبادل الأطعمة الرمضانية مع الجيران، وبذا تتحقق المساواة والتلاحم، بين الطبقات كافة.
ومن العادات المحببة لدى الأطفال في شهر رمضان أن يتولوا توزيع هذه الأطباق بأنفسهم وتبادلها مع الجيران، حيث يحرص الجار ألا يرد طبق جاره خاوياً، فيزوده بطعامه حتى إن كان أقل قيمة من طعام جاره.
وهي من عادات المصريين كذلك، فقبل الإفطار ترى الأطفال وهم يتنقلون بين البيوت حاملين الصواني المرصوص عليها الأطباق، يدقون الأبواب، لتقديم ما طبخت أمهاتهم لجيرانهم.
أما «موية رمضان»، فهي من عادات السودانيين التي يحرصون من خلالها على إمداد ذويهم المسافرين بالمؤن اللازمة للشهر، كما أنها هي الهدية التي يرسلها والد الفتاة المخطوبة إلى خطيب ابنته.
التشهير
يعد يوم التنشئة الرمضانية عند المجتمع الأصيلي بالمغرب من العادات الراسخة التي يحتفل بها يوم 26 رمضان ويدرب بها الأهالي أطفالهم على الصيام ويعودونهم على تحمل مشقته، حيث يحتفلون في هذا اليوم بالطفل الذي يصوم لأول مرة، وذلك بإلباسه ملابس جديدة، وإقامة وليمة خاصة احتفاء بهذا الحدث. وهي العادة المعروفة لدى بعض البلدان باسم «التشهير». وتعرف عند الجزائريين
بـ «يوم النفقة»، غير أنها تقام إما في بداية شهر رمضان أو عند منتصفه، أو في ليلة السابع والعشرين. ومما اعتاد عليه الجزائريون في هذا اليوم إعداد مشروب خاص من الماء والليمون والسكر، يوضع به خاتم من الذهب، وبعد انتهاء المشروب يكون الخاتم من نصيب الفتاة التي تصوم لأول مرة.
فكوك الريق
تكاد معظم الشعوب العربية تتفق في عادات تناولها وجبة الإفطار في شهر رمضان، حيث يحرصون على ابتداء فطورهم بحبات التمر مع الماء، إحياء لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يؤدون صلاة المغرب، وبعدها يتناولون وجبتهم الأساسية. وإن كانت هذه العادات تتفق في ملامحها الأساسية، إلا أن تفاصيلها تختلف من مكان لآخر وفقاً لأعرافه وتقاليده المحلية ونوعية الأطعمة التي تحرص هذه الشعوب على تناولها في شهر رمضان بشكل خاص.
يذكر أن «فكوك الريق» هو المصطلح الذي يطلقه أهل مكة على ابتدارهم إفطار رمضان بتناول التمر والرطب والماء.
موائد الرحمن
ومن المظاهر الخاصة بشهر رمضان الكريم في البلدان العربية، أن عديداً من الموسرين المسلمين يحرصون على إقامة موائد الطعام الخاصة، لإفطار الفقراء والمساكين وعابري السبيل؛ سواء في الشوارع والساحات أو المساجد، كما يحرص البعض على إخراج الزكاة المستحقة على أموالهم خلال شهر رمضان، بغرض التوسعة على فقراء المسلمين في هذا الشهر، والبعض ممن لا يعرفون طريقاً لصرف زكواتهم يقدمونها إلى الجهات الخيرية، التي تتولى توزيعها بمعرفتها على مستحقيها من الفقراء والمساكين الذين يترددون عليها.
ومن المشاهد الأثيرة انتشار الشباب في الحرمين الشريفين ساعة الإفطار يدعون الناس لتناول فطورهم، أو يقومون بإهدائهم وجبات مغلفة.
المسحراتي
عرفت معظم الشعوب العربية الشخص الذي يتولى إيقاظها بالليل لتناول وجبة السحور أو تنبيه الساهرين لموعد السحور، وكان عادة يتجول في الطرقات ويدق بطبله وهو يردد بصوته المسموع:
اصحى يا نايم
وحد الدايم
ويعرف في أغلب الأقطار العربية باسم المسحراتي، وبعض الشعوب تطلق عليه مسمى «أبوطبلة» أو «أبو طبيلة». كما يطلق عليه أهل الخليج العربي. أو «النفار» أو «الطبال» أو «الغياط» بينما يطلق عليه أهل المغرب، أو «النوبادجي» كما يسميه الليبيون.
ويستخدم المسحراتي طبلة كانت تعرف قديماً بـ «البازة»، يُمسكها بيده اليسرى، فيما يمسك بيده اليمنى سيراً من الجلد، أو خشبة يقرع بها الطبلة بها.
وهو من الشخصيات المحببة للأطفال، الذين يحرصون على الانضمام إليه وهو يسير بين طرقات الحي، كما أنهم يحبون الاستماع لصوته وهو يناديهم بأسمائهم، ويؤدي لهم الأغنيات التي يحبونها ويروي لهم القصص الطريفة.
وكانت للمسحراتي فنون عديدة يلجأ إليها لتنبيه النائمين للسحور، فالبعض كان يستخدم الفناجين النحاسية، بطرقها ببعضها البعض. والبعض كان يؤدي الابتهالات الدينية أو القصائد المادحة في شهر رمضان، أو الحكايات الشعبية القصيرة.
وهذه المهنة من المهن الثوابية، التي تقدم من دون مقابل سوى ما يحصلون عليه في صورة هدايا ومكافآت تسمى «العيدية» يمنحها لهم أهالي الحي صبيحة يوم العيد، وغالباً يضطلع بها أصحاب المهن التي يكسد سوقها في شهر رمضان، كما أنها تجذب إليها عديداً من الهواة ومحبي الخير.
صلاة التراويح
يحرص أغلب المسلمين في المجتمعات العربية على أداء صلاة التراويح في جماعة، حيث تلقى إقبالاً بارزًا من كل أعضاء الأسرة.
وتصلى صلاة التراويح في أغلب المساجد ثماني ركعات فقط، وبعض المساجد تصليها عشرين ركعة. ويحرص كثير من الأئمة في المساجد على ختم القرآن الكريم كاملاً في صلاة التراويح في ليلة السابع والعشرين من رمضان. وقد تذهب بعض النساء أحيانًا لأدائها في المساجد، والبعض الآخر يصليها في البيت، كما يحرص أئمة كثير من المساجد على إلقاء الخطب الدينية والدروس الوعظية والإرشادية، في فترات الاستراحة في أثناء أداء صلاة التراويح.
كذا اعتاد المسلمون في جميع أنحاء البلدان العربية أن يؤدوا صلاة التهجد في ليالي رمضان، وتصلى غالبا عشر ركعات، غير أنها قد تمتد في بعض المساجد حتى منتصف الليل.
ومن عادات بعض العرب في رمضان، متابعة صلاة التراويح منقولة على الهواء مباشرة من الحرمين، لما تتمتع به من زخم روحي.
ليلة القدر
تمثل ليلة القدر بالنسبة إلى الشعوب العربية حالة من السعي للإمساك بالبهجة والعثور على الخلاص الحقيقي والتحرر بالمغفرة والرحمة وأمل الانعتاق من النار... قلوب مشرئبة لانفتاح طاقة سماوية تهب الأمنيات إمكان التحقق.
وأغلب الشعوب العربية تحيي ليلة القدر بالمكوث في المساجد، حيث تشهد حضوراً مكثفاً من الناس، إلى أن يؤذن الفجر، ويصلونه جماعة ثم يؤوبون إلى بيوتهم.
التوحيش
وفى الأيام الأخيرة من شهر رمضان يبدأ المسحرون في الدول العربية في توديع شهر رمضان بأداء ما يعرف بـ «التوحيش»، وهي أبيات شعرية تبث الحسرة والحزن على قرب انتهاء شهر رمضان.
وقد اعتاد العراقيون في اليوم الأخير من شهر رمضان أن يقفوا فوق الأسطح لاستطلاع هلال شوال، فإذا ما لاح راحوا يودعون شهر رمضان قائلين: «الوداع يا شهر رمضان... الوداع يا شهر الطاعة والغفران».
ويبدأ الأردنيون توديع رمضان من الليلة السابعة والعشرين منه، ويتهيأون لاستقبال عيد الفطر المبارك، ويقوم الرجال بإحياء ليلة القدر المباركة في المساجد، بينما كان المسحرون قديماً منذ هذه الليلة يقومون بالتوحيش لوداع رمضان بالمدائح والأهازيج قائلين:
لا أوحش الله منك يا رمضان
يا شهر الكرم والإحسان
يا شهر الخير والغفران
ويُذكر أن اليوم الأخير من رمضان كان يسمى قديماً في الكويت يوم النشر، وهو المسمى ذاته ليوم وقفة عرفات، حيث تحمل التسمية معاني البِشر والسرور لانتشار الفرحة بقدوم العيد.
وفي الخميس الأخير من شهر رمضان يقوم أهالي السودان بإعداد طعام خاص يعرف
بـ «الرحمات» يوزعونه على الفقراء والمساكين، كما أنهم يعتقدون أن أرواح الموتى تأتي في هذا اليوم لتسلم على أهلها.
أما الليلة الأخيرة من رمضان فيسمونها في السودان «ليلة الحنجرة» وفيها يقيم من توفي له قريب أو عزيز خلال شهر رمضان، أو قبله بوقت قصير - عزاء ويُقدم للمعزين التمر والمشروبات.
بينما يطلق أهالي الأردن على الأيام الثلاثة الأخيرة من شهر رمضان مسمى ليالي الجبر، بمعنى جَبْر خواطر الفقراء والأيتام، ويحرصون على إخراج زكاة فطرهم في هذه الأيام
بالذات .
انتظار الإفطار في إحدى الدول الإسلامية