قنوات اتصال مستمرة مع القمر

قنوات اتصال مستمرة مع القمر

يُمثّل القمر عنصراً مهماً جداً بالنسبة للعلماء، فهو أشبه بكتاب التاريخ الذي يمكننا من خلاله تصفُّح الزمن واستخلاص معلومات ثمينة تساعد على فهم بداية نظامنا الشمسي وتطور الكواكب على مرِّ الزمان. إلا أن تحقيق ذلك لا يمكن القيام به اليوم إلا في عين المكان على سطح القمر. كما أن القيام بجولة سياحية إلى القمر أو سبر أغوار الفضاء يُعدَّان حلمين يراودان الكثيرين، بيد أن الأرقام تتحدث حتى الآن عن عدد قليل من الأشخاص فقط ممن حققوا هذا الحلم، إذ تمَّ اصطحابهم في مهام علمية مقابل مبالغ طائلة.

أحد هؤلاء الحالمين هو باحث ألماني يتطلع للوصول إلى الفضاء الخارجي؛ ليس شخصياً وإنما عبر وسيط تقني، فهو يقوم بأبحاثه في «كلية علوم الفضاء بجامعة شتوتغارت» (أكبر كلية لعلوم الفضاء في أوربا)، وهناك ستتيح له معدات مُحاكاة الطيران تجربة كيفية تصرُّف الكائنات في فضاء لا يخضع لقانون الجاذبية. وهو يقوم ببحوثه لرصد وتفحُّص حواجز جديدة واختبار التحديات التي واجهت العلماء حتى الآن للبرهنة على القدرة على تجاوز تلك الحواجز ولتحقيق إنجاز جديد، وكلما تخطى أحد تلك الحواجز قطع مسافة أكبر في هذا المجال. وهو يحلم بالقيام برحلة إلى القمر لوضع قمر اصطناعي للإرسال يربط مُباشرة بين القمر والأرض، وأن يُثبِّته في موقع يوفِّر عليه استهلاك كثير من الطاقة، وعلى الرغم من أن تلك المهمة شاقّة وتتطلَّب إجراء عمليات حسابية دقيقة، فإنها مشروع مُشوِّق ومُتعدِّد الجوانب، فيمكن للباحث التركيز على الميكانيكا المدارية أو تناول موضوع الاتصالات اللاسلكية مثلاً، كما يُتيح له المشروع تفكيك منظومات خاضعة لها. وتوصَّل في أبحاثه إلى أنه على الرغم من أن القمر والأرض يتنازعان في جذب القمر الاصطناعي نحوهما، فإن هناك مواضع في القمر الاصطناعي لا تخضع لتلك الجاذبية المُضاعَفَة، وفي تلك المواضع يستطيع القمر الاصطناعي أن يثبت في مكانه من دون الحاجة إلى الطاقة فيُرسل ويتلقى إشارات على مدار الساعة، كالإشارة الضرورية للتحكُّم في الروبوتات أثناء تجهيز المحطّات على سطح القمر. كما أن القمر الاصطناعي عندما يطل على الفوهة الصدمية على سطح القمر يُمكِّن الباحثين من مُشاهدتها طوال الوقت، وخصوصاً بعد تثبيت روبوت داخل تلك الفوهة للحصول على بيانات عنها.
   ولأن الرؤية المُستقبلية للباحث الألماني تتمثَّل في الحصول على تصميم واضح لقمره الاصطناعي، لم يكتف بتحديد مساره المداري، بل أراد معرفة وزنه كي لا يُخطئ في حساباته بشأن الوزن المسموح ويضيع الهدف، فعلى سبيل المثال من خمسة أطنان يمكنه تخصيص طن للألواح الشمسية لتشغيل النظم الفرعية. وساعده على ذلك وجوده على مقربة من مكان تجهيز أقمار اصطناعية، ففي جامعة شتوتغارت توجد فروع مختلفة للتخصُّص في علوم الفضاء ومختبرات حديثة جداً. كما قام في سبيل ذلك بتطوير «برنامج كونستيليشن» ليصل الحاسوب الخاص به بشبكة حواسيب بهدف تسريع العملية الحسابية الضرورية لمشروعه، وفي الأثناء أصبح لديه 10000 مشارك، فمن يدري ربما يحدد قريباً مسار قمره الاصطناعي، ويحصل بذلك على أفضل نتيجة. 

سطح القمر
إن الفوهات الموجودة على سطح القمر أو الأرض الناتجة عن اصطدام عنيف لقذيفة (مثل سقوط نيزك) تقود إلى استنتاجات مهمة، فالفوهات الصدامية التي نشأت على سطح الأرض اختفت على مرِّ الوقت بسبب الصفائح التكتونية وتأثير الغلاف الجوي، أما في ما يتعلق بسطح القمر فقد ظلت تلك الفوهات قائمة بحيث يمكن دراستها للتوصل إلى استنتاجات حول ما حصل على سطح الأرض في العهود الغابرة. كما يتوقع العلماء أن القمر يحتوي على عديد من المعادن والمواد الأخرى التي يمكن الاستفادة منها مستقبلاً واستغلال هذه المواد بشكل أفضل من الذي شَهِدَهُ كوكب الأرض، ومن تلك المواد الماء الجامد الموجود على سطح القمر، وبالتحديد في قطبيه الشمالي والجنوبي، وهما موقعان عميقان جداً لا تصل إليهما أشعة الشمس، لذلك يسود هناك برد شديد, بحيث يصبح الماء الجليدي جامداً، وربما سيمكننا الاستفادة من تلك المياه في المستقبل كمورد للطاقة. وفي وقت سابق كانت وكالة الفضاء الأوربية قد قررت إرسال روبوت إلى قطب القمر الجنوبي، بعد أن تبيَّن أن هناك مياهاً مُتجمِّدة في الفوهات الصدمية، لكن تمَّ العدول فجأة عن هذه الخطة وكل ما يتعلق بمشروع البحث عن إمكانية وجود ثلوج فوق سطح القمر. كذلك يهتم العلماء مثلاً بالبراكين على سطح القمر، فإذا نظرنا إلى القمر وشاهدنا تلك الزوايا المُظلمة على سطح القمر يتبين لنا أنها صخور بازلتية وأخرى بركانية كالتي نراها في جزيرة هاواي، ويرغب العلماء بالاطلاع على تاريخ هذه البراكين ومتى نشأت ومتى انطفأت، ومعرفة مدى تغير مكونات هذه الصخور عبر الزمن، وبالتالي معرفة كيفية تجمُّد براكين القمر أو متى انطفأت تماماً. 
على الرغم من أن تلك البحوث يجب أن تتم على سطح القمر، فإن لدى العلماء فرصة البحث عن بُعد من على سطح الأرض عبر الاستعانة بالأقمار الاصطناعية التي يطوِّرها الباحث الألماني وغيره، وكذلك من خلال فحص بعض العيِّنات المتوافرة التي حملتها مركبة أبولو من القمر في سبعينيات القرن الماضي، كما توجد مركبات فضائية حديثة في مدار القمر كالمسبار الذي أطلقته «ناسا» عام 2009 المُزوَّد بكاميرات دقيقة تُقرِّب الصور كثيراً من سطح القمر. 
وإذا أتيحت الفرصة للعلماء للذهاب إلى سطح القمر فسيكون ذلك أكبر تتويج للبحوث العلمية لمُقارنة البيانات والنتائج التي تمَّ الحصول عليها عبر الأقمار الاصطناعية بالحقائق الموجودة على أرض الواقع.