كيف تكتب رواية؟

كيف تكتب رواية؟

كثيراً ما يواجهني هذا السؤال من أناس مختلفين، وفي العادة تتلوه أسئلة أخرى، حول بداية فكرة الرواية والفترة اللازمة لتنفيذها وحبكتها الفنية، لا توجد إجابة بسيطة، فالرواية فن مركب، وتحتاج إلى إجابة مركّبة على شاكلتها، وهي بخلاف ما يعتقد الجميع، لا تأخذ وقتاً من العمر، ولكنها تضيف إليه، تجربة ومعرفة وعيشاً في عوالم وحيوات إضافية، حتى لو كانت خيالية، إنها تغني حياة الكاتب قبل القارئ، تساعده على تنفس الهواء الذي يريده، وتوسع مداركه العقلية لتفهم الآخرين، ولا تأتي فكرتها دفعة واحدة، ولكن على مراحل، تكتمل فصولها وتتضح معالم شخصياتها ببطء في الذهن، كأنها عجين يختمر، وتبقى هناك أجزاء غامضة حتى اللحظات الأخيرة.

تبدأ المرحلة الأولى للرواية باكتشاف حدودها، من أين تبدأ، وأين تنتهي، تماماً كمن يركب طائرة أسفلها مدينة غير واضحة المعالم، نتبين فقط البحر الذي تبدأ من عنده، والنهاية التي تقف عند الصحراء، وتبدأ المرحلة الثانية مع بداية تبين التفاصيل، محاولة النزول إلى المدينة والتعرف على تفاصيلها من الداخل، وهي أهم المراحل، إنها منطقة منتصف الرواية بين بداية قوية ونهاية مؤثرة، منطقة ضبابية يمكن أن تسقط فيها الرواية في فخ الملل والسرد والإطناب، فبعد أن تحبس البداية المبتكرة أنفاسنا، نخوض جميعاً في منطقة موحلة من الأحداث غير المتمايزة التي تتشابه مع عديد من الروايات الأخرى.

وكثيراً ما نسمع قول القراء: «رواية جميلة، ولكنني لم أستطع إكمالها»، مرحلة المنتصف هي السبب، لم تكن جيدة تماماً، فسوف يلقي القارئ الرواية للأبد، المرحلة الثالثة وهي التعرف على مصائر الشخصيات، كما لو أننا نتعرف على أهل المدينة التي هبطت إليها، يهتم البعض كثيراً بكون الشخصية مشتقة من الواقع، لا يهمني ذلك كثيراً، لا يهم أن تكون قريبة من الواقع أو بعيدة عنه، المهم أن يتم تصويرها بصدق، وأن تمتلئ بحياتها الخاصة، الشخصية الإنسانية دائماً متفردة، كأنها بصمة أصبع، لها سماتها وتفردها.

واكتشاف الشخصية هو مفتاح الرواية، لأن الحكاية تنبع منها، فالسينما تأخذ من الحكاية مفتاحها، وتبني عليها شخصياتها، معتمدة على الحركة والصورة، بعكس الرواية التي تعتمد على الشخصية وسماتها الإنسانية ومشاعرها الداخلية.

المرحلة الرابعة هي الاهتمام باللغة، الكاتب هو الأسلوب، والكتابة دائماً أكبر من الكاتب، إلا أن نجاحه الحقيقي هو عندما يمتلك صوته المتفرد، أسلوبه الذي يتعرف عليه القارئ، سواء كان اسم الكاتب موجوداً عليه أو لا، أحضر أي كتاب لنجيب محفوظ ومزِّق الصفحات الأولى التي تحمل الاسم والعنوان، وسوف تتعرف من السطور الأولى على أسلوب نجيب المتميز.

وعلى الكاتب - بعد أن ينتهي من الكتابة الأولى - أن يحذف كل الجمل المأثورة والمحفوظة والمكررة والنمطية، عليه أن يخلق أسلوبه الخاص، وأن يبذل في ذلك قصارى مقدرته اللغوية، فاللغة مجرد وسيط للتفاهم بين البشر، ولكنها في مجال الأدب غاية في حد ذاتها، هي عدة الكاتب وأداته للتعبير، وعليه ألا يكف عن تجويدها، بعض الكتاب الجدد يلجأون إلى كتابة صحفية سريعة ومحايدة، والبعض يخلطها بالعامية، والبعض الثالث يخلق لغة مطعَّمة بألفاظ أجنبية، على غرار اللغة المستخدمة في مواقع التواصل الاجتماعي، وكلها تهبط بلغة الرواية التي يجب أن ترتقي لمستوى أفضل من ذلك، وفي الختام كما قلت، الرواية فن معقد وأتمنى من أصحاب الخبرة الإدلاء بآرائهم في هذا الأمر .