حرفة الحلاق في عصر سلاطين المماليك

حرفة الحلاق  في عصر سلاطين المماليك

تعتبر حرفة الحلاق من الحرف المهمة في المجتمع المصري قديماً وحديثاً، ورغم هذه الأهمية، فإن أصحابها كانوا من الطوائف المهمشة في المجتمع أثناء فترة العصر المملوكي، فلم يلقوا أي اهتمام من قبل مؤرخي ذلك العصر، فضلاً عن الباحثين المحدثين، وهذا كان من أهم الدوافع لدراسة هذا الموضوع.

ويمكن أن نقسم طائفة الحلاقين إلى أربع فئات:
الفئة الأولى: هم المقربون من السلاطين ورجال الدولة، وكانوا على درجة عالية من المهارة، وكان للسلطان حلاق خاص يسمى «جلبي» ويقوم بحلاقة شعر السلطان وتهذيب لحيته، وممن تولى منصب الحلاق الخاص بالسلطان قنصوه الغوري، علم الدين، الذي ولد ونشأ في الحسينية، واتصل بالغوري منذ أن كان أميراً، فلما تولى السلطنة قربه وأدناه وجعله حلاقه الخاص، فصارت له هيبة كبيرة في الدولة، ودخلت الحسينية تحت حمايته، لا يسمح لأحد من أتباع السلطان أو المباشرين من الاقتراب منها إلا بإذنه، وظل الأمر على ذلك حتى حدثت مشكلة بينه وبين أعوان الوالي عام 922هـ/1516م، فغضب السلطان الغوري عليه وأمر بعقابه ثم عفا عنه، وأمره أن يلزم بيته ولا يصعد إلى القلعة.
بعد عزل علم الدين عن منصب جلبي السلطان طلب الغوري من محمد المهتار أن يبحث له عن جلبي آخر يحلق رأسه؛ فعرض عليه «جلبية» عدة فما أعجبه منهم أحد، ثم عرض عليه صبياً صغيراً يتيماً من منطقة باب الوزير يسمى عبدالرازق يجيد الحلاقة، فلما حلق للسلطان أعجبته حلاقته، فأنعم عليه بكسوة وبغلة، واستقر جلبي السلطان بدلاً من علم الدين.
كما كان للأمراء وكبار رجال الدولة حلاقون اختصوا بهم دون غيرهم من بقية الشعب، وقد ذكر لنا السخاوي واحداً من هؤلاء يسمى ريحان الزنجي الحلبي (ت:878هـ/1473م)، ووصفه بالدين والصلاح، وذكر أنه كان يمارس مع حرفته حرفة السقاية، وأمر الجمع بين أكثر من وظيفة من عوائد العصر المملوكي، بغض النظر عن الغنى والفقر، ويبدو من اسمه أنه كان من السود، سواء الهنود أو الأفارقة الذين سيطروا على هذه الحرفة طوال العصر المملوكي.
وبالطبع، كانوا على قدر من الثراء، لأن أجرتهم كانت أغلى من أجرة الحلاق العادي، فضلاً عن المنح التي كانت تنهال عليهم في حفلات ختان أولاد السلاطين والأمراء ورجال الدولة التي كانوا يقومون بإجرائها، ففي ختان محمد بن السلطان برسباي سنة827هـ/1423م، أعطي المزيِّن مائة دينار ذهب من «النقوط» التي أهديت للسلطان، وهذا الثراء ساعدهم على امتلاك المسكن الفخم واقتناء الجواري والغلمان ونحو ذلك، واستخدموا أحدث أدوات الحلاقة في ذلك العصر.
الفئة الثانية: فئة الحلاقين الذين اختصوا بالعمل لحساب المؤسسات الدينية والتعليمية كالمدارس والخانقاوات وغيرها، وهؤلاء كان بعضهم معيناً في هذه المؤسسة نظير أجر شهري، وكان بعضهم يتردد على المؤسسة عند الطلب.
الفئة الثالثة: هم من كانت لهم أماكن أو حوانيت معلومة في القاهرة وغيرها، يتردد الناس عليها للحلاقة، كظاهر المدرسة الصالحية التي وجد فيها عدد من الهنود الذين امتهنوا حرفة الحلاقة، وقد حدثت مشاجرة بينهم عام 840هـ/1436م، انتهت بوفاة أربعة أشخاص، فنُودي بعدها ألا يبقى أحد من الهنود في القاهرة.
الفئة الرابعة: هي فئة الحلاقين الذين كانوا يجوبون الشوارع، ويحلقون لطوائف العامة مقابل أجر معلوم،  وكانوا يقصدون أمكنة تجمع الرجال، مثل أمكنة العمل المكتظة والأسواق والبيوت والمساجد، حاملين حقائبهم التي تحتوي على كل مستلزمات عملهم، وهي محدودة: مشط ومقص وموسي وحزام جلدي لسن الموسي وصابون حلاقة مع وعائه. 
وهذه الفئة وصفها طافور بقوله: «كانوا يذرعون شوارع القاهرة جيئة وذهاباً؛ وقد ثبتوا المرايا في صدورهم ينادون على صناعتهم، وكذلك بعض السود الذين تتراوح أعمارهم بين العاشرة والثانية عشرة وهم يصيحون: من يريد الزيانة؟ وهؤلاء هم الذين يقومون بخدمة النساء اللائي يردن النظافة في الحمام».
ولنا أن نتوقف عند هذا الوصف، فقوله يذرعون يعني كثرتهم الملحوظة في شوارع القاهرة، أما هؤلاء السود، فإما أن يكونوا من الهنود، وهذا هو الغالب أو من الأحباش، ثم يحدد طافور أعمارهم أنهم ما بين العاشرة والثانية عشرة، ويذكر أن هؤلاء كانوا يقومون بتنظيف النساء في الحمام، ولعله كان مسموحاً لهم بذلك باعتبارهم صبية صغاراً لا يُخشى منهم.
 لكن دور المزيِّن لم يكن يقتصر في علاقته مع  المرأة على الحمام، بل كان يُستدعى إلى البيوت لتجميل النساء وعمل الحجامة وغيرهما، ولما كان هذا الموضوع ذا خطر على المستوى الأخلاقي، فقد سارع الفقهاء إلى وضع الضوابط والشروط التي تحكم العلاقة بين المزيِّن والنساء، ومن هذه الضوابط: ألا يدخل المزيِّن بيتاً تكون فيه المرأة وحدها، بل لابد من وجود أحد محارمها أو بعض النسوة، وأن يكون ثقة أميناً، ويغض طرفه قدر استطاعته، ولا ينظر إلى موضع الضرورة.
 وفي محاولة للتخفيف من الأضرار الخلقية، يذكر الفقيه ابن الحاج المالكي (ت:737هـ/1337م) أنه ينبغي أن تكون للنساء صانعة أو مزينة مسلمة تقوم بأمورهن، وينصح بألا تكون شابة، لأنها تكون مصدراً للفتنة، وبخاصة إذا كانت متبرجة فيطمع فيها الرجال وتكسب النساء بعض الخصال السيئة، فإن لم يكن فالصبيان المأمونون الذين هم دون مراهقة البلوغ – مثل من رآهم طافور في القاهرة- فإن تعذر فمن الشيوخ مع عدم الخلوة، وهذا في الضروريات في ما يحتاج إليه لإخراج الدم مثلاً، أما خلاف ذلك من تفليج الأسنان والوشم والنمص- وهو إزالة الشعر من الوجه - وغيرها فهو محرم، وقد ورد النهي عنه، كما اشترط عليه في ما يخص الصنعة «أن يكون خفيفاً رشيقاً بصيراً بالحلاقة، وأن تكون أمواسه جديدة قاطعة» حتى لا تتسبب في نشر الأمراض وإصابة الجلد بالجروح ونحو ذلك، وقد نالت هذه الحرفة حظها من الأمثلة العامية المصرية فقالوا: «زي المزين يضحك على الأقرع بطقطقة المقص».