مدى اعتماد الشباب الخليجي على وسائل الاتصال التقليدية والحديثة في أوقات الأزمات

مدى اعتماد الشباب الخليجي على وسائل الاتصال التقليدية والحديثة في أوقات الأزمات

ضمن سلسلة بحوث ودراسات إذاعية وتلفزيونية، أصدر جهاز إذاعة وتلفزيون الخليج لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، دراسة مسحية على عينة من طلبة الجامعات الخليجية تحت عنوان «مدى اعتماد الشباب الخليجي على وسائل الاتصال التقليدية والحديثة في أوقات الأزمات» أعدها د.عبيد بن سعيد الشقصي؛ الأكاديمي المتخصص في جامعة السلطان قابوس، سلطنة عُمان.

تعد الأزمات عنصراً ملازماً لحياة الجماعة أو الفرد، وهو ما يدفع الخبراء إلى إطلاق تسمية «عصر الأزمات» على هذا العصر، لازدحامه بالكوارث الطبيعية، والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وحوادث العنف والإرهاب.
وقد تعددت وجهات نظر الباحثين في تحديدهم لمفهوم الأزمة، بين ربطها بأسبابها، أو التفرقة بينها وبين ظواهر أخرى، كالمشكلة (الباعث الرئيس لحالة غير مرغوب بها تحتاج جهداً كبيراً ومنظماً للتعامل معها) والكارثة (التغيير المفاجئ ذو الإرث الحاد والتدميري بما يعد سبباً للأزمة) والصراع (تصارع إرادتين تتضاد مصالحهما). 
وتُجمع معظم التعريفات للأزمة على أنها عبارة عن موقف أو حدث طارئ يُحدث ارتباكاً في تسلسل العمل اليومي للمؤسسة، ما يحتّم عليها اتخاذ قرارات سريعة في وقت محدد وفي ظروف يسودها توتر وتفاعلات مختلفة، وقد ينجم عن هذا الحدث تأثيرات سلبية في الأرواح والممتلكات، وتمثل الأزمات مصدر جذب لوسائل الاتصال التي غالباً ما ترتبط معالجتها للأزمات بالسلبية، خاصة تلك التي من صنع البشر.
أما من الناحية الاجتماعية، فالأزمة هي التي توقف الأحداث المنظمة والمتوقعة بما يحدث اضطراباً للعادات والعُرف. والأزمة السياسية تعني حالة أو مشكلة تأخذ بأبعاد النظام السياسي وتستدعي اتخاذ قرار لمواجهة التحدي الذي تمثله.
أما الكوارث الطبيعية فهي حادثة محددة زماناً ومكاناً، ينتج عنها تعرض مجتمع بأكمله، أو جزء منه إلى أخطار مادية شديدة وخسائر في الأرواح، كما أنها تؤثر في البناء الاجتماعي بإرباك حياته وتوقف توفير المستلزمات الضرورية لاستمرارها.
وقد عدد الباحث في مقدمته كيف شهدت دول الخليج العربية، وبدرجات متفاوتة، في العقود الأخيرة، عدداً من الأزمات، بدأت عام 1980 بالحرب العراقية - الإيرانية، ثم الغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت عام 1990، ومن بعدها حرب تحرير الكويت عام 1991، كما كانت هناك أزمات صناعية وتكنولوجية أشهرها حرائق النفط الكويتية، وحدثت كذلك أزمات طبيعية، حيث شهدت سلطنة عمان إعصارين عامي 2007 و2009، وفي عام 2009 تسببت سيول مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية في خسائر بشرية ومادية كبيرة، وطالت الأزمة المالية العالمية عام 2008 اقتصادات دول الخليج جميعاً.
ومع تزايد أعداد المستخدمين لشبكة الإنترنت وتطبيقاتها في منطقة الخليج العربي، تشير الإحصاءات إلى أن حوالي 43 في المائة من جيل الشباب العربي يستخدمون الإنترنت، وأكثر من 62 في المائة منهم يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي، وأن نصف هؤلاء يستخدمون «يوتيوب» يومياً، بينما انخفضت نسبة مشاهدة التلفزيون للفئة العمرية نفسها إلى 20 في المائة، كما تحول الجمهور عامة إلى استخدام الخدمات الإخبارية المتوافرة على الشبكة العنكبوتية بديلاً للقنوات الإخبارية التقليدية، حتى استغنت بعض الصحف عن طبعاتها الورقية وتحولت إلى صحف إلكترونية فقط.
وبعد استعراض المؤلف للدراسات السابقة خلص إلى:
< بروز وسائل الاتــــصال الحديثة كــــمادة ثرية لعديد من الدراســــات السابقــــة في السنــــوات الخمس الأخيرة من مختلف الزوايا، خاصة من زاوية مقارنتها مع وسائل الاتصال التقليدية.
< اتجاه عديد من الدراسات للتعرف إلى تأثير الوسائل التقليدية والحديثة على مختلف الأزمات.
< بروز مدخل الاعتماد Dependency علمياً، حيث استخدمه عدد من الدراسات العربية وغير العربية لدراسة الأزمات، سواء كان الاعتماد موجهاً لدراسة الوسائل التقليدية أو الحديثة.
< ندرة الدراسات التي تناولت علاقة أو تأثير وسائل الإعلام على الأزمات في دول الخليج، على الرغم من حيوية هذا الموضوع في الوقت الراهن.
< لا توجد دراسة مقارنة بين أكثر من دولة خليجية من زاوية وسائل الاتصال التي يعتمد عليها الجمهور أثناء الأزمات.
< دوافع الاعتماد تتباين، بين التهديد والرقابة وانقطاع الخدمة ونوعية الوسيلة وطبيعة الأزمة والمتغيرات الشخصية.
< يختلف حجم التأثير الناجم عن اعتماد الجمهور على وسائل الاتصال وفقاً للجوانب المعرفية والوجدانية والسلوكية. 
< هناك خصائص تميز وسائل الاتصال الحديثة، مثل التفاعلية، والسرعة، وتخطي الرقابة، تدفع الجمهور للاعتماد عليها.
< ثقة الجمهور بوسائل الاتصال التقليدية أثناء الأزمات أكبر من ثقته بوسائل الاتصال الحديثة.
وكان من بين أهم نتائج تلك الدراسات وجود علاقة عكسية بين التعرض لوسائل الاتصال الحديثة عبر الإنترنت والتعرض للوسائل التقليدية، وأن تلك الحديثة، بديل مهم يصل عبر الهاتف المحمول، مما يحقق الخصوصية والتفاعل معها، بما يجعل من تلك الوسائل وعاء ناقلاً أثناء الأزمات ومناهضاً كذلك للمواقف الرسمية. 
 ويعرف الباحث مصادر نظرية الاعتماد، ومنها النظرية العامة General Theory التي تحاول فهم تأثير وسائل الإعلام، وتأثيرها المباشر على الأفراد. وكذلك رؤية قـــياس وسائـــل الإعلام من خلال دراسة نظـــام معتقدات الأفراد بدلاً من التركيز على الفرد نفسه فقط لتقييم تأثيرات تلك الوسائل، حيث يزيد اعتماد الجمهور على وسائل الاتصال في المجتمعات التي تقوم فيها تلك الوسائل بأدوار وظيفية مركزية، وسط التغيرات الاجتماعية السريعة وفي خضم الصراعات الاجتماعية الكبرى.
ووفقاً لذلك تقوم وسائل الإعلام بتلبية ثلاث حاجات أساسية وفقاً لواضعي مدخل نظرية الاعتماد:
< الحاجة إلى فهم المجتمع الذي ينتمي إليه الشخص.
< الحاجة إلى التصرف بفاعلية في هذا المجتمع.
< الحاجة إلى التسلية للهروب من مشكلات الحياة اليومية ومنغصاتها.
وقـــــد شملــــت الدراســـة 12 وسيلة تم تصنيفها في أربع فئات، هي شــــبكات وتطبيقات التواصل الاجتماعي متمثلة في «فيسبوك» Facebook، و«تويتر» Twitter، وتطبيق «واتساب» WhatsApp، ووسائل اتصال تقليدية، متمثلة في التلفزيون (القنوات الفضائية)، والراديو، والصحف، والبث الإذاعي Web-Radio، والبث التلفزيوني Web-TV عبر الإنترنت، وطرق اتصال ومصادر معرفة عبر الإنترنت تمثلت في  «يوتيوب» YouTube، والمدونات Blogs، والمنتديات، والبريد الإلكتروني.
وبينت الدراسة أنه على الرغم من انتشار شبكة الإنترنت الواسع في منطقة الخليج وتعدد تطبيقاتها، فإنها لم تسحب البساط من الوسائل التقليدية، خاصة القنوات الفضائية. كما ظل البث الإذاعي والتلفزيوني عبر الإنترنت بعيداً عن المنافسة. وفي حين يستخدم الكويتيون «يوتيوب» والمدونات أكثر من أقرانهم، فإن اليمنيين هم الأكثر استخداماً لـ«فيسبوك»، والعمانيون يعتمدون كثيراً على الراديو و«واتساب». 
وإذ يعتمد الذكور من ذوي الدخل المرتفع، الذين يشغل آباؤهم مناصب رفيعة، على فيسبوك ويوتيوب، كأكثر وسيلتين استخداما، فإن ذوي الأعمار الأقل والدخل الأدنى يفضلون واتساب. وتجدر الإشارة إلى أن الشباب، خاصة في الإمارات وسلطنة عُمان، هم الأكثر اعتماداً على المصادر الحكومية من غيرها. وقد عزا المؤلف العُماني ذلك إلى أن للعمانيين تجارب سابقة مع إدارة الإعلام العماني لأزمة إعصاري جونو 2007 وفيت 2010 جعلتهم يفضلون المصدر الحكومي. 
ومن النتائج أن الشباب الخليجـــــيين يرون أن أزمات الحروب والصراعات والصحة والفساد الإداري والمالي تشكل تهديداً على الفرد والمجتمع بشكل أكثر من غيرها من الأزمات. وتأكد اعتماد الشباب على الوسائل التي تتميز بالموضوعية والمهنية أكـــــثر من غيـــرها في معالجة الأزمات، كما أثبتت الدراسة صحة فرضيتها بوجود علاقة موجبة بين شدة التهديد الذي تمثله الأزمة والاعتماد على وسائل الاتصال. 
وبعد تحليل كل النتائج، خلص الباحث إلى توصيات عدة منها ضرورة سعي الدراسات اللاحقة التي تعتمد على نظرية الاعتماد على وسائل الاتصال Media System Dependency Theory إلى تضمين مجموعة من المتغيرات المهمة مثل خصائص الوسيلة ومكانة المبحوث في المجتمع وارتباطه بجمعيات أو اتحادات أو مؤسسات مجتمع مدني. 
وأن تسعى الدراسات اللاحقة إلى التعمق في دراسة المحتوى الذي يحقق دوافع الاعتماد على وسائل الاتصال. 
وكذلك استعانة المؤسسات الحكومية والخاصة في المجتمعات الخليجية بطرق وتطبيقات الاتصال الحديثة وقت الأزمات، حيث تبين من هذه الدراسة أن واتساب ومواقع المواد الفيلمية وشبكات التواصل الاجتماعي تستقطب شريحة جيدة من الشباب، مما يحتم تفعيلها.