اللؤلؤ... والزيتون

اللؤلؤ... والزيتون

كانت ومازالت مجرد حبة من رمل بحري، تتدحرج في قاع البحر مع زميلاتها من الرمل - طبعاً - يميناً وشمالاً، صعوداً وهبوطاً، وفق ما تأمرها به التيارات المائية والصخور المختلفة الأحجام والأشكال، وفواصلها من أعشاب البحر حتى تدفع تلك التيارات بصاحبتنا (حبة الرمل) إلى فوهة قوقعة فتغمرها هذه - أي القوقعة - باللعاب كسوة، طبقة بعد طبقة حتى تكبر حجماً، فيعزّ عليها الخروج بعد عملية التسمين تلك، بالإضافة إلى استمتاع صاحبتنا بالبيئة الجديدة المناسبة بانتظار فارس أحلامها، ذاك الغواص الذي يكتشف موقعها فيحملها بين يديه بحنان ويخرج بها إلى اليابسة، ليهديها لؤلؤة كاملة النمو لحبيبة القلب فتزدان صاحبتنا بها.
هكذا تتم رحلة حبة الرمل تلك لتصبح جوهرة... فإن كانت كاملة الاستدارة صلبة الكسوة، لامعة اللون الذي يتدرج عادة ما بين الصفرة والبياض وبعض من حمرة أحياناً، فهي إذن «دانة» بلغة أهل الخليج، وإن كانت غير ذلك، أي اعتورها بعض من نقص في الحجم أو الاستدارة أو الصلابة أو اللون، فهي مجرد «قماشة» ولكل من قمة «الدانة» حتى أرضية «القماشة» ثمن يبدأ بالقماش ويعلو حتى يصل إلى «الدانات»، وهذا ما يحدده «جرَّاح اللؤلؤ»، ذاك الرجل الذي اكتسب الخبرة بالملاحظة والتدقيق والمتابعة والتمييز. وهكذا دخل اللؤلؤ عالم التجارة محاذياً للذهب، فازدانت به نحور الأميرات والملكات في الشرق والغرب، تشهد بذلك - هذه الأيام - متاحف العالم التي لا تخلو - عادة - من جناح يسمى «مجوهرات التاج».
بهذا دخل اللؤلؤ عالم الاستثمار، فادخره الرجال على رقاب نسائهم، وعمّ العالم الانبهار بجمال المولود الجديد وصعوبة الوصول إليه، حتى أدخله اليابانيون في عقولهم وبدأوا في تحدًّ لتصنيعه عبر زراعته بعد دراسة بيئته التي نقلوها إلى بعض الأجزاء من بحارهم، ونجحوا وأبدعوا في التدخل بالأحجام والألوان، ما أدى إلى تراجع اللؤلؤ الطبيعي الخليجي وبدأ في الانخفاض بالثمن، وكلما صعد «الياباني» انخفض «الخليجي» ما عدا الكمّ المحتفظ به للذكرى!
ومثلما هجم اليابانيون على الخليجيين، أرسل لهم رب العباد الإسبان وسكان جنوب أمريكا للهجوم عليهم بالتصنيع بالغ الانخفاض بالنوع والثمن، وذلك عبر التنازل عن الطبقات الحامية لحبات الرمل والاكتفاء بالشكل، فأُنشئت المصانع، ما جعل اللؤلؤ يهبط عن عرشه ويكتفي بالبساط يجلس عليه، تاركاً الكساد ليشق طريقه نحو اللؤلؤ الخليجي الأصيل.
ملحوظة: زرت إيران عام 1966، ومما زرت فيها كان متحف مجوهرات التاج، وكان تحفة فنية رائعة يتوجها اللؤلؤ، فسألتهم كيف تحتفظون باللؤلؤ بهذه الجودة؟ فهمس أحدهم في أذني بمعلومة - على ذمته - قال: عُمر اللؤلؤة الجيدة (الدانة) تماماً كشجرة الزيتون مائة عام، قلت - بسذاجتي - وبعد ذلك؟ قال: تتحول إلى حبة رمل لا قيمة لها.
قلت: وما العمل؟
قال: الروس ابتكروا طريقة تتمثل في إعطاء حبة اللؤلؤ للديك يبلعها فتخرج منه متجددة عمراً آخر.
«صدّق أو لا تصدّق»!.