عزيزي العربي

عزيزي العربي

تعقيبان

جبران.. وفلسطين

قرأت موضوعين في مجلة «العربي» الأول عن «جبران» والثاني عن «الاحتلال الإسرائيلي».

وتعقيبًا على ما كتبته الشاعرة والكاتبة الصحفية سعدية مفرح، بعنوان «جبران خليل جبران.. همزة الوصل الجميلة» أضيف من أقواله ما يلي في كتبه:

«وويل لأمة تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تنتج وتشرب مما لا تعصر».

وفي الموسيقى يقول: «أعطني الناي وغني فالغنا سر الوجود...، وأنين الناي يبقى بعد أن يفنى الوجود». كما كتب في لغة الضاد، كتباً منها: «الموسيقى» و«عرائس المروج» و«الأرواح المتمردة» و«المواكب» و«العواصف» و«الأجنحة المتكسرة» و«دمعة وابتسامة» و«البدائع والطرائف» من منظار فيلسوف اجتماعي بعيدًا عن التعصب الطائفي.

فشكرًا لمجلة «العربي» وخلاصة القول إن جبران خليل جبران لم يكن شاعرً وفنانًا بالرسوم الزيتية فحسب، بل هو أديب كذلك وفيلسوف في كتابته الشعرية والنثرية.

وهناك الموضوع الثاني الذي كتبه حسين عبدالله عن الاحتلال وإفقار الفلسطينيين، فقد لفت نظري صورة طفل على أنقاض منزله وهو يبحث عن الحليب، حيث لا مدارس، ولا مصدر للرزق ولا شيء غير الحصار والإفقار وغير الشعور باليأس، فالجوع كافر والزراعة معطلة والاحتلال الإسرائيلي اقتلع أشجار الزيتون بالبلدوزرات، وأقام المستوطنات في الضفة الغربية، وأحيّي الكاتب على ما قاله: «حين نذكر المؤسسات الأهلية، فإننا نقصد ذات الحضور الميداني منها، التي تقدم خدمات يومية للمواطن، كالمؤسسات الطبية والزراعية والتنموية التي تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، هذه صورة الوضع في فلسطين المحاصرة اقتصاديًا من دولة الاحتلال الإسرائيلي العنصرية».

جورج مرهج - وندسور - كندا

ابن خلدون ورحلته

لاتزال مجلة «العربي» تحتل مكانة مرموقة في الذاكرة، وقياسًا على أعدادها القديمة، فقد تكوّنت لدي رغبة في تسجيل الحوادث التاريخية المختلفة بالتاريخ الهجري، ومع تكرار تصفّحها، وإضافة الجديد إليها، أصبح التسلسل التاريخي للحوادث الإسلامية معروفًا لدي.

وبعد تصفّح العدد (569) أبريل 2006 ربيع الأول 1427هـ وقراءة (من المكتبة العربية - التعريف بابن خلدون ورحلته شرقًا وغربًا)، وجدت نفسي أتساءل وبشدة عن صحة ما جمعته من تاريخ للحوادث، ولتوضيح ذلك، أذكر استنادًا إلى المعلومات المتفرقة والموجودة لدي، النقاط التالية:

1- إن سقوط الخلافة العباسية على يد المغول التتار (هولاكو) حدث في 656هـ، بعد خيانة مؤيد بن العلقمي مما أدى إلى أن يقتل هولاكو الخليفة العباسي المعتصم بالله وأبناءه، ويقال إن بعضًا من أفراد عائلته هرب.

2- وصل المغول إلى دمشق بعد سنوات قليلة من سقوط الخلافة العباسية ببغداد، وكان في حينها على مصر السلطان قُطز وقائده بيبرس من دولة المماليك.

3- استطاع قطز وقائده بيبرس في 658 هـ أن يدمر المغول في معركة عين جالوت شمال فلسطين، ويطارد المغول خارج بلاد الشام. قتل بيبرس سلطانه قطز واستولى على الحكم.

4- في خلال سنوات قليلة، انحسر سلطان المغول عن البلاد العربية ودخل أكثرهم في الإسلام قبل نهاية القرن السابع الهجري.

5- وُلد ابن خلدون في 732هـ وتوفي في 808هـ، وبذلك لم يتزامن وجوده مع وجود المغول.

سفيان كامل
حضرموت - المكلا - اليمن

بين إسحاق الموصلي وزرياب

طالعت بـ«العربي» العدد (570) مايو 2006 مقال د. عادل زيتون «الأندلس تغني على أنغام زرياب»، واستوقفني قوله ص61 «يبدو أن إسحاق الموصلي ندم أشد الندم على اصطحاب تلميذه زرياب إلى مجلس الرشيد لأنه شاهد بأم عينه مدى إعجابه به، وأدرك أنه إذا سطع نجم زرياب، فإن ذلك سيكون على حساب منزلته ومستقبله، لاسيما أن ما قدمه زرياب من أغاني وألحان في مجلس الخليفة، فاق ما كان يقدمه إسحاق نفسه. ولهذا دبّ الحسد، الذي هو داء كل العصور، في قلب الأستاذ تجاه تلميذه، وقرر التخلص منه بأي ثمن كان، وطلب منه أن يختار بين أمرين: إما أن يغادر إلى أي مكان في أرض الله الواسعة، وإما أن يقيم في بغداد على كره منه، وعليه والحالة هذه أن يتحمل ما سيلحق به من أذى بما في ذلك الاغتيال». ولنا عند قوله هذا وقفة. فالحقيقة... أن هناك في تاريخ الغناء العربي أكذوبة شائنة عجيبة، التصقت بأكبر أقطابه - إسحاق الموصلي - المغني والملحن الأعظم الذي رسخت بعمله وعلمه قواعد التلحين والغناء، وكان الملحنون والمغنون بإزائه أقل من التراب - على حد تعبير واحد من أكبرهم في زمانه - هذه الأكذوبة تدخل في جملة الأساطير التاريخية، وأول مَن رواها المؤرخ المقري في كتابه الشهير (نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب)، نقلاً عن كتب أندلسية غير موثوقة. «المقري أبو العباس أحمد بن محمد التلمساني، المتوفى في القاهرة في جمادى الآخرة 1041هـ-1932م، وقد ألف كتابه عن الأندلس النفح الطيب وذكر وزيرها لسان الدين بن الخطيب - على طريقة الجمع والتصنيف وتأليف المقتبسات بعضها مع بعض، ومعظمه نقول تتراوح بين فقرات قصيرة إلى كتب كاملة، والكتاب على هذا النحو خليط لا يستريح الإنسان إليه، لأن المؤلف يجري فيه على طريقة الاستطراد، فقد يكون في سياق ترجمة شخصية، ثم يمر ذكر شخصية أخرى، فيترجم له بعد أن يقطع الترجمة الأولى، ثم يعود إليها بعد نحو عشرين صفحة أحيانًا». والقصة - كما ذكرها المقري - غير موجودة في معظم كتب المؤرخين المتقدمين، إلا أنها أكثر ظهورًا في كتب المؤرخين والأدباء المتأخرين.

هذا الفنان العظيم - إسحاق الموصلي، لحقته تلك الأكذوبة أو التهمه الباطلة. فظل بعض مؤرخي الأدب والغناء يرددونها بعد رحيله عن الدنيا بزمان طويل، وانتقلت من كتاب إلى كتاب حتى صارت كأنها من الحقائق، ووجدناها حتى في الكتب، التي صدرت في العصر الحديث، والتي تؤرخ للغناء في عصوره المختلفة. والأكذوبة مفادها أن زرياب الملحن المغني الذي اشتهر في الأندلس خلال الثلث الأول من القرن الثالث الهجري، إنما هاجر من بغداد إلى المغرب ثم إلى الأندلس في أواخر القرن الثاني الهجري، خوفًا من بطش إسحاق الموصلي وتآمره عليه، وتهديده له بالقتل إن لم يغادر بغداد ويسافر إلى أقصى مكان في الأرض يرتزق فيه.

وهكذا تصور هذه القصة المنحولة الفنان الشاعر الأديب العالم المتفقة في الدين المشهور بالعفة والاستقامة، كأنه أحد عتاة الشطار وقطاع الطرق في بغداد!! وهو - كما وصفه الخليفة المأمون - أكثر دينًا وعلمًا وعفافًا ومروءة من بعض كبار القضاة والعلماء، وقال عنه: لولا اشتهاره بالغناء، لأسند إليه القضاء في دولته لشدة تمسكه بالعدل. وكان يدخل مجلس الخلافة مع الفقهاء قبل أن يدخله مع المغنين والملحنين، والمتتبع لأحداث القصة يجدها تناقض نفسها بتواريخها وغرابتها.

إن إسحاق لم يشرد تلميذه - إن كان تلميذه - ولا ساومه ولا خيّره بين القتل والرحيل مستغلاً شهرته ونفوذه، إذ لم يكن بينهما شيء يستحق المساومة، أو يدفع إلى القتل، ولم يكن لإسحاق شهرة ولا نفوذ في الزمن الذي يحدده التدقيق التاريخي لهذه الأسطورة، التي لا يستبعد أن يكون زرياب نفسه قد اخترعها بعد وصوله إلى الأندلس، فقد كان يزعم دائمًا أن الجن تتصل به، وتوحي إليه ألحانه، فماذا يمنع أن تتصل به وتوحي إليه أساطيره؟!

بقي أن نذكر أن - إسحاق الموصلي - له مكانة لا تدانيها مكانة أخرى في هذا العلم، فقد أخذ صناعة التلحين والغناء عن أبيه إبراهيم الموصلي، وقد اجتمعت له علوم الغناء العربي كله تلحينًا وغناء وإيقاعًا منذ بزغ نجم الغناء العربي في المدينة ومكة قبيل منتصف القرن الهجري الأول، وقد أقام إسحاق من نفسه حارسًا على أصوات الغناء المتقن وكنوزه ينافح عنها ويناظر مَن اعتدى عليها حتى ولو كان أخا الخليفة نفسه، وقد شملت مخطوطات إسحاق ومدوناته من الغناء والضرب بالعود والآلات أعمال الملحنين العرب، التي أنجزوها خلال مائتي عام تقريبًا، وانتقل بغناء العرب من دائرته الضيقة، التي انحصر فيها مئات السنين خلال الجاهلية، الحداء والنواح والرجز والخبب والهزج إلى اتساع شهده العصر العباسي.

صلاح عبدالستار الشهاوي
طنطا - مصر

في ذكرى اغتصاب فلسطين

أنا قارئ لـ«العربي» منذ نعومة أظفاري وحتى بياض شعري، فقد بلغت الخمسين هذا العام، وفي كل شهر وبانتظام، وعلى مدى أكثر من ثلاثين عامًا، أتناول الجرعة الثقافية التي تقدمها للقارئ من مثقفي العرب بمختلف الاتجاهات الفكرية، وبسعر زهيد.

وفي انتظاري لعدد مايو 2006 رقم (570) من مجلتكم الموقرة، وباطلاعي عليه، رأيته أكثر من جيد، وخصوصًا الافتتاحية التي تناولت العنصرية، وكنت أتمنى أن يشمل عدد مايو مواضيع عن اغتصاب فلسطين العربية، ومعاناة أبنائها هذه الأيام، بالرغم من جهود حكومة دولة الكويت مشكورة تجاه أبناء فلسطين.

فمنذ أشهر معدودة، مر ثمانية وخمسون عامًا على اغتصاب فلسطين، ذات الموقع الجغرافي المتميز بين قارتي آسيا وأفريقيا، بل كان على أرضها أبناء فلسطين حراس القدس الشريف والقائمون على خدمته وصيانته منذ قرون.

إن فلسطين هي درة المسلمين على يدي صلاح الدين، والتي ذهبت مع الريح منذ ثمانية وخمسين عامًا بفضل الغرب وأمريكا الذين شجعوا بني صهيون المغتصبين على تحويل أرض فلسطين إلى خراب ودمار، بل قاموا بقتل الأبرياء بأحدث الأسلحة. من هنا نقول للرأي العام العالمي من خلال مجلة «العربي» فلسطين إلى أين بعد الوعود التي أعطيت بإنشاء دولتها المستقلة، والتي تعتبر أمل كل عربي من المحيط إلى الخليج في أوسلو وكامب ديفيد، وآخرها خريطة الطريق.

فمتى تقوم دولة فلسطين، وتكون عاصمتها القدس التي بها بيت المقدس أولى القبلتين، وثالث الحرمين مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، متى ياسادة؟

جمال زرد
الجيزة - مصر

آثار تبسة

اطلعت بكل غبطة لى على ما نشرتموه في العدد (569) أبريل 2006 حول آثار الجزائر، وتمنيت لو كان بإمكانكم القيام بزيارة مدينة «تبسة» شرق الجزائر.

فهذه المدينة تحتفظ إلى الآن بأسوار رومانية عالية وتامة البنيان، تحيط بها من الجهات الأربع بأبوابها وأبراجها وحتى سلالمها الحجرية الأولى، كما تحتفظ «تبسة» بمعبد مينيرفا الروماني وكنيس بيزنطية وقوس النصر المُقَبَّبْ الذي يسمى باب «كارَكَلاّ» وجميع هذه المعالم بحالة جيدة تثير الدهشة بالإضافة إلى ملعب روماني يقع خارج الأسوار، وكل هذه الآثار تقع على مسافات متقاربة، مناسبة للزيارة وللكاميرا، فحسب رأيي كلما كانت المادة المصورة والمكتوبة أكثر كثافة وتنوعًا، زاد اهتمام القارئ بالموضوع.

حيدر طيب
مدرس فلسفة - تونس

تصويب

الرستاق كانت العاصمة

في العدد (570) مايو 2006، من مجلة «العربي»، وردت بعض المعلومات التاريخية في المقال صفحة 38 المعنون بـ«قلعة الرستاق تجربة ناجحة في ترميم المعالم التاريخية»، تشير إلى أن الإمام سيف بن سلطان بن سيف اليعربي، والملقب بقيد الأرض، قد اتخذ من الرستاق العاصمة الثانية بعد مسقط.

والحقيقة أن أحدًا لم يتخذ من أئمة اليعاربة ولا من أئمة بني خروص طيلة فترة الإمامة في عمان من مسقط عاصمة أولى، وقد خلف الإمام سيف بن سلطان الإمام ناصر بن مرشد اليعربي - رحمه الله - وكانت العاصمة هي الرستاق فقط، كما كانت في عهد الإمام ناصر - رحمه الله.

سالم بن سيف بن دويم الشعيلي
سلطنة عُمان

وتريات

فُصُوصُ الْحِكَمْ

خَفيفٌ كَالهَوَاءِ
طَرِيٌ كالنَّهْرِ
ساعةَ يَضحَكْ
في شُرُودِهِ المُباحْ
لي مِزاجُ
محْراثُ جدّي لمَّا كانَ يُسوّي
خُطُوطَ الغيْبِ بكفِّهِ
لمّا كانَ يوصي أخْوالي..
وكُلَّ أبناءِ القبيلةِ
بأنَّ الأرْضَ لِمَنْ يحرُثها
وبمَا أنَّ جدي جادَتْ
نطفهُ في الفطرةِ أحفادًا
لهُمْ أشكالُ البحارِ
وفي كُلِّ يابسةٍ
كانَ جدِّي يُوصينا:
انْتَشِروا في الأرْضِ
وانْزِلوا إلى أرْضٍ لمْ يسبِقْ لكُمْ أن دخلْتُمُوها
حيثُ ملتَقَى السَّعادةِ
لًتَحْصُدُوا البشارَةْ

عبدالحق بن رحمون
المغرب

عزيزي العربي

فوائد المصارف والاجتهاد

قرأت في العدد (568) مارس 2006، من مجلة «العربي» دراسة اقتصادية تحت عنوان «الربا والفائدة المصرفية دعوة لمواصلة الاجتهاد» بقلم د.علي أحمد عتيقة. والحقيقة أن المقالة كانت موضوعية وعلمية وخاصة المقارنة التي أجراها الكاتب بين نظام المضاربة والمرابحة ونظام الفائدة. واللافت للنظر ما ظهر في نهاية القرن العشرين تحت مسمى (الاقتصاد الإسلامي) وهو باعتقادي مصطلح جذّاب وجميل لكنه فارغ المضمون.

فالتشريعات الاقتصادية التي تعتمد الدين الإسلامي أساسًا لها يجب أن تستند إلى الاجتهاد قاعدة له، وأنا هنا أتفق مع د.علي عتيقة حول ضرورة الاجتهاد وألا يقتصر الاجتهاد على الاقتصاد فحسب بل يشمل الحياة العامة والتشريعات المدنية وغيرها: حد السرقة يشمل، حيث لم يرد عن عهد النبي محمد (ص) أنه تساهل في حد السرقة والجميع يذكر قصّة المرأة المخزونية التي سرقت في عهد الرسول الكريم وكيف قال لها: «لو أنّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها» حتى أن زيد بن ثابت عندما شفع لها قال له الرسول: «أتشفع في حدّ من حدود الله؟» وبالرغم من ذلك نجد أنّ عمر بن الخطاب أوقف العمل بحد السرقة في عام الرمادة بسبب الجفاف وقلّة الأمطار واستعاض عنه بجلد السارقين بضع جلدات حتى انتهت فترة الجفاف، فكيف لخليفة من خلفاء الرسول أن يقوم بإيقاف العمل لفترة زمنية محددة في حد من حدود الله باجتهاد شخصي منه ودون وجود نص في القرآن أو السنة النبوية الشريفة ينص على إيقاف العمل بحد من حدود الله.

أما بشأن ما ورد في القرآن من تحريم الربا فهو صحيح ولا يختلف عليه اثنان، ولكن الله لم يأمر بتحريم الفائدة وليس في آيات وسور القرآن تحريم صريح وواضح للفائدة، أمّا أن يكون تحريم الفائدة اجتهادا من بعض علماء الدين فيجب أن يكون له أساسه الصحيح المبني على قواعد سليمة حتى أن علينا ألا ننسى أنه ليس هناك إجماع تام ولو حتى بنسبة 70% بين جمهور علماء المسلمين على تحريم الفائدة كما أجمعوا على تحريم الربا (وهذا ما حصل عندما أحلّ بعض علماء الأزهر الشريف الفائدة التي تتعامل بها المصارف) ومن حرّم الفائدة التي تتعامل بها المصارف فماذا سيكون رأيه بالبورصة وسوق الأوراق المالية وشراء وبيع العملة (تصريف العملة). وهنا نستذكر ما قاله د.محمد سليم العوّا في عدد «العربي (395) أكتوبر 1991 في الصفحة (33): «فالإسلام في القرآن والسنّة حدّد القيم الإسلامية التي يجب أن تتمسك بها الأمة»، كما نورد قول النبي الكريم (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، ومن هذين القولين نجد أنّ القيم الإسلامية وفي مقدمتها الأخلاق يجب أن تكون المعيار الأول والأساسي عند تشريع أي قانون.

كما ورد في العدد (407) من مجلة «العربي» أكتوبر 1992تحت عنوان (المفهوم الإسلامي للتبادل) للدكتور عبدالرحمن زكي إبراهيم في الصفحة (32 - 33) في فقرة (حكمة تحريم الربا) ما يلي: «فالقاعدة الأساسية أن العمل سبب لتملك العامل للمادة وليس سببًا لقيمتها» وورد أيضًا: «وتفسّر النظرية التقيليدية الفائدة على أنها جزاء الانتظار حيث ينتظر الدائن طيلة المدة المتفق عليها ولكن هذا القول لا يستقيم وطريقة التفكير الإسلامي في التوزيع ذلك أنه ليس للمقرض عمل مباشر... وعليه، فإنه لا مبرر من الوجهة الإسلامية للاعتراف بالفائدة لأن الكسب من دون عمل يتعارض مع تصورات الإسلام عن العدالة»، وذكر أيضًا في فقرة (البديل الإسلامي لأعمال البنوك) ما يلي: «والخلاصة أن الإسلام لا يعترف بالطرق الربوية حيث إنها كسب غير مشروع، ذلك أن الفائدة التي يحصل عليها المقرض لا تأتي نتيجة عمل إنتاجي». فمن هذه السطور المقتبسة من مقالة د.عبدالرحمن زكي إبراهيم نجد أن العمل هو أساس الكسب الحلال الذي أحلّه الله وعلى هذا الأساس هل نعتبر المال الذي يحصل عليه شخص لقاء تأجير منزله لشخص آخر حلالاً أم نوعًا من أنواع الربا؟

ومن هنا نجد أن أي تشريع عندما يتم وضعه يجب أن يكون شاملاً لجميع الحالات وألا يأتي على حالات دون حالات أخرى، أي يجب عند وضع أي تشريع ألا نهتم بالقشور فقط. وذكر د.علي أحمد عتيقة في العدد (568) من مجلة «العربي» عند ذكر الفرق بين نظامي المضاربة والفائدة في الصفحة (106) ما يلي: «أن هذا الفرق صحيح في الشكل وليس في الجوهر» وأنا أضيف أنّ هذه الجملة تنطبق أيضًا على أشياء أخرى جرى عليها الخلاف وهي في حقيقة الأمر أوجه متعددة لهدف واحد ومنها الصكوك (التي تتعامل بها البنوك الإسلامية) والسندات (التي تتعامل بها البنوك المركزية) فالاثنان لهما الهدف نفسه، ولكن اختلفت المسميات فقط.

أما ما أورده د.علي من الآثار السلبية التي تتحدث عنها مدرسة تحريم الفائدة والتي اعتمدت عليها أصلاً كأساس في تحريم الفائدة فأقول إنّ هذا الأساس مبني على قواعد غير سليمة وأذكر هنا شاهدًا على قولي: (مملكة السويد مثلا) فهي دولة ذات رخاء اقتصادي والفقر فيها غائب إن لم يكن معدوما، مع العلم أنّ جميع التعاملات المالية في المصارف فيها تتم بالفوائد، ولكن الآثار السلبية التي اعتمدت عليها مدرسة تحريم الفائدة تظهر عندما لا يكون للدولة والقائمين عليها خطّة اقتصادية واضحة المعالم.

ونضع هنا مقارنة بين دولتين هما قبرص ولبنان تأكيدًا لمقولتنا السابقة: فالدولتان تشتركان في العديد من النقاط منها أن الدولتين فقيرتان بالثروات الباطنية ولا تمتلكان ثروات باطنية كافية تدعم الاقتصاد الوطني كالنفط وتعتمدان على السياحة والضرائب بشكل كبير كرافد للدخل القومي، والدولتان تعرّضتا في فترة من الفترات لحروب دول خارجية على أراضيهما وإن لم تكن تلك الحروب بالدرجة نفسها من القساوة، والدولتان تعرضتا للوجود الأجنبي على أراضيهما (هذه الأمثلة على سبيل التوضيح لا أكثر).. وغيرها من المشاكل التي تختص بها كل دولة، إلا أن لبنان وصلت ديونه الخارجية إلى ما يقارب (36) مليار دولار، بينما قبرص لم تصل ديونها الخارجية إلى هذا الرقم (على ما أعتقد). ومن هنا نجد أن للدولة أهمية كبيرة في دفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام أو الوراء بما تعتمده من خطط وتشريعات وقوانين اقتصادية.

أما ما ذكره الدكتور علي أحمد عتيقة من أن مدرسة تحريم الفائدة تقول بأن المصارف تعطي فائدة قليلة للمودعين وتأخذ فائدة كبيرة على القروض التي تمنحها وتستفيد من الفارق وهو الأساس الذي اعتمدت عليه مدرسة تحريم الفائدة لتحريم أموال المصارف، أعتقد أن هذا الكلام يحتاج إلى وقفة، فالمصارف (حسب معلوماتي الاقتصادية) تستمد جزءًا من أرباحها من الخدمات التي تقدمها لعملائها لقاء أجر معيّن مقابل هذه الخدمة كدفع فواتير الكهرباء والهاتف والتأمين الصحي، وغيرها من الخدمات التي تقدّمها المصارف للمودعين لديها. وكما أشار الدكتور أيضًا إلى فكرة مهمّة وهي أن هذه الأموال ليست ملك البنك وإنما ملك المودعين فيه أي أنه على سبيل المثال لا الحصر إذا تعرضت دولة من الدول إلى هزّة سياسية فإن المودعين في البنك سيقومون بتحويل أموالهم إلى الخارج وبالتالي سيفقد البنك جزءًا من أمواله.

وفي النهاية أشكر د. عتيقة على هذه المقالة الرائعة التي أفادتني وشكرًا لمجلة «العربي» الرائدة.

طريف المهايني
دمشق - سورية