السرديات النسوية في الأدب الكويتي المعاصر

السرديات النسوية  في الأدب الكويتي المعاصر

عتبات الموضوع 
 تُمَثِّلُ «السَّرديات النسوية» في الأدب الكويتي المعاصر أفعالاً إبداعية، وعمليات إنتاج واسعة للنصوص الفكرية المختلفة، وأشكالاً من التفاعل الاجتماعي الحضاري، وهو ما يخلق تنوعاً في تقنيات السرد (الموضوعات، الشخصيات، الحيز  الزمكاني، اللغة الواصفة، رؤية الكاتبة...)، التي تسهم في إثراء وجهات النَّظر السَّردية (Narrative) عند المبدعات الكويتيات، أي أساليب الحكي المشكلة لإنجازاتهن الفكرية، المختلفة الأنواع (Genres). 

  يَرْتبِطُ السَّرد النِّسوي في أغلب الكتابات العالمية بالملحمة، والأسطورة، والرواية، والقصة، والشعر، والمقالة... إنَّه يقوم على أساسين محوريين:
1 -  شَخصية السَّاردة / الرَّاوية (Narrator) .
2 - الفِعل الحِكائي. 
 يتجلَّى هذانِ الأساسان داخل الإبداعات النسوية في الأدب الكويتي المعاصر عن طريق حركة السَّرد، وتوالي عناصره بشكل مَسْبوكٍ (Cohesion) تركيبيًّا، ومَحْبُوكٍ (Coherence) دلاليًّا، والرُّؤية الخاصة بالمبدعة، والسياق الجيد للنصوص. 

السَّرد في الشعر النسوي بالكويت
 تَسْرُدُ بعضُ المبدعات الكويتيات المعاصرات خطاباتهنَّ الشعرية بالاعتماد على «الذات المتكلمة»، أو «الأنا»، وغنائيتها (Iyric)، وقد يبتكرن أحياناً شخصيات خاصة للتعبير عن آليات التشكيل الشعري، التي تجسد أنواعاً من الدرامية والموضوعية. 
 تُركِّزُ بعضُ هذه الإبداعات على أحادية الصوت  (Univocality) باعتبارها طريقة سردية محددة، تساعد المتلقين على التمثل المعرفي الجيد للنصوص. يعتمد السرد هنا على ضمير الغائب، وهو شكل تقليدي يعد أكثر موضوعية وشفافية, رغم أنه أسلوب سردي يعمل على إخفاء حقيقة عمل المبدعة، ويطمس مسؤوليتها وعلاقتها بالواقع، كما أنه يجعل الإنتاج الفكري يبدو كأنه يتحدث عن نفسه. 
  قَدْ تُركِّزُ هذه الإبداعات النسوية أيضاً على تعدد الأصوات (Polyvocality) كطريقة سردية تتجلى بصورة نموذجية داخل النصوص، وهو ما يساعد المتلقين في قراءة العمل مرات متعددة، والابتعاد عن القراءة التفضيلية، أو الضيقة. 
 يَتشكَّلُ اْلبِناءُ السردي عند المبدعات الكويتيات من أقوال لسانية متنوعة تراعي السياقات، والظروف المحيطة بها، واستجابات المتلقين، ودورهم في تأويل نصوصهن الإبداعية. 
 تُوظفُ هؤلاءِ المبدعات مجموعة من المفاهيم والتصورات السردية التي ترتبط بمسلمات، وأحكام، وقواعد ظهرت في مطلع سبعينيات القرن الماضي، الأمر الذي أسهم في تعميق الفهم لنصوصهن الفكرية المتنوعة، والآليات الكامنة وراء إنتاجها، وخلق تراكماً ثقافياً فعلياً لدى المتلقين العرب، وتأويلات قوية لأعمالهن. 
  تَقومُ «السَّرديات النِّسوية» في الأدب الكويتي المعاصر على نظريات معرفية مختلفة، وامتدادات متنوعة تتوزع داخل الحقول الأخرى. يمكن تلخيص مساراتها على النحو التالي:
1 - اعتمادُ الأعمالِ النِّسوية على أسس ابستمولوجية واضحة.
2 - إدراك المبدعات للفوارق الموجودة بين المناخ الفكري للسَّرديات في الكويت، والمناخ الفكري للسرديات في الغرب اللاتيني، خاصة على مستوى المصطلحات والمدارس والمضامين والدلالات. 
  3 -  تحديد المنهجيات الموظفة بالاعتماد على معايير دقيقة تستند إلى مستويين، هما الأساس الابستمولوجي، والمردود أثناء التحليل.
  تَرْتبطُ هذِه السردياتُ في مجال القريض بنسق النصوص، المختلفة العلاقات والوظائف. إنَّها تتجلَّى بوضوح عن طريق المستويات الصوتية، والصرفية، والتركيبية، والمجازية، كما أنها تحدد الرؤية العامة للخطاب الشعري النسوي الرائج في البلاد، وخصائصه الجمالية والفكرية. 
   تَتمَّيزُ هذه السرديات ببعض السّمات والمظاهر الخاصة: 
أ- الـــــــــذات المــــــتكلمة (the speaking subject).
ب- موضوع السرد (the subject of narrative).
ج- عــــــــوامـــل الإنـــتاج (the factors of production) السّردي.
د- القصُّ الخيالي (the level of fiction).
 هـ-  النُّصوص الواقعية السَّردية، وأساليب الخطاب (modes of address)، التي تُقَنِّعُ (mask) القول اللساني. 
 لِذلك فإنَّ المبدعات الكويتيات يستعملن 
طرائق ضمنية عدة تتعلق بالأسلوب، والبنى النصية الفكرية المتنوعة، التي تساير اهتمامات المتلقين حسب الانتماء، والعمر، والجنس.
 يَحْتوي الخطابُ الفكري النسوي في الأدب الكويتي المعاصر على درجات إبداعية متفاوتة، تتجلى من خلال: 
 1 - الجانب المباشر والرسمي (Formality).
 2 - وجهة النَّظر السَّردية (narrative point of view). 
 3 - مستوى الوَسْم (Marked) والتمييز عند المبدعة. 
  تَتكوَّنُ لغةُ النصوص السردية النسوية في الأدب الكويتي المعاصر من دوال ومدلولات، تخلق عوالم ثقافية واسعة، يمكن قراءتها بمختلف الرؤى والتأويلات. ترتبط هذه العلامات اللسانية بخصائصها الجمالية، والفكرية، والأسلوبية، والاتصالية، ومعرفة المتلقين، والأجناس الأدبية، والوسائط المختلفة.
 تَضمُّ هذه الخطابات المنظومة أنواعاً من السرد:
 
1 - السَّرد المشهدي
 تُوظفُ بعض الشاعرات الكويتيات المعاصرات هذا النوع من السرد في نصوصهن المختلفة على شكل عرضٍ متناسق، ورؤية واسعة ترتبط بشخصية الساردة، أو الشخصية المعنية بالحديث. يعانق صوت «الساردة الفعلية» الأصوات المشكلة للنص، وهو ما يجعل من المشهد الشعري أهمَّ أركان العمل التي تعتمد على الشاعرة، المحرِّكة للسرد الدَّلالي للنص، كما أنه يحدد الحيِّز المكاني المتعلق بأفكار القريض التي يتم تجسيدها بقوة. تعانق شخصية الساردة المشهد الشعري، حيث يتحرَّكان بشكل متناغم مع الحكاية التي توظف رؤى مشهدية متنوعة. تركز بعض الشاعرات على التصوير المشهدي أثناء سرد نصوصهن، إذْ إنهن يستعملن عناصر الرؤية, والتصوير، واللغة بكل فنياتها كالتشخيص، والوصف، والحوار، الذي يشكل الخطاب الشعري النسوي. يمزج بعضهن بين الصور والحكاية لإخفاء غنائية الذات المبدعة. 
 تُصبحُ الشاعرة/ الساردة شاهدة على الحكاية الموجودة في النص، إذ إنها تقدم بشكل متدرج رؤية كلية للحركة، التي توجهه المشهد الشعري، والحكاية الموظفة، وتحد من الغموض الحاصل بين الذات والموضوع، كما أن صيغ الأفعال المتنوعة ترسم الحبكة التصويرية للحكاية، وتساعد الشاعرة/ الساردة على بناء الفضاء النصي، الذي يربط بين التراكيب اللغوية المختلفة، والحركات الحكائية المشخصة. 
  تُوظفُ بعضُ المبدعات الكويتيات السَّرد التشخيصي لمنح نصوصهن رؤى جمالية تبدو واضحة عند المتلقي العربي. يملك هذا السرد خصائص متميزة في بعض الأعمال النسوية في الأدب الكويتي المعاصر:
 أ- انفتاح النَّص من خلال الرؤية واللغة المشكلة للخطاب الشعري. 
 ب- تصرف الساردة بحرية في النص، والحكاية، وحركة الأفعال المتنوعة، وانفتاحها وتنامي مكونات المشهد الشعري.
 ج- تشكيل النَّص من خلال عناصر الحكي، ومختلف الرموز.
 د- وجود صراعٍ نفسيّ داخل ذات الشاعرة/ الساردة وسيطرتها على حركة السرد المشهدي.
 هـ- تغلغل الحِسّ السَّردي داخل النصوص، وقوة بعدها المشهدي التصويري، وتنوع لوحاتها التشكيلية .
  و- رَبْط المَشاهد بين الواقع، والمتخيل، والتراث، والمجازات المتنوعة. 
  ي- تماسك العلاقات القائمة بين الحوارات الشخصية المحورية في المشهد الشعري، والمعجم الموظف، والمجازات، والرموز، والمحسوسات، وكأنَّ النصوص عبارة عن رسم، وتصوير تشكيلي بارز المعالم. 
  تتجلَّى هذه الخصائصُ بكل قوة وترابط في بعض أعمال الشاعرة الكبيرة سعاد الصباح، التي تقول في قصيدة «جنتي»:
جنـتـي كــوخٌ وصـحــراءٌ
 ووردُ وحبيـب هــو لــي ربٌ وعـبـدُ
وصــبــاحٌ شــاعــريٌ
 حــالــمٌ أتغنَـى فيـه بالـحـب وأشــدو
وأردُّ الـقـيـدَ 
عــــن حـريـتــي كاذبٌ من قال إن الحـب قيـدُ
يـا لعينيـه، 
ويـا لـي منهـمـا فيهما دفءٌ وإشـراقٌ وسعـدُ
ها هي الصحراء ملكي، 
وأنا وحبيـبـي بالأمـانـي نستـبـدُّ
أجعـلُ الـرمـل قـصـوراً، 
وأنــا بذُراها في جلالِ الملكِ أبـدو
وأرى الصبـار أجـلـى زينـتـي فهو لـي تـاجٌ وخلخـال وعِقْـدُ
وأرى الـقـفـر ريـاضــاً غــضّــةً أنـا فيهـا ظبيـة تلـهـو وتـعـدو
  تُوظفُ النَّاظمة هنا علامات لسانية محيطة، من خلال حقولها المعجمية، والدلالية، واستعمالها لضمير المتكلم / ياء المتكلم، وبعض الظواهر النَّحوية المتسقة، من حيث النوع والعدد، والأفعال الصرفية، أو المشتقات الدقيقة، والتَّناص Intertextuality/ التَّجاذب (Gravitation) المتنوع مع التراث، والواقع المحلِّي، وهو ما يبرز قوة سردها في مجال القريض (جنتي، كوخ، صحراء، صباح، ورد، حبيب، لي، رب، عبد، القيد، حريتي، كاذب، الرمل، يا لعينيه، منهما، ها هي، ملكي، أنا، أبدو، أرى، الملك، الصبار، زينتي، تاج، خلخال، عقد، الفقر، رياض، ظبية، تلهو، تعدو). 
 2 - السَّرد التشخيصي
 يَعتمدُ بناء هذا النوع من السرد الشعري عند بعض المبدعات الكويتيات على جماليات بلاغية، وأسلوبية متعددة. إنهن يسعين إلى ربط النصوص ببيئتها، ويقربن العناصر من بعضها، سواء أكانت رمزية أم واقعية. تصبح حركة الذات رمزية في العمل الشعري النسوي، مما يسهم في ضبط أسلوب التشخيص، ويوصله ببؤرة النص، كما أنه يحقق نوعاً من التفاعل بين الإبداع، والعالم، والحياة، التي تشكل نشاطاً سردياً، شعرياً، مضنياً. تخلق هؤلاء المبدعات سرداً مشخصاً، ومحكماً أثناء الحديث عن الذات، والعالم، والحياة، ومعالجة بعض الأغراض، والقضايا المتميزة. 
  تضمُّ بعضُ الأعمالِ الشعرية النسوية في الأدب الكويتي المعاصر تراكيب اسمية وفعلية، وتوابع متنوعة، وشبه جمل، ومشتقات كثيرة تحرك عملية السرد التشخيصي، وتجعل الناظمة تمزج، أثناء حديثها عن الذات، الرمز بالحكاية، أو تقوم بتشخيص الجانب الغنائي، واللغة الموظفة في عملها. تتحول الأمور المجردة إلى محسوسة، مما يدفع المبدعات إلى استعمال الأفعال، التي تجعل الخطاب الشعري مشخصا. قد يمتزج هذا التشخيص بالسرد عن طريق تسلسل التراكيب اللغوية المتقابلة، والمتماسكة، أو المكررة، والمتقاربة دلالياً، وأفعال الحركة في زمن المضارع، وقوة اللغة، وشخصية الساردة كفاعل مضمر في السياق.
  يَبْرُزُ اْلسَّرْدُ التشخيصي من خلال تسلسل التراكيب اللغوية، وتماسك العناصر النصية واتساعها، مما يمنح الخطاب الشعري النسوي الكويتي أبعاداً فنية كبيرة، تتداخل فيها الصور الحية، ويسيطر فيها الجانب الحكائي على الأفعال، وحركة الذات، وتترابط العناصر النصية الأخرى من خلال التراكيب اللغوية. 
  تَتميَّزُ هذه الأعمال الشعرية النسوية، التي تعتمد على السرد التشخيصي بالسمات التالية:
 أ- تسلسلُ وتماسك التراكيب اللغوية، وخلقها لمركز دلالي قوي، وجماليات أسلوبية، وتصويرية. 
 ب-  اعتماد حركة التشخيص على صيغ الأفعال. 
 ج-  اشتمال نصوص القريض النسوي على حقول تشخيصية متنوعة (أفعال مفردة، تراكيب فعلية، صيغ نحوية متنوعة، بنى سردية مختلفة، صور بلاغية...). نجد صدى لهذا السرد في بعض أعمال الشاعرة سعدية مفرح، حيث تتلاحم أفعال المضارع، والضمائر، وياء المتكلم (أعْرِفُه، ينازعني، أوراقي)، وأنواع الاستعارات التي تحول المجرد إلى ملموس (التفاحة فرحتْ، لذائذ الدهشة، شرف الجاذبية، تطلعتِ التفاحةُ، أسنانُ الشوارع...) لرسْم سمات «الذات الشاعرة»، أو التجاذب (Gravitation) مع تراث، وتضمينات علمية بارزة (جاذبية إسحق نيوتن)، كما يتجلَّى ذلك في هذه المقاطع من قصيدة «غيابات مأهولة بالموت»:
غيابٌ جذاب
التفاحةُ التي سقطت على رأس نيوتن
فرحتْ قليلا بلذائذِ الدهشة الكامنة
وشرف الجاذبية
لكنها تطلعت نحو الأعلى بذلك الحنين الذي أعرفه
والذي ينازعني به الآخرون
وهم ينبشون أوراقي الثبوتية من بين أسنان الشوارع الجديدة

 3- السَّرد الذاتي
 تُعالجُ بعض الشاعرات الكويتيات المعاصرات القضايا والموضوعات الاجتماعية، والسياسية، والثقافية المتنوعة بعمق، إذ إنهن يلجأن إلى ذواتهن ليجعلن منها مركزاً للإبداع، فيواجهن من خلالها العالم.
  تَجعلُ الشاعرة الكويتية المعاصرة من نفسِها، في هذا المستوى، محورا للنص الإبداعي، فتصبح هي الساردة، والمتلقية في آن واحد، كما أن السرد الذاتي يصير هو محور الحركة، والمخطط لمسار النص. 
  تَملكُ بعضُ الأعمالِ الشعرية النسوية من هذا القبيل عدة خصائص: 
  أ- اعتماد الذَّاتِ الشاعرةِ على الرموز التمثيلية، وسيطرتها على حركة النص، وتعبيرها عن واقعها النفسي، وبيئتها الفعلية.
 ب- خَلْق المبدعات لدراما نصية من خلال مزج الجانب الذاتي بالجانب الموضوعي. 
 ج- انبعاث الأصوات المتنوعة، والحوارات السردية من الذات الشاعرة، وتداخل السرود داخل العمل الشعري.  
 د- تسلسل التراكيب اللغوية المتنوعة، وتناسب المواقف الرمزية، والتصويرية التمثيلية.
 هـ- بناء بعض الشاعرات الكويتيات لحكايات رمزية، ومعادلات موضوعية، ودلالات تتعلق بالنجاح والفشل، والحب والكره، والانسجام والانفصال، والخير والشر.
  و- تداخل علاقة الشَّخصية السَّاردة بالمتلقي العربي «الضمْني»، وسيطرة الجانب الذاتي على النص، وارتباط التأويلات بمركزية العمل الشعري. 

 4 - سرد الموقف
 تستهل بعض الشاعرات الكويتيات أعمالهن بسرد حكائي، حيث يوظفن أفعالَ الحكاية المختلفة، كما أنهن يستعنَّ بالوصف، والتشخيص، والتصوير المتسلسل. قد يترجم هذا النوع من السرد جزءاً كبيراً من نفسية الشاعرة لاعتمادها على الرمز، والتصوير، والمثاقفة، والانفتاح، وتداخل مطالع النصوص الشعرية بالوصف. تحتل الأفعال والأسماء، وبعض التوابع، وشبه الجمل بؤرة العمل بدلاً من شخصية الساردة، كما تتحول البنى النصية إلى أفعال سردية محكمة ومتتابعة، تخلق جوا نفسياً متميزاً داخل العمل بأكمله، نظراً لامتزاجه بسرد آخر يحاور الشخص الغائب. 
 قَدْ يتجلَّى الوصفُ أو التشخيص لبعض القضايا، والموضوعات، والمواقف المشكلة للنصوص الشعرية النسوية قوياً، مما يدعم الجو النفسي، وينمي الإحساس بالسرد النصي عند المتلقي العربي. 
  تَعتمدُ بعض المبدعات الكويتيات على سرد الموقف أو القول في بعض أعمالهن عن طريق نمو الأفعال والتحامها، وهو ما يخلق أحداثاً سردية متميزة ومتداخلة. توجه التقنيات السردية هنا حركة النص، وحركة الذات، وتوجهات الخطاب الشعري، ومقام النص، أو المرجع الثقافي. 
  يَرْتكزُ هذا النوع من السرد المشكل لبعض الأعمال الشعرية الكويتية المعاصرة على الجوانب التالية:
  أ- سرد الشَّاعرة للموضوع باستعمال ضمائر الغياب، وعدم تقنينها للحكاية المسرودة، والالتجاء إلى الرمز بأبعاده الوجدانية والواقعية والتخييلية، وحركة الذات، والزمن، ومحتوى الخطاب. 
  ب- بروز شخصية المبدعة، وتعلُّقها بالغنائية، والحلم، والمناجاة، وتداخل الأصوات، والتجاذب (Gravitation)، واكتساب السرد بعداً دلالياً. 
  ج- تتابع الوحدات السردية، وترابط الأفعال الحركية، والتفاعلات المتنوعة، والمجاز، وتنميط الخطاب الشعري بوجود مسؤولية، أو انعدامها. 
  د- انتقال بعض المبدعات الكويتيات بين الوصف، والتشخيص، والرمز، والتدرج الحكائي، وروح العصر، والمثاقفة.
 هـ- التباس صوتِ الشاعرة في بعض الأحيان بصوت الآخر بطريقة غير مباشرة، وتنوع عناصر الحركة، والأفعال في النص، وارتباط المدى النفسي بالذات.   

 5 - السَّرد الحكائي
 يشكلُ رؤيةً سرديةً متميزةً عند بعض الشاعرات الكويتيات المعاصرات، إذ إنهن يقمن بضبط النموذج الذي يقدمنه، وهو ما يفتح نصوصهن على آفاق مغايرة، ويجعلها ترتاد فضاءات وعوالم جديدة. 
  يُسايرُ صوتُ السَّاردة اتجاه النص الشعري، وحكايته، وبؤرة (Focus) الموضوع، وتشكيلات الزمن، والفضاء الحكائي، والشخصيات المتحاورة، والرؤية الخاصة. 
 يَتقوَّى هذا النوعُ من السرد عند بعض الشاعرات، ويضعف عند أخريات. تتوفر النصوص هنا على تقنيات خاصة في الحكي، والحوار، وهو ما يمثل بنى القصائد المنجزة، ويخلق نوعا من التبادل اللساني بين الشخصيات المتحاورة. قد تمزج بعض المبدعات الكويتيات البعد الغنائي (lyric) بالحكاية، ورصد الواقع، وتعرية النفس، وخلق سرد درامي، وتوظيف الأصوات السردية المتعددة (polyphony) التي يتضافر فيها البعد الدرامي مع البعد الغنائي، والحكائي، كما يتم تصوير الجانب الواقعي، والجانب الرمزي بعمق. 
  يَعتمدُ السرد الحكائي في بعض الإبداعات الشعرية النسوية المعاصرة في دولة الكويت على جوانب بارزة:
 1 - حَركة الأفعال المتنوعة الأزمنة (الماضي، المضارع، الأمر) .
 2 - دِقَّة البنيةِ السردية للحكاية الشعرية المصطنعة بالاعتماد على رؤية نفسية (حبكة، شخصيات، حوارات، أبعاد زمكانية...)، وانفتاح النصوص، وتشكيل هذه الحكاية للبناء العام للعمل الإبداعي، والرؤية الفنية والاجتماعية عند بعض المبدعات.  
 3 - اعتماد النصوص الشعرية النسوية على حركة درامية، من خلال أبعاد نفسية تبني «الفعل السردي»، الذي يقدم صوراً واضحة عن المجتمع الكويتي بالاعتماد على عناصر الحكاية الموظفة. 
 4 - استعمال بعض المبدعات «للغة شعرية» تحمل بعداً تقريرياً، ورمزياً، أو تأويلياً.
 5 - تعدُّد الأصوات والرموز، والمواقف السردية، والتجاذب الثقافي Cultural Gravitation. 
 6 - بروز البُعْد التَسجيلي للسرد الحكائي من خلال اعتماد بعض المبدعات على السيرة الذاتية، وشخصية الساردة، و«فعل السرد»، وإدراج البعد التصويري، والنفسي.
 7 - تجسيد حركة ذات الشاعرة للأساس الدرامي في النص. وبروز بعض الجوانب النثرية، التي تمزج حركة الذات الشاعرة بالواقع. 
  تَبرزُ بعضُ الأنواعِ السَّردية السابقة جلية المعالم في قصيدة «إنني بنت الكويت» لسعاد الصباح، التي تعد أقوى ممثلة للسرديات الشعرية في البلاد، حيث تقول :
إنني بنت الكـويت
بنت هذا الشاطئ النائم فوق الرمل،
كـالظبي الجميل
في عيوني تتلاقى
أنجم الليل، وأشجار النخيل
من هنا... أبـحـر أجدادي جميعاً
ثم عـادوا... يحملون المستحيل
***
إنني بنت الكويت
هل من الممكن أن يصبح قلبي
يابساً... مثل حصان من خشب؟
باردا... مثل حصان من خشب؟
هل من الممكن إلغاء انتمائي للعرب؟
إن جسمي نخلة تشرب من بحر العرب
وعلى صفحة نفسي ارتسمت
كل أخطاء وأحزان وآمـال العرب
***
سـوف أبقى دائماً...
أنتظر المهدي يأتينا
وفي عينيه عصفور يغني...
وقمر...
وتباشير مطر...
سوف أبقى دائماً...
أبحث عن صفصافة... عن نجمة...
عن جنة خلف السراب...
سوف أبقى دائماً...
أنتظر الورد الذي
يطلع من تحت التراب

  تَستهلُّ المبدعةُ هذا الإنجاز بسرد ذاتي مسبوكٍ تركيبياً، ومحبوك دلالياً، وهو ما يوزع غنائية محكمة بين ثنايا أبيات عدة. يعتمد هذا العمل على وحدات لغوية متنوعة، كياء أو ضمير المتكلم بمعية أفعال في زمن المضارع (إنني، عيوني، أجدادي، انتمائي، جسمي، نفسي، أنتظرُ، قلبي، أبحثُ...). توظف الناظمة السرد الحكائي بشكل درامي غنائي، مما يخلق أحداثاً وموضوعات جميلة، تطرح تصوراً واقعياً، ورمزياً متميزاً. يرتكز الإبداع اللغوي هنا على ضمير الغائب (أبحرَ أجدادي، ثم عادوا، يحملون المستحيل...)، وتشبيهات عدة، واستعارات بلاغية، وكلمات سيميائية رائقة، وأنواع من التجاذب مع التراث المختلف (أنتظرُ المهدي، هل من الممكن أن يصبح قلبي يابساً مثل حصان من خشب؟ إن جسمي نخلة، ارتسمت كل أخطاء، المهدي يأتينا، وفي عينيه عصفورٌ يغني... وقمرٌ، وتباشير مطر، أبحثُ عن صفصافة...). تبرز هذه الاستعمالات البيانية الرصينة قوة العلاقات بين التراكيب والدلالات الشعرية، كما أن الذات الشاعرة تتحكم في حركة النص، واتساقه، وتكرار بعض بناه، وأفعاله (أنتظرُ). يصبح عمل المبدعة هنا واقعيا، وعصريا بتوظيفها لحكاية الأجداد، ورمز (المهدي المنتظر)، وهو ما يضيف إلى جو القصيدة أجواء فنية، تحدد الرؤية الخاصة للشاعرة سعاد الصباح.
  تمثلُ الشاعراتُ الكويتيات علامات بارزة في الثقافة الوطنية، التي ارتبطت بالتاريخ السياسي للدولة، وبناء مجتمعها، وتشكيل خصائصه الفكرية. اعتمدت إبداعاتهن على روافد عدة، وأنواع من المثاقفة (interculturalism)، ومحاورة الآخر، وهو ما شكل «مدارس فنية» أغْنتْ الإبداع العربي، وجسَّدت مسيرةً مشرقة للخطاب الشعري النسوي في دولة الكويت عبر مسافات زمنية بارزة، ومهمة، وظواهر وقضايا نظمية متنوعة، وحداثة وضعية، وتجديد لافت، واستشراف متنوع.
 تُعدُّ بعضُ المبدعات من المؤسسات للمشهد الشعري الكويتي الحديث، وبعضهن الآخر عالمات وموسوعيات، حيث أنجبن شاعرات تابعات لهن من جيل الحداثة، وما بعد الحداثة، كما يتجلى ذلك في البناء الفني لبعض الأعمال المتنوعة، وفي قصائد التفعيلة الحداثية.

السَّرد في النثر النسوي بالكويت 
  ظهرتِ الأعمالُ السَّردية النَّثرية النِّسوية الأولى في الأدب الكويتي المعاصر مع مطلع خمسينيات القرن الماضي، حيث ارتبطت بنهضة المجتمع، وتوعيته، والحفاظ على لُحْمته وقيَمه. عرفت هذه الأعمال ثلاثة مراحل متعاقبة:
  1 - المرحلة الأولى: شهدت انتشار أعمال عدة مهمة في مجال القصة القصيرة، جسَّدتها بعض المبدعات أمثال رضوى العبيدي، وغيرها.
  2 - المرحلة الثانية: تميزتْ بظهور إبداعات متنوعة في جنس المقالة، مثلما نجد عند نجيبة الرفاعي، المعروفة بأم أسامة، وثُلَّة من 
رفيقاتها. 
  3 - المرحلة الثالثة: تمثلُ تطوراً مهما، ونقْلة هائلة في مجال السرديات النثرية النسوية في الأدب الكويتي المعاصر، لأنها عرفت ظهور مجموعة من الشاعرات، والكاتبات، والروائيات، والقاصات، والصحافيات، والمربيات، والباحثات الجامعيات، كصبيحة المشاري، وفاطمة يوسف العلي، وليلى العثمان، وميس خالد العثمان، وسعاد الصباح، ونجمة إدريس، وفجر السعيد، وسعدية مفرح، وجنة القريني، وفاطمة العبدالله، وليلى محمد صالح.
  انْتَشرتْ في مجالِ الرواية أعمال نسوية تربط المجتمع ببيئته وعصره، ويتداخل فيها الفن مع الحياة، والخيال، والرؤية، والواقع. راجت في هذا الصدد أعمال مهمة للمبدعة ليلى يوسف العلي:
  أ- وجهُهما وطني: يعالج هذا الإنجاز السردي قضايا المرأة، والرجل، والأسرة. 
  ب- دماءٌ على وجه القمر: جسدت من خلاله الكاتبة تجربة الاحتلال المرير لدولة الكويت، وصحوة الإنسان في هذه البلاد. 
 ج- وجوهٌ في الزحام: من المساهمات الخليجية النسوية الأولى في هذا الفن السردي. تجسد هذه الرواية دلالات مهمة، تبرز من خلال «وظائف سردية» عميقة، تتوزع عبر مراحل العمل:
  1 - دورُ المرأة في المجتمع، وطريقة تحقيق وجودها. 
 2 - علاقةُ القضية الفلسطينية بالبعد القومي.
  3 - ما أُخذ بالقوة لا يستردُّ إلاَّ بالمقاومة. 
  4 - اطمئنانُ الكاتبة للواقع السياسي والحضاري الذي تتفيَّأ ظلاله. 
  5 - رؤيتُها للواقع الاجتماعي، والنفسي لمجتمع كويتي محافظ، وعلاقته بالماضي، والحاضر، والمستقبل، ومستوى الصواب والخطأ في السلوك في هذا الوسط. 
 يَعتمدُ «السَّرد النسوي» في رواية وجوهٌ في الزحام على توظيف نسق الحكاية التعاقبية (Diachronic): يسعى أحد موظفي الطبقة الوسطى إلى تعليم أولاده الثلاثة، بنتين، وولد صغير، وهو أمر جديد بالنسبة لتعليم البنات في البلاد، وتجاوزهن مرحلة التعليم الابتدائي أو المتوسط. إن الأب يعي هذا الأمر بشكل متطور، حيث يترك ابنتيه تكملان المرحلة الثانوية، لكنه رغم ذلك يتحرك وفق موروث وواقع وأزمات ومكتسبات، وتناقضات شخصية، وشائعات كثيرة، وهو ما يجعله يوافق على خطبة ابن أخيه لابنته الجامعية. 
 تُوظفُ فاطمة يوسف العلي تقنيات السرد الروائي الأصيل، التي توزعها بين الشخصيات، والأحداث، والحيز الزمكاني، واللغة والحوار، ورؤية الكاتبة وفلسفتها، وهو ما يحقق مقاصد عدة، ورموزاً مهمة:
 أ-  استحقاق ابن العم المتعلم، الثري لابنة عمه، وتعلقها به. 
ب-  اسم الزوجة «إلهام» يرمز للمستقبل، والحداثة، والتجديد في الواقع الكويتي. ويرمز اسم الزوج «محمد» إلى الأصالة، والتقاليد العريقة.
  ت- سفر الزوج إلى لندن لاستكمال تعليمه، وتنوع الحريات في بلاد الغرب، وتحقيق الرجل صفات كانت مفقودة لديه في مسقط رأسه، وانقلابه الشامل.
  ث- وصوله إلى العزلة عن الماضي والواقع، ووضعه في مصحة نفسية.
 ج- علاقة الزوج بالزوجة ترمز للمجتمع الكويتي والأسرة والأفراد والنتائج السلبية والإيجابية في العلاقات والقيم والحداثة.
 ح- سرد الكاتبة فاطمة يوسف العلي لسلوكها تجاه الثقافة الاجتماعية الأجنبية كفتاة كانت في الثامنة عشرة، من خلال استغلال قصة 
الزوجة.
 خ- رصدُ الرِّواية لمشاعر المرأة الكويتية، وقُدرتها على الإعراب عن حبها دون حرج، وبحرية نافعة، ووضعية. 
  تَميَّزتِ «السَّرديات النسوية» الكويتية في هذه المرحلة من تاريخ البلاد أيضاً بظهور رواية «صمت الفراشات»، التي أنجزتها ليلى العثمان،  يقومُ السَّردُ المنسَّقُ (Systematic) والجريء الذي يشكل رواية «صمت الفراشات» على دوافع عدة تنتج «وظائف سردية»، ودلالات، ورموزاً مهمة:
1 - تفاصيل بعض المشاهد في الرواية تفسر على أنها عبارة عن حالة حب، وكتابة عربية راقية ومتحررة.  
2 - سرد ليلي العثمان لحكاية نموذجية عن الحياة الواقعية لفتاة سورية من مدينة حلب، تتزوج رجلاً طاعناً في السن. 
3 -  هروب الزوجة من القصر، وموت زوجها، وظهور تأنيب الضمير والإثم عند العبد (عطية)، وتوطد علاقته بالزوجة، ورفض أهلها لذلك. 
 تُقدِّمُ لنا ليلى العثمان سرداً روائياً آخر جريئاً في عملها الثاني المعروف بـ«العصعص»، الذي تتنامى فيه جوانب الإبداع، وتتطور، وتتماسك عبر مراحل هذا الإنتاج الأدبي:
 أ- سيطرة الكُرْهِ على شخصية «سلوم» الذي يرفض رؤية الأب عاريا، فلا يتوانى عن قطع كل «عصعص» يراه.  
 ب- تقنيات السرد النسوي عند ليلى العثمان تبرز لنا طرائق انتهاك جسد المرأة وتعذيبه. 
ج- تقاطعُ خطوط السرد المتعلق بالسفر، والموت، والأنثى عند الكاتبة. 
 وَخُلاصةُ القول أن السرديات النسوية في الأدب الكويتي المعاصر قد عالجت بعض القضايا المثيرة: 
 1 - تقديم إبداعاتٍ فكرية تستنطق وتحلل النظام الاجتماعي، والثقافي، وتمنح المرأة مركزاً إنسانياً لائقاً تتمتع من خلاله بالحرية التي تخلق العطاء والنماء، وتقدم خبرات وسمات نسوية لافتة، مما يجعل الفكر العربي المعاصر في الكويت يقدم إنجازاً لافتاً للنظر.
 2 - ظهور السَّرديات النسوية في الأدب الكويتي مع مطلع خمسينيات القرن الماضي من خلال أعمال رائدة، متنوعة الأجناس والأحجام والسمات. 
 3 - عرض بعض السرديات النسوية في الأدب الكويتي المعاصر للنموذج الذكوري الحضاري المرتبط بالإنسان في بلدان الخليج العربي.
  4 - تقديم هذه السرديات للتـــصور الإسلامي المتعلق بهوية المرأة، وقضــــية تحريـــرها، وحقوقها، والمساواة بينها وبيــــــن الرجل في بعض المجالات (التعليم، العمل، الأجرة، الإنتاج العلمي، توفير حضانات لأطفال النساء العاملات...)، وارتباطها بفلسفة ما بعد الحداثة، ومقاومة «مركزية العقل الذكوري» Pallogocentrism، ومعانقتها للخصوصية الخليجية الأنثوية. 
  5 - إبراز دورِ المجتمع الكويتي في صياغة وضع المرأة المبدعة، والتنظيرات المعرفية
 الخاصة.