احذروا إدمان الإنترنت والمخدرات الرقميـة!
في الآونة الأخيرة بدأت تتنامى مجموعة من البحوث النفسية التي تشير إلى أن الاستخدام المفرط للإنترنت، رفيق الخفافيش البشرية، قد يسبب إدماناً نفسياً مشابهاً نوعاً ما في ملامحه للإدمان الذي قد يسببه تعاطي المخدرات والكحوليات. ومهما كانت دوافع البحث عن الأمان في الجلوس خلف الشاشة، كالخجل وسوء التوافق الاجتماعي والأسري والرغبة في الهرب من المشكلات، فإن ملامح هذا الإدمان وسبل الوقاية والعلاج تتضح في ما يلي:
على الرغم من أن الإدمان عادة ما يكون مرتبطاً باستخدام مواد تدخل جوف الإنسان، فإن الإفراط في استخدام الإنترنت والاعتياد عليه يؤديان إلى شعور الفرد بالاشتياق الدائم إليه وعدم قدرته على السيطرة على دوافعه نحو استخدامه، كما هي الحال في مختلف أنواع الإدمان. وتعد عالمة النفس الأمريكية كيمبرلي يونج Kimberly Young رائدة الإشارة إلى هذا النوع من الإدمان النفسي بوصفه اضطراباً مكتمل المعالم في عام 1995.
إيجابيات الإنترنت
أصبحت شبكة الإنترنت تغزو جميع مجالات الحياة الاجتماعية كوسيلة للـتواصل وتبادل المعلومات وتغلغلت في شتى مناحي الحياة، وتتزايد أعداد مستخدمي الإنترنت بشكل سريع، ولاسيما في أوساط المراهقين والشباب، وبات الدخول عليها من السهولة بمكان. ولا نستطيع إغفال الفوائد التي جنتها البشرية منها، فهي تمكِّن مستخدميها من الوصول إلى كم هائل من المعلومات بشتى أنواعها بسرعات كبيرة، وتقدم خدمات عديدة كالبريد الإلكتروني وإمكان التصفح والاطلاع على أحدث المستجدات في البحوث والرسائل العلمية، بالإضافة إلى التسوق ومعرفة أحدث الأخبار من وكالات الأنباء والمواقع الإخبارية.
الآثار السلبية للإنترنت
وقد يؤدي الاستخدام المفرط لوسائل الاتصال الحديثة إلى جعل الأفراد يغرقون في عالم افتراضي، فهم يشكلون لأنفسهم هويات افتراضية يتعاملون بها مع الآخرين، ويسبب لهم ظهور عدد من المشكلات، يمكن إيجازها في ما يلي:
< مشكلات صحية وجسمية: تتمثل في الشعور بالإرهاق والمعاناة من آلام في الظهر والرقبة والتهاب في العينين.
< مشكلات أسرية: تشمل إهمال أفراد الأسرة وعدم الاكتراث بهم، وزيادة معدلات العنف وسرعة الغضب، وإقامة علاقات غرامية غير شرعية قد تسبب الانفصال بين الزوجين.
< مشكلات مهنية: منها التأخر عن العمل الصباحي، وانخفاض مستوى الأداء، وزيادة الأخطاء أثناء العمل، وشعور المرء بالتوتر والقلق، نتيجة لتراكم الرسائل التي ترد إليه في حينها، وعجزه عن الرد عليها. مشكلات أكاديمية: تشمل انخفاض التحصيل الدراسي بسبب السهر لساعات متأخرة، ما يؤدي إلى تكرار الغياب عن المدرسة وفقدان التواصل مع المعلمين، والاعتماد على المعلومات المدونة على الإنترنت، التي قد تكون مغلوطة وتتناقض مع المحتوى الدراسي.
< مشكلات اقتصادية: قد يفضي الإدمان على التسوق عبر الإنترنت إلى تراكم الديون، بينما قد تؤدي كثرة استخدام بطاقة الائتمان إلى سرقة الحسابات المصرفية، ويصبح الفرد عرضة للنصب والاحتيال وسرقة معلوماته الشخصية، وتصل في بعض الأحيان إلى تدمير الأجهزة والهواتف الذكية نتيجة نشر الفيروسات.
< مشكلات أخلاقية: تضعف الإيمان وتذهب الحياء الذي هو شعبة من شُعب الإيمان، بسبب الدخول إلى المواقع الإباحية، ولعب القمار في النوادي التخيلية.
وبالإضافة إلى كل ما تقدم، هنالك مجموعة أخرى من الآثار السلبية مثل الدعوة إلى أفكار غريبة مناقضة لقيمنا وأعرافنا وتقاليدنا، كالتشهير بالأفراد وإطلاق الشائعات التي تنتشر بسهولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وممارسة انتهاك حقوق الملكية، بالسطو على نسخ الكتب والأغاني والأفلام ونشرها من دون مقابل، وإغواء القاصرين بقصص الحب الوهمية والصداقة الخيالية والعلاقات الغريبة والشاذة، والإفراط في الاعتماد على اللغة العامية، ما يؤدي إلى تدني أسلوب الكتابة، والدعوة إلى الانتحار والتشجيع عليه، والتوقف عن ممارسة الهوايات وأوجه النشاط والاهتمامات، والانعزال عن المحيط الاجتماعي.
المخدرات الرقمية أشد فتكاً من «الكيميائية»
يكشف الوجه القبيح للإنترنت عن المخدرات الإلكترونية أو Digital Drugs، وهي عبارة عن ملفات صوتية تحتوي على نغمات ذات ذبذبات ثنائية Binaural Beats عند الاستماع إليها تمنح المرء تأثيراً أشبه بالتنويم المغناطيسي يحاكي تأثير الهيروين والكوكايين وغيرهما من المخدرات التقليدية، لتصل بالمرء إلى حالات هلوسة كالتي تصاحب التعاطي. وتعتمد على التلاعب بكهرباء المخ، بل الفتك به وبالجهاز السمعي، وانخفاض كفاءة الذاكرة القصيرة المدى الخاصة بالاسترجاع السريع للمعلومات، وزيادة احتمالات الإصابة بالاكتئاب، وتراجع القدرة على الإبداع، والكفاءة الإنتاجية، بسبب الانفصال عن الواقع. وهي كارثة مجتمعية بكل المقاييس، لكونها في متناول اليد وفي أي وقت. وقد يؤدي هذا الإدمان النفسي لتلك النشوة الزائفة إلى الوفاة عندما يصل المدمن إلى مرحلة متأخرة، ويسعى نحو المزيد من النشوة بزيادة الجرعة فيلقى حتفه حتماً.
مؤشرات إدمان الإنترنت
1 - الانشغال المفرط باستخدام الإنترنت، ليصبح النشاط الأهم والأكثر قيمة في حياتك.
2 - عندما تكتشف أن الوقت الذي تقضيه على الإنترنت أطول مما نويت، مع زيادة معدل الاستخدام يوماً بعد يوم.
3 - الشعور بالكآبة والغضب إذا انقطعت عنك «الإنترنت» أو نسيت هاتفك الذكي في المنزل.
4 - عندما تقصّر وتهمل في مهام عملك أو في أعمالك المنزلية.
5 - الحاجة الملحة إلى استخدام الإنترنت للحصول على مشاعر إيجابية.
6 - الشعور بالتوتر النفسي والقلق، والقيام بحركات لاإرادية تؤديها الأصابع مشابهة لحركات الأصابع على لوحة مفاتيح الكمبيوتر عند الانقطاع عن استخدام الإنترنت.
العلاج
هناك خطوات معرفية سلوكية عدة اقترحها العلماء لعلاج إدمان الإنترنت تعد بمنزلة مقترحات مفيدة للتخفيف من حدة المشكلة وعدم تفاقمها، وفي ما يلي عرض لهذه المقترحات:
1 - محاولة كسر نمط استخدام الفرد للإنترنت، فإذا اعتاد ذلك نطلب منه استخدام الإنترنت يوم العطلة الأسبوعية فقط.
2 - تحديد وقت الاستخدام بساعة إيقاف، فإذا كان الفرد يدخل على الإنترنت لمدة 50 ساعة أسبوعياً، فعليه خفضها إلى 30 ساعة فقط.
3 - عمل جدول تنظيمي لتوزيع عدد الساعات على أيام الأسبوع، مع عدم السماح بتجاوز الجدول المحدد.
4 - إذا كان الفرد يتعلق بمجال محدد من مجالات الاستخدام الخاصة بالإنترنت، نطلب منه الامتناع عن هذا المجال، ونترك له حرية الإقبال على المجالات الأخرى المتاحة.
5 - نطلب من الفرد المريض ممارسة النشاط المعتاد للحياة اليومية التي كان يقوم بها قبل إدمانه الإنترنت.
6 - يقوم الفرد بإعداد بطاقة يكتب عليها خمساً من المشكلات الناجمة عن إسرافه في استخدام الإنترنت، ويكتب عليها الفوائد التي سيحصل عليها بعد إقلاعه عن إدمانه، ويضعها معه أينما ذهب ويداوم على قراءتها.
7 - نطلب من الفرد المريض الانخراط في ممارسة أي نشاط جديد يحدده بنفسه، وينضم إلى مجموعة من الأصدقاء المشاركين في هذا النشاط وقد يكون أو درس تعلم لغة جديدة أو هواية ما مثل تعلُّم الطهي أو الحياكة أو الأعمال اليدوية أو الانضمام إلى فريق كرة قدم أو سلة.
8 - توعية الأسرة بأهمية مساندة من يعاني مشكلة الإدمان، مع محاولة التغلب على المشكلات الأسرية لديهم واستعادة الحوار والنقاش في ما بينهم.
9 - تغيير مكان الحاسب الآلي واختيار مكان جديد له، ومن الأفضل وضعه في مكان اجتماع العائلة.
10 - تعليم الفرد أسلوب الاسترخاء للتغلب على الشعور بالتوتر والاكتئاب الذي قد يصاحب أعراض إدمان الإنترنت.
الوقاية
نظراً لخطورة إدمان الإنترنت على فئة الشباب والراشدين، الذين هم عماد التطور والتقدم والإنتاج في عالمنا العربي، نعرض في ما يلي لأهم إجراءات الوقاية التي يجب أن تقوم بها الأسرة والمؤسسات التربوية، حيث إن المطلوب هو الترشيد والاستخدام المعتدل، وذلك على النحو التالي:
الأسرة
تقوم الأسرة بدور جوهري في حياة أبنائها، إذ يجب على الوالدين الاهتمام بأبنائهما ومحاولة توفير مناخ أسري سليم يسوده الاحترام والود، والبعد عن الإفراط في تحقيق المطالب، وكذلك الإفراط في المنع ومراعاة احتياجاتهم المختلفة والاهتمام بصحة الأبناء النفسية والمستويين التعليمي والثقافي لهم، مع غرس مجموعة من القيم وقواعد السلوك الحميد لديهم وإثراء مصادر ثقافة الأبناء والوعي الكامل لكل ما يفعلونه، بالإضافة إلى ضرورة تحكم الوالدين في المواقع المسموح الدخول إليها على الإنترنت، وتوفير مقومات الرقابة الذاتية لدى الأبناء، وتنمية الوازع الديني والأخلاقي لديهم والاهتمام بالمستوى العلمي والتثقيفي ووضع قواعد وضوابط للنفس.
المؤسسات التربوية (مدارس وجامعات)
- تبصير الطلاب بالآثار الإيجابية والسلبية لاستخدام الإنترنت، وتوضيح الطبيعة الإدمانية المحتملة له.
- تعليم الطلاب كيفية إدارة الوقت.
- وضع مناهج توضح كيفية الاستفادة من شبكة الإنترنت وجعلها وسيلة تعليمية وتثقيفية في المقام الأول.
- تنمية الوازع الديني.
- الاعتناء بالجوانب النفسية للطلاب.
- توجيه الشباب نحو الاستخدام الإيجابي للإنترنت.
- تقديم برامج تساعد الشباب على تنمية مهارات التفاعل السوي المباشر مع الآخرين.
- دعم الهوايات وأوجه النشاط المختلفة التي يمارسها الشباب داخل الجامعات, التي يتم عن طريقها قضاء وقت الفراغ حتى لا يجد الشباب أنفسهم أمام خيارات الإنترنت المتنوعة فقط.
- طرح ورش عمل ولقاءات بهدف توعية الشباب.
- إقامة ندوات ومؤتمرات للتوعية بالآثار السلبية للاستخدام المفرط.
وهكذا، نكون قد ألقينا الضوء على أحد أخطر أمراض العصر، وسبل التخلص من حلم بلوغ الجنة البديلة لعالم الخيال، وحققنا اتصالاً وتواصلاً بدلاً من اتصال من دون تواصل.