تطور حركة السرد الأنثوي واللغة البانية في أعمال زينب حفني

تطور حركة السرد الأنثوي واللغة البانية في أعمال زينب حفني

«انظر إلى العمل الإبداعي تعرف مَن المبدع»...، جملة قالها الناقد المبدع النمساوي والعالمي هوثورن، وكانت بمنزلة القانون الذي سار عليه كثير من النقاد في تناولهم للعمل الإبداعي، ولم يكن يشغلهم المبدع الكاتب بقدر انشغالهم بالعمل ذاته.

من العمل يمكن التعرف إلى المبدع، شخصيته وتاريخه وأدواته وقدرته على الإبداع وموهبته، هل هي مصقولة أم تحتاج إلى الصقل؟ وتبعاً لهذا المنهج النقدي المعروف أجدني مدفوعة إلى النظر للروائية السعودية زينب حفني بعين الموهبة والقدرة الإبداعية، ولعلها تكفي، في رأيي، لتقييم أعمالها التي كثر حولها الجدل، وكثرت حولها الكتابات النقدية، فهناك من تناول مضامين تلك الأعمال، وقال إنها ترتكز على إبراز مدى الامتهان الذي يحيط بالمرأة في مجتمعها، وهناك من اهتم بمشروعها الإبداعي السردي منذ الإصدار الأول، وقال إنه مشروع يستهدف كشف زيف المجتمع العربي عامة، والخليجي خاصة، وهناك من ركز على القضايا التي طرحتها في معظم الأعمال، وقال إنها جندت قلمها وفكرها ومتخيلها لطرح القضايا التي تلامس حياة المرأة السعودية والعربية، وما يرتبط بها من قضايا مجتمعية وثقافية وسياسية وغيرها.
وهناك من نظر بعين التأمل إلى بطلاتها وشخصيات أعمالها، وقال إنها راحت تطرح القضايا المختلفة وتناقشها على لسان تلك الشخصيات بكل جرأة وحرية وإفصاح، متجاوزة الحواجز والتحذيرات التي يضعها الكاتب على نفسه قبل الكتابة، كما كان هناك من تناول تيمة الجرأة لديها، وقال إن هذه الجرأة؛ سواء في مناقشة وضع المرأة السعودية أو فيما يرتبط بها من قضايا تخص عالمها المخملي الخاص، أعطت أعمالها بعداً ثقافياً مهماً في المشهد الأدبي الخليجي عامة.
وقد أجمع معظم هؤلاء النقاد على أنه إذا كانت زينب حفني تناقش قضايا وتطلعات المرأة في مواصلة مسيرة العمل مع الرجل لبناء المجتـــــمع، فإنهــــا تتــــواصل في مشــروعها لتطرح القضايا ذات العلاقة بالمرأة، بغضّ النظر عن أن يكون المسكوت عنه أساسها أو مركـــزها، وأنها تطـــرح ما ينبغي على المجتمع الانتباه له والتأمل في جريانه وكــــيفيــــة التعامل معه، سواء في غربلته أو تركــــه أو تطويره، لافتـــــة النظر إلى أن هذا يتطلب حواراً متصلاً بين المثقفين في المجتمع ومؤسساته الرسمية والأهلية، ذات العلاقة بالمرأة وتطوير المجتمع وتحديثه.

السرد المتنوع
لست أبالغ حين أقول إن أعمال زينب حفني الروائية والقصصية تستند إلى موهبة حقيقية، تتسم بكثير من السمات الفنية التي يمكن الوقوف أمامها وتأملها، لتشكل في النهاية صورة لملكات وأدوات إبداعية لديها ربما لا نجدها عند معظم الكاتبات السعوديات الأخريات، وتعبر هذه السمات الفنية في مجملها عن تطور حركة السرد الأنثوي لدى زينب حفني من جانب، ولدى الكاتبة الأنثى في السرد الحكائي المعاصر من جانب آخر.
وأولى هذه السمات التي نلاحظها جلياً قدرة الكاتبة الفنية على تقديم صياغة سردية شديدة الدلالة على تنوع النماذج النسائية وتعدد مشكلاتها، وابتعادها عن التماهي السيري أو الذاتي مع نماذجها المقهورة، كما يظهر التوق إلى الحرية لدى نسائها وشخصياتها في أوضاع مختلفة، وهن واعيات لشرطهن الاجتماعي والإنساني، فتتباين مواقفهن من حال إلى حال، مدركات لمصائرهن المعذبة.
ومن أبرز الأعمال التي تعبّر عن ذلك، المجموعة القصصية «هناك أشياء تغيب»، حيث تأتي نموذجاً دالاً على الأنوثــــة المطـــــعونة وشهادة طيبة على تطور السرد الأنثوي، فالمجموعة بكامــــلها تدور حــــول موضـــــوع محدد هو حرية المــرأة، فلاتــــزال المرأة عــــنـــدها تنتمي إلى جمـــاعة مغمورة تـــعاني وطأة العيش في شرط  تاريخـــي واجتماعي قاهر، حيث تتجه المرأة في القصة التي تحمل عنوان المجموعة «هناك أشياء تغيب» إلى موعدها معه، بمطعم الروشة في بيروت، فقد بعثت له رسالة بالبريد الإلكتروني، مبدية رغبتها فـــي جسر من التواصل بينهما، فنجد محاولة لتـــوكــيد الأنوثة وحريتها، ومحاولة مقابلة لتوكيد الذكورة وقيودها وسطوتها، وهـــــي اللعبة المستمرة في المعادلة الصريحة الــــتــي تتبدى في التعرية المتبادلة بين الرجــــل والمرأة، وتتناول القصة، على وجه الخصوص، تعذر الاتصال بين الرجل والمرأة، إذ سرعان ما جاهرت الأنثى بمعاداة الذكورة لتسلطــــها عليها، وخاطبته نافية الخنوع له، وعدم تقبّل دكـــتاتوريته، فهو رجل معقد، مغرور لا ثقة له بالنساء.

قوة التركيز والإيحاء المغناطيسي
على نحو خاص، تتسم هذه المجموعة القصصية بعدد من السمات الفنية التي تحفل بها معظم كتابات زينب حفني، من بينها قوة التركيز والإيحاء المغناطيسي الذي ينتشر بين السطور، وهو ما يجعل السرد الحكائي لديها ينتمي إلى الحداثة، سواء على مستوى الأسلوب أو الحدث، كما أنها تقوم بتطويع الشخصيات إلى درجة أنها تنتقل بين طيات الرواية بسهولة ويسر، كما لو أنها تنتقل بين أحجار الشطرنج، وهو ما يعبّر عن إيقاع الكاتبة في أعمالها من حيث السرعة والتشويق والإثارة وغزارة الأحداث، وكذلك عدم اللجوء إلى الرمزية، في الوقت الذي توارى فيه معظم الكتّاب والكاتبات خلف عباءة التورية، أو ما يسمى بالخيال الكوني والأساليب اللغوية غير المباشرة، وهو ما يعطي الانطباع بأن زينب حفني كانت صادقة مع نفسها ومع فنها ومع مجتمعها منذ البداية.

حركية الأنا والآخر
تكشف قصة «لابد أن تغرد البلابل» عن مشكلة تعدد الزوجات وإهمالهن، أو التخلي عنهن على حساب المسؤوليات والأولويات التربوية والاحتياجات الضرورية، وفي قصة «طقوس غير شرعية» تبرز الكاتبة سيطرة التفكير الخرافي والمشعوذ واستغلال المشعوذين لظروف المرأة المقهورة، باسم فك دوائر النحس، واستعجال قدوم الزوج المنتظر بعد طلاق طال.  ومن السمات أيضاً حركية الأنا والآخر، وبهذه الحركية تضع الكاتبة القارئ في موقع المتلقي المتأكد من صدق السرد، وأن كل ما يقال عبر الأحداث صادق وأمين، ومن الطبيعي أن تدخل الآخر في صراع الأحداث يثري المشاركة الحيوية، ليتحول من مجرد قارئ إلى مشارك في صنع هذه الأحداث، وهذه السمة تعد من أهم السمات التي يتمتع بها السرد الحكائي الحديث، وفي هذا الأسلوب يضع الكاتب نصب عينيه في أثناء الكتابة، قارئه، سواء الكتابة الأولية أو النقدية أو التنقيحية، بحيث يجعل منه مشاركاً في عملية القص وحركة السرد وصنع خلفية موازية للأحداث، وذلك عبر نمط لغوي من المركبات اللغوية التي يتكون منها أسلوب متميز في إنتاج النص، وتوجيه الخطاب.
وتعد رواية «لم أعد أبكي» من أهم الأعمال الروائية لزينب حفني التي تسير في هذا الاتجاه، حتى أنها تقول عنها إنها من أهم الروايات التي قدمتها للساحة الثقافية والأدبية، وتضم ثلاث قصص في قصة واحدة (نشوى، غادة، صالح السعدي)، ولكل من هؤلاء قصته وأفكاره وحياته، وكلهم يدخلون في متاهة المحرمات ولا يعرفون خلاصاً.

خصوصية الخطاب الأدبي
تحرص زينب حفني على توفیر عناصر شكلیة وفنیة تحقق خصوصیة الخطاب الأدبي، وتمیزه عن الخطاب البلاغي المتخشب المستخدم في غسل الأدمغة وتسطیح العقول، وربما يكون هذا هو السبب في لجوئها إلى ارتیاد مجالات وفضاءات كانت شبه محرمة، وإعادة بناء عوالم سردية تصنع بها وعیاً نقدیاً عمیقاً وجریئاً، وتأتي رواية «سيقان ملتوية» لتعبّر عن تلك السمة الفنية، حيث تطرح قصة عائلة سعودية شاءت الأقدار أن ينخرط أحد أفرادها (مساعد) في المجتمع البريطاني بعد تخرجه وموافقة أبيه على الاستقرار في لندن والاشتغال بالعمل التجاري فيها، وباستقرار مساعد وتكوين أسرة تبدأ الأحداث تنمو وتتطور لطرح القضايا ومناقشتها من أطراف عدة، فنجد شخصية «جيم» البريطاني الذي عمل في بعض الدول العربية مراسلاً صحفياً، و«ربييكا» الفتاة التي أنجبها رجل سعودي (يوسف يافع) نتيجة علاقة عاطفية مع امرأة بريطانية (مريام)، ولكنه ابتعد عنها وتركها تصارع العالم والحمل، بعد رجوعه متخرجاً ليستقر في بلده، و«عادل» الشاب العراقي الذي جاء إلى لندن مع عائلته طالبين اللجوء السياسي، ثم يعود إلى بغداد بعد سقوط نظام صدام. 
وهناك الشخصية النسوية التي حركت كل أحداث هذا العمل الروائي، وهي «سارة»، ابنة مساعد المولودة في بريطانيا، التي تربت وترعرعت بين سفوح ثلجها وبردها وعاداتها، وتطلعاتها الاجتماعية والثقافية والعلمية الداعية إلى التحرر، وتحديث المجتمع الذي لم ترَ فيه إلا التناقض بين ما يحلم به الرجل وما تحلم به المرأة في بلدها، وبين ما هو موجود في هذه البلاد المؤمنة بحرية الفرد واختياراته، وعلى الرغم من تباين وجهات النظر التي لم تُصرّح بها الكاتبة بين «سارة» و«عادل» تجاه ما حدث بالعراق في بداية سقوط النظام وتدخل أمريكا في كل مقدراته، فإنه كان مؤمناً برحيل طاغية سيطر على كل العراق بيد من حديد، وهناك «زياد» الشاب الفلسطيني الذي جاء إلى لندن حاملاً وصية أبويه، فكان يقول لسارة: «نحن شعب دفعه الحرمان إلى اختزال الحياة، وتجرع كأس العمر دفعة واحدة». 
وبين منطق الحياة والرّكون إليه، وبين منطق الأبوّة ومنطق العقل، تخوض الرّواية معركتها، في إطار من تحقيق هذه الخصوصية الفنية التي نتحدث عنها، أو بالأحرى صراعها؛ ليس ضدّ المكان الذي شعرت فيه سارة بغربتها، ولا ضدّ الزّمان الذي اختارها القدر لتوجد فيه، ولا ضدّ ما يجري في الواقع من أوهام وتصورات وخيالات، أبعد ما تكون عن الواقع، إنما ضد ما يحد من حرية اختياراتنا، ويحد من إنسانيتنا، ومن هنا كان انتصار الرواية للحرية التي تصان عبرها الهوية، هوية الاختيار.

إيقاعات الاسترجاع والاستباق والوصف
تنتقل أعمال زينب حفني في استخدام الزمن بين إيقاعات عدة تتسع للاستطرادات والتشعبات من استرجاع واستباق ووصف وملاحظات مباشرة، فيصبح المشهد محتوياً لكل ذلك، في إطار من التلوين الواقعي، أو التلوين الفني القريب من ملامسة الواقع.وتأتي رواية «عقل سيئ السمعة» مثالاً لذلك، ويتوافر لدينا في هذه الرواية عنصر فني يستنطق معنى أن حرية الأمة وما تتمتع به من ديمقراطية تقاس بما يتاح للمرأة من الحرية، وكلما أعطيت للمرأة حرية دل ذلك على أن الرجل يتفهم أنها تمثل النصف الثاني للمجتمع، وتدعونا الرواية إلى أن نصحح الصورة ﻷولادنا، مما يساعد على تربية أطفال أسوياء، والرواية تدور حول 3 نساء من عائلة واحدة (جدة وأم وحفيدة)، والثلاث ورثن المرض النفسي، والرواية تحاول تصحيح مفهوم المرض النفسي عند المجتمع الذي يصفهن بالجنون، ومحاولة إيصال رسالة بالتعامل معهن بشكل يساعدهن على الشفاء.
وتوجه زينب حفني من خلال الرواية رسالة إلى المجتمع تدعوه فيها إلى أن يكون حراً حتى يكون هناك خيال، مع الأخذ بالاعتبار أن تكون هناك حدود لأي حريات، بمعنى أنه يجب أن تكون الحريات مسؤولة، ومن ثم على كل منا أن يتساءل: ماذا سيقدم من جديد قبل أن يبث أفكاره داخل المجتمع؟

مفهوم الحرية المسؤولة
حين نقرأ رواية «ملامح» نجد الكاتبة وكأنها أحيت الجسد الفكري الميت في المجتمع العربي، وأعادت للذاكرة مجتمعاً فقد الوعي الذي لا يفكر إلا في قشور الدين، وقد ركزت زينب حفني في هذه الرواية على قضية مهمة يعانيها المجتمع العربي، ولها تأثيرات سلبية عديدة، هي قضية مصادرة الإنسان، سواء كانت على مستوى مصادرة الذات أو مصادرة الآخر أو مصادرة القيم. 
وقد تجلت فكرة مصادرة الذات من تلك الكلمات التي اقتبستها عن المفكر جان جاك روسو:
«حين يدق ناقوس الساعة سأقف أمام خالقي المعظم، وهذا الكتاب في يدي، قائلاً بشجاعة: هذا ما فكرت به وفعلته ولم أنس ذكر الطالح من أفعالي، ولم أضف من الخير ما لم يكن موجوداً بالفعل، عرضت نفسي كما كنت حقيراً أستحق الاحتقار أو عظيماً سامياً في فكري».
وقد تبنت زينب حفني في الرواية هذه الفكرة، واختارت أن تكون عنــوانها، فإما أن تكون محتقرة، وهذه صورة المرأة في نظرها، وإما أن تكون صاحبة فكر وشخصية وكينونة، وبذلك تستحق أن يطلق عليها إنسانة، وهذا ما حاولت أن تعممه في مساحات رواياتها جميعاً.
وفي هذه الرواية تنقــلنا الكاتبة من الإحساس بلوعة الفقد والفراق إلى فجيعة الحرب، إلى خداع السياسة، إلى قضية العالم العربي، إلى حرب 1967م، حيـــــث يدخـــــل القارئ مع تصاعد الأحداث في هذه الحرب دون أن يشعر ودون أن يرهق نفسه، فهو يجلس مع عائلة البطلة الرئيسة «ثريا»، ليسمع معهم من خلال موجات الراديو أنباء الحروب ونتائجها، وتستمر في التعرّض للمحور السياسي، فلسطين، الاحتلال الإسرائيلي، أفغانستان، والعراق، وغيرها من المناطق الموبوءة بالأسلحة والموتى والقتلى، المناطق التي ينزح منها أهلها إلى مدن العالم، حيث يتقاسمونَ أوجاعهم بينهم، ويلتحفون تهمة الغرباء كرغيف متبقّ لهم من الوطن.

الرواية الفردانية
تعتمد زينب حفني في معظم إنتاجها القصصي والروائي على استخدام أسلوب الرواية الفردانية، ويقوم هذا الأسلوب على الجمع بين «التكافؤ السردي»، وفيه تسمح لبعض شخصيات الرواية، وبخاصة تلك التي تتسم بالذاتية، أو تمتلك حياة داخلية خصبة، بأن تروي الأحداث من وجهة نظرها الذاتية، لتضاف إلى رؤية الراوي الموضوعي، فنحصل على رؤى ذاتية وموضوعية متعددة للأحداث، إذ إن من شأن الرؤية الذاتية لكل شخصية، أن تصبح بالنسبة إلى الشخصيات الأخرى، رؤية موضوعية.‏
وهذا الأسلوب يحقق حركية الحدث، فنجد الأحداث متراصة كبقع الفسيفساء، بحيث يظهر الاختلال عند زوال أحدها، ولذلك تبدو الرواية متراصة ذات بناء ناجح ومحكم، تتلاحق فيه الأحداث، وترتكز الكاتبة في معظم إنتاجها الأدبي على طرح قضية الانحلال، عبر حكايات متنوعة، تمثل فيها المرأة عنصراً أساسياً محركاً للأحداث، بالرغم من أنها لا تشكل أي قيمة حقيقية في المجتمع.
وتعبر رواية «وسادة لحبك» عن ذلك، مستهدفة - كعادتها - الدفاع عن قضية المرأة الكبرى، رافضة امتهان المجتمع لها، فنجد «فاطمة» امرأة بسيطة، قضت شبابها مُحاصرة داخل سياج ذكرى زوجها الراحل، مما جعلها تعيش في وحدة قاسية سنوات طويلة، وتلتقي بـ «جعفر» وهو شاب يضجُّ بالحياة ويصغرها بأعوام كثيرة، ترى فيه خلاصها، يتعلّق بها، يأخذ بيدها، يريها عوالم جديدة لم تقترب من شواطئها يوماً، يفتح لها أبواب المعرفة على مصراعيها، وتتخذ من السطور موضعاً لمناقشة رأي الدين في كثير من العادات بين الرجل والمرأة، أو بين المرأة وذاتها. 

حركية الأسلوب
نجد كذلك حركية الأسلوب، حيث تتنقل الكاتبة بين صفحات رواياتها بأسلوب ممتع وبسيط، مستخدمة لغة راقية بعيدة عن الاقتحامات والفجوات التي يقع فيها الكتاب أحياناً، لغة سردية سهلة ولصيقة بالجمهور الواسع من القراء، بما يحقق مستوى من الإيحاء اللغوي والحوار الداخلي الذي يجعل القارئ مشدوداً وجزءاً من النص، فلا يستطيع التفلّت منه إلا بعد الانتهاء من الرواية.
وتتميز روايات زينب بتعدّد الرؤى السردية من جهة، وتأرجحها بين داخلية وخارجية من جهة أخرى، مما يوقظ مكامن الوعي عند القارئ، الذي بات يقف على مسافة من المتخيَّل الروائي، يقارب واقعه من خلاله، فلا يقع في فخّ أيٍّ منهما، ويجسد ذلك نوعاً من تعدد الأصوات، إذ لا تقتصر الرواية على وعي البطلة بالأحداث داخل الرواية، بل تتعداها إلى رؤية بطل الرواية للأحداث ذاتها، مما يعطي الرواية قدرة على أن تعرض وجهتي نظر مختلفتين، تكريساً لمبدأ التنوع والاختلاف الذي هو جوهر الحياة. وتنوع حفني سردها بنصوص شعرية مقتبسة دالة، فلكي تشير إلى الوحدة التي تعيشها بطلة رواية «وسادة لحبك» - مثلاً - إثر زواج ابنتها، فإنها تبدأ هذا الجزء المعنون «بدايتي» بنص شعري للشاعرة نازك الملائكة، يقول:
«الليل يسأل من أنا
أنا سره القلق العميق الأسود
أنا صمته المتمرد
قنعت كنهي بالسكون»
وفي الجزء الــذي ورد تحــت عنوان «هو وهي»، يرد نص شعري آخر يمــهــــد لحدث اللــــقاء بين فاطمة وحيدر، وهو نص للشاعر نزار قباني، كما ترد نصوص شعرية مقتبسة أخرى لها صلة بسياقات مختلفة في الرواية وهي للشعراء كامل الشناوي والهادي آدم وبشارة الخوري ومحمود درويش، وثمة مواضع كثيرة تشير فيها إلى أغاني أم كلثوم وطلال مداح وعبدالمجيد عبدالله وشيرين وسواهم، حيث تمنح هذه النصوص المقتبسة والأغاني تلقائية لافتة للنص الروائي.
وتتسم تجربة حفني الإبداعية من ناحية المضمون بالقدرة على المزج بين المتخيل والفكرة والموضوع، وعلى استحضار القضايا المهمة في مجتمعاتنا، بدءاً من القضايا السياسية إلى الاجتماعية إلى التربوية إلى الدينية، تلك القضايا التي لم تعد ينظر لها من منظور العاطفة والانفعال الوجداني، بقدر ما ينبغي الولوج إليها لمناقشتها بطريقة علمية وموضوعية، وتفكيك أجزائها لغربلتها وأخذ ما ينفع منها، هذا المجتمع الذي ظل ينظر إلى النصف الآخر من المجتمع نظرة لاتزال المرأة ترفضها  وهي تدافع عن نفسها من أجل نيل حريتها في تعليمها وعملها واختيار شريك حياتها.
ونجحت حفني في رسم صورة عاقلة للتمرد الأنثوي وتحليل أسبابه، لتعكس لنا النظرة الدونية التي ترفضها المرأة، والتي لا تخلو من التباس وجهل لدورها ومكانتها، كمساهم فعال ومهم يحتاج إليها كل مجتمع لبناء لبنته الأولى، التي هي الأسرة. 
وتقــــول زينب في أحد حواراتها عن مفهوم الحرية إنــها: «تلـــــك الكلمة الساحرة التـــي وقعتُ في عشقها منذ سنوات عمري الأولى، وليس هناك أصعب من أن تــؤمن المبدعة بالحرية وفي أعماقها تترعرع بذرة التمرّد، وتحيا في مجتمع مكبّل بالمــــوروثات، لقد جعلني هذا المناخ أشعر بأنني غــــير قادرة على الصراخ، كون صوتي عورة به مسّ من الشيطان».