مَن مِنّا لا يريد أن يكون سمكة؟!

مَن مِنّا لا يريد أن يكون سمكة؟!

جو‭ ‬عاصف،‭ ‬ومطر‭ ‬شديد‭ ‬يتساقط‭ ‬من‭ ‬السماء،‭ ‬يُغْرِق‭ ‬وجه‭ ‬حارس‭ ‬المنارة‭ ‬الذي‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يدخل‭ ‬بيته،‭ ‬ونكتشف‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬عُزلة‭ ‬وحيدًا،‭ ‬يسكن‭ ‬على‭ ‬حافة‭ ‬الماء‭ ‬الذي‭ ‬يضرب‭ ‬في‭ ‬الصخور‭... ‬بداية‭ ‬موفَّقة‭ ‬لفيلم‭ ‬Aquaman‭ (‬رجل‭ ‬الماء‭)‬،‭ ‬تُدْخِلك‭ ‬في‭ ‬الماء‭ ‬مباشرة،‭ ‬فالماء‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬السماء،‭ ‬ومن‭ ‬بحر‭ ‬يهدر‭ ‬من‭ ‬تحتك،‭ ‬الماء‭ ‬يحيطك‭ ‬عَبْرَ‭ ‬الشاشة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬فنحن‭ ‬ندخل‭ ‬من‭ ‬عنوانه،‭ ‬ومقدمته‭ ‬السريعة‭ ‬للماء‭ ‬الذي‭ ‬يحتوينا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬جانب‭. ‬هذا‭ ‬الفيلم‭ ‬الأسترالي‭ ‬الذي‭  ‬تم‭ ‬عرضه‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬2018،‭ ‬أخرجه‭ ‬جيمس‭ ‬وان،‭ ‬وكتب‭ ‬قصته‭ ‬جيف‭ ‬جونز،‭ ‬سيناريو‭ ‬وحوار‭ ‬ويل‭ ‬بيال،‭ ‬وقامت‭ ‬ببطولته‭ ‬أمبر‭ ‬هيرد‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬ميرا،‭ ‬وجايسون‭ ‬مومو‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬آرثر‭ ‬أكوامان،‭ ‬ونيكول‭ ‬كيدمان‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬الملكة‭ ‬أتلانتا‭. ‬

يبدأ‭ ‬اللقاء‭ ‬الأول‭ ‬بين‭ ‬البشري‭ ‬حارس‭ ‬المنارة‭ ‬المغمور‭ ‬في‭ ‬ماء‭ ‬المطر،‭ ‬والذي‭ ‬قام‭ ‬بدوره‭ ‬تيمويرا‭ ‬موريسون‭ ‬ليلتقط‭ ‬امرأة‭ ‬مصابة‭ ‬أسفل‭ ‬صدرها‭ ‬تنزف‭ ‬داخل‭ ‬الماء،‭ ‬وسنكتشف‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬أنها‭ ‬ملكة‭ ‬أتلانتا،‭ ‬وأنهم‭ ‬يبحثون‭ ‬عنها‭. ‬لقد‭ ‬قام‭ ‬تيمويرا‭ ‬بدوره‭ ‬بحساسية،‭ ‬فقد‭ ‬شعرنا‭ ‬بوحدته‭ ‬من‭ ‬أول‭ ‬ظهور‭ ‬على‭ ‬الشاشة،‭ ‬وأوصل‭ ‬لنا‭ ‬شغفه‭ ‬الإنساني‭ ‬بالأنثى‭ ‬التي‭ ‬وجدها‭ ‬بمنتهى‭ ‬البراعة‭ ‬وبنظرات‭ ‬حانية‭.‬

‭ ‬تَقَابَل‭ ‬عَالمَاَن‭ ‬مختلفان،‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬ملؤها‭ ‬ماء‭ ‬المطر‭ ‬وماء‭ ‬البحر،‭ ‬وعندما‭ ‬دخلا‭ ‬البيت،‭ ‬كان‭ ‬التلفزيون‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬يعرض‭ ‬مشهدًا‭ ‬لماء‭ ‬يفور‭ ‬في‭ ‬دوامات،‭ ‬فتخرج‭ ‬غواصة‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬تجويف‭ ‬صخري،‭ ‬ظنته‭ ‬المرأة‭ ‬أنه‭ ‬سيهاجمها‭ ‬فدمَّرت‭ ‬التلفزيون‭ ‬بالحربة‭ ‬التي‭ ‬معها،‭ ‬في‭ ‬الغرفة‭ ‬أيضًا‭ ‬كان‭ ‬يوجد‭ ‬حوض‭ ‬سمك‭ ‬جميل‭ ‬يحتوي‭ ‬الماء،‭ ‬فالماء‭ ‬موجود‭ ‬داخل‭ ‬الغرفة،‭ ‬والمرأة‭ ‬التي‭ ‬خرجت‭ ‬من‭ ‬الماء‭ ‬مَدَّت‭ ‬يدها‭ ‬لأسماك‭ ‬الزينة‭ ‬وأكلت،‭ ‬وكَشَفَتْ‭ ‬بذلك‭ ‬عن‭ ‬طبيعتها‭ ‬دون‭ ‬كلمة‭.‬

للماء‭ ‬دور‭ ‬مهم‭ ‬طوال‭ ‬الفيلم،‭ ‬فعندما‭ ‬ظهر‭ ‬سيد‭ ‬المحيطات‭ ‬الملك‭ ‬أورم‭ ‬للقرصان،‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬ماء،‭ ‬وعندما‭ ‬كاد‭ ‬حارس‭ ‬المنارة‭ ‬يموت‭ ‬بماء‭ ‬محجوز‭ ‬داخل‭ ‬صدره،‭ ‬استخرجته‭ ‬الأميرة‭ ‬ميرا‭ ‬من‭ ‬صدره‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬سحبه‭ ‬بيدها،‭ ‬إن‭ ‬لهذه‭ ‬الأميرة‭ ‬ميرا‭ ‬قدرات‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬الماء،‭ ‬حتى‭ ‬أنها‭ ‬جمعت‭ ‬قطرة‭ ‬ماء‭ ‬من‭ ‬جبين‭ ‬أكوامان‭ ‬بطريقة‭ ‬رائعة‭ ‬وأدارت‭ ‬بها‭ ‬الآلة‭ ‬التي‭ ‬تحوي‭ ‬كلمة‭ ‬السر،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬في‭ ‬الزيارة‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬لإيطاليا‭ ‬حوَّلت‭ ‬الماء‭ ‬لأسماك‭ ‬ولفرس‭ ‬بحر‭ ‬كان‭ ‬يقفز‭ ‬أمام‭ ‬فتاة‭ ‬صغيرة،‭ ‬ثم‭ ‬إنها‭ ‬كانت‭ ‬تستخدم‭ ‬الماء‭ ‬كدرع‭ ‬واقية،‭ ‬وكسلاح،‭ ‬حتى‭ ‬أنها‭ ‬استخدمت‭ ‬الخمر‭ ‬الذي‭ ‬داخل‭ ‬الزجاجات‭ ‬للهجوم،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الماء‭ ‬له‭ ‬سر‭ ‬خاص‭ ‬حين‭ ‬يصعد‭ ‬ناس‭ ‬البحر‭ ‬لسطح‭ ‬الأرض،‭ ‬وفور‭ ‬نزع‭ ‬الغطاء‭ ‬ونزول‭ ‬الماء‭ ‬يموتون،‭ ‬لقد‭ ‬فقدوا‭ ‬الماء‭ ‬الذي‭ ‬به‭ ‬يعيشون،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬أحدهم‭ ‬دسَّ‭ ‬رأسه‭ ‬في‭ ‬حمَّام‭ ‬المنزل‭ ‬ليحصل‭ ‬على‭ ‬الماء‭. ‬استخدامات‭ ‬كثيرة‭ ‬للماء،‭ ‬فنحن‭ ‬ندور‭ ‬مع‭ ‬رجل‭ ‬الماء‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬تدور‭ ‬معظم‭ ‬أحداثه‭ ‬في‭ ‬الماء‭. ‬أيضًا‭ ‬تم‭ ‬استخدام‭ ‬الماء‭ ‬كسلاح‭ ‬خطير‭ ‬وحاجز‭ ‬مهم‭ ‬لصد‭ ‬العدوان‭ ‬في‭ ‬تدريبات‭ ‬أكوامان،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬السلاح‭ ‬القوي‭ ‬الغريب‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬منحه‭ ‬للقرصان‭ ‬كي‭ ‬ينتقم‭ ‬من‭ ‬أكوامان،‭ ‬تتم‭ ‬تغذيته‭ ‬بالماء،‭ ‬فالماء‭ ‬عنصر‭ ‬مسيطر‭ ‬على‭ ‬الفيلم‭.‬

 

مَوْلِد‭ ‬الهجين

التقى‭ ‬توم‭ ‬حارس‭ ‬المنارة‭ ‬بالملكة‭ ‬أتلانتا‭ ‬وأنجبا‭ ‬طفلًا‭ ‬جميلًا‭ ‬اسمه‭ ‬آرثر،‭ ‬هذا‭ ‬التزاوج‭ ‬سعى‭ ‬إليه‭ ‬الإنسان‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬سحيق،‭ ‬عبر‭ ‬مخيلته‭ ‬وأساطيره،‭ ‬فقديمًا‭ ‬سمعنا‭ ‬عن‭ ‬خرافات‭ ‬التزاوج‭ ‬بين‭ ‬الجن‭ ‬والإنس،‭ ‬والعكس،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬تأتي‭ ‬أسطورة‭ ‬الفيلم‭ ‬القوية،‭ ‬فقد‭ ‬اتَّحد‭ ‬السطح‭ ‬والماء‭ ‬ونتج‭ ‬طفل،‭ ‬نتوقَّع‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مغايرًا‭ ‬ومختلفًا،‭ ‬إنه‭ ‬مزيج‭ ‬بين‭ ‬ناس‭ ‬الماء‭ ‬وناس‭ ‬الطين‭. ‬آرثر‭ ‬هذا‭ ‬الابن‭ ‬الهجين‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬بدوره‭ ‬الممثل‭ ‬جايسون‭ ‬مومو،‭ ‬والذي‭ ‬ساعده‭ ‬كثيرًا‭ ‬بنيانه‭ ‬الجسدي‭ ‬المتناسق‭ ‬وطوله‭ ‬الفارع،‭ ‬أعطانا‭ ‬الفيلم‭ ‬منذ‭ ‬بدايته‭ ‬أنه‭ ‬إنسان‭ ‬خارق،‭ ‬له‭ ‬قدرات‭ ‬خاصة،‭ ‬فمنذ‭ ‬طفولته‭ ‬في‭ ‬المتحف‭ ‬كان‭ ‬يتحدَّث‭ ‬للأسماك،‭ ‬وسط‭ ‬جَمْع‭ ‬من‭ ‬التلاميذ‭ ‬أثناء‭ ‬الرحلة،‭ ‬وصل‭ ‬إلينا‭ ‬منذ‭ ‬هذا‭ ‬المشهد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الطفل‭ (‬آرثر‭) ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬بالبحر‭ ‬وبمخلوقاته‭ ‬وأنه‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬استدعائها‭ ‬والحديث‭ ‬معها،‭ ‬مما‭ ‬منحنا‭ ‬توقُّع‭ ‬كل‭ ‬غرائبي‭ ‬من‭ ‬تصرفات‭ ‬قد‭ ‬تصدر‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬البحر،‭ ‬هذه‭ ‬الميزة‭ ‬التي‭ ‬أخذها‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬أمه،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬يحمل‭ ‬خصائصه‭ ‬كإنسان،‭ ‬فله‭ ‬قلب‭ ‬يحب‭ ‬ويشتاق‭ ‬لوالده،‭ ‬ويرتجف‭ ‬حين‭ ‬يرى‭ ‬والدته،‭ ‬وعندما‭ ‬تعرَّضت‭ ‬غواصة‭ ‬للقراصنة‭ ‬وطلبت‭ ‬الاستغاثة،‭ ‬وجدناه‭ ‬يحمل‭ ‬الغواصة‭ ‬كريشة‭ ‬ويصعد‭ ‬بها‭ ‬لسطح‭ ‬البحر،‭ ‬ويُنْقِذ‭ ‬البحارة‭ ‬من‭ ‬القراصنة،‭ ‬ويقضي‭ ‬على‭ ‬والد‭ ‬القرصان‭ ‬وتنشأ‭ ‬بين‭ ‬ابن‭ ‬القر‭ ‬صان‭ ‬وبينه‭ ‬عداوة‭ ‬أبدية،‭ ‬ستتكشَّف‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الفيلم‭.‬

  ‬للفيلم‭ ‬عمود‭ ‬فقري‭ ‬تجري‭ ‬حوله‭ ‬الأحداث،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬المُشَاهِد‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬ترقُّب،‭ ‬إنه‭ ‬الرمح‭ ‬الثلاثي،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لأحد‭ ‬أن‭ ‬يتحكَّم‭ ‬فيه‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الملك‭ ‬الأطلنطي‭ ‬الحقيقي؛‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬الرمح‭ ‬يعطي‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التحكُّم‭ ‬في‭ ‬البحار‭ ‬السبعة،‭ ‬والأسطورة‭ ‬التي‭ ‬يسعى‭ ‬إليها‭ ‬الفيلم‭ ‬مُخَبَّأة‭ ‬في‭ ‬قوة‭ ‬هذا‭ ‬البطل‭ ‬الذي‭ ‬سيأتي‭ ‬وسيستخدم‭ ‬الرمح‭ ‬الثلاثي؛‭ ‬لإعادة‭ ‬لَمّ‭ ‬شمل‭ ‬أتلانتا‭ ‬مُجددًا،‭ ‬وهو‭ ‬آرثر‭.‬

مع‭ ‬بداية‭ ‬نباح‭ ‬الكلب‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬حارس‭ ‬المنارة‭ ‬نستشعر‭ ‬أن‭ ‬الصراع‭ ‬الحقيقي‭ ‬للفيلم‭ ‬قد‭ ‬بدأ،‭ ‬ودخول‭ ‬كائنات‭ ‬الماء‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬ملكة‭ ‬أتلانتا‭ ‬بسُلْطَة‭ ‬الملك‭ ‬أورفاكس،‭ ‬كان‭ ‬قرارًا‭ ‬حاسمًا‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬عين‭ ‬نيكول‭ ‬كيدمان‭ ‬وهي‭ ‬تتحدَّى‭ ‬ناسها‭ ‬مُصِرَّة‭ ‬تمامًا‭ ‬على‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬طفلها‭ ‬وعلى‭ ‬زوجها،‭ ‬كانت‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تحمي‭ ‬ثمرة‭ ‬الحب‭ ‬بين‭ ‬البحر‭ ‬وبين‭ ‬الأرض،‭ ‬فنزلت‭ ‬الماء‭ ‬وتركت‭ ‬طفلها‭ ‬مع‭ ‬والده‭ ‬واختفت‭ ‬في‭ ‬الماء‭.‬

تسقط‭ ‬من‭ ‬عين‭ ‬نيكول‭ ‬كيدمان‭ ‬دمعة‭ ‬تدخلنا‭ ‬بها‭ ‬لمشاعر‭ ‬الملكة‭ ‬الحقيقية‭ ‬كأم‭ ‬وعاشقة‭. ‬لقد‭ ‬بَرَعَتْ‭ ‬كيدمان،‭ ‬وهى‭ ‬تعطينا‭ ‬دمعة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تستطيع‭ ‬ملكة‭ ‬أتلانتا‭ ‬أن‭ ‬تمنحنا‭ ‬إياها‭ ‬من‭ ‬قَبْل؛‭ ‬نظرًا‭ ‬لتكوينها‭ ‬المائي،‭ ‬كانت‭ ‬بارعة‭ ‬في‭ ‬توصيل‭ ‬لحظة‭ ‬الانفصال،‭ ‬في‭ ‬مشهد‭ ‬سينمائي‭ ‬متميز،‭ ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬تتجه‭ ‬لحارس‭ ‬المنارة،‭ ‬خلفيتها‭ ‬الماء،‭ ‬وكانت‭ ‬خلفية‭ ‬حارس‭ ‬المنارة‭ ‬الخُضْرة‭ ‬واليابسة،‭ ‬كُلٌّ‭ ‬يتجه‭ ‬لما‭ ‬خُلِق‭ ‬منه،‭ ‬وتم‭ ‬الانفصال،‭ ‬هي‭ ‬ذهبت‭ ‬للبحر،‭ ‬وهو‭ ‬عاد‭ ‬للأرض،‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬المشهد‭ ‬لوحة‭ ‬تعبيرية‭ ‬تُؤَطِّر‭ ‬كامل‭ ‬المغزى‭ ‬من‭ ‬الفيلم‭.‬

 

بهجة‭ ‬بصرية‭ ‬خالصة

حين‭ ‬تنزل‭ ‬بنا‭ ‬الكاميرا‭ ‬لعمق‭ ‬البحر‭ ‬نجد‭ ‬عالمًا‭ ‬غرائبيًا،‭ ‬عجائبيًا،‭ ‬مذهلًا،‭ ‬وقادرًا‭ ‬على‭ ‬إعطائنا‭ ‬المتعة‭ ‬البصرية‭ ‬الخالصة،‭ ‬حتى‭ ‬نتمنَّى‭ ‬أن‭ ‬نزور‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬مرَّة‭ ‬واحدة،‭ ‬ألوان‭ ‬حالمة‭ ‬ومخلوقات‭ ‬غريبة،‭ ‬جميلة‭ ‬وقوية‭ ‬وخارقة،‭ ‬لم‭ ‬أر‭ ‬أحدًا‭ ‬منهم‭ ‬يبتسم،‭ ‬هل‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬خصائصهم؟‭ ‬ربما،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬ساعد‭ ‬على‭ ‬تأكيد‭ ‬أننا‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬آخر،‭ ‬يركبون‭ ‬حيوانات‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬أجزاء‭ ‬مجمَّعة‭ ‬من‭ ‬عالم‭ ‬البحار،‭ ‬كأنها‭ ‬حيوانات‭ ‬بحر‭ ‬ساحر،‭ ‬تشع‭ ‬جمالًا‭ ‬باهرًا،‭ ‬وناس‭ ‬البحر‭ ‬يسيرون‭ ‬في‭ ‬الماء،‭ ‬يسبحون‭ ‬بسرعات‭ ‬فائقة،‭ ‬لهم‭ ‬قوانينهم‭ ‬الخاصة،‭ ‬الموسيقى‭ ‬رقيقة‭ ‬تحت‭ ‬الماء،‭ ‬أشعة‭ ‬الشمس‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬أعلى‭ ‬برقَّة‭ ‬وعذوبة،‭ ‬بهجة‭ ‬بصرية‭ ‬خالصة‭. ‬من‭ ‬أهم‭ ‬النقلات‭ ‬تحت‭ ‬الماء‭ ‬دخول‭ ‬الكهف‭ ‬من‭ ‬بوابة‭ ‬الماء،‭ ‬فأنت‭ ‬مفصول‭ ‬في‭ ‬القاع‭ ‬عن‭ ‬الماء،‭ ‬داخل‭ ‬الماء،‭ ‬بلا‭ ‬ماء،‭ ‬تنتقل‭ ‬من‭ ‬السحر‭ ‬فجأة‭ ‬لعالم‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬العمق،‭ ‬خروج‭ ‬إلى‭ ‬الداخل،‭ ‬وتتحوَّل‭ ‬الألوان‭ ‬لما‭ ‬يشبه‭ ‬الكآبة،‭ ‬وبما‭ ‬يوحي‭ ‬أنها‭ ‬مغارة‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬يدخلها‭ ‬الضوء‭ ‬الرقيق‭. ‬

يغلب‭ ‬على‭ ‬مشاهد‭ ‬البحر‭ ‬اللون‭ ‬الأزرق‭ ‬الشفيف،‭ ‬البعيد‭ ‬عن‭ ‬الملوثات،‭ ‬الممزوج‭ ‬بالخضرة‭ ‬الناعمة،‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬البهرجة‭ ‬الفجة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الملابس‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تصميمها‭ ‬بعناية‭ ‬فائقة،‭ ‬تشبه‭ ‬الأصداف‭ ‬والزعانف،‭ ‬فلم‭ ‬نخرج‭ ‬في‭ ‬مشهد‭ ‬واحد‭ ‬عن‭ ‬كوننا‭ ‬تحت‭ ‬الماء،‭ ‬فالشَّعْر‭ ‬يتطاير‭ ‬بحركة‭ ‬تموجات‭ ‬البحر،‭ ‬والأجساد‭ ‬تتحرَّك‭ ‬بحركة‭ ‬الماء،‭ ‬لقد‭ ‬وَضَعَنَا‭ ‬الفيلم‭ ‬داخل‭ ‬مملكة‭ ‬ماء‭ ‬فعليَّة،‭ ‬ساحرة،‭ ‬لها‭ ‬خصائصها،‭ ‬ولم‭ ‬نستغرب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬حوار‭ ‬بين‭ ‬الشخصيات،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬تم‭ ‬تبرير‭ ‬ذلك‭ ‬بتطوُّر‭ ‬حَدَثَ‭ ‬لهذه‭ ‬الكائنات‭ ‬جعلها‭ ‬تتكلَّم‭ ‬بمهارة،‭ ‬إنه‭ ‬عالم‭ ‬خاص‭ ‬بكل‭ ‬دلائله‭ ‬وخصائصه‭ ‬التي‭ ‬تميزه،‭ ‬حتى‭ ‬المعركة‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الفيلم،‭ ‬التي‭ ‬دارت‭ ‬تحت‭ ‬الماء،‭ ‬لم‭ ‬نشعر‭ ‬لحظة‭ ‬أن‭ ‬المعركة‭ ‬تدور‭ ‬على‭ ‬السطح،‭ ‬رذاذ‭ ‬الماء‭ ‬يتطاير،‭ ‬كل‭ ‬الحركات‭ ‬تؤكد‭ ‬أننا‭ ‬تحت‭ ‬الماء‭. ‬أيضًا‭ ‬كان‭ ‬جميلًا‭ ‬هذا‭ ‬القَرْع‭ ‬للطبول‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الأخطبوط‭ ‬صاحب‭ ‬الأذرع‭ ‬المتعددة،‭ ‬كان‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬شيء‭ ‬خيالي‭ ‬مميز‭. ‬ويتمنَّى‭ ‬المُشَاهِد‭ ‬ساعتها‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬سمكة‭ ‬تسبح‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الروعة‭ ‬البديعة‭.‬

لقد‭ ‬تم‭ ‬استخدام‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الحديثة‭ ‬للتصوير‭ ‬والكمبيوتر‭ ‬بمهارة‭ ‬فائقة،‭ ‬فأصبح‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬الفصل‭ ‬الدقيق‭ ‬بين‭ ‬المناظر‭ ‬الطبيعية‭ ‬والمناظر‭ ‬المصنوعة‭ ‬بالكمبيوتر‭ ‬إلا‭ ‬للمحترف،‭ ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬المزج‭ ‬رائعًا‭ ‬بين‭ ‬المَشَاهِد‭ ‬الحقيقية‭ ‬والمَشَاهِد‭ ‬داخل‭ ‬الكمبيوتر،‭ ‬فقفزة‭ ‬الطفل‭ ‬أكوامان‭ ‬مع‭ ‬الدلافين‭ ‬وغطسه‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬تشعرك‭ ‬بأنك‭ ‬أمام‭ ‬مشهد‭ ‬حقيقي‭. 

كان‭ ‬أيضًا‭ ‬المزج‭ ‬جيدًا‭ ‬في‭ ‬الربط‭ ‬بين‭ ‬الحاضر‭ ‬والماضي،‭ ‬ذهبنا‭ ‬للمستقبل‭ ‬وعدنا‭ ‬للحاضر‭ ‬بسلاسة‭ ‬جميلة،‭ ‬لم‭ ‬تشعرنا‭ ‬بالقطع‭ ‬الشاذ‭ ‬الحاد‭.‬

 

أسطورة‭ ‬الرمح‭ ‬الثلاثي

يحكي‭ ‬الفيلم‭ ‬أن‭ ‬أتلانتا‭ ‬كانت‭ ‬مملكة‭ ‬رائعة‭ ‬ثم‭ ‬ابتلعها‭ ‬المحيط‭ ‬وغرقت،‭ ‬الطاقة‭ ‬التي‭ ‬أَوْدَت‭ ‬بحضارة‭ ‬أتلانتا‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬صَنَعَ‭ ‬مستقبلها،‭ ‬زادت‭ ‬الناس‭ ‬قوة،‭ ‬وقدرة‭ ‬على‭ ‬التنفس‭ ‬تحت‭ ‬الماء،‭ ‬وآخرون‭ ‬تكلموا،‭ ‬أصبح‭ ‬منهم‭ ‬متوحشون،‭ ‬وعاش‭ ‬الملك‭ ‬على‭ ‬بقايا‭ ‬أمجاده‭ ‬في‭ ‬منفى‭ ‬معزول،‭ ‬وكانت‭ ‬رسالته‭ ‬الأخيرة‭ ‬عن‭ ‬سر‭ ‬الرمح‭ ‬الثلاثي،‭ ‬مكمن‭ ‬قوة‭ ‬حكم‭ ‬أتلانتا‭.‬

نكتشف‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬أن‭ ‬حكاية‭ ‬أسطورة‭ ‬الرمح‭ ‬الثلاثي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬أسطورة،‭ ‬كانت‭ ‬حقيقة،‭ ‬وكان‭ ‬لابد‭ ‬للملك‭ ‬الحقيقي‭ ‬أن‭ ‬يحصل‭ ‬عليه،‭ ‬لا‭ ‬يمر‭ ‬غيره،‭ ‬هو‭ ‬وحده‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬فك‭ ‬الطلسم،‭ ‬لأن‭ ‬الهدف‭ ‬الخاص‭ ‬للمَلِك‭ ‬هو‭ ‬إنقاذ‭ ‬الآخرين،‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬إلا‭ ‬بالحصول‭ ‬على‭ ‬الرمح‭ ‬الثلاثي،‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬المُلْك‭ ‬كهدف‭.‬

ونجد‭ ‬أن‭ ‬لأهل‭ ‬البحر‭ ‬مشكلة‭ ‬مع‭ ‬أهل‭ ‬السطح،‭ ‬وأن‭ ‬أورم،‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬بحرب،‭ ‬ولكي‭ ‬يتم‭ ‬إنقاذ‭ ‬الدمار‭ ‬الذي‭ ‬سيحدث‭ ‬بين‭ ‬البحر‭ ‬والسطح،‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يحصل‭ ‬أكوامان‭ ‬على‭ ‬العرش،‭ ‬وأن‭ ‬يأخذ‭ ‬حَقّه‭ ‬الشرعي‭ ‬كملك‭.‬

يكون‭ ‬الصراع‭ ‬محسومًا‭ ‬بضرورة‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬آرثر‭ ‬هو‭ ‬الملك،‭ ‬وهو‭ ‬فــــي‭ ‬الوقت‭ ‬ذاتـــه‭ ‬ليست‭ ‬لديه‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬المُلك،‭ ‬إنه‭ ‬غير‭ ‬طامح‭ ‬ولا‭ ‬طامع‭ ‬في‭ ‬المُلك،‭ ‬في‭ ‬حيــــن‭ ‬أنه‭ ‬يمتلك‭ ‬كل‭ ‬مقومات‭ ‬المَلِك،‭ ‬وكفعــــل‭ ‬أبدي‭ ‬ينبــــغي‭ ‬أن‭ ‬يقف‭ ‬أمام‭ ‬أخيه،‭ ‬الذي‭ ‬لديه‭ ‬كل‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ملكًا،‭ ‬إنه‭ ‬صراع‭ ‬أبدي،‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬البحر،‭ ‬صراع‭ ‬على‭ ‬المُلك‭. ‬مَشَاهِد‭ ‬المعركة‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬المُلك‭ ‬كــانـــت‭ ‬تـــــحوطها‭ ‬النار،‭ ‬معركة‭ ‬في‭ ‬حلبة‭ ‬خاصة‭ ‬بمملكة‭ ‬البحار،‭ ‬يوحي‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬بالقـــسوة‭ ‬والتـــوتر،‭ ‬حتى‭ ‬جموع‭ ‬المشاهدين‭ ‬كان‭ ‬يسيطر‭ ‬عليهم‭ ‬الحماس‭ ‬الغَاشم،‭ ‬مما‭ ‬أعطانا‭ ‬حِسَّا‭ ‬ساخنًا‭ ‬بالمعركة‭ ‬بين‭ ‬الأخوين‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬المُلك‭ ‬والرمح‭ ‬الثلاثي‭. ‬كان‭ ‬المراد‭ ‬أن‭ ‬يَتَّحِد‭ ‬أهل‭ ‬السطح‭ ‬وأهل‭ ‬البحر‭ ‬وأن‭ ‬تنتهي‭ ‬العداوة‭. ‬

ثم‭ ‬كانت‭ ‬نهاية‭ ‬الفيلم‭ ‬التي‭ ‬عادت‭ ‬بنا‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬دائرية‭ ‬ذكَّرتنا‭ ‬بالبداية،‭ ‬فحارس‭ ‬المنارة‭ ‬يذهب‭ ‬يوميًا‭ ‬لنفس‭ ‬المكان‭ ‬عند‭ ‬الممر،‭ ‬وحين‭ ‬عادت‭ ‬الملكة‭ ‬أتلانتا‭ ‬حدث‭ ‬بينهما‭ ‬حضن‭ ‬رائق،‭ ‬مشهد‭ ‬البداية‭ ‬كان‭ ‬وداعًا‭ ‬ودمعة‭ ‬رائقة‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬المكان،‭ ‬أما‭ ‬الآن‭ ‬فاللقاء‭ ‬يحتم‭ ‬لحظة‭ ‬شاعرية،‭ ‬خلفها‭ ‬البحر،‭ ‬وخلفه‭ ‬اليابسة،‭ ‬وكان‭ ‬احتضان‭ ‬البحر‭ ‬لليابسة‭ ‬في‭ ‬عشق‭ ‬ومحبة‭.‬

‭ ‬تنزل‭ ‬تترات‭ ‬نهاية‭ ‬الفيلم،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الفيلم‭ ‬لم‭ ‬ينته،‭ ‬فقد‭ ‬ظهر‭ ‬القرصان‭ ‬محمولًا‭ ‬على‭ ‬لوح‭ ‬خشبي‭ ‬في‭ ‬البحر،‭ ‬وكان‭ ‬مصابًا،‭ ‬لكنه‭ ‬كان‭ ‬مُصِرًا‭ ‬على‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬أكوامان‭ ‬والانتقام‭ ‬منه،‭ ‬ليجعلنا‭ ‬ننتظر‭ ‬جزءًا‭ ‬آخر‭ .