أقدم أعضاء مجلس أمناء مؤسسة البابطين فاروق شوشة رجل الشعر والحكمة وعمق المعرفة

أقدم أعضاء مجلس أمناء مؤسسة البابطين  فاروق شوشة رجل الشعر والحكمة  وعمق المعرفة

 تتسع الرؤية حين تكون الكتابة عن شاعر ولغوي بحجم فاروق شوشة، يرحمه الله. ويَحار القلم من أي باب يدخل إلى عالم هذا الشاعر الذي أسس منهجاً شعرياً جذوره ممتدة نحو الماضي، وفروع أغصانه باسقة في العصر الجديد.
علاقتي بالشاعر الراحل فاروق شوشة ذات شقين، الأول هي علاقة شخصية أدبية نجمت عن إعجابي بأشعاره وبرامجه التلفزيونية عن اللغة العربية والشعر، فقد كنت من المتابعين له، أقرأ وأستمع له، وكان يتمتع بخصوصية في إلقاء الشعر، وله طريقته المنسجمة مع روح القصيدة، ويزيد في تميزه نبرة صوته الشاعرية. هذه الخصوصية لم تأت من فراغ، فهي ناجمة عن شخصيته وطباعه النبيلة، وهذا ينعكس حتماً على روح الشاعر حين يتفاعل بعمق وانسجام مع مفردات الكلام.
أما العلاقة الثانية التي تجمعني بالشاعر الكبير، فهي علاقة مؤسساتية، فقد كَسبته مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية لدورات عدة عضواً في مجلس الأمناء، حيث مضى على وجوده معنا حوالي عشرين عاماً، لذلك فهو أقدم عضو مجلس أمناء استمر في دورات متتالية. 
فقد كنا نحرص دائماً على اختياره في المجلس لأسباب متعددة، أولها نبل أخلاقه وأمانته وسمعته الطيبة بين الناس، وثانيها غزارة علمه وعمق ثقافته، فهو حاصل على درجة الماجستير في اللغة العربية وآدابها، مارس التدريس في بداية حياته، وأصبح رئيساً للإذاعة (1994 - 1997)، ثم رئيساً لجمعية المؤلفين والملحنين (1992 - 2000)، ورئيس اتحاد الكتّاب في مصر (1999 - 2001)، وأستاذ الدراسات الأدبية بالجامعة الأمريكية (1986 - 2006) وأستاذ التذوق الأدبي والإلقاء في كلية الإعلام بجامعة القاهرة (1982 - 1986)، والأمين العام لمجمع اللغة العربية في مصر، وعضو لجنتي الشعر والدراسات الأدبية في المجلس الأعلى للثقافة، وعضو مجلس إدارة هيئة دار الكتب والوثائق القومية في مصر.               
وإنتاجه الشعري غزير، فلديه عدد جيد من دواوين الشعر مثل: «إلى مسافرة» (1966)، «العيون المحترقة» (1972)، «لؤلؤة في القلب» (1973)، «في انتظار ما لا يجيء» (1979)، «الدائرة المحكمة» (1983)، «اللغة من دم العاشقين» (1986)، «يقول الدم العربي» (1988)، «عشرون قصيدة حب» (1989)، «هئتُ لكِ» (1992)، «سيدة الماء» (1994)، «وقت لاقتناص الوقت» (1996)، «وجه أبنوس» (2000)، «الجميلة تنزل إلى النهر» (2003)، «الأعمال الشعرية» (2004)، «أحبك حتى البكاء» (2005)، «موال بغدادي» (2007)، «ربيع خريف العمر» (2008).                   
هذا إلى جانب حكمته وسداد رأيه، فقد أثرى مسيرة المؤسسة بعديد من الأفكار والرؤى التي كان لها الأثر الإيجابي في دورات المؤسسة.
لذلك كانت المؤسسة سبَّاقة في إقامة حفل تأبين للراحل في قاعة علي مبارك بكلية دار العلوم في جامعة القاهرة، بحضور الدكتور علاء رأفت عميد كلية دار العلوم، ونخبة من الشعراء والنقاد والأكاديميين. وعبّرت يومها الكلمات التي ألقيت عن عمق تأثر الذين عاصروه بهذا الرحيل المفجع.
كان آخر لقاء ثقافي بيني وبين الشاعر فاروق شوشة، حين حضر، يرحمه الله، الندوة التي نظمها الصالون الثقافي لسفارة دولة الكويت بالقاهرة في مايو من العام الماضي عن تجربتي الثقافية، ويومها تحدث بكلام طيب يعكس عمق معرفته بالمؤسسة التي واكبها عقدين من الزمن.
ستكون لنا في المؤسسة وقفات تكريمية أخرى للشاعر الراحل، فمسيرته لا تتوقف عند محطة واحدة، فهي غنية جداً، وقد تربت على يديه أجيال شعرية وطلبة وجمهور أحبه وأحب أسلوبه في الإلقاء، وقد كان له برنامج في قناة البابطين الثقافية أيضاً. 
ومما كان يميز الشاعر الراحل فاروق شوشة أنه مهتم باللغة العربية وأحد المدافعين عن كيانها بقوة، فقد كان له برنامج مهم بعنوان «لغتنا الجميلة»، والذي قال عنه الشاعر فاروق جويدة: «كان برنامج لغتنا الجميلة من أكثر البرامج الإبداعية التي كانت تفتح نافذة على التراث، ويدلف بنا إلى العصر الحديث، حيث كان البرنامج من أكثر البرامج ثراءً وإبداعاً، وقدم نجوم العصر الذهبي وإبداعاتهم».
لذلك فقد وضع الشاعر شوشة، يرحمه الله، أمام عينيه خطة لتعزيز اللغة العربية عن طريق الإعلام الثقافي، فحاول واستطاع أن يصنع قلعة حصينة لها عن طريق وسائل الإعلام المختلفة، وخصوصاً عبر الإذاعة منذ منتصف ستينيات القرن الماضي، ثم في التلفاز من خلال برامج كرّس فيها توطيد صلة الأجيال بلغتهم العربية.
وفي هذا الصدد، قال عنه الدكتور حسن الشافعي: «إن إسهامات فاروق شوشة في الشعر العربي كانت ثرية، ويميزها إصراره على المضي قدماً في القضايا المرتبطة باللغة العربية، برغم صعوبة العصر والوسائل». 
كان - رحمه الله - يرنو إلى انتشار الإعلام الثقافي الصحيح، والتصالح مع اللغة والتأمل في جمالياتها، في زمن «انعدم فيه الذوق». 
الشاعر فاروق شوشة، من الناس الذين يرحلون جسداً، لكن أرواحهم باقية في وجداننا وفي الكتب وفي دفاتر المعجبين. أسأل الله عز وجل له الرحمة، وكل العزاء للساحة الثقافية بهذا الكم من الإبداعات التي تركها تصدح من بعده على مر الأزمان.