الأحجار الكريمة

 لماذا هي كريمة..!؟

قبل الميلاد بأكثر من ألفي عام عرفها الإنسان وبهره جمالها ولاحظ ندرتها فتحلى بها، ثم جاء العصر الحديث فدخلت في الصناعات الدقيقة وأبحاث الطب والفضاء، فما هي هذه الأحجار.. ولماذا هي كريمة؟.

جاء ذكرها في الأساطير والكتب السماوية وقصص التراث، تغنى بجمالها الشعراء، استخدمها السحرة والأطباء، فتن بها الملوك فتزينت بها محافلهم، ازدانت بها تيجانهم وملابسهم وأواني طعامهم. حتى الكهنة ورجال الدين - رغم تقشفهم - فوجدت في دور العبادة والمعابد. عرفت في مصر القديمة، وعند الصينيين والإغريق والهنود والرومان. ولم ينقطع تعلق الناس بها حتى الآن، فمن السهل التعرف عليها في الميادين والمنازل ولاسيما الهدايا والنياشين التي تتوارثها الأجيال، ولا أعرف من رآها ولم يعجب بجمالها قط.

هذه الأحجار ولماذا هي كريمة؟

منذ مائة مليون سنة وبداية تكوين الكرة الأرضية ظهرت البللورات الأولى للمادة وهي المعادن، فالأحجار تجاوزا تكون الجزء الصلب من التربة.

تنتمي الأحجار الكريمة إلى قسم كبير من المركبات الكيميائية الطبيعية المعروفة بالمعادن، وتقسم تنازليا حسب قيمتها الاقتصادية، على أساس الثمن، من الألماس، إلى الروبي (الياقوت)، والسافير، والزمرد، والألكسندرين، والأفكلانس وغيرها (حوالي ستين معدنا).

تنفرد الجواهر بتكونها من معدن واحد، في شكل بللورة أحادية، لها درجة عالية جدا من الصلابة وقدرة كبيرة على انكسار الضوء والبريق.

وفي العادة، فالأحجار الكريمة كلها شفافة، وعند احتوائها على شوائب تعطي ألواناً طبيعية مختلفة، وتعطي الإحساس والانطباع بأن الجوهرة مضاءة من الداخل.

ومن أهم خصائص الأحجار الكريمة ثبات تركيبها الكيميائي، الذي لا يتأثر بالحرارة والرطوبة والضغط، والمقاومة للأحماض والمواد العضوية والتقلبات الجوية، مما يحافظ على شكلها وشفافيتها وبريقها على مر السنين.

وهناك الأحجار الملونة، وهي أكثر انتشارا من الأحجار الكريمة، ويدخل في ضمنها ما يقرب من أربعين معدنا ومنها الصخور الجبلية. ولب الاختلاف في الأحجار هو أن الملونة غالبيتها غير شفافة مع تمتعها بألوان جميلة وأصباغ جذابة لتكونها من معدن فأكثر وطالما تعدد لونها حتى عند تكونها من معدن واحد نتيجة لتعدد تأمله.

وعموماً فالأحجار الملونة قد استعملت في مجالات كثيرة منها المصنوعات الفنية وأعمال الديكور المختلفة، وأحيانا في الزينة، فضلا عن استخداماتها في الحياة اليومية كطحن الغلال والقطع وصناعة الأسلحة.

في الصين استخدم النفريت منذ أكثر من سبعة آلاف سنة قبل الميلاد في صناعة السكاكين وأسلحة القطع المختلفة، وبعد ذلك استخدمت في الزينة والأعمال الفنية وتتميز مشغولات النفريت الفنية بالدوام والثبات من جيل إلى آخر مع احتفاظه بالجمال والبريق، لذلك يطلق عليه الحجر الأبدي.

بعض شواهد عن الأحجار الكريمة

عرف الألماس والروبي والزمرد وغيرها في تاريخ الهند القديم وعند قدماء المصريين، ففي بعض المومياوات المصرية وجدت جواهر الزينة من اللآلئ والأحجار الكريمة والتي يرجع تاريخها لأكثر من أربعة آلاف سنة قبل الميلاد.

ومنذ قرابة ألفي سنة قبل الميلاد، سُعِّر الياقوت لجماله وندرته، وكانت هذه الجوهرة دائما رمزا للغنى المترف ولمكانة الطبقة الاجتماعية. وتزخر تيجان السلالات الأوربية والآسيوية، على حد سواء، بالياقوت البديع. حتى أن نقشا لملكة بريطانيا اليزابيث الأولى محفور على ياقوتة كبيرة. وبلغت الرهبة التي يوحيها لون الياقوت الأحمر درجة جعلت الشرقيين في العصور القديمة يعتقدون أنه ينبض بالحياة، وأنه ينضج داخل الأرض كأي ثمرة أخرى حتى أن صحف القرون الوسطى وصفت الياقوت كعلاج لعدد من الأمراض المزمنة عن طريق تناوله في شكل مسحوق أو بمجرد إبقائه ملامسا للجلد. وكان الياقوت يعرف في الهند باسمه السنسكريتي أي "الراتناراج" في كلمة تعني "ملكة الأحجار النفيسة". كما اعتقد سكان بورما أن الياقوت يجعل الإنسان لا يقهر في المعارك، فكان المحاربون يخبئون حجارة كريمة داخل ثيابهم.

عرفت الأحجار الكريمة في روسيا القديمة في القرن الحادي عشر حيث عثر على مشغولات وحلي من اللؤلؤ والكهرمان والكريستال ولاسيما "السيرداليك"، وشهدت الفترة منذ القرن الثامن عشر وأوائل التاسع عشر تطورا في هذه الصناعة.

اعتاد الملوك والقياصرة الإسراف في استخدام الجواهر في التيجان والملابس والسيوف والخناجر والقلادات والصولجانات والأواني، إلى جانب استخدامها في الخواتم والأساور والمشغولات الذهبية المختلفة.

ويحدثنا التاريخ عن تاج الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر، والإمبراطور كارل الخامس الذي امتلك أكثر من عشرة تيجان مرصعة بالياقوت والمرجان والروبي والزمرد. أما ملك فرنسا هنري الثالث فعشق الخواتم المرصعة بالأحجار الكريمة. ويحكى أنه وضع قرابة مائة خاتم في يديه. كما يحدثنا التاريخ عن الملك لودفيك وعشقه للبريلانت. أما في روسيا فاشتهر لباس الرأس لفلاديمير مانوفاخ بكمية الجواهر المرصع بها.

ومن قياصرة روسيا المولعين بالأحجار الكريمة كانت كاترينا الثانية، والتي أحبت لعب الورق على البريلانت، وكتبت "ما أحلى لعب الورق في البريلانت، هذا مثل روايات ألف ليلة وليلة"، أما ثيابها فكانت كلها مرصعة بالحجارة الكريمة. وأما رداء يوتيومكن فقد رصع باللآلئ والجواهر بما يزيد على مليون روبل ذهبي، وبلغ غطاء رأسه من الثقل - لوجود الأحجار الكريمة - مبلغا لم يستطع معه ارتداءه. وهذا جعله يظهر في الحفلات الرسمية بدونه، وكان أحد الحاشية يحمله من خلفه.

أما الكاتدرائيات الروسية والكنائس - فحدث ولا حرج - فتغص بالأحجار الكريمة بدءا من الملابس والأيقونات حتى الأبواب والكتب.

الأحجار الكريمة في الطبيعة

معروف أن عنصري الأكسجين والسيليكون يكونان نسبة 75% من الوزن الكلي للغلاف الصلب للكرة الأرضية. وهذان العنصران يمثلان أساس القشرة الأرضية. أما بقية العناصر فتوجد على شكل ترسبات داخل إطار السيليكون والأكسجين. وفي القشرة الأرضية يتحد عنصر السيليكون مع الأكسجين والعناصر الأخرى مكونا مركبات تسمى سيليكات، تتشابك فيها ذرات السيليكون مع ذرات العناصر المختلفة عبر ذرات الأكسجين.

ومركبات السيليكات تمثل ما يقرب من ثلث المعادن المعروفة. فلو اعتبرنا عنصر الكربون أساس الحياة العضوية، فإن عنصر السيليكون أساس القشرة الأرضية (أكثر مركبات السيليكون انتشارا هو أكسيد السيليكون وهو المكون للرمال المنتشرة في الصحاري).

فيما عدا السيليكون والأكسجين نجد أن بقية العناصر موزعة ومنتشرة في القشرة الأرضية والتربة بنسب متباينة وغير منتظمة، وأسباب ذلك كثيرة، فعند غياب موطن تكاثر أو تجمع السيليكون تنتشر في جميع أنحاء القشرة الأرضية.

يعتمد ظهور نوع أو آخر من المعادن - منها الأحجار الكريمة - في مكان ما، ليس فقط على وجود العناصر التي تدخل في تركيبه الكيميائي، ولكن على ظروف أخرى كثيرة، منها درجة الحرارة والضغط والتركيز. ولذلك فإن احتمال توافر الظروف الملائمة لتكوين أحد الأحجار الكريمة نادر جداً، مما قد يصل إلى حد الاستحالة. لذلك يندر انتشار الأحجار الكريمة بالمقارنة مع المعادن الأخرى.

وفي الآونة الأخيرة - لحسن الطالع - بجهود العلماء، أصبحت أماكن وجود الأحجار الكريمة والظروف الملائمة التي تعمل على زيادة تركيزها ضمن المعادن الأخرى معروفة.

أحد هذه الأماكن هو محل ولادة البيجماتيت، وهو المحلول الناتج من تبلور مصهور "المجما". و"المجما" هي الصخور المنصهرة تحت سطح الأرض الصلب، حيث إن معظم المجما تتبلور في الصخور، وتتكون المعادن من الطبقة الرائقة للمحلول الغني بالعناصر المختلفة، والتي تدخل ضمن تكوين الصخور، ومنها يمكن الحصول على الأحجار الكريمة.

ويكون البيجماتيت على شكل جيلاتين يسمح للصخور إما بالتعلق أو الاختلاط به. فمثلا وجد في البيجماتيت توباز، وتورمالين، وزمرد، والكسندرين، والفيناك وغيرها.

والماء الساخن يلعب دوراً مؤثرا في تكوين المعادن، ومصدره هو البخار المكثف الناتج من المجما، وتكون درجة حرارته مرتفعة من تحول المجما إلى الحالة الصلبة وهي الصخور. وهكذا تنتج أنواع مختلفة من المعادن ومنها الأحجار الكريمة.

بعد ذلك وقريبا من سطح الأرض وتحت تأثير المياه وغاز ثاني أكسيد الكربون وأكسجين الهواء الجوي وعوامل التعرية تتكسر الصخور وأيضا البيجماتيت، أما الدقائق الصغيرة منها الذائبة في الماء فتحمل في نهر طويل يؤدي إلى بحيرة أو بحر حيث تترسب - في ظروف معينة - وتكون مصدرا لتجمع الصخور الجبلية.

أما المعادن التي لا تذوب في الماء فتترسب في أنهار ممتدة طويلا في الحمامات المائية على شكل رمال أو حصى. وهنا تبدأ عملية الانتشار الواسعة وأيضا تحتوي على الأحجار الكريمة.

أما الألماس فيتكون من مادة الكربون النقي بفعل حرارة البراكين وضغطها. وهو أصلب مواد الطبيعة، وجميع الألماسات تتكون داخل أنابيب عمودية في الصخر تدعى "كمبرليت" أو "لامبرويت" ثم تدفع إلى أعلى مع كر العصور.

لون الأحجار الكريمة

تختلف الأحجار كثيرا في ألوانها وصبغتها. وقد نجح إسحق نيوتن - عالم رياضي فيزيائي - في تفسير ألوان المواد المختلفة، فضوء الشمس الأبيض عبارة عن حزمة من أشعة ضوئية أحادية تمتصها الأجسام بدرجات متباينة. والضوء المنبعث من الجسم يختلف عن الضوء الساقط عليه، ويحتوي على تلك الأشعة الأقل امتصاصا بواسطة الأجسام، فمثلا الروبي بلونه الأحمر الزاهي يعني أن الأشعة الحمراء هي الأقل امتصاصا من بين الأشعة التي يتكون منها الضوء، والزمرد لا يمتص تقريبا الأشعة الخضراء، أما الألماس فيعكس الضوء.

وتعتمد القدرة على امتصاص وعكس نوع من الأشعة على عوامل كثيرة، من أهمها أن داخل هذه الأحجار عنصراً كيميائيا يؤدي إلى امتصاص هذا النوع من الأشعة الضوئية. ومن هذه العناصر والتي تسمى "كرومافور" عنصر الكروم، والمنجنيز، والتيتانيوم، والفانديوم، والحديد، والكوبلت، والنيكل، والنحاس واليورانيوم.

أما الأحجار غير الملونة فتتكون من أكسيد الألومنيوم النقي، فإذا تجمعت عليها ذرات الكروم ينتج الروبي الأحمر الغامق، ومع كمية صغيرة من شوائب الحديد والتيتانيوم تتحول إلى اللون الأزرق للسافير.

وأحيانا يبدو ضوء الحجر من الداخل ويكون نتيجة لحدوث شرخ في البللورة، إما أثناء عملية القطع أو التشكيل أو اللحام.

الصلابة وعلاقتها بالذرات

يندرج تحتها كثير من الخواص الميكانيكية العامة مثل المقاومة للسحق والطحن والضغط والخدش والاصطدام، وتستخدم أجهزة مختلفة بغرض المقارنة.

وترجع صلابة الأحجار الكريمة إلى التركيب البنائي لبللورتها، فكلما اقتربت الذرات من بعضها البعض زادت صلابة البللورة.

وتُقصد أماكن معروفة للحصول على أجود الأحجار الكريمة في أسواق لندن وبانكوك.

وتُحدد الأسعار وفقا لأربعة معايير: اللون، الصفاء، الشكل والوزن (بالقيراط)، علما بأن القيراط يساوي 0.2 جرام. وعموما ترتفع أسعار الأحجار على نحو غير متجانس مع وزنها.

وتتراوح ألوان الألماس بين بياض ثلجي ناصع وصفار شاحب، ويعتمد صانعو الجواهر طريقة الحروف الأبجدية في التعريف بألوان الألماس مبتدئين بالحرف "D" الذي يرمز إلى البياض الناصع ومنتهين بالحرف "Z"، ويعتمدون الطريقة نفسها في تصنيف الأحجار الملونة. وكلما قلت هذه العلامات أو صغرت ارتفعت قيمة الألماس والأحجار.

ولا يعتمد استخدام الأحجار الكريمة على الحلي وصناعة الجواهر، ولكن امتدت استخداماتها في الصناعة لما تتميز به من مواصفات لا تحصى. فالإبر ذات الرءوس الألماسية تحسن من صوت "الفونوغراف"، والمناشير ذات الحد الألماسي تقطع الصلب والرخام، والحفارات الألماسية تخترق الصخور وتصل إلى ترسبات النفط، وجراحو العيون يستعملون شفرات ذات حد من الألماس في الجراحات الدقيقة. أما في الأبحاث العلمية فتعددت استخدامات الأحجار الكريمة، وحاليا أصبح في الإمكان تحضيرها في معامل الطبيعة والكيمياء لاستخدامها في النواحي العلمية والتقنية ولاسيما أبحاث الفضاء.

ستظل الأحجار الكريمة تحتل مكانا مرموقا في دنيا المعادن كما كانت منذ القدم، ولن ينقص الحماس اتجاهها ما استمرت الحياة.