بحر الهوى

بحر الهوى

سأظل مبحراً في سواد عينيك، ولن أعود أدراجي خائباً بعد الآن. لقد عشت عمري مهاجراً بحثاً عن موطني، وكالطير الذي استبد به الشوق كنت أعرف العش قشة قشة، لأني بنيته بالحب والأمل. هل للطيور عناوين ثابتة؟ الطيور تبني أعشاشها فوق أشجار الربيع، تتقاسم الحب، ثم تسافر بحثاً عن ربيع جديد. ولكنني لست طيراً، أنا إنسان بقلب طير، بنيتُ لي قارباً من الذكريات وأبحرتُ بحثاً عنك، عندما قالوا لي إن الطوفان قريب.
 يا سيدة الماضي والحاضر والمستقبل، ما لا يدوم ليس حباً، فالحب يسكن القلب في مكمن الروح، هل تصدقين حباً يتحول إلى كراهية؟ هل تتخيلين روحاً تغادر الجسد؟ وما بقاء الجسد بلا حب إلا كما هو بلا روح، جثة ليس لها إلا أحضان التراب. 
 إذا طال الظلام أشعلتُ شمعة، وإن انطفأت كل الشموع لا ألعن الظلام لكني أستنير بضوء البصيرة، ليس الظلام موحشاً إن كنا اثنين، فطاقة الحب المتولدة بين قلبين تجعل ليلنا ظهيرة أبدية لا تغيب عنها الشمس. لو كان للكلمات أن تسع الإحساس ما كان الصمت أكثر تأثيراً من الخطاب، وما كانت فضحتنا أعيننا إذا ما التقينا. أنا لا أحب كفعل مضارع في حدود الزمان، ولكن كصيرورة متجددة كنهر الوجود يتجدد الماء فيه كل دهر وهو خالد خلود التاريخ.
ليس لي أن أحلم بالخلود وأنت لست فيه، لأنك جنتي وبستاني وحصني الذي ألجأ إليه إذا ما أصابني عوز أو حرمان. وهل يمنح الإنسان الخلود غير القلب؟ هل تعرفين ريشة ماعت؟ كان ساكنو وادي النيل القدماء يتصورون قلوب موتاهم وقد وضعت في ميزان في إحدى كفتيه ريشة ماعت، فإذا رجحت كفة القلب كان دليلاً على طهر ونقاء قلب المتوفى واستحقاقه للخلود. أهل عصرنا لا يؤمنون بريشة ماعت، فهم في انشغال بتكديس الثروات وتطوير أسلحة للدفاع عنها. يقيسون مقدار استحقاقهم للخلود بمقدار قدراتهم على الشراء، ومقدار قدراتهم على القتل بلا عقاب. أما أنا فأعلم شيئاً واحداً يقيناً، وهو أن ريشة ماعت غير معروضة للبيع في بورصة الأغنياء، وأن قلبين في الميزان أثقل من ترسانة أعتى عتاد عسكري.
 هل تزول الشمس حقاً وقت الغروب, أم أنها تنتقل لتنير بلاداً أخرى بعيدة عنا؟ لا تستنكري سؤالي، فلست إنساناً بدائياً أجهل حركة الشمس وفلك الكواكب، لكني مثلها لا أغيب إلا لأنير حياة آخرين وأعود كأبهى من قبل، مستكملاً مسيرتي في هذا الوجود. فقط ما يميزني عن الشمس أن للشمس قمراً يعكس أشعتها ويحرس سماءها إذا طال بها الغياب، أما أنا فلي قمر يشع نوراً ولا يزيده طول الليالي إلا بهاء... هو أنتِ >