تحدّيات البشرية المستنيرة من «مجال المعلومات» إلى «مجال التفكير والاستبصار»

تحدّيات البشرية المستنيرة من «مجال المعلومات»  إلى «مجال التفكير والاستبصار»

على مرِ التاريخ، لم تكن البشرية أبداً أكثر ثراءً وصحةً وأطول عمراً وإنتاجية وترفاً من اليوم. وأحد الأسباب الرئيسة لذلك هو ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. هذه الثورة التي بدأت مع اختراع الإنترنت في عام 1969 وأصبحت عامة بعد أربعة وعشرين عاماً في وقت لاحق تتطور أضعافاً مضاعفة.

 

إن تقارب الإنترنت مع أجهزة الاتصالات المتنقلة - الذي بدأ في العقد الأول من هذا القرن، وأصبح أقوى مع اختراع الهواتف الذكية في العقد الثاني من القرن الحالي - يعمل على ازدهار توافر المعلومات للبشرية على نطاق أوسع. وقد لعبت التكنولوجيات اللاسلكية لنقل البيانات (الجيل الثالث 3G، والجيل الرابع ذو التطور طويل الأمد LTE» 4G»، والجيل الخامس 5G الذي سيتم إطلاقه في عام 2019) الدور الرئيس في هذا الانفجار الأسّي المضاعف لتبادل المعلومات.
ووفقاً لنسخة التقرير العالمي لمؤسسة جي إس إم إيه لعام 2017 فيما يتعلق بـ «الاقتصاد المتنقل»، فمن المتوقع أن يكون قد تم تحقيق الوصول إلى حوالي 5 مليارات مشترك بحلول منتصف هذا العام، وسيزداد الرقم إلى 5.691 مليارات بحلول عام 2020. 
وعلاوةً على ذلك، ازداد اليوم عدد مستخدمي الإنترنت لديها ليتجاوز 3.63 مليارات مستخدم، وأكثر من 50 في المائة منهم من آسيا. وهذا يعني أن أكثر من 48 في المائة من سكان العالم في العام الحالي (7.5 مليارات) لديه إمكان للوصول إلى الإنترنت، مع العلم بأن هذا العدد كان أقل من 1 في المائة في عام 1995.
وتظهر الإحصاءات التي نشرتها شبكة الإنترنت العالمية أن عدد مستخدميها في منطقة الشرق الأوسط ارتفع إلى 141 مليون نسمة، أي ما يمثل أكثر من 50 في المائة من السكان. وكان لأكثر من 50 في المائة منهم حسابات على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» في يونيو عام 2016. 

تناقض صارخ
ويشكل عدم المساواة بين سكان منطقتنا في ما يتعلق بالوصول إلى المعلومات تناقضاً صارخاً؛ حيث إن هناك انتشاراً متزايداً للإنترنت بين أكثر من 90 في المائة في قطر والإمارات العربية المتحدة يتناقص في الوقت نفسه إلى أقل من 30 في المائة في كل من اليمن وسورية.
ووفقاً لهيئة تنظيم قطاع الاتصالات في الأردن، بلغ عدد مستخدمي الإنترنت في المملكة، بما في ذلك مستخدمو الجيلين الثالث والرابع من تقنيات الهاتف النقال، أكثر من 8.6 ملايين مستخدم في الربع الثالث من عام 2016 (ويمثل هذا الرقم 87 في المائة من السكان، وفقاً للهيئة).
وكان هذا العدد 6.3 ملايين في الربع الثالث من عام 2015 (أكثر من مليونين زيادة في سنة واحدة من 2015 إلى 2016). وبلغ عدد اشتراكات الهاتف المحمول أكثر من 16.7 مليون اشتراك نشط في الفترة نفسها (الربع الثالث من عام 2016)، وبلغت النسبة آنذاك حوالي 168 في المائة.
وإضافة إلى ذلك، ووفقاً لتقارير دائرة الإحصاءات العامة للسكان والمساكن لعام 2015، فلقد صرّح أكثر من 5.97 ملايين شخص باقتنائهم هاتفاً ذكياً واحداً على الأقل من أصل 9.29 ملايين شخص يعيشون في الأردن في ذلك الوقت (أكثر من 64 في المائة من السكان).
وقد أصبح لوسائل التواصل الاجتماعي التي ازدادت شعبية بحلول نهاية العقد الماضي مليارات المستخدمين النشطين على مدار اليوم. ففي هذه اللحظة (في جميع أنحاء العالم)، هناك أكثر من 1.9 مليار شخص يستخدمون «فيسبوك»، و1.2 مليار مستخدم لـ «واتساب»، إضافة إلى مليار مستخدم لـ «يوتيوب». هذه المليارات من «البشر المرسلين المستقبلين» هي معلومات تواصل في كلا الاتجاهين، حيث تتم هذه العملية من قبل كل شخص على طريقته الخاصة، بناءً على المدخلات (المعلومات المتلقاة) ومن يقوم بمعالجتها والتعامل معها (الإنسان)، مما ينتج عن ذلك سلام أو حرب. 
لقد خلقت جميع العوامل المذكورة أعلاه ما يعرف بـ «البشرية المستنيرة» التي لم يسبق لها مثيل. وعلاوة على ذلك، فإن الاختراعات والتكنولوجيات الجديدة في مجالات إنترنت الأشياء والحوسبة السحابية والبيانات الضخمة وعلوم البيانات والهندسة تسهم إسهاماً كبيراً في توليد المعلومات والمعرفة.
والمعرفة والمعلومات تمثلان القوة والسلطة. ومع ذلك، فإن السيطرة والتحكم في هذه السلطة أو القوة التي تؤدي إلى «البشرية المستنيرة» تشكل تحدياً. وإن إبقاء حلقة التحكم مفتوحة يمكن أن يكون أمراً مدمراً، في حين أن وجود حلقات تحكّم مصممة ومنفذة بشكلٍ متقنٍ، لتكون مبنية على إمكان السيطرة عليها وإغلاقها بناءً على ردود الفعل من خلال أجهزة استشعار مناسبة «الرصد والمراجعة والبحث» وخوارزميات التحكم التكيفي (الحوكمة) يمكن أن يكون أداة للتنمية والازدهار.
فالسلام والاستقرار ضروريــان لهذا الغرض. وهذا يعني أن علينا أن نضمن أن المعلومات تعمل من أجل السلام وليس ضده. ومن أجل ضمان الناتج المطلوب «السلام»، فمن المطلوب أن يكون هناك نموذج دقيـــق أو «وظيــفة نــــقل» من المادة التـــي يجـــب التحكـــم بها «المعلومات» و«المعالِجات» - البشرية المستنيرة.

إعادة تشكيل
واليوم، توجد أشكال من الصراع وصنع السلام تتمحور حول الشبكات في حالة مواجهة. فهناك حاجة إلى إعادة تشكيل ما تم وصفه بأنه نقل من «حرب المعلومات» إلى «سلام المعلومات». وأعتقد أن هذا الأمر هو أحد أخطر التحديات التي تواجه البشرية في الألفية الجديدة. وتأتي مهمتنا لتحويل تلك التحديات الصعبة إلى فرص.
نقلاً عن البروفيسور مانويل كاستيلس من جامعة جنوب كاليفورنيا، لوس أنجليس، في مقاله المعنون «تأثير الإنترنت على المجتمع... منظور عالمي»:
«ربما كان التعبير الأكثر وضوحاً عن هذه الحرية الجديدة هو تحول الممارسات الاجتماعية والسياسية المتعلقة بالإنترنت. فلم تعد الرسائل تتدفق فقط من عدد قليل إلى عديد من الأشخاص من خلال القليل من التفاعل. ولكن الآن، أصبحت تتدفق الرسائل أيضاً من عددين إلى عدد أكبر من الأشخاص، بشكل متعدد الوسائط وأكثر تفاعلية. وبسبب عدم تدخل الحكومات والرقابة المؤسسية على الاتصالات، فقد خلقت شبكات الاتصالات الأفقية المتشعبة مشهداً جديداً من التغيير الاجتماعي والسياسي.
وقد كانت الحركات الاجتماعية الشبكية نشطة بشكل خاص منذ عام 2010، ولاسيّما في الثورات العربية ضد الدكتاتوريات والاحتجاجات ضد إدارة الأزمة المالية. وقد ساعدت عمليات الاتصال عبر الإنترنت، ولاسيما الاتصالات اللاسلكية الحركات الاجتماعية على تحدي سلطة الدولة».
«كما هي الحال في جميع لحظات التغيير التكنولوجي الكبير، يشعر الناس والشركات والمؤسسات بعمق التغيير، ولكنهم غالباً ما يغرقون فيه، نظراً إلى جهلهم التام لآثاره». 
وينبغي لنا أن نحدد الزيادة المتنامية للمعلومات التي تسبب الارتباك والاضطراب والنزعة المتزايدة إلى إساءة استخدام المعلومات وقنوات المعلومات التي تحجب أماكن صنع القرار العام والخاص وتسهم في زيادة الجهل العام.
إن البيانات الضخمة وإنترنت الأشياء يغيران من الطريقة التي نتعامل بها مع البيانات والمعرفة. فخصائص البيانات الضخمة في حد ذاتها تساعد، بشكل جيد، على إجراء تحليل في الوقت المناسب للمليارات من السجلات والتنبيهات لتحسين الوعي الظرفي، من بين أمور أخرى. 
التطبيقات الثلاثة الرئيسة للبيانات الضخمة هي: الإنذار المبكر، والتوعية في الوقت الحقيقي، وردود الفعل في هذا الوقت. والتحدي الرئيس الذي نواجهه هو تحديد الكيفية التي يمكن من خلالها إعادة توجيه هذه التطبيقات لخدمة السلام ومنع الصراعات.

إيقاظ الوعي
هدفنا هو الاستفادة مما وصفه أحد العلماء بأنه «القدرة الفائقة لشبكات المعلومات على إيقاظ الوعي النقدي العالمي». 
ولهذا الغرض، ينبـــغي أن نسعى من خلال تكنولوجـــيا المعلومات إلى فهـــم كيــــف أنه، من خلال كلمات هذا الباحث، قــــد تلاقى «العصر الرقمي» و«عصــر الإرهاب» في 11 سبتمــبر وكيف تمــت عمليــــة تجنيــــد إرهابيــــي «داعش».
في رأيه، نحن بحاجة ماسة إلى مسائل حاسمة ورؤى مضادة لضمان ألا تتحـــول تكنولوجيا المعلومات إلى أسلحة لهو وخداع ودمار شامل.
«يمكن للجريمة الإلكترونية والهجمات الإلكترونية أن تشكل تحدياً ضد سلامة مستخدمي الإنترنت وتعطل النشاط الاقتصادي والتجاري وتهدد الفعالية العسكرية. وعلاوة على ذلك، فإن الصراع الذي يحدث في المجال السيبراني غالباً ما يعكس الصراع في العالم المادي». 
ويتمثل التحدي الذي تواجهه البشرية المستنيرة في التأكد من أن يتم الحفاظ على تكنولوجيا المعلومات كسلاح للتعليم والتثقيف وإعادة البناء الشامل.
ويمكن تصنيف «السياسة» الدولية للثورة في تكنولوجيا المعلومات تحت أربع فئات:
1 - المشاركة
 حيث ظهرت منصات جديدة (خاصة وسائل التواصل الاجتماعي) تمكّن الجهات الفاعلة المختلفة التي كانت عاجزة في السابق من استخدام القنوات القائمة المحدودة وممارسة النفوذ.
2 - الشرعية
 التأثير في المساءلة الديمقراطية والهوية (قرصنة الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الولايات المتحدة وفرنسا).
3 - الأمن
 تعاريف جديدة لمصالح الدولة وقاعدة السلطة.
4 - الحوكمة
 مركزية مراقبة الدولة لنشر المعلومات.

أسئلة استفزازية
وتختلف المواقف اختلافاً واسعاً في ما يتعلق بتأثير الثورة في تكنولوجيا المعلومات على الديمقراطية والحكم والمجتمع المدني العالمي الناشئ. وهي تتراوح بين أولئك الذين يعتقدون أن هذا التأثير مُبالغ فيه بشكلٍ صارخٍ، لأولئك الذين يعتبرون أن هذه الثورة لم تعد تعود بالفائدة على المجتمع المدني، وقد سقطت تحت سيطرة الحكومات.
ولإيجاد مسار متوسط ​​وتحديد طريقةٍ للمضي قدماً، من المهم الإشارة إلى عدد من الأسئلة الاستفزازية:
-على الرغم من أن العصر الرقمي يمتد في الولايات المتحدة من وادي السيليكون في كاليفورنيا إلى وادي السيليكون في مانهاتن، وعالمياً من بنغالور إلى سنغافورة، فهل السمة المميزة للعصر الرقمي تكمن في التركيز المكاني الزماني بدلاً من التركيز الجغرافي - السياسي؟
-بعبارة أخرى، هل سماته الرئيسة متمثلة في قدرته على تركيز الآثار العالمية من خلال إلغاء الزمن والمسافة؟
-هل تتخلل الدورات السریعة للطفرات الاقتصادیة الجدیدة وحالات الركود ذلك العصر الرقمي الذي يحدّ من الشمولیة ويزيد من فترة عدم الاستقرار، حیث إنه یتطور بشكل غیر متساوٍ داخل وعبر الدول؟
-كيف أتى العصر الرقمي ليحتل هذا الموقف المهيمن على جوانب أخرى من الحداثة؟
-بعد أحداث 11 سبتمبر وما أعقبها من أزمات، هل سيستمر في الهيمنة على جميع المنافسين الآخرين؟
-هل تظهر الحداثة في العصر الرقمي نفسها كحقبة أكثر تقدماً تنجح في مرحلة التراجع المبكر أو التذبذبات السريعة للرسائل والوسائط (نسبة الإشارة إلى الضجيج)، والتكرار التراجعي للصور (حلقات ردود الفعل) والتحولات بين النظام والاضطراب (التعقيد)؟
-هل أصبح لبومة مينيرفا جناح بعد 11 سبتمبر؟ إذا كان الأمر كذلك، فهل يشير ذلك إلى وصول الحكمة، أو ببساطة، مغادرة مسرح جريمة بشعة؟
-هل يمكن أن ننسى يوم الرعب ونعيد إصلاح العصر الرقمي؟
-هل أدت تكنولوجيا المعلومات إلى ظهور وسائط رقمية جديدة تستند إلى صورة متحركة للعالم، بكلا المعنيين على حدّ سواء؟
-هل هذا يعني أن مشاعر الخوف والكراهية والتعاطف القائمة على الصورة تهيمن الآن على خطابات الأفكار والمصالح والسلطة القائمة على الكلمة؟
-على المستوى الإلكتروني، هل تهم سرعة الانتقال بقدر ما يهم مضمون الرسالة؟
-هل أصبح التواصل العالمي بين الوسائط المتعددة أمراً لا يمكن وقفه؟ وهل أدى ذلك إلى اضطراب في اهتمام الجمهور الذي يترك القليل من الوقت للتحقيق النقدي والعمل السياسي من قبل جمهور مشتت بشكل دائم؟
-هل نحن محاصرون في حرب جديدة بين الأصوليات التكنولوجية واللاهوتية أو المذهبية؟
-كما أن الأصولية الدينية تعتمد على تكنولوجيا المعلومات لإبراز وتضخيم صلاحياتها، هل هناك زيادة في الأصولية التقنية الجديدة التي يسعى العلمانيون فيها إلى تحقيق الأمن والخلاص والتفوق من خلال تشويه التكنولوجيا؟
-هل دخلنا «عصر إرهاب المعلومات»؟
- كيف حولت الثورة في أشكال الشبكات الرقمية لوسائل الإعلام الرقمية طريقة قيام المجتمعات المتقدمة بشن الحرب وإحلال السلام؟
-كيف يمكننا الانتقال من «حرب المعلومات» إلى «سلام المعلومات»؟
-كيف يمكننا استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعمير بعد انتهاء الصراع وبناء السلام وحفظه ومنع العنف والصراع؟
أردت متعمّداً أن أشاطركم هذه الأسئلة الاستفزازية، لأن ما يواجهنا اليوم هو مخاطر بيئية خطيرة، وفجوة متنامية بين الأغنياء والفقراء، وصراعات بين الثقافات المختلفة. وإن مسار البشرية لن يتغير إلى الأفضل من تلقاء نفسه.
- مهمتنا هي تحديد مسارات عمل محددة نحو بديل ما.
- سوف نستفيد من مساهمات الشخصيات البارزة.
- علينا أن ندرس أهمية حرية التعبير كرادع للعنف. وهذا بعدٌ رئيس في عالمنا المضطرب.
- إدراك أهمية السياسة العالمية المستنيرة.
- إدراك أهمية المعرفة كأداة للتنمية.
- إدراك التحديات التي تواجه عالم السياسة في مجتمع المعلومات.
- تفعيل دور المنظمات غير الحكومية والمشاركة المدنية في التغلب على الجهل وتحديات الديمقراطية التي تواجَه من خلال زيادة المعلومات والإعلام.
- التحديات التي تواجه الأعمال من عدم منطقية الأسواق في عصر المعلومات (دعونا ندرس الدور الرئيس لتكنولوجيا المعلومات في الأزمة المالية العالمية التي انفجرت حتى نهاية عام 2008).
ومن الأمور المهمة والمصيرية هي ألّا يغيب عن بالنا هدفنا: كيفية تغيير الجهل وانعدام الرؤية في المسؤولية والوعي العالميين. وكيفية تحفيز الالتزام لتحقيق التغيير العالمي.
تجعل وسائل الإعلام الرقمية الجديدة فائقة السرعة من السهل جداً أن تغيب عن بالنا وعن أنظارنا أهدافٌ واضحةٌ في عصر المعلومات. وهنا، أود أن أشير إلى المهندس المعماري، ناقد فن التكنولوجيا، المنظّر الثقافي، بول فيريليو، ويتم اعتباره مخترعاً لمفاهيم مثل منطق السرعة «درومولوجي»، أو علم السرعة، أكثر فأكثر. وقد حلّل على مدى فترة طويلة من الزمن كيف أن تسارع وسائل الإعلام يؤدي إلى ما وصفه بأنه «جماليات الاختفاء». فالموضوع السياسي، سواءً فيما يتعلق بالزعيم المسؤول، أو المواطنة القائمة على المشاركة، أو العملية التداولية نفسها، يتضاءل ويغمره «مجال المعلومات» المتنامي.
 في عالم فيريليو، «لم يعد يصدق الناس ما يرونه بأم أعينهم. أو من خلال تصوّرهم» فلقد أصبحوا «خاضعين لمجالات الرؤية التقنية». فهو ينظر إلى آلات الرؤية على أنها المنتجات المتسارعة لما يسميه «رؤية بلا نظر» - الرؤية دون النظر - وهذا هو في حد ذاته مجرد إعادة تصنيع أو إنتاج عمى مكثف سيصبح آخر وأحدث شكل من أشكال التصنيع؛ تصنيع «عدم الاستبصار».
 وسواءً اتفق أحد مع فيريليو أم لم يتفق، فمن الصواب أن نقول إن مهمتنا هي رفع ما أسميه «مجال كوجيتو» الذي هو مجال التفكير والوعي (أو مجال التفكير والاستبصار) ليسود على «مجال المعلومات» وذلك من أجل تجنب تلك الرؤية الخالية من الاستبصار، وتركيز عملية النقاش لدينا على التحديات الحقيقية التي تواجه البشرية المستنيرة ■