ذكريات المجلس الأعلى للثقافة

ذكريات المجلس الأعلى للثقافة

لا أظنُّ أن منصباً شغلته في الحياة العامة ترك في نفسي من عمق الأثر  وفرحة الإنجاز  على السواء مثلما تركتها سنوات عملي الطويلة في المجلس الأعلى للثقافة. وقد بدأ الأمر بدعوة من فاروق حسني، وزير الثقافة في ذلك الوقت، لمقابلتي. ولم أكنْ أعرفُ الرجل قبل ذلك، فيما عدا أنني رأيته مرة عابرة في باريس، حين كان يشغل منصب مدير المركز  الثقافي في باريس. 

 

في عام 1993 استقبلت دعوته بلقائي بنوع من التساؤل والدهشة، فلم أكن أعرف الرجل شخصياً من قبل، ولكني ذهبت إليه في الموعد المحدد؛ احتراماً له بوصفه وزيراً لثقافة بلدي. وتلقاني الرجل هشًّاً مبتسماً، وجلس يحدثني في مشكلات الثقافة وفي حرصه على أن يتولى كبار المثقفين الهيئات الأساسية في الوزارة، وكان ذلك مدخله لأن يطلب مني قبول العمل معه أميناً عامًّا للمجلس الأعلى للثقافة، وكان الأمين السابق رجلاً من رجال القانون لا يعرف الكثير عن الثقافة والمثقفين، وأخبرني فاروق حسني بأنه يريد أن يبعث في المجلس حيوية رائدة، وأن يجعل منه واحدة من أهم المؤسسات الثقافية، ولم أجد مفراً من قبول المنصب، ولكني قبل ذلك اشترطت عليه أن يدعمني ماليًّا، فوافق، كما اشترطت عليه أن يترك لي حرية العمل كاملة، فوافق أيضاً، وأخيراً قلت له: ولكني لا أريد أن أعمل في المجلس لسنوات طويلة، فأنا أولا وأخيراً أستاذٌ جامعيّ، ولا أريد أن أبقى طويلاً خارج الجامعة التي أنا حريص على وجودي فيها قبل أي شيء، ولكنه طمأنني بأنني سأبقى أستاذاً جامعيًّا، كما أريد، وسيكون قراره بأن أعمل في المجلس في غير أوقات العمل الرسمية. أما عن عدد السنوات، فابتسم قائلاً: دعنا لا نحكم على المستقبل، واترك الأمور تسير في مجراها الطبيعي، ثم نرى بعد ذلك ما الذي سوف تنتهي إليه الأمور، وخرجت من عنده موافقاً على أن أعود، بعد يومين، إلى مقر المجلس الأعلى للثقافة لأُباشر العمل.
وبالفعل ذهبت إلى مقر المجلس في مبناه القديم في 9 شارع حسن صبري، وكان عبارة عن فيلا مهملة يتراكم عليها غبار الإهمال، ودخلت مكتبي، وكان مدير المكتب بدرجة وكيل وزارة، ولكن ما إن انفردت بنفسي في المكتب حتى وجدت جدران الحجرة كلها تهتز اهتزازاً مخيفاً؛ لأنَّ عربة نقل ثقيلة كانت تمر في الشارع الذي يطل عليه المبنى. 
والحق أنني خفت من هشاشة المبنى وقِدمه، فقد كان أحد القصور القديمة لأحد الأمراء من العهد الملكي، وقد استولى عليه المرحوم يوسف السباعي؛ نتيجة نفوذه في بدايات ثورة يوليو 1952، وعلاقته بعبدالناصر والضباط الأحرار، فهو صاحب رواية «رد قلبي» التي تتحدث عن ثورة يوليو وعن الضباط الأحرار على السواء، ولذلك سمح له جمال عبدالناصر بتأسيس مجلس لرعاية الفنون والآداب، وظل الاسم طويلاً إلى أن جاء سعد الدين وهبة، فوضع تنظيماً جديداً للمجلس، بحيث يتولاه «وزير دولة»، وصدر القرار الجمهوري بذلك في مطلع الثمانينيات في عهد السادات، ولكن سرعان ما غضب السادات على سعد الدين وهبة، واستبعده من الإشراف على المجلس، بل وحرمه من درجة «وزير دولة» التي كان يتطلع إليها، نظير خدماته الثقافية للدولة؛ ولذلك بقى المجلس كما هو جزءاً أساسياً من أجزاء وزارة الثقافة، لكن له مكانة مخصوصة تجعل من الوزير رئيساً له، بمعاونة أمين المجلس الذي يديره نائباً عن الوزير. وكانت المشكلة الأولى هي القيام بإصلاحات معمارية للحفاظ على المبنى القديم وتقوية جدرانه وأعمدته على السواء. 

رؤية ثقافية
ولجأت إلى المرحوم الدكتور ميلاد حنا، أستاذ الهندسة الإنشائية، الذي كان عضواً في المجلس الأعلى للثقافة، وتولى - رحمة الله عليه- القيام بذلك على أفضل نحو ممكن، محافظاً بالطبع على عمارة المبنى القديم، دون أن يمس شكله العام. وبدأت أفكر منذ الأسبوع الأول في صياغة منظومة عمل تكون بمنزلة استراتيـﭽية أو رؤية ثقافية ينطلق على هديها الحضور الثقافي للمجلس الذي كانت له وظيفة ثابتة معروفة، وهي اختيار الحاصلين على جوائز الدولة في الآداب والفنون والعلوم الإنسانية، واستقر تفكيري على أن أضيف لجنة جديدة هي لجنة الثقافة العلمية التي رأيت أنها ضرورية في تشكيل الثقافة العربية التي تميل إلى الطابع الإنساني والأدبي ولا تهتم كثيراً بثقافة العلم، وكنت أعرف بالطبع أن هناك أكاديمية للبحث العلمي، ولكني لم أكن أفكر في العلم بمعناه التطبيقي أو العملي، وإنما بمعناه الثقافي الذي يجعل منه عنصراً تكوينياً من عناصر الثقافة الحديثة. وأعدت في الوقت نفسه تشكيل لجان المجلس على نحو يجمع بين خبرات الشيوخ وحماسة الشباب، دون نسيان الأجيال الوسطى، واعتبرت أعضاء المجلس من أساتذتي بمنزلة مستشارين ألجأ إليهم لتقديم حلول للمشاكل التي تواجهني. ورسمت بيني وبين نفسي استراتيـﭽية لعمل المجلس الثقافي تنبني على ثلاثة مستويات؛ الأول هو المستوى الوطني الذي يعمل داخل حدود مصر، والثاني هو المستوى القومي الذي يضيف إلى الثقافة المصرية أبعادها القومية، وأخيراً المستوى العالمي الذي يدمج الثقافة الوطنية والقومية على السواء في الثقافة العالمية، ويتبادل وإياهما التأثر والتأثير على السواء.
وكان المستوى الأول يسعى إلى خلق أوسع دائرة حوار وطني، تجمع بين كل الفصائل والتيارات الفكرية والثقافية داخل مصر بلا تمييز أو انحياز لتيار دون تيار، وهو الأمر الذي حرصت على تحقيقه على المستوى القومي الذي يعالج المشكلات القومية للثقافة، فضلاً عن تأكيد العلاقات الوثيقة بين الثقافة الوطنية والقومية من ناحية، وبينهما معاً والثقافة العالمية من ناحية أخرى. وفي هذا المجال قمت بدعوة العديد من الباحثين والمفكرين والأدباء من مختلف أنحاء العالم للحوار والنقاش مع المثقفين المصريين. 

حوارات عاصفة
وكانت البداية هي استضافة المفكر البريطاني مارتن برنال بمناسبة إصدار ترجمة كتابه «أثينا السوداء»، وهو كتاب عرفت أصداءه الواسعة في الولايات المتحدة وفي مجلات الكتب الأكثر توزيعا، وأرسلت إليه دعوة تقبلها الرجل بصدر رحب، وجاء إلى القاهرة، وألقى محاضرة عن كتابه الذي أثار ردود فعل متباينة وساخنة في الندوة التي شهدتها قاعة المحاضرات الصغيرة في المجلس، وذلك في حوارات عاصفة امتدت أصداؤها إلى الجرائد والمجلات المصرية والعربية. 
وبعد ذلك استضفنا المستشرق الإسباني فيديريكو كورينتي بمناسبة طبع المجلس لديوان «ابن قزمان» الذي أشرف على تحقيقه. وتتابعت الأنشطة، ومنها لقاء مفتوح مع المفكر الفرنسي روچيه جارودي في شهر أكتوبر سنة 1996، ولم يتوقف الأمر عند هذا الجانب، فقد امتد عبر السنوات وشهدت قاعات المجلس مؤتمراً عن الشاعر الإسباني فديريكو غارسيا لوركا، وذلك في لقاء جمع بين الباحثين الإسبان والعرب على السواء، واستمر الأمر في عام 1999 عندما احتفلنا بالمئوية الثانية لميلاد الشاعر الروسي ألكسندر بوشكين، وذلك بالتعاون مع اتحاد الكتاب الروس الذي أهداني شهادة تقدير باللغة الروسية، لا أزال أحتفظ بها إلى اليوم، رغم أني لا أعرف من الروسية كلمة واحدة، ثم جاء عام 2000 بدعوة المفكر والناقد والفيلسوف الفرنسي چاك دريدا، وذلك في لقاءين، جمع أولهما بين المهتمين بالأدب، وثانيهما كان للمشتغلين بالفلسفة، وقضى چاك دريدا أيامه في القاهرة، بعد أن ألقى محاضرة عامة عن الجامعات الحديثة، في مساعدة الدكتور أنور مغيث والدكتورة منى طلبة في ترجمة كتابه التأسيسي «الجراماطولوجي» أو «علم الكتابة». 
ويبدو أن عام 2000 كان العام الأكثر حظاً في نصيب المدعوين من مختلف أنحاء العالم، فبعد زيارة جاك دريدا في فبراير عام 2000، جاءت زيارة الشاعرة السويسرية سيلفيان دوبوي بالتعاون مع مؤسسة برهلفيسيا الثقافية السويسرية، وفي مارس من العام نفسه حدث لقاء مع الكاتب والمفكر الفرنسي ميشيل ڤيڤوركا حول «الصراع والعنف من منظور اجتماعي»، بالتعاون مع مركز الدراسات والوثائق الاقتصادية والقانونية والاجتماعية «سيداج» الفرنسي، وفي شهر أبريل جاء باري كيمب ليحاور المثقفين عن كتابه «تشريح حضارة»، وفي شهر أكتوبر من العام نفسه جاء الشاعر الكرواتي «دراجو شتامبوك» ليقدم أمسية شعرية بعنوان: لغة التمزق».
وهكذا استمرت لقاءات المثقفين المصريين والعرب مع كبار الأدباء والمبدعين من أنحاء العالم المختلفة، من أمسية للشعر اليوناني إلى ندوة بالتعاون مع المركز الثقافي الفرنسي، إلى أيام الثقافة الدنماركية إلى ندوة حول الأدب الصيني المعاصر، ومنها إلى محاضرة عن «التماثلات المشتركة بين علوم البصريات عند العرب وعلومها عند الغرب في العصور الوسطى»، وقد ألقاها الدكتور برنار ميت. وكان من الطبيعي أن يتوقف المجلس بأنشطته عند الأصوات الغربية الجديدة، فعقدنا حلقة نقاشية حول كتاب بردة النبي للبروفيسور روى متحدة الذي ترجمه رضوان السيد، في المشروع القومي للترجمة، كما دعونا البروفيسور روبرت يونج صاحب الكتابات الرائدة في خطاب ما بعد الاستعمار، وعقدنا ندوة أخرى للكاتب الفرنسي الكبير آلان روب جرييه، أعقبتها ندوات أخرى مع عالم الموسيقى الإسباني رافائيل بيريث صاحب كتاب «الموسيقى في عصر الأهرام»، ولقاء مع الكاتب الألماني مارتين موزباخ، ثم محاضرة عن الترجمة للأستاذ چان دي ليل عميد معهد الترجمة بمونتريال ثم ندوة أخيرة عن المستعربين في الصين، وندوة أخرى عن أنطون تشيخوف بمناسبة مائة عام على رحيله، وفي شهر أكتوبر عام 2006 عقد المجلس ندوة عن «إبسن بين الشرق والغرب»، وأخيراً في يناير 2007 ندوة عن «الكتابة حول مصر» بالاشتراك مع المركز الثقافي الفرنسي.

لقاءات مثمرة
وكما قلت من قبل كان المقصود من كل هذه الندوات والمحاضرات تعريف المثقف العربي بكبار العقول الأوربية والأمريكية التي كان يقرأ لها ويتأثر بأفكارها، وخلق فرصة للنقاش معها والتعرف على أفكارها بما يؤكد معرفة المثقف العربي بها وعدم الحديث عشوائياً عن أفكارها. وأعتقد أن هذا النوع من اللقاءات كان مثمراً ومفيداً إلى أبعد حد؛ فالفارق هائل بين أن تقرأ عن چاك دريدا وأنت لم تره أو تسمع عنه شخصياً وبين أن تراه وتحاوره أو حتى يمكن أن تؤسس لصداقة بينك وبينه. ولا أظن أننا في هذه الفترة من سنة 1993، وهو العام الذي توليت فيه أمانة المجلس الأعلى للثقافة إلى عام 2007، وهو العام الذي انتقلت فيه من المجلس الأعلى للثقافة إلى المركز القومي للترجمة، بعد أن أنشأته إنشاءً، توقفنا كي نلتقط أنفاسنا، فمن نشاط إلى نشاط، ومن مفكر عالمي إلى ناقد أدبي جهير الصوت، عبر العالم كله إلى أديب مرموق ومشهور سرعان ما حصل على نوبل، كما في حالة يوسا الذي دعوته في المجلس، قبل حصوله على جائزة نوبل.
 وأما المستوى القومي، فقد كان يتجلى في المؤتمرات القومية الكبرى التي كانت تجمع بين المثقفين العرب جميعا، مرة تحت عنوان: «نحو خطاب ثقافي عربي جديد» بعد غزو العراق المؤسف للكويت، وثانية بعنوان: «ملتقى الإبداع الشعري» الذي كنا نعقده بالتبادل مع «ملتقى القاهرة للإبداع الروائي»، الذي عقدناه للمرة الأولى في فبراير 1998، وبعده في العام نفسه مؤتمر آخر عن «قضايا المصطلح العربي»، واختتمنا العام بمؤتمر عن «طه حسين وتأصيل الثقافة العربية»، وجاء عام 1999 لنعقد للمرة الأولى مؤتمراً قومياً كبيراً، بعنوان: «مائة عام على تحرير المرأة العربية»، وذلك بمناسبة مرور مائة عام على صدور كتاب قاسم أمين «تحرير المرأة» في عام 1899. 

احتفاء بالأدباء الراحلين
وجاء بعد ذلك مؤتمر «الأدب العربي والعالمية». وتتابعت المؤتمرات القومية ومنها الملتقيات القومية للمأثورات الشعبية، ولم يخل الأمر من الاحتفال بكبار الأدباء الراحلين، مثل احتفالية صلاح عبدالصبور بمناسبة مرور عشرين عاماً على رحيله سنة 2001 التي دعونا إليها أبرز شعراء الوطن العربي ونقاده، ومنها مؤتمر المرأة العربية والإبداع سنة 2002، وجاء ملتقى القاهرة الثاني للإبداع الروائي عام 2001؛ ليؤكد تماماً الحضور القومي للمجلس الأعلى للثقافة في مصر، ذلك المجلس الذي كان، وسيظل، عربياً قومياً في كل توجهاته وفي كل أنشطته، وعندما أتذكر الآن هذه الندوات والمؤتمرات الكبرى التي تتتابع عبر ذاكرتي، أشعر بالفخر لأني أشرفت عليها وخططت لها مؤدياً دورها القومي الثقافي وواجبي إزاء الثقافة القومية التي أنتمي إليها، والتي كان لابد أن أعيد بها العلاقات التي هزتها زيارة السادات إلى إسرائيل، ومن ثَمَّ عودة المثقفين العرب إلى مصر وعودة مصر إلى أحضان الثقافة العربية على السواء.
والحق أنني لم أقم بذلك وحدي، فقد ساعدني العشرات، بل المئات من المثقفين العرب المؤمنين بهويتهم القومية والمؤمنين بأن الثقافة تصلح ما تفسده السياسة، وأن الثقافة هي الطريق الوحيد إلى المستقبل الواعد. وقد كانت هذه المؤتمرات والملتقيات فرصة لأن تتلاقى الأجيال العربية المختلفة وتتبادل الخبرات والآراء في حوار حي وخصب بين الأجيال، وذلك في حرية تامة، وبعيد عن أي ضغط سياسي وعن أي حساسية ضيقة الأفق من أي نوع. ولاأزال أذكر الجرأة التي شهدتها إحدى الحلقات الحوارية عن تجديد الخطاب الديني، وهي واحدة من اللقاءات المبكرة التي سبقت شيوع هذا الاصطلاح على ألسنة الجميع، والتي أدارها باقتدار وحياد الأستاذ الكبير الدكتور حمدي زقزوق، سامحاً لكل الآراء أن تعبر عن نفسها بحرية تامة وصراحة فائقة.

تيارات متنوعة
ولما كنت أعلم أن مصر تموج بتيارات مختلفة متنوعة ومتسارعة في آن، فقد حرصت على أن تكون الدعوات موجهة إلى كل التيارات بلا استثناء،  فقد كنت، ولا أزال، أؤمن أن الحوار العلني خير من الصراع السري، وأن كل فكرة لابد أن تجد من يختلف معها أو عنها إذا خرجت إلى النور واتسمت بالتسامح، ولهذا حرصت على دعوة ممثلين من كل التيارات الفكرية على المستوى الوطني في مصر وعلى المستوى القومي في العالم العربي؛ مؤمناً بأن تأبين المرحوم محمود شاكر في سبتمبر 1997 لا يقل أهمية عن عقد مؤتمر حول إنجازات لويس عوض الثقافية. 
عندما أسترجع الآن أسماء الندوات والمؤتمرات التي أشرفت عليها بوصفي أميناً عامًّا للمجلس الأعلى للثقافة، لا أكاد أذكر، ومن شرفت بالعمل بعونهم وبمساعدتهم لي في المجلس، أننا قد تركنا شخصية بارزة إلا وقد احتفلنا بها؛ ابتداء من توفيق الحكيم مرورا بإبراهيم عبدالقادر المازني ونجيب محفوظ وطه حسين وحسين بهاء الدين وصلاح عبدالصبور ورفاعة الطهطاوي وابن رشد وأحمد حجازي وحسين عفيف وأمل دنقل وصبري السربوني وإدوارد سعيد ومحمد حسين هيكل وعلي مبارك وعباس محمود العقاد ومحمد مندور وأمجد ناصر وإدوار الخراط وإبراهيم شكر الله وبابلو نيرودا ومحمود سامي البارودي ويحيى حقي والاحتفال بمئويته، فضلاً عن مئوية سارتر، وعبدالقادر القط وإحسان عباس وأنور عبدالملك وغيرهم من الشخصيات التي أضاءت حياتنا الفكرية والنقدية والثقافية؛ وذلك في سلسلة التراث التي تبدأ من قبل أبي حيان التوحيدي وتمضي بعد يحيى الطاهر عبدالله. ولذلك فأنا عندما أسترجع سنوات عملي في المجلس الأعلى للثقافة من عام 1993 إلى يناير 2007 أشعر بمدى الجهد الذي بذلته ومدى النجاح الذي حققته، بفضل الذين عاونوني، وعلى رأسهم الدكتور عماد أبو غازي الذي أصبح وزيراً للثقافة، والدكتور أحمد مجاهد الذي لايزال عنصراً نشيطاً وفاعلاً في الحياة الثقافية العربية. 
وكان من حسن الحظ أن يحافظ على الاستراتيـﭽية أو الرؤية التي وضعتها للمجلس الأعلى للثقافة من جاء بعدي من أمناء المجلس، ابتداء من علي أبو شادي مروراً بالدكتور عماد (الذي أضاف إلى المؤتمرات التي أقمتها منتدى جديداً خاصاً بالقصة القصيرة، وكان هذا نموذجاً طيباً على الإضافة في الاتجاه نفسه) ومن جاء بعده من أعضاء المجلس الذين أكنُّ لهم كل تقدير واحترام.
ولم تكن سنوات المجلس الأعلى للثقافة سنوات بهيجة دائما، فقد كانت هناك المصاعب البيروقراطية والترهل الفاسد، ولكن القلة القليلة التي آمنت به، من أحلام عن مستقبل الثقافة المصرية، بذلت من الجهد ما جعلنا جميعاً نفخر بما أنجزناه ونتطلع إلى سنوات العمل في المجلس الأعلى للثقافة وذكرياتها على أنها من أجمل الذكريات التي نعتز بها جميعاً، ابتداء من وزير الثقافة فاروق حسني نفسه الذي أذكر له بكل العرفان أنه لم يقصر في دعمنا المادي أو المعنوي، وليس انتهاء بالأستاذة نجلاء الكاشف التي واصلت الليل بالنهار لتكون على مستوى المسؤولية في العمل والإنجاز. والمؤكد أنني نجحت في المجلس الأعلى للثقافة ليس بفضل قدراتي الخاصة، وإنما بفضل هؤلاء الذين آمنوا برسالة المجلس ودوره الثقافي على المستويات الوطنية والقومية والعالمية على السواء ■