لأول مرة صورة للفجوة السوداء

لأول مرة  صورة للفجوة السوداء

تتزن‭ ‬النجوم‭ ‬العادية،‭ ‬مثل‭ ‬الشمس،‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬قوة‭ ‬جاذبيتها‭ ‬نحو‭ ‬الداخل‭ ‬والقوة‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬ضغط‭ ‬الفوتونات‭ ‬المنطلقة‭ ‬من‭ ‬تفاعلات‭ ‬الاندماج‭ ‬النووي‭ ‬في‭ ‬لبّ‭ ‬النجم‭ ‬نحو‭ ‬الخارج‭. ‬وعند‭ ‬نفاذ‭ ‬الوقود‭ ‬النووي‭ (‬الهيدروجين‭) ‬الموجود‭ ‬في‭ ‬لب‭ ‬النجم‭ ‬بعد‭ ‬ملايين‭ ‬أو‭ ‬مليارات‭ ‬السنين‭ ‬تبعًا‭ ‬لكتلة‭ ‬النجم،‭ ‬فإنه‭ ‬ينهار‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬قوة‭ ‬الجاذبية‭. ‬

إذا‭ ‬كان‭ ‬النجم‭ ‬ضخمًا،‭ ‬وكتلته‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬كتلة‭ ‬الشمس‭ ‬بعشرات‭ ‬المرات،‭ ‬فإنه‭ ‬ينفجر‭ ‬في‭ ‬حدث‭ ‬هائل‭ ‬يسمى‭ ‬انفجار‭ ‬السوبرفوفا،‭ ‬وينكمش‭ ‬لبّه‭ ‬بصورة‭ ‬كبيرة‭ ‬جدًّا،‭ ‬وتصبح‭ ‬جاذبيته‭ ‬هائلة،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬لشيء‭ - ‬حتى‭ ‬الضوء‭ - ‬مغادرته‭.‬

يسمى‭ ‬لبّ‭ ‬النجم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬بالفجوة‭ ‬السوداء‭ ‬أو‭ ‬الثقب‭ ‬الأسود‭. ‬يفصل‭ ‬الفجوة‭ ‬السوداء‭ ‬عن‭ ‬الفضاء‭ ‬والمواد‭ ‬الأخرى‭ ‬حولها‭ ‬ما‭ ‬يُعرف‭ ‬بأفق‭ ‬الحدث،‭ ‬الذي‭ ‬إذا‭ ‬وصله‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬فإنه‭ ‬سيدخل‭ ‬إلى‭ ‬الفجوة‭ ‬السوداء‭ ‬لا‭ ‬محالة،‭ ‬ويُفقد‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭.‬

لا‭ ‬أحد‭ ‬يعرف‭ ‬ماذا‭ ‬يوجد‭ ‬داخل‭ ‬الفجوة‭ ‬السوداء‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يغادرها‭ ‬أي‭ ‬شيء،‭ ‬فقوانين‭ ‬الفيزياء‭ ‬التي‭ ‬نعرف‭ ‬لا‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفجوة‭. ‬وبالطبع‭ ‬فإن‭ ‬الأرض‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬فجوة‭ ‬سوداء‭ ‬بسبب‭ ‬صغر‭ ‬كتلتها،‭ ‬لكنها‭ ‬لو‭ ‬تحولت‭ ‬بفعل‭ ‬مؤثر‭ ‬خارجي،‭ ‬فإنها‭ ‬تصبح‭ ‬كرة‭ ‬صغيرة‭ ‬وأصغر‭ ‬من‭ ‬كرة‭ ‬تنس‭ ‬الطاولة‭.‬

إن‭ ‬الأرض‭ ‬وما‭ ‬عليها‭ ‬تصبح‭ ‬بهذا‭ ‬الحجم‭ ‬الصغير،‭ ‬مما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬غرابة‭ ‬الفجوات‭ ‬السوداء،‭ ‬وكما‭ ‬قال‭ ‬أحد‭ ‬العلماء‭ ‬فإنها‭ ‬تحوّل‭ ‬العلم‭ ‬إلى‭ ‬خيال‭ ‬علمي‭. ‬تنبأت‭ ‬النظرية‭ ‬النسبية‭ ‬العامة‭ ‬التي‭ ‬نشرها‭ ‬ألبرت‭ ‬آينشتاين‭ ‬عام‭ ‬1916‭ ‬بوجود‭ ‬الفجوات‭ ‬السوداء،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتمكن‭ ‬العلماء‭ ‬من‭ ‬تأكيد‭ ‬ذلك‭ ‬بصورة‭ ‬عملية‭ ‬مباشرة‭. ‬كان‭ ‬الكشف‭ ‬عنها‭ ‬يتم‭ ‬بصورة‭ ‬غير‭ ‬مباشرة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مجالها‭ ‬الجذبي‭ ‬الكبير‭ ‬وتأثيره‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬حولها‭.‬

 

الكشف‭ ‬عن‭ ‬الفجوة‭ ‬السوداء

استخدم‭ ‬الفيزيائي‭ ‬باردين‭ ‬معادلات‭ ‬النظرية‭ ‬النسبية‭ ‬العامة‭ ‬عام‭ ‬1973،‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬منه‭ ‬لإيجاد‭ ‬طريقة‭ ‬عملية‭ ‬يمكن‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬الفجوة‭ ‬السوداء‭ ‬بصورة‭ ‬مباشرة‭.‬

وجد‭ ‬من‭ ‬الدراسة‭ ‬أن‭ ‬الفجوة‭ ‬السوداء‭ ‬إذا‭ ‬مرت‭ ‬أمام‭ ‬مصدر‭ ‬للضوء‭ (‬نجم‭ ‬مثلاً‭)‬،‭ ‬فإنه‭ ‬يمكن‭ ‬مشاهدة‭ ‬ظل‭ ‬الفجوة‭ ‬السوداء‭ ‬فيما‭ ‬يعرف‭ ‬بالرسم‭ ‬بالظلال،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فقد‭ ‬توقّع‭ ‬عدم‭ ‬إمكان‭ ‬حدوث‭ ‬ذلك‭ ‬بصورة‭ ‬عملية‭.‬

ومع‭ ‬تطور‭ ‬وبناء‭ ‬تلسكوبات‭ ‬راديو‭ ‬حديثة‭ ‬خلال‭ ‬العقد‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬فقد‭ ‬أعاد‭ ‬أجول‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬واشنطن،‭ ‬وهيليا‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬أريزونا،‭ ‬وفالك‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬راد‭ ‬بود‭ ‬بألمانيا،‭ ‬وهم‭ ‬أساتذة‭ ‬في‭ ‬الفيزياء‭ ‬الفلكية،‭ ‬دراسة‭ ‬وتحليل‭ ‬معادلات‭ ‬باردين،‭ ‬وكان‭ ‬استنتاجهم‭ ‬أنه‭ ‬يمكن‭ ‬مشاهدة‭ ‬ظل‭ ‬الفجوة‭ ‬السوداء‭ ‬باستخدام‭ ‬تلسكوب‭ ‬ضخم‭ ‬باتساع‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭. ‬

وبيّنت‭ ‬الدراسة‭ ‬إمكان‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬بقعة‭ ‬مركزية‭ ‬مظلمة‭ (‬سوداء‭) ‬قطرها‭ ‬يساوي‭ ‬حوالي‭ ‬10‭ ‬أضعاف‭ ‬قطر‭ ‬أفق‭ ‬الحدث،‭ ‬تحيط‭ ‬بها‭ ‬حلقة‭ ‬متوهجة‭ ‬من‭ ‬الضوء،‭ ‬أو‭ ‬الإشعاع‭ ‬الذي‭ ‬يصدر‭ ‬من‭ ‬الإلكترونات‭ ‬والمواد‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬الفجوة‭ ‬السوداء‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬جاذبيتها‭ ‬ومجالها‭ ‬المغناطيسي‭ ‬الكبيرين‭.‬

 

محاولات‭ ‬أوليّة

حاول‭ ‬دوليمان‭ ‬أستاذ‭ ‬الفيزياء‭ ‬الفلكية‭ ‬في‭ ‬مرصد‭ ‬Haystack‭ ‬التابع‭ ‬لمعهد‭ ‬MIT‭ ‬الأمريكي‭ ‬وفريقه،‭ ‬عام‭ ‬2007،‭ ‬استخدام‭ ‬ثلاثة‭ ‬تلسكوبات‭ ‬راديو‭ ‬معًا‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬ظل‭ ‬أو‭ ‬صورة‭ ‬الفجوة‭ ‬السوداء‭ ‬ساغيتاريوس‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬مجرتنا؛‭ ‬مجرة‭ ‬درب‭ ‬التبانة‭. ‬

واستخدم‭ ‬الفريق‭ ‬تلسكوبات‭ ‬في‭ ‬أريزونا‭ ‬وكاليفورنيا‭ ‬وجزيرة‭ ‬هاواي،‭ ‬وحصلوا‭ ‬على‭ ‬شيء‭ ‬غير‭ ‬واضح‭ ‬لم‭ ‬يتمكنوا‭ ‬من‭ ‬استخدامه‭ ‬للحسابات،‭ ‬لكنه‭ ‬يشبه‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مطلوب‭.‬

وقد‭ ‬أعاد‭ ‬الفريق‭ ‬التجربة‭ ‬مرة‭ ‬ثانية‭ ‬بعد‭ ‬عامين‭ ‬باستخدام‭ ‬أربعة‭ ‬تلسكوبات،‭ ‬وحققت‭ ‬التجربة‭ ‬بعض‭ ‬النجاح،‭ ‬لكن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬قدرة‭ ‬فصل‭ ‬التلسكوبات‭ ‬وتكبيرها‭ ‬كافية‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬صورة‭ ‬واضحة‭ ‬يمكن‭ ‬استخدامها‭ ‬لحساب‭ ‬خصائص‭ ‬الفجوة‭ ‬السوداء،‭ ‬مثل‭ ‬الكتلة‭ ‬والقطر‭ ‬وغيرها‭.‬

 

تلسكوب‭ ‬أفق‭ ‬الحدث

استنتج‭ ‬الفريق‭ ‬من‭ ‬التجارب‭ ‬السابقة‭ ‬أنهم‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬عدد‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬التلسكوبات‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬متباعدة‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭. ‬وقد‭ ‬شجعت‭ ‬نتائج‭ ‬المحاولات‭ ‬السابقة‭ ‬باحثين‭ ‬آخرين‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬التجربة‭. ‬

تعود‭ ‬فكرة‭ ‬تلسكوب‭ ‬أفق‭ ‬الحدث‭ ‬للدكتور‭ ‬فالك،‭ ‬وقد‭ ‬عمل‭ ‬أستاذ‭ ‬الفيزياء‭ ‬الفلكية‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬MIT،‭ ‬د‭. ‬دوليمان،‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬الفكرة‭ ‬وتنفيذها‭. ‬وتقرر‭ ‬عام‭ ‬2012‭ ‬إضافة‭ ‬تلسكوبات‭ ‬أخرى‭ ‬ليصبح‭ ‬عددها‭ ‬8‭ ‬تنتشر‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬من‭ ‬جزيرة‭ ‬هاواي‭ ‬وأمريكا‭ ‬الشمالية‭ (‬أريزونا‭) ‬إلى‭ ‬أوربا‭ (‬إسبانيا‭) ‬وأمريكا‭ ‬الجنوبية‭ (‬تشيلي‭ ‬والمكسيك‭)‬،‭ ‬وأخيرًا‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬القطب‭ ‬الجنوبي‭.‬

إذا‭ ‬عملت‭ ‬هذه‭ ‬التلسكوبات‭ ‬معًا‭ ‬في‭ ‬اللحظة‭ ‬نفسها،‭ ‬فإنها‭ ‬تعمل‭ ‬كتلسكوب‭ ‬افتراضي‭ ‬واحد‭. ‬وأطلق‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬التلسكوبات‭ ‬اسم‭ ‬تلسكوب‭ ‬أفق‭ ‬الحدث،‭ ‬وعيّن‭ ‬د‭. ‬دوليمان‭ ‬مديرًا‭ ‬لمشروع‭ ‬التلسكوب‭.‬

استخدم‭ ‬الفريق‭ ‬التزامن،‭ ‬أي‭ ‬عمل‭ ‬التلسكوبات‭ ‬معًا،‭ ‬ساعات‭ ‬ذرية‭ ‬في‭ ‬منتهى‭ ‬الدقة،‭ ‬إذ‭ ‬إنها‭ ‬لا‭ ‬تتغير‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬ثانية‭ ‬واحدة‭ ‬خلال‭ ‬100‭ ‬مليون‭ ‬عام‭. ‬يشكّل‭ ‬عمل‭ ‬التلسكوبات‭ ‬في‭ ‬اللحظة‭ ‬نفسها‭ ‬صحنًا‭ ‬افتراضيًّا‭ ‬للتلسكوب‭ ‬بضخامة‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭. ‬إن‭ ‬القدرة‭ ‬التحليلية‭ ‬الزاوية‭ ‬للتلسكوب‭ ‬هائلة،‭ ‬وتساوي‭ ‬25‭ ‬ميكروثانية،‭ ‬وهي‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬دقة‭ ‬تلسكوب‭ ‬هابل‭ ‬الفضائي‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬2000‭ ‬مرة‭. ‬

وإذا‭ ‬توافرت‭ ‬هذه‭ ‬الدقة‭ ‬لعيني‭ ‬شخص‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬باريس،‭ ‬فإنه‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬قراءة‭ ‬شاشة‭ ‬موبايل‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬نيويورك‭ ‬بسهولة‭.‬

 

تسجيل‭ ‬البيانات‭ ‬

تؤثر‭ ‬الأحوال‭ ‬الجوية،‭ ‬وخاصة‭ ‬الرطوبة‭ ‬والغيوم،‭ ‬على‭ ‬دقة‭ ‬الصورة‭ ‬ووضوحها،‭ ‬ويجب‭ ‬بالتالي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الأحوال‭ ‬الجــــوية‭ ‬مناســــبة‭ ‬بجميع‭ ‬المحطات‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭. ‬كان‭ ‬الثلث‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬أبريل‭ ‬عام‭ ‬2017‭ ‬مناسبًا‭ ‬للعمل،‭ ‬وتم‭ ‬توجيه‭ ‬جميع‭ ‬التلسكوبات‭ ‬في‭ ‬اللحظة‭ ‬نفسها‭ ‬للفجوة‭ ‬السوداء‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬المجرة‭ (‬M87‭).‬

تبعد‭ ‬هذه‭ ‬المجرة‭ ‬عن‭ ‬الأرض‭ ‬55‭ ‬مليون‭ ‬سنة‭ ‬ضوئية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬الإشعاع‭ ‬الذي‭ ‬ستسجله‭ ‬المراصد‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬غادر‭ ‬المجرة‭ ‬قبل‭ ‬55‭ ‬مليون‭ ‬عام‭. ‬وقد‭ ‬استخدم‭ ‬الفريق‭ ‬في‭ ‬التجربة‭ ‬ترددات‭ ‬راديو‭ ‬عالية‭ ‬لزيادة‭ ‬وضوح‭ ‬الصورة،‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬الترددات‭ ‬لا‭ ‬تمتص‭ ‬خلال‭ ‬الغلاف‭ ‬الجوي‭.‬

عملت‭ ‬التلسكوبات‭ ‬خلال‭ ‬4‭ ‬أو‭ ‬5‭ ‬ليال‭ ‬ما‭ ‬مجموعه‭ ‬65‭ ‬ساعة‭. ‬قدّر‭ ‬الباحث‭ ‬كرو‭ ‬من‭ ‬معهد‭ ‬MIT‭ ‬المعلومات‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تسجيلها‭ ‬بحوالي‭ ‬مليار‭ ‬مليون‭ ‬بايت‭ (‬أي‭ ‬واحد‭ ‬وأمامه‭ ‬15‭ ‬صفرًا‭ ‬من‭ ‬البايت‭)‬،‭ ‬تعادل‭ ‬هذه‭ ‬المعلومات‭ ‬سماع‭ ‬موسيقى‭ ‬من‭ ‬mp3‭ ‬لمدة‭ ‬5000‭ ‬عام‭. ‬سجلت‭ ‬المعلومات‭ ‬على‭ ‬سواقات‭ ‬صلبة‭ ‬سريعة‭ ‬ودقيقة،‭ ‬صنعت‭ ‬خصيصًا‭ ‬للتجربة‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬MIT‭.‬

أرسلت‭ ‬الأقراص‭ ‬الصلبة‭ ‬التي‭ ‬قدّر‭ ‬وزنها‭ ‬بحوالي‭ ‬نصف‭ ‬طن‭ ‬إلى‭ ‬معهدي‭ ‬MIT،‭ ‬وماكس‭ ‬بلانك‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭ ‬للفحص‭ ‬والتدقيق‭.‬

استخدم‭ ‬الخبراء‭ ‬حواسيب‭ ‬خاصة‭ ‬لتدقيق‭ ‬البيانات‭ ‬وفحصها،‭ ‬واستمرت‭ ‬العملية‭ ‬عامًا‭ ‬كاملًا‭. ‬وأرسلت‭ ‬البيانات‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬أربع‭ ‬مجموعات‭ ‬منفصلة‭ ‬من‭ ‬الفريق‭ ‬لرسم‭ ‬أربع‭ ‬صور‭ ‬ومقارنتها‭. ‬استخدمت‭ ‬المجموعات‭ ‬الأربع‭ ‬حواسيب‭ ‬وبرمجيات‭ ‬معقّدة‭ ‬كتبت‭ ‬خصيصًا‭ ‬للتجربة،‭ ‬وحصلت‭ ‬على‭ ‬صور‭ ‬متشابهة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭. ‬

 

صورة‭ ‬الفجوة‭ ‬السوداء

‭ ‬تبيّن‭ ‬الصورة‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬الحصول‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬المجموعات‭ ‬الأربع‭ ‬دائرة‭ ‬مركزية‭ ‬مظلمة‭ (‬ظل‭ ‬الفجوة‭ ‬السوداء‭) ‬تحيط‭ ‬بها‭ ‬حلقة‭ ‬متوهجة‭ ‬من‭ ‬الإشعاع‭.‬

تم‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬الصور‭ ‬ونتائج‭ ‬التجربة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬خلال‭ ‬6‭ ‬مؤتمرات‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬يوم‭ ‬الأربعاء‭ ‬10‭ ‬أبريل‭ ‬الماضي‭. ‬تؤكد‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬صحة‭ ‬ودقة‭ ‬النظرية‭ ‬النسبية‭ ‬العامة‭.‬

إن‭ ‬الألوان‭ ‬في‭ ‬الصورة‭ ‬ليست‭ ‬حقيقية،‭ ‬وتبيّن‭ ‬الفرق‭ ‬في‭ ‬شدة‭ ‬الإشعاع‭ ‬الصادر‭ ‬من‭ ‬الإلكترونات‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬الفجوة‭ ‬السوداء،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬إشعاعات‭ ‬الراديو‭ ‬التي‭ ‬سجلتها‭ ‬التلسكوبات‭ ‬لا‭ ‬لون‭ ‬لها‭.‬

وقد‭ ‬اختار‭ ‬الباحثون‭ ‬اللون‭ ‬الأصفر‭ ‬ليبيّن‭ ‬أعلى‭ ‬شدة‭ ‬في‭ ‬الإشعاعات‭ ‬الصادرة،‭ ‬يليه‭ ‬اللون‭ ‬البرتقالي‭. ‬أما‭ ‬اللون‭ ‬الأسود‭ ‬فيعني‭ ‬ضعف‭ ‬أو‭ ‬انعدام‭ ‬الإشعاعات‭ ‬الصادرة‭ ‬من‭ ‬الفجوة‭ ‬السوداء‭. ‬

عند‭ ‬اقتراب‭ ‬المادة‭ ‬من‭ ‬أفق‭ ‬الحدث،‭ ‬فإن‭ ‬الذرات‭ ‬تتحطم،‭ ‬وفي‭ ‬حين‭ ‬تسقط‭ ‬النوى‭ ‬في‭ ‬الفجوة‭ ‬السوداء‭ (‬داخل‭ ‬أفق‭ ‬الحدث‭) ‬لغير‭ ‬رجعة،‭ ‬فإن‭ ‬الإلكترونات‭ ‬تدور‭ ‬بسرعة‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬سرعة‭ ‬الضوء‭ ‬حول‭ ‬الفجوة‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬قوة‭ ‬جاذبيتها‭ ‬ومجالها‭ ‬المغناطيسي‭. ‬

تمثّل‭ ‬الدائرة‭ ‬المظلمة‭ ‬المركزية‭ ‬ظل‭ ‬الفجوة‭ ‬السوداء،‭ ‬أما‭ ‬الحلقة‭ ‬المتوهجة‭ ‬حولها‭ ‬فتبيّن‭ ‬الإلكترونات‭ ‬والأجسام‭ ‬المشحونة‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬حولها‭ ‬بسرعة‭ ‬كبيرة‭ ‬جدًا‭.‬

قدّر‭ ‬الباحثون‭ ‬كتلة‭ ‬الفجوة‭ ‬السوداء‭ ‬بحوالي‭ ‬6.5‭ ‬آلاف‭ ‬مليون‭ ‬كتلة‭ ‬شمس‭ (‬أي‭ ‬13‭ ‬وأمامه‭ ‬39‭ ‬صفرًا‭ ‬كيلوغرام‭). ‬أما‭ ‬قطر‭ ‬أفق‭ ‬الحدث‭ (‬الفجوة‭ ‬السوداء‭) ‬فكان‭ ‬38‭ ‬ملـــــيار‭ (‬ألف‭ ‬مليون‭) ‬كـــــيلومتر،‭ ‬وهي‭ ‬بالتالي‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬مدار‭ ‬كوكب‭ ‬نبتون‭ ‬حول‭ ‬الشمس‭ ‬الذي‭ ‬يستغرق‭ ‬في‭ ‬دورانه‭ ‬200‭ ‬عام‭.‬

‭ ‬ويبدو‭ ‬حجمها‭ ‬لنا،‭ ‬بسبب‭ ‬بُعدها‭ ‬الشاسع،‭ ‬كحجم‭ ‬برتقالة‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬القمر‭. ‬إذا‭ ‬دار‭ ‬حولها‭ ‬كوكب‭ ‬أو‭ ‬نجم،‭ ‬فإن‭ ‬سرعته،‭ ‬وبسبب‭ ‬قوة‭ ‬جاذبيتها‭ ‬الهائلة،‭ ‬تكون‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬سرعة‭ ‬الضوء،‭ ‬ويكمل‭ ‬دورته‭ ‬حولها‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬أسبوع‭.‬

شارك‭ ‬في‭ ‬التجربة‭ ‬التي‭ ‬كلفت‭ ‬حوالي‭ ‬50‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬200‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬بتخصصات‭ ‬الفلك‭ ‬والفيزياء‭ ‬والرياضيات‭ ‬والهندسة‭. ‬

انضمت‭ ‬لتلسكوب‭ ‬أفق‭ ‬الحدث‭ ‬تلسكوبات‭ ‬أخرى،‭ ‬ليصبح‭ ‬عددها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحاضر‭ ‬11‭ ‬تلسكوبًا‭. ‬يعمل‭ ‬الفريق‭ ‬على‭ ‬دراسة‭ ‬وتحليل‭ ‬معلومات‭ ‬الفجوة‭ ‬السوداء‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬مجرة‭ ‬درب‭ ‬التبانة‭. ‬ويتوقع‭ ‬أن‭ ‬يحصل‭ ‬بعض‭ ‬أعضاء‭ ‬الفريق‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬في‭ ‬الفيزياء‭ ‬خلال‭ ‬الأعوام‭ ‬القليلة‭ ‬المقبلة‭ .