حقوق المرأة والبعد الثقافي

حقوق المرأة والبعد الثقافي

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬حصول‭ ‬المرأة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬أنحاء‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬على‭ ‬حقوقها‭ ‬السياسية‭ ‬وغيرها،‭ ‬وتحقيقها‭ ‬عديداً‭ ‬من‭ ‬المكاسب‭ ‬التي‭ ‬حسَّنت‭ ‬من‭ ‬أوضاعها‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬فإن‭ ‬الطريق‭ ‬لايزال‭ ‬طويلاً‭ ‬حتى‭ ‬تتحول‭ ‬هذه‭ ‬الحقوق‭ ‬والمكاسب‭ ‬إلى‭ ‬واقع‭ ‬وممارسة‭ ‬فعلية‭ ‬تتعامل‭ ‬بها‭ ‬المرأة‭ ‬بالتساوي‭ ‬مع‭ ‬الرجل‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الحقوق‭ ‬والواجبات‭ ‬والنظرة‭ ‬الإنسانية‭.‬

فهناك‭ ‬نظرة‭ ‬خاطئة‭ ‬لحقوق‭ ‬المرأة،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬اختزالها‭ ‬في‭ ‬الحقوق‭ ‬السياسية‭ ‬فقط،‭ ‬أي‭ ‬إن‭ ‬البعض‭ ‬يرى‭ ‬أنه‭ ‬بمجرد‭ ‬أن‭ ‬تنال‭ ‬المرأة‭ ‬حق‭ ‬الترشح‭ ‬والانتخاب‭ ‬للبرلمان‭ ‬أو‭ ‬الهيئات‭ ‬والنقابات‭ ‬الشعبية،‭ ‬فذلك‭ ‬يعني‭ ‬أنها‭ ‬نالت‭ ‬حقوقها‭ ‬كاملة‭ ‬وأصبحت‭ ‬بمستوى‭ ‬واحد‭ ‬مع‭ ‬الرجل‭. ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬النظرة‭ ‬قاصرة‭ ‬ولا‭ ‬تعبّر‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭. ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬الانتخاب‭ ‬والترشح‭ ‬عزّزا‭ ‬من‭ ‬دور‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬لكن‭ ‬لو‭ ‬نظرنا‭ ‬للجانب‭ ‬السياسي‭ ‬لوجدنا‭ ‬أن‭ ‬الذكور‭ ‬مازالوا‭ ‬يحصدون‭ ‬الغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬مقاعد‭ ‬البرلمانات،‭ ‬بل‭ ‬وأحياناً‭ ‬لا‭ ‬تنجح‭ ‬حتى‭ ‬امرأة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬الانتخابات،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬الكويتي‭ ‬السابق،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬عدم‭ ‬استقلالية‭ ‬الغالبية‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرار‭ ‬تحديد‭ ‬الإدلاء‭ ‬بأصواتهن‭. ‬

إن‭ ‬ما‭ ‬حصلت‭ ‬عليه‭ ‬المرأة‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬لم‭ ‬ينعكس‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬فالمسألة‭ ‬أشبه‭ ‬بالشكل‭ ‬والمضمون،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬سنّته‭ ‬القوانين‭ ‬يعطي‭ ‬صورة‭ ‬شكلية‭ ‬عن‭ ‬وضع‭ ‬المرأة‭ ‬وواقعها،‭ ‬لكنه‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مضمون‭ ‬فعلي،‭ ‬وهذا‭ ‬المضمون‭ ‬يتمثل‭ ‬بالنظرة‭ ‬للمرأة‭ ‬ودورها‭ ‬الحقيقي‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬بشتى‭ ‬المجالات‭ ‬واحترام‭ ‬كيانها‭ ‬وخياراتها‭ ‬واستقلاليتها‭ ‬وعدم‭ ‬تهميشها‭ ‬وحصرها‭ ‬في‭ ‬وظائف‭ ‬وأطر‭ ‬معينة‭. ‬فحقوق‭ ‬المرأة‭ ‬إذا‭ ‬أردنا‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬مضمون‭ ‬فعلي،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬يتطلب‭ ‬إحداث‭ ‬تغيير‭ ‬ثقافي‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬الثقافة‭ ‬أو‭ ‬الثقافات‭ ‬الدارجة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬العربي،‭ ‬بحيث‭ ‬يتحول‭ ‬احترام‭ ‬المرأة‭ ‬وحقوقها‭ ‬إلى‭ ‬قيم‭ ‬ثقافية‭ ‬تنشأ‭ ‬عليها‭ ‬الأجيال‭ ‬وتتحول‭ ‬إلى‭ ‬ممارسات‭ ‬فعلية‭ ‬وتسن‭ ‬القوانين‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تميز‭ ‬بين‭ ‬المرأة‭ ‬والرجل‭ ‬في‭ ‬الحقوق‭ ‬والواجبات‭ ‬وترفع‭ ‬الغبن‭ ‬عن‭ ‬المرأة‭ ‬أينما‭ ‬وجد‭. ‬

ويستدعي‭ ‬ذلك‭ ‬العمل‭ ‬الدؤوب‭ ‬من‭ ‬المنظمات‭ ‬والمجتمعات‭ ‬التي‭ ‬نادت‭ ‬بحقوق‭ ‬المرأة،‭ ‬فدورها‭ ‬لا‭ ‬يقف‭ ‬فقط‭ ‬عند‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الحقوق،‭ ‬بل‭ ‬يمثّل‭ ‬نقطة‭ ‬البداية‭. ‬وعملية‭ ‬التوعية‭ ‬بهذه‭ ‬الحقوق‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬تستمر‭ ‬حتى‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬قيم‭ ‬ثقافية‭ ‬متأصلة‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬السائدة‭ ‬بالمجتمع،‭ ‬وفي‭ ‬حال‭ ‬التوقف‭ ‬عند‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الحقوق‭ ‬فقط،‭ ‬فسيطيل‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أمد‭ ‬التغيير‭ ‬الثقافي‭ ‬وسيبقيها‭ ‬شكلاً‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مضمون‭ ‬لأمد‭ ‬طويل‭ ‬