«موضة» سريعة

«موضة» سريعة

  ‬ظهر‭ ‬مفهوم‭ ‬الموضة‭ ‬السريعة‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬التسعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬كاستراتيجية‭ ‬أعمال‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تلبية‭ ‬طلبات‭ ‬الشباب‭ - ‬ولاسيما‭ ‬الفتيات‭ ‬‭- ‬لأزياء‭ ‬متماشية‭ ‬مع‭ ‬موضة‭ ‬الماركات‭ ‬الفاخرة‭ ‬بسرعة‭ ‬وبأسعار‭ ‬معقولة‭.‬

ونتيجة‭ ‬لرغبة‭ ‬المستهلكين‭ ‬في‭ ‬التغيير‭ ‬والتجديد‭ ‬بوتيرة‭ ‬متسارعة‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الموسم‭ ‬الواحد،‭ ‬فقد‭ ‬عددت‭ ‬بعض‭ ‬محالّ‭ ‬الملابس‭ ‬الشهيرة‭ ‬مواسم‭ ‬الموضة،‭ ‬لتصل‭ ‬إلى‭ ‬عشرات‭ ‬المواسم‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬الواحدة،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬محال‭ ‬زارا‭ ‬التي‭ ‬تنتج‭ ‬مجموعة‭ ‬جديدة‭ ‬كل‭ ‬أسبوعين‭ ‬تضعها‭ ‬على‭ ‬رفوف‭ ‬آلاف‭ ‬المحال‭ ‬التي‭ ‬تمتلكها‭ ‬في‭ ‬عشرات‭ ‬البلدان‭ ‬حول‭ ‬العالم‭.‬

ساعد‭ ‬التجديد‭ ‬التكنولوجي،‭ ‬بدوره،‭ ‬على‭ ‬تسهيل‭ ‬مهمة‭ ‬التصنيع‭ ‬والتوزيع،‭ ‬وأوجد‭ ‬أسواقًا‭ ‬جديدة‭ ‬ومستهلكين‭ ‬يتطلعون‭ ‬للشراء‭ ‬عبر‭ ‬الإنترنت،‭ ‬مما‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬انتشار‭ ‬هذه‭ ‬الموضة‭ ‬السريعة‭ ‬وتعاظُم‭ ‬شعبيتها‭. 

تتميز‭ ‬الموضة‭ ‬السريعة‭ ‬بعنصرين‭ ‬أساسيين؛‭ ‬هما‭ ‬تكاليف‭ ‬تصنيع‭ ‬منخفضة،‭ ‬وأسعار‭ ‬منتجات‭ ‬متدنية‭ ‬نسبيًّا‭ ‬للمستهلك‭. ‬وتتضمن‭ ‬ملابس‭ ‬وإكسسوارات‭ ‬وأحذية‭ ‬وبضائع‭ ‬جلدية،‭ ‬ومجوهرات‭ ‬ومنتجات‭ ‬تجميل‭ ‬تصنع‭ ‬جميعها‭ ‬على‭ ‬عجالة‭ ‬بتقليد‭ ‬منتجات‭ ‬بيوت‭ ‬الأزياء‭ ‬الشهيرة‭. ‬وعادة‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬الإنتاج‭ ‬بكميات‭ ‬كبيرة‭ ‬وبأسعار‭ ‬تسمح‭ ‬لأعداد‭ ‬غفيرة‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬بالشراء‭ ‬بصورة‭ ‬منتظمة‭. ‬

ولتحقيق‭ ‬النجاح‭ ‬بتوفير‭ ‬المطلوب‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب‭ ‬وبالسعر‭ ‬المناسب،‭ ‬اتجه‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬اللاعبين‭ ‬الكبار‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬تصنيع‭ ‬الملابس‭ ‬وسواها‭ ‬إلى‭ ‬بلدان‭ ‬تنخفض‭ ‬فيها‭ ‬أسعار‭ ‬المواد‭ ‬الخام‭ ‬والطاقة‭ ‬والمواصلات‭ ‬وأجور‭ ‬العاملين،‭ ‬ليتمكنوا‭ ‬من‭ ‬تلبية‭ ‬حاجة‭ ‬السوق‭ ‬بأقل‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الهدر؛‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬أو‭ ‬الموارد‭.‬

وهكذا‭ ‬تصدرت‭ ‬بلدان‭ ‬كالصين‭ ‬وبنغلادش‭ ‬وفيتنام‭ ‬والهند‭ ‬وتركيا‭ ‬وإندونيسيا‭ ‬وكمبوديا‭ ‬قائمة‭ ‬مصدّري‭ ‬الملابس‭. ‬

وباتت‭ ‬محال‭ ‬H&M،‭ ‬كمثال،‭ ‬تصنع‭ ‬منتجاتها‭ ‬باثني‭ ‬عشر‭ ‬مصنعًا‭ ‬في‭ ‬موطنها‭ ‬الســـويد‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬مئات‭ ‬المصانع‭ ‬بالصين‭ ‬وبنغلادش‭ ‬وتركيا‭.‬

 

استهلاك‭ ‬مفرط

‭ ‬حققت‭ ‬الأزياء‭ ‬السريعة‭ ‬ما‭ ‬عُرف‭ ‬بديمقراطية‭ ‬الموضة،‭ ‬وأصبح‭ ‬من‭ ‬المعتاد‭ ‬أن‭ ‬يفرط‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬الشراء‭ ‬والاستهلاك،‭ ‬لدرجة‭ ‬ألا‭ ‬يتكرر‭ ‬لبس‭ ‬القطعة‭ ‬الواحدة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة،‭ ‬ولاسيما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬هواة‭ ‬التجديد‭ ‬والتصوير،‭ ‬ومن‭ ‬يعتبرون‭ ‬أنفسهم‭ ‬نجومًا‭ ‬مضطرين‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬الظهور‭ ‬بملابس‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬ظهروا‭ ‬بها‭. ‬وتطور‭ ‬الأمر‭ ‬لدى‭ ‬فئة‭ ‬من‭ ‬المستهلكين‭ ‬ليتحولوا‭ ‬إلى‭ ‬مدمني‭ ‬شراء‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬حاجة‭ ‬حقيقية‭. ‬ومن‭ ‬الخزائن‭ ‬الكلاسيكية‭ ‬المحدودة،‭ ‬باتت‭ ‬الخزائن‭ ‬غرفًا‭ ‬كاملة‭ ‬تستوعب‭ ‬خزانة‭ ‬الشخص‭ ‬الواحد‭ ‬من‭ ‬القطع‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬لفتح‭ ‬متجر‭. ‬وظهرت‭ ‬مشكلات‭ ‬فوضى‭ ‬منزلية‭ ‬وتفكك‭ ‬أسري،‭ ‬المتسبب‭ ‬الأول‭ ‬فيهما‭ ‬إدمان‭ ‬شراء‭ ‬الملابس‭ ‬بلا‭ ‬توقف،‭ ‬لا‭ ‬لشيء‭ ‬سوى‭ ‬التخفيض‭ ‬الكبير‭ ‬المعروض‭ ‬عليها،‭ ‬بغضّ‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬مستوى‭ ‬جودتها‭ ‬ومكوناتها‭ ‬الصناعية‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تؤهلها‭ ‬للاستمرار‭ ‬بعد‭ ‬غسلها‭ ‬بضع‭ ‬مرات‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬موسم‭. 

وبقدر‭ ‬ما‭ ‬تُسعد‭ ‬الموضة‭ ‬السريعة‭ ‬ملايين‭ ‬المستهلكين،‭ ‬وبقدر‭ ‬ما‭ ‬توفّر‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬عمل‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬البلدان‭ ‬الغنية‭ ‬والفقيرة،‭ ‬فإنها‭ ‬تترك‭ ‬آثارها‭ ‬الوخيمة‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬سكان‭ ‬الأرض‭ ‬وعلى‭ ‬البيئة‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬موارد‭.‬

فالمنتجات‭ ‬القطنية‭ ‬وتلك‭ ‬المصنوعة‭ ‬من‭ ‬البوليستر،‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬أكبر‭ ‬نسبة‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬المنسوجات،‭ ‬تستنزف‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬الموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬من‭ ‬مياه‭ ‬وطاقة؛‭ ‬وتتطلب‭ ‬عمليات‭ ‬معالجة‭ ‬كيميائية‭ ‬ملوثة‭ ‬للمياه‭ ‬والهواء‭ ‬ومضرة‭ ‬لسلامة‭ ‬الأرض‭ ‬والكائنات‭ ‬الحية‭. ‬

ومما‭ ‬تشير‭ ‬إليه‭ ‬الأرقام‭ ‬أن‭ ‬إنتاج‭ ‬قميص‭ ‬قطني‭ ‬واحد‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬3‭ ‬آلاف‭ ‬لتر‭ ‬من‭ ‬الماء،‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬يعادل‭ ‬ما‭ ‬يشربه‭ ‬الفرد‭ ‬في‭ ‬سنوات‭. ‬ويحتاج‭ ‬سروال‭ ‬الجينز‭ ‬القطني‭ ‬إلى‭ ‬10‭ ‬آلاف‭ ‬لتر‭ ‬ماء؛‭ ‬بينما‭ ‬يتطلب‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬كيلوجرام‭ ‬من‭ ‬الصوف،‭ ‬استهلاك‭ ‬170‭ ‬ألف‭ ‬لتر‭ ‬ماء‭. ‬ويستهلك‭ ‬التصنيع‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬عمومًا‭ ‬حوالي‭ ‬20‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬الاستهلاك‭ ‬الصناعي‭ ‬من‭ ‬الماء‭ ‬عالميًّا‭. ‬وتشير‭ ‬التوقعات‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬بنسبة‭ ‬50‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬مع‭ ‬قدوم‭ ‬عام‭ ‬2030‭. ‬ويزداد‭ ‬الوضع‭ ‬سوءًا‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬معظم‭ ‬هذا‭ ‬الاستهلاك‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬تعاني‭ ‬ندرة‭ ‬المياه‭ ‬كالهند‭ ‬والصين‭. 

من‭ ‬ناحـــية‭ ‬أخرى،‭ ‬يعد‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬الـــثاني‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التلوث‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬فالحاجة‭ ‬الكبيــــرة‭ ‬إلــى‭ ‬القطـــن‭ ‬تدفع‭ ‬المزارعيــــن‭ ‬دفـــعًا‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬مبيدات‭ ‬كيمــاوية‭ ‬غير‭ ‬آمنة‭. ‬كما‭ ‬يتسبب‭ ‬الكيلوجرام‭ ‬الواحد‭ ‬من‭ ‬الأقمــشة‭ ‬في‭ ‬انبعاث‭ ‬23‭ ‬كيلوجـــرامًا‭ ‬من‭ ‬الغازات‭ ‬الدفيـــــئة‭ ‬في‭ ‬المتوسط‭. ‬وتطلق‭ ‬المنسوجات‭ ‬المصنّعة‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬الغسيل‭ ‬بعض‭ ‬المكــــونات‭ ‬البلاستيكية‭ ‬التي‭ ‬تصعب‭ ‬معالجتها،‭ ‬فتأخذ‭ ‬طريقها‭ ‬نحو‭ ‬المحيطات‭.‬

‭ ‬

أسواق‭ ‬الموتى‭ ‬البيض

‭ ‬تستغل‭ ‬بعض‭ ‬الجهات‭ ‬المصنعة‭ ‬حاجة‭ ‬الفقراء‭ ‬من‭ ‬الكبار‭ ‬والصغار‭ ‬إلى‭ ‬العمل،‭ ‬فيتم‭ ‬تشغيل‭ ‬أعداد‭ ‬كبيرة‭ ‬بأقل‭ ‬من‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬للأجور،‭ ‬مثلما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬وباكستان‭ ‬والفلبين‭. ‬ويعمل‭ ‬هؤلاء‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬تحت‭ ‬ضغوط‭ ‬شديدة‭ ‬تفرضها‭ ‬قوانين‭ ‬حرب‭ ‬المنافسة؛‭ ‬وقد‭ ‬يتطلب‭ ‬العمل‭ ‬أحيانًا‭ ‬انتقال‭ ‬العاملين‭ ‬إلى‭ ‬مدن‭ ‬أخرى‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬عائلاتهم،‭ ‬كما‭ ‬يُجبرون‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬مواد‭ ‬كيماوية‭ ‬خطيرة‭. ‬ونتيجة‭ ‬للعمل‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬متهالكة‭ ‬وغير‭ ‬ملائمة،‭ ‬ولا‭ ‬تراعى‭ ‬فيها‭ ‬وسائل‭ ‬الأمان‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الأحيان،‭ ‬تحصد‭ ‬الحوادث‭ ‬والكوارث‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬أرواح‭ ‬العاملين‭.‬

ومن‭ ‬أشهر‭ ‬الحكايات‭ ‬المؤلمة‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬2013‭ ‬عندما‭ ‬انهار‭ ‬مبنى‭ ‬رنا‭ ‬بلازا‭ ‬بعاصمة‭ ‬بنغلادش،‭ ‬الذي‭ ‬يُصنع‭ ‬فيه‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الماركات‭ ‬العالمية‭ - ‬معظمها‭ ‬لألمانيا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ - ‬مخلّفًا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ألف‭ ‬ومئة‭ ‬قتيل،‭ ‬وما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬ألفين‭ ‬من‭ ‬الجرحى،‭ ‬فقد‭ ‬بعضهم‭ ‬أجزاء‭ ‬من‭ ‬أجسامهم،‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬عديد‭ ‬منهم‭ ‬يعانون‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬سنوات‭. ‬

ونظرًا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التبرع‭ ‬بالملابس‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬المتقدمة‭ ‬لا‭ ‬يمثّل‭ ‬سوى‭ ‬نسبة‭ ‬بسيطة،‭ ‬بينما‭ ‬تباع‭ ‬نسبة‭ ‬أكبر‭ ‬للجمعيات‭ ‬الخيرية‭ ‬بأسعار‭ ‬رمزية،‭ ‬وتصدر‭ ‬النسبة‭ ‬الأكبر‭ ‬إلى‭ ‬بلدان‭ ‬أخرى‭ ‬ذات‭ ‬دخول‭ ‬منخفضة‭ ‬لبيعها‭ ‬في‭ ‬أسواق‭ ‬الملابس‭ ‬المستعملة‭ ‬المتنامية؛‭ ‬تنتشر‭ ‬هذه‭ ‬الأسواق‭ ‬المصدرة‭ ‬من‭ ‬أوربا‭ ‬وأمريكا‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬عديدة‭. ‬وتسمى‭ ‬بعض‭ ‬الأسواق‭ ‬في‭ ‬تنزانيا‭ ‬وزيمبابوي‭ ‬بأسواق‭ ‬االموتى‭ ‬البيضب‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬بضاعة‭ ‬هذه‭ ‬الأسواق‭ ‬لا‭ ‬تلائم‭ ‬ثقافة‭ ‬الأفارقة‭ ‬ولا‭ ‬مقاساتهم،‭ ‬يحقق‭ ‬الوسطاء‭ ‬أرباحًا‭ ‬كبيرة‭. ‬ففي‭ ‬بلدان‭ ‬مثل‭ ‬بريطانيا‭ ‬وأستراليا،‭ ‬وكندا‭ ‬وألمانيا‭ ‬وأمريكا،‭ ‬يوجد‭ ‬قدر‭ ‬ضخم‭ ‬من‭ ‬قطع‭ ‬الملابس‭ ‬المستخدمة‭ ‬تبلغ‭ ‬قيمتها‭ ‬مليارات‭ ‬الدولارات‭. ‬فتصدر‭ ‬بريطانيا‭ ‬وحدها،‭ ‬مثلاً،‭ ‬مئات‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬كيلوجرامات‭ ‬الملابس‭ ‬المستخدمة‭ ‬لبلدان‭ ‬أخرى‭. ‬وبينما‭ ‬يبدو‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬حفاظًا‭ ‬على‭ ‬البيئة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الأفضل‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬مستدامة‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬ارتداء‭ ‬الملابس‭ ‬لأطول‭ ‬فترة‭ ‬ممكنة‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬صالحة،‭ ‬أو‭ ‬إعادة‭ ‬استخدامها‭ ‬محليًّا‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يتسبب‭ ‬نقلها‭ ‬في‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬انبعاثات‭ ‬الكربون‭. ‬

 

ردود‭ ‬أفعال‭ ‬اجتماعية

‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬ردود‭ ‬الأفعال‭ ‬نحو‭ ‬الآثار‭ ‬السلبية‭ ‬المذكورة‭ ‬لقطاع‭ ‬الموضة‭ ‬السريعة،‭ ‬وتزايد‭ ‬معدلات‭ ‬المبيعات‭ ‬عالميًّا‭ ‬لنحو‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬تريليوني‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬2025،‭ ‬واستمرار‭ ‬تراجع‭ ‬استخدام‭ ‬الملابس‭ ‬القابعة‭ ‬في‭ ‬الخزائن‭ ‬بنسبة‭ ‬كبيرة،‭ ‬وما‭ ‬يتبع‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬زيادة‭ ‬في‭ ‬انبعاثات‭ ‬الكربون‭ ‬التي‭ ‬ستبلغ‭ ‬2.8‭ ‬مليار‭ ‬طن‭ ‬في‭ ‬2030؛‭ ‬ومخلفات‭ ‬النسيج‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬148‭ ‬مليون‭ ‬طن‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬نفسه‭ (‬2030‭)‬،‭ ‬ظهرت‭ ‬حركات‭ ‬اجتماعية‭ ‬يقودها‭ ‬مستهلكون‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬المطالبة‭ ‬بسلوكيات‭ ‬أخلاقية‭ ‬وشفافية‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬مراحل‭ ‬تصنيع‭ ‬وبيع‭ ‬منتجات‭ ‬الموضة‭ ‬السريعة‭.‬

وتعددت‭ ‬المبادرات‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬فمنها‭ ‬ما‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬الإنتاج،‭ ‬ويستهدف‭ ‬تغيير‭ ‬الممارسات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بناء‭ ‬القدرة‭ ‬المحلية‭ ‬أو‭ ‬تمويل‭ ‬البرامج‭ ‬المتعلقة‭ ‬بتحسين‭ ‬أحوال‭ ‬العاملين،‭ ‬وتحقيق‭ ‬الأمان‭ ‬لهم‭ ‬عبر‭ ‬محاسبية‭ ‬حازمة‭. ‬

وتخصصت‭ ‬بعض‭ ‬المبادرات‭ ‬في‭ ‬إصدار‭ ‬تقارير‭ ‬تحلل‭ ‬المواقف‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭. ‬ومبادرات‭ ‬أخرى‭ ‬قامت‭ ‬على‭ ‬الاستهلاك،‭ ‬استهدفت‭ ‬تغيير‭ ‬سلوكيات‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقديم‭ ‬معلومات‭ ‬وتوعية‭ ‬بآثار‭ ‬وتبعات‭ ‬الموضة‭ ‬السريعة‭ ‬التي‭ ‬تشجع‭ ‬ثقافة‭ ‬الاستهلاك‭ ‬والرمي‭.‬

وتخصـــــصت‭ ‬مبادرات‭ ‬مخــــــتلــــفة‭ ‬في‭ ‬قيادة‭ ‬نماذج‭ ‬الأعمال‭ ‬نحو‭ ‬تبنّي‭ ‬سياسات‭ ‬واستراتيجيات‭ ‬خضراء‭ ‬صديقة‭ ‬للبيئة‭. ‬كما‭ ‬انطلقت‭ ‬مبادرات‭ ‬ألمانية‭ - ‬على‭ ‬أثر‭ ‬حادثة‭ ‬رنا‭ ‬بلازا‭ - ‬لتعويض‭ ‬أهالي‭ ‬المتوفين‭ ‬والمصابين،‭ ‬والتبرع‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحسين‭ ‬الظروف‭ ‬البيئية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬في‭ ‬سلاسل‭ ‬إمدادات‭ ‬قطاع‭ ‬الملابس‭ ‬العالمية‭. ‬

وتحمّل‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬بيوت‭ ‬الأزياء،‭ ‬أخيرًا،‭ ‬المسؤولــية‭ ‬بوضــــع‭ ‬استراتيجـــيات‭ ‬وإصدار‭ ‬تقارير‭ ‬شفافية‭ ‬تتعلــــق‭ ‬بالمواد‭ ‬الـخام‭ ‬وظروف‭ ‬العمل‭ ‬والأجور‭ ‬والــمياه‭ ‬المستخدمة،‭ ‬بهدف‭ ‬تطبيق‭ ‬وتشجــيـــع‭ ‬الممارسات‭ ‬المستدامة،‭ ‬مع‭ ‬وعود‭ ‬باستخــدام‭ ‬أقــطـــان‭ ‬عضــــوية‭ ‬لمنتجات‭ ‬قابلــة‭ ‬للتـــدوير‭ ‬مئة‭ ‬فــــي‭ ‬المئــــة‭ ‬مــــع‭ ‬حلــــول‭ ‬2040‭ >‬

بنغلادش‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تصدرت‭ ‬قائمة‭ ‬مصدري‭ ‬الملابس