لماذا يكذب القادة؟

لماذا يكذب القادة؟

الكاتب والأكاديمي الأمريكي جون جي ميرشيمر أحد أبرز  الباحثين في السياسة الدولية، ولد عام 1947 ويعمل أستاذاً للعلوم السياسية بجامعة شيكاغو الأمريكية منذ عام 1982، أصدر ميرشيمر عديداً من الكتب، منها: «مأساة السياسة في الدول العظمى» و«اللوبي الإسرائيلي وسياسة أمريكا الخارجية» الذي أُدرج في قائمة مجلة نيويورك تايمز ضمن أفضل المبيعات وتُرجم إلى 20 لغةً.

ضمن‭ ‬سلسلة‭ ‬عالم‭ ‬المعرفة‭ ‬التي‭ ‬يصدرها‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭ ‬للثقافة‭ ‬والفنون‭ ‬والآداب‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬صدرت‭ ‬الترجمة‭ ‬العربية‭ ‬لكتــــاب‭ ‬ميرشــيمر‭ ‬الأخير‭ ‬‮«‬لماذا‭ ‬يكذب‭ ‬القادة؟‭ ‬حقيقة‭ ‬الكذب‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الدولية‮»‬‭ ‬وقد‭ ‬تصدى‭ ‬لترجمته‭ ‬د‭. ‬غانم‭ ‬النجار‭ ‬أستاذ‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬الكويت،‭ ‬رئيس‭ ‬الصندوق‭ ‬العربي‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬بيروت،‭ ‬مؤسس‭ ‬ورئيس‭ ‬مركز‭ ‬السلام‭ ‬للدراسات‭ ‬التنموية‭ ‬والاستراتيجية‭ ‬ومقره‭ ‬الكويت‭.‬

يبدأ‭ ‬الكتاب‭ ‬بمقدمة‭ ‬لمترجمه‭ ‬يشير‭ ‬فيها‭ ‬د‭. ‬النجار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الخداع‭ ‬يعد‭ ‬الحاوية‭ ‬الرئيسة‭ ‬للكذب،‭ ‬وهو‭ ‬سلوك‭ ‬بشري‭ ‬يستهدف‭ ‬طمس‭ ‬الحقيقة‭ ‬عن‭ ‬بشر‭ ‬آخرين،‭ ‬وهو‭ ‬سلوك‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬هدف،‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬الهدف‭ - ‬أحياناً‭ - ‬نبيلاً‭ ‬كما‭ ‬يرى‭ ‬مؤلف‭ ‬‮«‬كيف‭ ‬يكذب‭ ‬القادة؟‮»‬‭.‬

ويحدد‭ ‬د‭. ‬النجار‭ ‬العوامل‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬تحمسه‭ ‬لترجمة‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬لماذا‭ ‬يكذب‭ ‬القادة؟‮»‬،‭ ‬ويجملها‭ ‬في‭ ‬ندرة‭ ‬الموضوع‭ ‬وأهميته‭ ‬والإضافة‭ ‬إلى‭ ‬المكتبة‭ ‬العربية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬التشويق‭ ‬الذي‭ ‬يثيره‭ ‬موضوع‭ ‬الكذب،‭ ‬والأهم‭ ‬هو‭ ‬محاولة‭ ‬فهم‭ ‬دور‭ ‬الفرد‭ ‬عبر‭ ‬أدوات‭ ‬سلوكية‭ ‬عادية‭ ‬كالكذب‭ ‬في‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬الأحداث‭ ‬العامة‭ ‬والدولية‭.‬

 

الكذب‭ ‬الاستراتيجي

يشير‭ ‬المؤلف‭  ‬جون‭ ‬جي‭ ‬ميرشيمر‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬الكتاب‭ ‬إلى‭ ‬نوعين‭ ‬من‭ ‬الكذب‭ ‬لدى‭ ‬القادة‭: ‬الأول‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬‮«‬الكذبة‭ ‬الاستراتيجية‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬عادة‭ ‬يستخدمها‭ ‬القادة‭ ‬ذريعة‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬مصلحة‭ ‬بلدانهم‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬التقلبات‭ ‬السياسية‭ ‬مع‭ ‬الغير،‭ ‬والنوع‭ ‬الثاني‭ ‬ما‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬‮«‬أكاذيب‭ ‬شخصية‭ ‬أنانية‮»‬‭ ‬ولا‭ ‬علاقة‭ ‬لها‭ ‬بمصلحة‭ ‬الدولة،‭ ‬ولكنها‭ ‬موجهة‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬ولحماية‭ ‬مصالحهم‭ ‬الشخصية‭ ‬أو‭ ‬مصالح‭ ‬أصدقائهم‭.‬

ويلفت‭ ‬ميرشيمر‭ ‬نظر‭ ‬القارئ‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬كتابه‭ ‬يتناول‭ ‬النوع‭ ‬الأول‭ ‬‮«‬الكذب‭ ‬الاستراتيجي‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يطلقه‭ ‬القادة‭ ‬لأجل‭ ‬المصلحة‭ ‬العامة،‭ ‬مشيراً‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬عندما‭ ‬يستخدم‭ ‬عبارة‭ ‬‮«‬الكذب‭ ‬الدولي‮»‬‭ ‬فإنه‭ ‬يعني‭ ‬الكذب‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬وليس‭ ‬الكذب‭ ‬لمصالح‭ ‬شخصية‭.‬

ومن‭ ‬النتائج‭ ‬المثيرة‭ ‬للاهتمام،‭ ‬التي‭ ‬يوردها‭ ‬ميرشيمر‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬الكتاب،‭ ‬أن‭ ‬قادة‭ ‬الدول‭ ‬أكثر‭ ‬ميلاً‭ ‬للكذب‭ ‬على‭ ‬شعوبهم‭ ‬من‭ ‬الكذب‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى،‭ ‬والسبب‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تداعيات‭ ‬الكذب‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تلحق‭ ‬الضرر‭ ‬بمصالح‭ ‬الدولة‭ ‬وتهدد‭ ‬مصداقيتها‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الدولية‭.‬

 

ما‭ ‬الكذب؟

يبدأ‭ ‬ميرشيمر‭ ‬كتابه‭ ‬بفصل‭ ‬يحمل‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬ما‭ ‬الكذب؟‮»‬،‭ ‬ويشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الكذب‭ ‬والتلفيق‭ ‬وإخفاء‭ ‬المعلومات‭ ‬هي‭ ‬كلها‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬الخديعة‭ ‬وجميعها‭ ‬مناقضة‭ ‬لقول‭ ‬الصدق،‭ ‬ويضرب‭ ‬المؤلف‭ ‬مثلاً‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬بإخفاء‭ ‬حكومة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأسبق‭ ‬بوش‭ ‬معلومة‭ ‬عن‭ ‬الشعب‭ ‬الأمريكي‭ ‬قبل‭ ‬بدء‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬عام‭ ‬2003‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬شخصيتين‭ ‬مهمتين‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬القاعدة‭ ‬هما‭ ‬خالد‭ ‬شيخ‭ ‬محمد‭ ‬وأبو‭ ‬زبيدة‭ ‬أفادا‭ ‬المحققين‭ ‬بأن‭ ‬أسامة‭ ‬بن‭ ‬لادن‭ ‬قد‭ ‬فكر‭ ‬في‭ ‬عقد‭ ‬تحالف‭ ‬مع‭ ‬صدام‭ ‬حسين،‭ ‬لكنه‭ ‬عدل‭ ‬عن‭ ‬ذلك،‭ ‬وتم‭ ‬إخفاء‭ ‬المعلومات،‭ ‬ولو‭ ‬تم‭ ‬كشفها‭ ‬لقوضت‭ ‬مزاعم‭ ‬تعاون‭ ‬صدام‭ ‬مع‭ ‬بن‭ ‬لادن،‭ ‬التي‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬حصول‭ ‬حكومة‭ ‬بوش‭ ‬على‭ ‬الدعم‭ ‬الشعبي‭ ‬والنيابي‭ ‬للحرب‭ ‬على‭ ‬العراق‭.‬

 

أكاذيب‭ ‬دولية

في‭ ‬فصل‭ ‬آخر‭ ‬يحمل‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬قائمة‭ ‬الأكاذيب‭ ‬الدولية‮»‬،‭ ‬يشير‭ ‬ميرشيمر‭ ‬إلى‭ ‬قائمة‭ ‬تضم‭ ‬سبعة‭ ‬أنواع‭ ‬من‭ ‬الأكاذيب‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يختلقها‭ ‬القادة‭ ‬ولكل‭ ‬منها‭ ‬غرض‭ ‬محدد،‭  ‬تبدأ‭ ‬القائمة‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬الكذب‭ ‬بين‭ ‬الدول‮»‬‭ ‬بهدف‭ ‬إحداث‭ ‬تفوق‭ ‬استراتيجي‭ ‬أو‭ ‬منع‭ ‬تحسين‭ ‬وضع‭ ‬دولة‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الدولة‭ ‬الكاذبة‭.‬

وهناك‭ ‬الأكاذيب‭ ‬التي‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬إثارة‭ ‬الذعر‮»‬‭ ‬التي‭ ‬يطلقها‭ ‬قائد‭ ‬لشعبه‭ ‬بخصوص‭ ‬تهديد‭ ‬خارجي،‭ ‬بهدف‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الدعم‭ ‬الشعبي،‭ ‬وهناك‭ ‬الأكاذيب‭ ‬التي‭ ‬يسميها‭ ‬المؤلف‭ ‬‮«‬التغطيات‭ ‬الاستراتيجية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬إخفاء‭ ‬السياسات‭ ‬الفاشلة،‭ ‬بينما‭ ‬أكاذيب‭ ‬‮«‬صناعة‭ ‬الأساطير‭ ‬القومية‮»‬‭ ‬يطلقها‭ ‬القادة‭ ‬بهدف‭ ‬إيجاد‭ ‬حس‭ ‬قوي‭ ‬بالهوية‭ ‬الجماعية‭ ‬بين‭ ‬المواطنين،‭ ‬كما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬تشجيع‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬القتال‭ ‬في‭ ‬الحروب‭.‬

‭ ‬وهناك‭ ‬‮«‬الأكاذيب‭ ‬الليبرالية‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬يكون‭ ‬غرضها‭ ‬التغطية‭ ‬على‭ ‬سلوك‭ ‬يتناقض‭ ‬مع‭ ‬منظومة‭ ‬المبادئ‭ ‬المتعارف‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬بينما‭ ‬يطلق‭ ‬القادة‭ ‬أكاذيب‭ ‬‮«‬الإمبريالية‭ ‬الاجتماعية‮»‬‭  ‬ضد‭ ‬دولة‭ ‬أخرى‭ ‬بغرض‭ ‬حماية‭ ‬المصالح‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬لدولهم،‭ ‬ويلجأ‭ ‬القادة‭ ‬إلى‭ ‬أكاذيب‭ ‬‮«‬التغطيات‭ ‬الشنيعة‮»‬‭ ‬لحماية‭ ‬أنفسهم‭ ‬أو‭ ‬أصدقائهم‭ ‬من‭ ‬عقاب‭ ‬مستحق‭ ‬بسبب‭ ‬سياستهم‭ ‬الفاشلة،‭ ‬ويشير‭ ‬ميرشيمر‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬استبعد‭ ‬نوعين‭ ‬من‭ ‬القائمة‭ ‬وهما‭ ‬‮«‬التغطيات‭ ‬الشنيعة‮»‬‭ ‬و«الإمبريالية‭ ‬الاجتماعية‮»‬‭ ‬لأنهما‭ ‬بمنزلة‭ ‬‮«‬أكاذيب‭ ‬أنانية‮»‬‭ ‬لا‭ ‬قيمة‭ ‬استراتيجية‭ ‬لها‭.‬

 

الكذب‭ ‬بين‭ ‬الدول

يتناول‭ ‬ميرشيمر‭ ‬في‭ ‬فصل‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬الكذب‭ ‬بين‭ ‬الدول‮»‬،‭ ‬فالدول‭ ‬تكذب‭ ‬على‭ ‬بعضها‭ ‬لاعتقادها‭ ‬أن‭ ‬الكذب‭ ‬يفيد‭ ‬مصلحتها‭ ‬الوطنية،‭ ‬وفي‭ ‬معظم‭ ‬الأحيان‭ ‬تقوم‭ ‬الدول‭ ‬بالإخفاء‭ ‬أو‭ ‬الكتمان‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬الكذب‭ ‬الصريح،‭  ‬ويؤكد‭ ‬ميرشيمر‭ ‬أن‭ ‬القادة‭ ‬يكذبون‭ ‬على‭ ‬الجمهور‭ ‬الأجنبي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬كسب‭ ‬تفوق‭ ‬استراتيجي‭ ‬عليه،‭ ‬حيث‭ ‬تعيش‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬فوضوي‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬يحميها‭ ‬من‭ ‬الأخطار،‭ ‬ولا‭ ‬سبيل‭ ‬أمامها‭ ‬إلا‭ ‬توفير‭ ‬الحماية‭ ‬الذاتية‭ ‬التي‭ ‬يوفرها‭ ‬الكذب‭ ‬أحياناً‭.‬

ويستعين‭ ‬ميرشيمر‭ ‬بمقولة‭ ‬آرثر‭ ‬سلفستر‭ ‬مساعد‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬في‭ ‬حكومة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬جون‭ ‬كينيدي‭: ‬‮«‬إن‭ ‬حق‭ ‬الدولة‭ ‬الأصيل‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تكذب‭ ‬عندما‭ ‬تواجه‭ ‬أزمة‭ ‬نووية‭ ‬هو‭ ‬أمر‭ ‬أساس‮»‬،‭ ‬ويضرب‭ ‬ميرشيمر‭ ‬عدة‭ ‬أمثلة‭ ‬للكذب‭ ‬بين‭ ‬الدول،‭ ‬فهتلر‭ ‬كذب‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬1933‭ ‬و1938‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬الأوربية‭ ‬بشأن‭ ‬أنه‭ ‬يريد‭ ‬السلام‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬يخطط‭ ‬للحرب،‭ ‬وإسرائيل‭ ‬كذبت‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بشأن‭ ‬برنامجها‭ ‬النووي،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬فضيحة‭ ‬لافون‭ ‬التي‭ ‬حاولت‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬تخريب‭ ‬علاقة‭ ‬مصر‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وبريطانيا‭ ‬عام‭ ‬1954‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬زرع‭ ‬شبكة‭ ‬جواسيس‭ ‬لتخريب‭ ‬المنشآت‭ ‬البريطانية‭ ‬والأمريكية،‭ ‬مثال‭ ‬آخر‭ ‬على‭ ‬الكذب‭ ‬بين‭ ‬الدول،‭ ‬حيث‭ ‬كذب‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬موشي‭ ‬شاريت‭ ‬قائلا‭: ‬‮«‬المسألة‭ ‬برمتها‭ ‬مكيدة‭ ‬دبرت‭ ‬في‭ ‬الإسكندرية‮»‬‭.‬

 

إثارة‭ ‬الذعر

ويفرد‭ ‬ميرشيمر‭ ‬فصلاً‭ ‬لأكاذيب‭ ‬‮«‬إثارة‭ ‬الذعر‮»‬‭ ‬وهي‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬يطلقها‭ ‬القادة‭ ‬عند‭ ‬وجود‭ ‬خطر‭ ‬محدق‭ ‬لإقناع‭ ‬الشعب‭ ‬برؤية‭ ‬الذئب‭ ‬الماثل‭ ‬أمامهم‭. ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الأكاذيب‭ ‬يستهدف‭ ‬إثارة‭ ‬حالة‭ ‬خوف‭ ‬غير‭ ‬موجودة‭ ‬لدى‭ ‬الشعب،‭ ‬وقد‭ ‬استخدمت‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬ذلك‭ ‬كثيراً،‭ ‬حيث‭ ‬لجأت‭ ‬ثلاث‭ ‬حكومات‭ ‬أمريكية‭ ‬لأكاذيب‭ ‬‮«‬إثارة‭ ‬الذعر‮»‬‭ ‬لجر‭ ‬الشعب‭ ‬الأمريكي‭ ‬المتردد‭ ‬إلى‭ ‬الحرب‭.‬

استخدمها‭ ‬روزفلت‭ ‬عام‭ ‬1941‭ ‬لاستثارة‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬وجر‭ ‬الشعب‭ ‬الأمريكي‭ ‬لحرب‭ ‬الألمان،‭ ‬واستخدمها‭ ‬الرئيس‭ ‬ليندون‭ ‬جونسون‭ ‬عام‭ ‬1964‭ ‬لشن‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬فيتنام،‭ ‬وفعلها‭ ‬الرئيس‭ ‬بوش‭ ‬عام‭ ‬2003‭ ‬قبل‭ ‬هجومه‭ ‬على‭ ‬العراق،‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬الأكاذيب‭ ‬التي‭ ‬أوردتها‭ ‬حكومة‭ ‬بوش‭ ‬علاقة‭ ‬التحالف‭ ‬بين‭ ‬صدام‭ ‬وبن‭ ‬لادن،‭ ‬وأن‭ ‬صدام‭ ‬يمتلك‭ ‬ترسانة‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭ ‬الكيماوية‭ ‬والبيولوجية،‭ ‬ويؤكد‭ ‬ميرشيمر‭ ‬أن‭ ‬أسلوب‭ ‬‮«‬إثارة‭ ‬الذعر‮»‬‭ ‬تستخدمه‭ ‬حتى‭ ‬الدول‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬حين‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬إقناع‭ ‬الشعب‭ ‬بحرب‭ ‬وقائية،‭ ‬وحيث‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬إقناعه‭ ‬بأن‭ ‬يكون‭ ‬مؤيداً‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إثارة‭ ‬ذعره‭.‬

 

التغطيات‭ ‬الاستراتيجية

يتناول‭ ‬ميرشيمر‭ ‬في‭ ‬فصل‭ ‬جديد‭ ‬أكاذيب‭ ‬‮«‬التغطيات‭ ‬الاستراتيجية‮»‬‭ ‬حيث‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬نوعين‭ ‬منها‭: ‬الأول‭ ‬حين‭ ‬تفشل‭ ‬سياسة‭ ‬القادة‭ ‬فشلاً‭ ‬ذريعاً،‭ ‬والثاني‭ ‬لإخفاء‭ ‬استراتيجية‭ ‬جيدة،‭ ‬لكنها‭ ‬مثيرة‭ ‬للجدل،‭ ‬وخشية‭ ‬أن‭ ‬تواجه‭ ‬برفض‭ ‬الجماهير‭ ‬لها‭.‬

ويضرب‭ ‬ميرشيمر‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الكذب‭ ‬إلى‭ ‬إخفاء‭ ‬القادة‭ ‬الفرنسيين‭ ‬فشل‭ ‬المارشال‭ ‬جوزيف‭ ‬جوفري‭ ‬القائد‭ ‬العام‭ ‬الفرنسي‭ ‬إبان‭ ‬معركة‭ ‬‮«‬فردان‮»‬‭ ‬بين‭ ‬الجيشين‭ ‬الفرنسي‭ ‬والألماني،‭ ‬والتي‭ ‬تعتبر‭ ‬أطول‭ ‬وأكثر‭ ‬المعارك‭ ‬دموية‭ ‬إبان‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى،‭ ‬فبينما‭ ‬كان‭ ‬الجنود‭ ‬الفرنسيون‭ ‬يتساقطون‭ ‬بالآلاف‭ ‬كل‭ ‬أسبوع‭ ‬لجأ‭ ‬القادة‭ ‬إلى‭ ‬الكذب‭ ‬وإخفاء‭ ‬عدم‭ ‬كفاءة‭ ‬جوفري‭ ‬للجمهور‭ ‬خوفاً‭ ‬من‭ ‬إضعاف‭ ‬الروح‭ ‬المعنوية‭ ‬في‭ ‬الجبهة‭ ‬الداخلية،‭ ‬ووصلت‭ ‬‮«‬التغطية‭ ‬الاستراتيجية‮»‬‭ ‬مداها‭ ‬بالكذب‭ ‬بأنه‭ ‬قائد‭ ‬كفء‭ ‬مكتمل‭ ‬العدة‭ ‬والعتاد‭.‬

 

الأساطير‭ ‬القومية

يتحدث‭ ‬ميرشيمر‭ ‬في‭ ‬فصل‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬كتابه‭ ‬عن‭ ‬أكاذيب‭ ‬‮«‬الأساطير‭ ‬القومية‮»‬‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تصنعها‭ ‬النخبة‭ ‬لسببين‭: ‬تقوية‭ ‬التضامن‭ ‬الجماعي،‭ ‬وخلق‭ ‬شعور‭ ‬قوي‭ ‬بالوطنية،‭ ‬حيث‭ ‬تلجأ‭ ‬النخبة‭ ‬إلى‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأساطير‭ ‬والقصص‭ ‬الخيالية‭ ‬لتضفي‭ ‬على‭ ‬المجموعة‭ ‬العرقية‭ ‬الإحساس‭ ‬بالانتماء‭ ‬إلى‭ ‬مشروع‭ ‬نبيل،‭ ‬ويرى‭ ‬ميرشيمر‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المفارقة‭ ‬أن‭ ‬الناس‭ ‬العاديين‭ ‬يكونون‭ ‬عطشى‭ ‬لتلك‭ ‬الأساطير‭.‬

ويروي‭ ‬ميرشيمر‭ ‬مثالاً‭ ‬ساطعاً‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأساطير‭ ‬القومية،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬القادة‭ ‬الصهاينة‭ ‬يستطيعون‭ ‬إنشاء‭ ‬وطن‭ ‬قومي‭ ‬لليهود‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬للفلسطينيين،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬عام‭ ‬1948،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬للترويج‭ ‬لأسطورة‭ ‬تقول‭ ‬إنه‭ ‬لم‭ ‬يجر‭ ‬‮«‬تطهير‭ ‬عرقي‮»‬‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬وإنما‭ ‬فروا‭ ‬من‭ ‬منازلهم،‭ ‬لأن‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬المحيطة‭ ‬بهم‭ ‬طلبت‭ ‬المغادرة‭ ‬حتى‭ ‬تتمكن‭ ‬جيوشها‭ ‬من‭ ‬الدخول‭ ‬وإلقاء‭ ‬اليهود‭ ‬في‭ ‬البحر‭.‬

 

الأكاذيب‭ ‬الليبرالية

يفرد‭ ‬المؤلف‭ ‬فصلاً‭ ‬لما‭ ‬يتعلق‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬الأكاذيب‭ ‬الليبرالية‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأعراف‭ ‬الليبرالية‭ ‬السائدة‭ ‬تشكلت‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ ‬تبين‭ ‬أشكال‭ ‬السلوك‭ ‬المقبول‭ ‬وغير‭ ‬المقبول‭ ‬بين‭ ‬الدول،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الحرب‭ ‬أو‭ ‬السلم،‭ ‬ويقر‭ ‬معظم‭ ‬رجالات‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬بها،‭ ‬لكن‭ ‬هؤلاء‭ ‬القادة‭ ‬يلجأون‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الأكاذيب‭ ‬الليبرالية‮»‬،‭ ‬ليغطوا‭ ‬فظائع‭ ‬سلوك‭ ‬بلدانهم،‭ ‬وأحياناً‭ ‬يكون‭ ‬‮«‬الكذب‭ ‬الليبرالي‮»‬‭ ‬خوفا‭ ‬من‭ ‬المثول‭ ‬أمام‭ ‬القضاء،‭ ‬وقد‭ ‬يكذب‭ ‬القادة‭ ‬ليظهروا‭ ‬أمام‭ ‬العالم‭ ‬أنهم‭ ‬ملتزمون‭ ‬بالقانون‭ ‬الدولي‭.‬

‭ ‬حتى‭ ‬أسامة‭ ‬بن‭ ‬لادن‭ ‬شعر‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تبرير‭ ‬مبررات‭ ‬‮«‬القاعدة‮»‬‭ ‬لهجوم‭ ‬11‭ ‬سبتمبر،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬قادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬استخدموا‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الكذب‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬حربهم‭ ‬ضد‭ ‬اليابان‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬وضد‭ ‬ألمانيا‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬تصوير‭ ‬الاشتراك‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬أخلاقية‭ ‬واستراتيجية‭.‬

 

الجانب‭ ‬السلبي‭ ‬للأكاذيب

في‭ ‬مقابل‭ ‬المكاسب‭ ‬النفعية‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحققها‭ ‬القادة‭ ‬لبلدانهم‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬الكذب،‭ ‬يرصد‭ ‬ميرشيمر‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬فصول‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬الجانب‭ ‬السلبي‭ ‬للأكاذيب‭ ‬الدولية‮»‬،‭ ‬ويجملها‭ ‬في‭ ‬الإضرار‭ ‬الكبير‭ ‬بأي‭ ‬جهاز‭ ‬سياسي،‭ ‬لأنه‭ ‬يخلق‭ ‬سياسة‭ ‬تضليل‭ ‬مسمومة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬إطلاق‭ ‬العنان‭ ‬للأكاذيب‭ ‬الدولية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يثير‭ ‬مخاطر‭ ‬كامنة‭ ‬ومخاوف‭ ‬عميقة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الكذب‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي‭ ‬قد‭ ‬يتسرب‭ ‬إلى‭ ‬مسرح‭ ‬الأحداث‭ ‬المحلي،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬كذب‭ ‬القادة‭ ‬يؤثر‭ ‬على‭ ‬عملية‭ ‬تصويت‭ ‬الناخبين‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬معينة،‭ ‬وقد‭ ‬يؤدي‭ ‬كذب‭ ‬المسؤولين‭ ‬الحكوميين،‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬بعضهم‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الجمهور،‭ ‬إلى‭ ‬إعاقة‭ ‬عملية‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرار،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬فالكذب‭ ‬المتكرر‭ ‬يقوض‭ ‬سيادة‭ ‬القانون‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬بمنزلة‭ ‬القلب‭ ‬لأي‭ ‬حياة‭ ‬ديمقراطية‭ ‬ويفقد‭ ‬الناس‭ ‬الثقة‭ ‬بحكومتهم‭ ‬الديمقراطية‭.‬

 

الدروس‭ ‬والعبر

في‭ ‬خلاصة‭ ‬الكتاب‭ ‬يستخلص‭ ‬ميرشيمر‭ ‬أن‭ ‬الكذب‭ ‬برغم‭ ‬أنه‭ ‬سلوك‭ ‬مدان‭ ‬ومرفوض‭ ‬فإن‭ ‬القادة‭ ‬بكل‭ ‬أطيافهم‭ ‬يؤمنون‭ ‬بأنه‭ ‬أداة‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬شؤون‭ ‬الدولة،‭ ‬ويتساءل‭ ‬المؤلف‭ ‬عن‭ ‬الدروس‭ ‬والعبر‭ ‬المستخلصة‭ ‬من‭ ‬أطروحة‭ ‬الكذب‭ ‬الدولي‭ ‬للسياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬مستقبلاً‭,‬‭ ‬ويجيب‭ ‬بأن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬خاضت‭ ‬خمس‭ ‬حروب‭ ‬منذ‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬استخدمت‭ ‬فيها‭ ‬استراتيجية‭ ‬إثارة‭ ‬الذعر،‭ ‬ويتوقع‭ ‬استمرار‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬مع‭ ‬الطموح‭ ‬الأمريكي‭ ‬الدولي‭ ‬المتزايد،‭ ‬لكنه‭ ‬يحذر‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬سطور‭  ‬كتابه‭ ‬بأن‭ ‬استراتيجية‭ ‬‮«‬إثارة‭ ‬الذعر‮»‬‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬كونها‭ ‬مدمرة‭ ‬للمؤسسات‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وحسب،‭ ‬ولكنها‭ ‬قد‭ ‬تقود‭ ‬إلى‭ ‬كوارث‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬فيتنام‭ ‬والعراق‭ ‬