أحمد العدواني من مقاعد الأزهر إلى ريادة التنوير

أحمد العدواني من مقاعد الأزهر إلى ريادة التنوير

يعيش‭ ‬المؤثرون‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬بعمر‭ ‬إنجازاتــهم،‭ ‬لـــــــذلك‭ ‬فــــــهم‭ ‬لا‭ ‬يرحلون،‭ ‬ويبقون‭ ‬بيننا‭ ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يحيي‭ ‬ذكراهم‭. ‬الشاعر‭ ‬أحمد‭ ‬مشاري‭ ‬العدواني‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬صانعي‭ ‬الثقافة‭ ‬الحديثة‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬الكويت،‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬العمل‭ ‬المؤسسي‭ ‬أو‭ ‬الأثر‭  ‬الإبداعي‭. ‬وقد‭ ‬أصدر‭  ‬عنه‭ ‬الكاتب‭ ‬حمد‭ ‬عبدالمحسن‭ ‬الحمد‭ ‬أخيراً‭ ‬كتاباً‭ ‬موسعاً‭ ‬تنـــاول‭ ‬مــــن‭ ‬خـــلاله‭ ‬سيرته‭ ‬الذاتية،‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬طريقة‭ ‬التراجم‭ ‬التقليدية،‭ ‬بل‭ ‬جاء‭ ‬بــشكـــل‭ ‬ســــردي‭ ‬ينــسجم‭ ‬مع‭ ‬كون‭ ‬المؤلف‭ ‬روائياً‭ ‬في‭ ‬الأساس،‭ ‬كما‭ ‬ضمنه‭ ‬وجهات‭ ‬نظر‭  ‬تحليلية‭ ‬لينأى‭ ‬به‭ ‬عن‭ ‬كتب‭ ‬السيرة‭ ‬النمطية‭.‬

الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬صدر‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬‮«‬ذات‭ ‬السلاسل‮»‬‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬جاء‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬أحمد‭ ‬مشاري‭ ‬العدواني‭... ‬من‭ ‬مقاعد‭ ‬الأزهر‭ ‬إلى‭ ‬ريادة‭ ‬التنوير‮»‬‭. ‬وبرغم‭ ‬أن‭ ‬العنوان‭ ‬يحدد‭ ‬الفترة‭ ‬الزمنية‭ ‬منذ‭ ‬دراسة‭ ‬العدواني‭ ‬على‭ ‬مقاعد‭ ‬الأزهر،‭ ‬فإن‭ ‬الكتاب‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬بكثير،‭ ‬فهو‭ ‬يناقش‭ ‬أولاً‭ ‬الاختلاف‭ ‬حول‭ ‬سنة‭ ‬مولد‭ ‬العدواني‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬1922‭ ‬و1923،‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬يعرف‭ ‬التاريخ‭ ‬بالضبط،‭ ‬لأن‭ ‬المؤلف‭ ‬الحمد‭ ‬التقى‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬زوجة‭ ‬العدواني‭ ‬د‭. ‬دلال‭ ‬فيصل‭ ‬الزبن‭ ‬وأقرباء‭ ‬الراحل،‭ ‬ولم‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬تاريخ‭ ‬محدد‭. ‬كما‭ ‬يعود‭ ‬المؤلف‭ ‬إلى‭ ‬التواريخ‭ ‬الاجتماعية‭ ‬للعدواني‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وجود‭ ‬عائلته‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬التي‭ ‬نقلها‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬قريب‭ ‬العدواني،‭ ‬يوسف‭ ‬خالد‭ ‬حمد‭ ‬العدواني‭: ‬‮«‬أول‭ ‬من‭ ‬قدم‭ ‬للكويت‭ ‬هو‭ ‬الجد‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬العدواني،‭ ‬وقد‭ ‬هاجر‭ ‬من‭ ‬الطائف‭ ‬بالحجاز‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬حدث‭ ‬صدام‭ ‬بين‭ ‬الأشراف‭ ‬هناك‭ ‬والدولة‭ ‬العثمانية،‭ ‬وكانت‭ ‬جماعته‭ ‬تناصر‭ ‬الأشراف،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬تقريباً‭ ‬عام‭ ‬1815م‮»‬‭.‬

بعد‭ ‬ذلك‭ ‬يصل‭ ‬المؤلف‭ ‬إلى‭ ‬مقاعد‭ ‬الدراسة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬درس‭ ‬فيها‭ ‬العدواني،‭ ‬ونلاحظ‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬العدواني‭ ‬تنقله‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬‮«‬الكُتَّاب‮»‬‭ ‬والمدارس‭ ‬النظامية‭. ‬فكان‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬تلقى‭ ‬علوم‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬على‭ ‬يديه‭ ‬الشيخ‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬حمادة،‭ ‬ثم‭ ‬التحق‭ ‬بمدرسة‭ ‬‮«‬الأحمدية‮»‬،‭ ‬لكنه‭ ‬ما‭ ‬لبث‭ ‬أن‭ ‬تركها‭ ‬عائداً‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الكُتَّاب‮»‬،‭ ‬وهذه‭ ‬المرة‭ ‬لدى‭ ‬الشيخ‭ ‬أحمد‭ ‬الخميس،‭ ‬ليعود‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬المدرسة‭ ‬الأحمدية،‭ ‬فالمباركية‭ ‬التي‭ ‬أنهى‭ ‬فيها‭ ‬دراسته‭ ‬عام‭ ‬1938م،‭ ‬ليرسله‭ ‬والده‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬الأزهر‭ ‬الشريف‭ ‬ليدرس‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬فتخرج‭ ‬عام‭ ‬1949م‭.‬

 

التضحية‭ ‬بالدراسات‭ ‬العليا

ينقل‭ ‬المؤلف‭ ‬عن‭ ‬زوجة‭ ‬الراحل‭ ‬تضحية‭ ‬زوجها‭ ‬بتركه‭ ‬فكرة‭ ‬استكمال‭ ‬دراسته‭ ‬العليا‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬المقارن‭ ‬بالأدب‭ ‬الإيطالي،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تمت‭ ‬كل‭ ‬الترتيبات‭ ‬لذلك،‭ ‬لكنه‭ ‬عدل‭ ‬عن‭ ‬رأيه‭ ‬مفضلاً‭ ‬نشر‭ ‬الثقافة‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬آنذاك،‭ ‬إذ‭ ‬جاءه‭ ‬تكليف‭ ‬حينها‭ ‬من‭ ‬وزير‭ ‬الإعلام‭ ‬الشيخ‭ ‬جابر‭ ‬العلي‭ ‬الصباح‭ ‬باختياره‭ ‬أميناً‭ ‬عاماً‭ ‬للمجلس‭ ‬الوطني‭ ‬للثقافة‭ ‬والفنون‭ ‬والآداب‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1973م‭. ‬ولكن‭ ‬قبل‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬كان‭ ‬العدواني‭ ‬قد‭ ‬أصدر‭ ‬مع‭ ‬زميله‭ ‬حمد‭ ‬الرجيب‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬البعثة‮»‬‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1946م‭.‬

ولا‭ ‬يتوقف‭ ‬المؤلف‭ ‬الحمد‭ ‬كثيراً‭ ‬عند‭ ‬المهام‭ ‬والمناصب‭ ‬التي‭ ‬شغلها‭ ‬الراحل‭ ‬العدواني،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يحاول‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬تفاصيل‭ ‬حياتية‭ ‬يراها‭ ‬ربما‭ ‬لم‭ ‬تُكتشف‭ ‬كما‭ ‬يجب،‭ ‬لذلك‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬عن‭ ‬كتابه‭ ‬حين‭ ‬التقيته‭ ‬في‭ ‬رابطة‭ ‬الأدباء‭ ‬الكويتيين،‭ ‬إنه‭ ‬تجنب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬كتابه‭ ‬مدرسياً‭. ‬لذلك‭ ‬فهو‭ ‬يتطرق‭ ‬في‭ ‬باب‭ ‬مكثف‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬عمل‭ ‬وكفاح‮»‬‭ ‬عن‭ ‬المهام‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬العدواني‭ ‬بعد‭ ‬تخرجه‭ ‬في‭ ‬الأزهر‭ ‬الشريف‭ ‬وعودته‭ ‬إلى‭ ‬وطنه‭ ‬الكويت،‭ ‬فيذكر‭ ‬أنه‭ ‬التحق‭ ‬بالتدريس‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬القبلية،‭ ‬ونُقل‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1954م‭ ‬إلى‭ ‬ثانوية‭ ‬الشويخ‭ ‬مدرساً‭ ‬لمادة‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬واستمر‭ ‬فيها‭ ‬عامين،‭ ‬حيث‭ ‬أصبح‭ ‬السكرتير‭ ‬العام‭ ‬لدائرة‭ ‬المعارف‭. ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1957‭ ‬شغل‭ ‬منصب‭ ‬المعاون‭ ‬الفني‭ ‬لمدير‭ ‬المعارف،‭ ‬وبعد‭ ‬استقلال‭ ‬الكويت‭ ‬صدر‭ ‬مرسوم‭ ‬أميري‭ ‬بتعيينه‭ ‬وكيلاً‭ ‬مساعداً‭ ‬للشؤون‭ ‬الفنية،‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1973م‭ ‬عيّن‭ ‬أميناً‭ ‬عاماً‭ ‬للمجلس‭ ‬الوطني‭ ‬للثقافة‭ ‬والفنون‭ ‬والآداب‭.‬

 

حكاية‭ ‬البدلة‭ ‬الإفرنجية

بعد‭ ‬الاستعراض‭ ‬لهذه‭ ‬الملامح‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬العملية‭ ‬للراحل‭ ‬أحمد‭ ‬مشاري‭ ‬العدواني،‭ ‬يوغل‭ ‬المؤلف‭ ‬حمد‭ ‬الحمد‭ ‬في‭ ‬التقاط‭ ‬تفاصيل‭ ‬لم‭ ‬تذكر‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬فيتحدث‭ ‬عن‭ ‬لباسه‭ ‬وحكاياته‭ ‬مع‭ ‬شخصيات‭ ‬التقاها‭ ‬العدواني‭ ‬وبعض‭ ‬الأزمات‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬لها‭. ‬فينقل‭ ‬أولاً‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬يوسف‭ ‬العدواني‭ ‬ابن‭ ‬عم‭ ‬الشاعر،‭ ‬أن‭ ‬الراحل‭ ‬اعتاد‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬أسماه‭ ‬‮«‬البدلة‭ ‬الإفرنجية‮»‬،‭ ‬لكن‭ ‬المؤلف‭ ‬في‭ ‬موضع‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬يذكر‭ ‬أن‭ ‬العدواني‭ ‬كان‭ ‬يرتدي‭ ‬اللباس‭ ‬الأزهري‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬دراسته‭ ‬هناك،‭ ‬وهي‭ ‬العمامة‭ ‬والقفطان‭ ‬والجبة،‭ ‬وكان‭ ‬يشارك‭ ‬بهذا‭ ‬اللباس‭ ‬في‭ ‬التظاهرات‭ ‬التي‭ ‬يخرج‭ ‬بها‭ ‬طلبة‭ ‬الأزهر‭ ‬إما‭ ‬ضد‭ ‬الإنجليز‭ ‬وإما‭ ‬لمناصرة‭ ‬قضية‭ ‬فلسطين‭.‬

ويتذكر‭ ‬ابن‭ ‬عم‭ ‬الشاعر‭ ‬أنهم‭ ‬ما‭ ‬رأوه‭ ‬يوماً‭ ‬عائداً‭ ‬إلى‭ ‬منزله‭ ‬إلا‭ ‬وبصحبته‭ ‬كتاب‭ ‬أو‭ ‬مجلة،‭ ‬فيدخل‭ ‬غرفته‭ ‬ليقرأ‭ ‬أو‭ ‬يكتب،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬يشارك‭ ‬أقرانه‭ ‬اللعب‭ ‬في‭ ‬الحي‭ ‬منذ‭ ‬صغره،‭ ‬إنما‭ ‬كان‭ ‬يولي‭ ‬اهتمامه‭ ‬للقراءة‭ ‬والانكباب‭ ‬على‭ ‬الكتابة‭. ‬وكذلك‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬العدواني‭ ‬يقود‭ ‬السيارة،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬سائق،‭ ‬وحين‭ ‬سأل‭ ‬المؤلف‭ ‬نجل‭ ‬الشاعر‭ ‬معد‭ ‬العدواني‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬ذلك،‭ ‬أجاب‭ ‬بأن‭ ‬‮«‬والده‭ ‬يسرح‭ ‬كثيراً،‭ ‬وهو‭ ‬دائم‭ ‬التفكير،‭ ‬لذلك‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬قيادة‭ ‬السيارة‭ ‬وهو‭ ‬بهذه‭ ‬الحالة‮»‬‭. ‬
ولم‭ ‬تتوقف‭ ‬حكاية‭ ‬قيادة‭ ‬السيارة‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬الحد،‭ ‬فقد‭ ‬أدخلها‭ ‬المؤلف‭ ‬في‭ ‬حكاية‭ ‬سياسية‭ ‬روتها‭ ‬د‭. ‬دلال‭ ‬الزبن،‭ ‬فقد‭ ‬ارتبط‭ ‬ذلك‭ ‬بمرحلة‭ ‬المد‭ ‬القومي‭ ‬والفكر‭ ‬الاشتراكي‭ ‬والشيوعي،‭ ‬ويومها‭ ‬نشرت‭ ‬إحدى‭ ‬الصحف‭ ‬المصرية‭ ‬خبراً‭ ‬مفاده‭ ‬أن‭ ‬الشاعر‭ ‬العدواني‭ ‬منخرط‭ ‬بهذا‭ ‬العمل‭ ‬ويترأس‭ ‬إحدى‭ ‬الخلايا‭ ‬الشيوعية،‭ ‬وتقول‭ ‬الزبن‭: ‬يومها‭ ‬لاحظ‭ ‬الراحل‭ ‬أن‭ ‬سيارة‭ ‬تتبعه‭ ‬منذ‭ ‬خروجه‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬وحتى‭ ‬وصوله‭ ‬إلى‭ ‬عمله‭ ‬في‭ ‬ثانوية‭ ‬الشويخ،‭ ‬وكان‭ ‬كالمعتاد‭ ‬لديه‭ ‬سائق‭ ‬يقود‭ ‬السيارة،‭ ‬وفي‭ ‬إحدى‭ ‬المرات‭ ‬تغيب‭ ‬السائق‭ ‬فاحتار‭ ‬العدواني‭ ‬كيف‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬عمله،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬منه‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬أوقف‭ ‬السيارة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتبعه،‭ ‬فلم‭ ‬يرفض‭ ‬قائد‭ ‬السيارة‭ ‬طلبه‭ ‬وأوصله‭ ‬فعلاً،‭ ‬لكنه‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬قال‭ ‬له‭: ‬‮«‬بالعادة‭ ‬نراقب‭ ‬الشخص‭ ‬أين‭ ‬يذهب‭ ‬وأين‭ ‬يأتي،‭ ‬ولكنك‭ ‬أنت‭ ‬يا‭ ‬أستاذ‭ ‬لا‭ ‬تغادر‭ ‬البيت‮»‬‭. ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بأيام‭ ‬أرسل‭ ‬الشيخ‭ ‬عبدالله‭ ‬الجابر‭ ‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬الصحيفة‭ ‬مفنداً‭ ‬الخبر‭ ‬الذي‭ ‬نشرته‭ ‬عن‭ ‬العدواني‭.‬

ويروي‭ ‬المؤلف‭ ‬حكاية‭ ‬تعلُّم‭ ‬العدواني‭ ‬للغة‭ ‬الإيطالية،‭ ‬حيث‭ ‬سكن‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬وصوله‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬شقة‭ ‬صغيرة‭ ‬لدى‭ ‬سيدة‭ ‬إيطالية‭ ‬عجوز،‭ ‬وذلك‭ ‬حين‭ ‬تأخرت‭ ‬مخصصات‭ ‬البعثة،‭ ‬فأعجب‭ ‬العدواني‭ ‬بلغتها،‭ ‬وبدأ‭ ‬يتعلم‭ ‬مبادئ‭ ‬اللغة‭ ‬الإيطالية،‭ ‬وحين‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬الكويت‭ ‬بدأ‭ ‬بتعلمها‭ ‬بشكل‭ ‬مكثف‭ ‬حتى‭ ‬أتقنها،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬وجود‭ ‬كتب‭ ‬ومراجع‭ ‬ومؤلفات‭ ‬بالإيطالية‭ ‬في‭ ‬مكتبته‭.‬

يمزج‭ ‬المؤلف‭ ‬حمد‭ ‬الحمد‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الجديد،‭ ‬بين‭ ‬أحمد‭ ‬العدواني‭ ‬المؤسس‭ ‬للثقافة‭ ‬والشاعر،‭ ‬فيعود‭ ‬إلى‭ ‬بداياته‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬والده‭ ‬يصطحبه‭ ‬إلى‭ ‬جلسات‭ ‬شعرية‭ ‬في‭ ‬قرية‭ ‬الفنطاس،‭ ‬وكان‭ ‬حينها‭ ‬في‭ ‬الثانية‭ ‬عشرة‭ ‬من‭ ‬عمره،‭ ‬فيحفظ‭ ‬من‭ ‬أشعار‭ ‬الموجودين،‭ ‬وحين‭ ‬توقدت‭ ‬قريحته‭ ‬بدأ‭ ‬يكتب‭ ‬الشعر،‭ ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يلقيه‭ ‬بل‭ ‬يكتفي‭ ‬بنشره،‭ ‬وفق‭ ‬المؤرخ‭ ‬أحمد‭ ‬الشرباصي‭ ‬الذي‭ ‬استشهد‭ ‬به‭ ‬المؤلف‭ ‬في‭ ‬كتابه‭: ‬‮«‬مَن‭ ‬دفع‭ ‬العدواني‭ ‬لقول‭ ‬الشعر،‭ ‬والدُه،‭ ‬لأن‭ ‬والده‭ ‬كان‭ ‬يحفظ‭ ‬شعراً‭ ‬كثيراً‭ ‬ويترنم‭ ‬به،‭ ‬ولهذا‭ ‬بدأ‭ ‬بقول‭ ‬الشعر‭ ‬في‭ ‬الثانية‭ ‬عشرة‭ ‬من‭ ‬عمره،‭ ‬ومن‭ ‬أوائل‭ ‬شعره‭ ‬قصيدة‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬الهجاء‭ ‬وقد‭ ‬فُقدت‮»‬‭. ‬ويقول‭ ‬المؤلف‭ ‬إن‭ ‬الشيخ‭ ‬الشرباصي‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭: ‬‮«‬يؤخذ‭ ‬على‭ ‬العدواني‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬ينشد‭ ‬شعره،‭ ‬بل‭ ‬يكتفي‭ ‬بنشره‮»‬‭. ‬وهذا‭ ‬الفتى‭ ‬كبرت‭ ‬شاعريته‭ ‬مع‭ ‬الأيام‭ ‬بما‭ ‬يكفي‭ ‬لأن‭ ‬يضع‭ ‬النشيد‭ ‬الوطني‭ ‬الكويتي‭.‬

عائلته‭ ‬وطقوسه‭ ‬مع‭ ‬أبنائه

من‭ ‬سمات‭ ‬الكتاب،‭ ‬أنه‭ ‬يتنقل‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬العدواني‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬تسلسل‭ ‬صارم،‭ ‬فهو‭ ‬مثلاً‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬ناحية‭ ‬اجتماعية‭ ‬ثم‭ ‬يعرج‭ ‬على‭ ‬حياته‭ ‬الشعرية،‭ ‬ليعود‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬حياته‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وهكذا‭... ‬ثم‭ ‬إلى‭ ‬حياة‭ ‬الشاعر‭ ‬الأسرية،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬زواجه‭ ‬تقليدياً،‭ ‬إذ‭ ‬تقدم‭ ‬إلى‭ ‬فيصل‭ ‬سعود‭ ‬الزبن‭ ‬أحد‭ ‬المحسنين‭ ‬المعروفين‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬الكويت،‭ ‬ليطلب‭ ‬يد‭ ‬ابنته‭ ‬دلال‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1960م،‭ ‬وتروي‭ ‬زوجته‭ ‬عن‭ ‬طقوسه‭ ‬العائلية‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يصطحب‭ ‬أبناءه‭: ‬مشاري‭ ‬ولينة‭ ‬وماجد‭ ‬ومعد،‭ ‬إلى‭ ‬مكتبة‭ ‬الأندلس‭ ‬في‭ ‬حولي‭ ‬ويبقى‭ ‬معهم‭ ‬ساعات‭ ‬طويلة‭ ‬فيها‭. 

يذكرنا‭ ‬المؤلف‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬بأعمال‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬الشاعر‭ ‬لكن‭ ‬قلة‭ ‬من‭ ‬يعرفون‭ ‬ذلك،‭ ‬ومنها‭ ‬إسهامه‭ ‬في‭ ‬ظهور‭ ‬معهد‭ ‬الكويت‭ ‬للأبحاث‭ ‬العلمية‭ ‬إلى‭ ‬النور،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إثارته‭ ‬مع‭ ‬جهات‭ ‬عليا‭ ‬لاتفاقية‭ ‬جرت‭ ‬مع‭ ‬شركة‭ ‬نفط‭ ‬يابانية‭ ‬تتضمن‭ ‬التزام‭ ‬الشركة‭ ‬بإنشاء‭ ‬معهد‭ ‬للأبحاث،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬إنتاجها‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬معين،‭ ‬وحين‭ ‬تم‭ ‬لها‭ ‬ذلك،‭ ‬أثار‭ ‬العدواني‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬حتى‭ ‬أُسس‭ ‬المعهد‭. ‬وكذلك‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬إنشاء‭ ‬المعهد‭ ‬العالي‭ ‬للفنون‭ ‬الموسيقية‭ ‬والمعهد‭ ‬العالي‭ ‬للفنون‭ ‬المسرحية،‭ ‬حيث‭ ‬يعتقد‭ ‬المؤلف‭ ‬أن‭ ‬العدواني‭ - ‬رحمه‭ ‬الله‭ - ‬لم‭ ‬يأخذ‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬ذكر‭ ‬أدواره‭ ‬بتأسيس‭ ‬هذه‭ ‬المعاهد‭.‬

الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬وضعه‭ ‬المؤلف‭ ‬حمد‭ ‬الحمد‭ ‬عن‭ ‬الشاعر‭ ‬العدواني‭ ‬بمنزلة‭ ‬سقف‭ ‬جمع‭ ‬تحته‭ ‬معظم‭ ‬إنجازاته‭ ‬الثقافية،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬جميعها،‭ ‬فمن‭ ‬بواكير‭ ‬الدراسة‭ ‬والتدريس‭ ‬إلى‭ ‬غرس‭ ‬جذور‭ ‬الثقافة‭ ‬في‭ ‬تربة‭ ‬أنبتت‭ ‬مجلات‭ ‬قيمة،‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬عالم‭ ‬الفكر‮»‬‭ ‬و«إبداعات‭ ‬عالمية‮»‬‭ ‬وسلسلة‭ ‬‮«‬عالم‭ ‬المعرفة‮»‬‭ ‬و«الثقافة‭ ‬العالمية‮»‬‭. ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬صفحات‭ ‬مرت‭ ‬من‭ ‬فوقها‭ ‬بصمات‭ ‬رجل‭ ‬صامت‭ ‬عن‭  ‬الكلام،‭ ‬لكنه‭ ‬صاخب‭ ‬الحضور‭ ‬