في استرجاع عادة الاستعارة من الجيران

في استرجاع عادة الاستعارة من الجيران

‭ ‬يقول‭ ‬بولونيوس،‭ ‬مستشار‭ ‬الملك‭ ‬هاملت‭ ‬في‭ ‬مسرحية‭ ‬‮«‬هاملت‮»‬‭ ‬لوليم‭ ‬شكسبير‭: ‬‮«‬لا‭ ‬تستدين‭ ‬ولا‭ ‬تُدين،‭ ‬لأنك‭ ‬ستخسر‭ ‬نفسك‭ ‬وتخسر‭ ‬صديقك‮»‬،‭ ‬وبغضّ‭ ‬النظر‭ ‬عمّا‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬بولونيوس‭ ‬منافقًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬الأشخاص‭ ‬الأكثر‭ ‬فسادًا‭ ‬في‭ ‬الدنمارك،‭ ‬تبدو‭ ‬نصيحته‭ ‬هذه‭ ‬صحيحة‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭. ‬لكنّها‭ ‬لا‭ ‬تنطبق‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬جوانب‭ ‬الحياة،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬على‭ ‬تعامل‭ ‬الجيران‭ ‬فيما‭ ‬بينهم،‭ ‬لأن‭ ‬عادة‭ ‬الاستعارة‭ ‬والإعارة‭ ‬بين‭ ‬الجيران‭ ‬تمثّل‭ ‬ظاهرة‭ ‬مهمة‭ ‬من‭ ‬ظواهر‭ ‬التفاعل‭ ‬الإنساني‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬البشرية،‭ ‬وتنبع‭ ‬أهميتها‭ ‬من‭ ‬كونها‭ ‬وسيلة‭ ‬مهمة‭ ‬لبناء‭ ‬الصداقات‭ ‬وتحفيز‭ ‬التواصل‭ ‬بين‭ ‬البشر‭ ‬وتعزيز‭ ‬روح‭ ‬الجماعة،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬ظهر‭ ‬أنها‭ ‬من‭ ‬الدعائم‭ ‬الأساسية‭ ‬لاقتصاد‭ ‬المشاركة‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬الحديث‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭.‬

لطالما‭ ‬كان‭ ‬الاقتراض‭ ‬من‭ ‬الجيران‭ ‬ممارسة‭ ‬شائعة‭ ‬في‭ ‬الماضي،‭ ‬وكانت‭ ‬تلك‭ ‬الممارسة‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬شبكة‭ ‬العلاقات‭ ‬القائمة‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬وبين‭ ‬من‭ ‬كانوا‭ ‬يعيشون‭ ‬بالقرب‭ ‬منهم،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬كان‭ ‬يخصّ‭ ‬سكانه‭ ‬وحدهم،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬للجيران‭ ‬نصيب‭ ‬فيه،‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬قدرًا‭ ‬أو‭ ‬سطلًا‭ ‬أو‭ ‬سلّمًا‭ ‬أو‭ ‬حبلتغسيل،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬للجيران‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لهم‭ ‬حصة‭ ‬في‭ ‬الملابس‭ ‬أيضًا،‭ ‬إذ‭ ‬كانت‭ ‬النسوة‭ ‬في‭ ‬الحارات‭ ‬يُعرنَ‭ ‬ويستعرنَ‭ ‬ثيابًا،‭ ‬لا‭ ‬سيّما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬إحداهن‭ ‬مدعوة‭ ‬إلى‭ ‬عُرس‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬مقدورها‭ ‬أن‭ ‬تُفصّل‭ ‬وتُخيّط‭ ‬ثوبًا،‭ ‬فكانت‭ ‬تلجأ‭ ‬إلى‭ ‬إحدى‭ ‬جاراتها‭ ‬لتستعير‭ ‬منها‭ ‬ثوبًا‭ ‬يصلح‭ ‬للمناسبة‭.‬

وقد‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬أساس‭ ‬ذلك‭ ‬كله،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬العربية،‭ ‬أن‭ ‬النبي‭ ‬‭[‬‭ ‬وصّى‭ ‬على‭ ‬الجار،‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬أيضًا‭ ‬أنه‭ ‬قبل‭ ‬الثورة‭ ‬الصناعية‭ ‬التي‭ ‬أسست‭ ‬لنشوء‭ ‬وسائل‭ ‬النقل‭ ‬السريعة،‭ ‬وساعدت‭ ‬في‭ ‬انتشار‭ ‬متاجر‭ ‬البقالة،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬لوازم‭ ‬المطبخ‭ ‬أمرًا‭ ‬سهلًا،‭ ‬إذ‭ ‬إلى‭ ‬وقت‭ ‬قريب‭ ‬كان‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الثقافات،‭ ‬خاصة‭ ‬الثقافات‭ ‬الريفية،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬الأسواق‭ ‬الأسبوعية‭ ‬والباعة‭ ‬المتجولين‭ ‬وإنتاج‭ ‬سلعه‭ ‬الخاصة،‭ ‬لذلك‭ ‬كان‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬يحصل‭ ‬نقص‭ ‬معيّن‭ ‬في‭ ‬مؤونة‭ ‬البيوت،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬العادي‭ ‬أن‭ ‬ترسل‭ ‬الأم‭ ‬ولدها‭ ‬ليدقّ‭ ‬باب‭ ‬الجيران‭ ‬في‭ ‬طلب‭ ‬القليل‭ ‬من‭ ‬السكّر‭ ‬أو‭ ‬الزيت‭ ‬أو‭ ‬البنّ‭ ‬أو‭ ‬غيره‭. ‬

ومن‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تستدعي‭ ‬أيضًا‭ ‬قرع‭ ‬باب‭ ‬الجيران‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لدى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المنازل‭ ‬أفران‭ ‬للطهي،‭ ‬أو‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬لا‭ ‬تمتلك‭ ‬سوى‭ ‬مواقد‭ ‬صغيرة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تكفي‭ ‬لصنع‭ ‬الخبز‭ ‬وطهي‭ ‬أطباق‭ ‬متعددة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬عينه،‭ ‬فكان‭ ‬لابد‭ ‬ممن‭ ‬يمتلك‭ ‬فرنًا‭ ‬أن‭ ‬يترك‭ ‬مجالًا‭ ‬لطبق‭ ‬إضافي‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬أحد‭ ‬جيرانه‭.‬

ولكن‭ ‬مع‭ ‬تصميم‭ ‬مدننا‭ ‬المترامية‭ ‬الأطراف،‭ ‬واعتمادنا‭ ‬على‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الحديثة‭ ‬والصناعة‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬اليوم،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬معظمنا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬التفاعل‭ ‬مع‭ ‬الجيران‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬ينقصنا،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬التفاعل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وإلى‭ ‬وقت‭ ‬قريب‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬البشرية،‭ ‬كان‭ ‬يرسم‭ ‬إيقاع‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأحياء‭ ‬والقرى‭ ‬بطريقة‭ ‬جميلة‭ ‬ولها‭ ‬فوائدها‭ ‬على‭ ‬الصُّعد‭ ‬كافة‭.‬

 

ممارسة‭ ‬صديقة‭ ‬للبيئة

يقول‭ ‬لورانس‭ ‬ألفاريز،‭ ‬المؤسس‭ ‬المشارك
لـ‭ ‬امستودع‭ ‬المشاركةب‭ ‬في‭ ‬تورنتو،‭ ‬المستودع‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬كأول‭ ‬مكتبة‭ ‬للأشياء‭ ‬في‭ ‬كندا،‭ ‬إنه‭ ‬الا‭ ‬يمكن‭ ‬لكوكب‭ ‬الأرض‭ ‬أن‭ ‬يوفّر‭ ‬لنا‭ ‬جميعًا‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬نحتاج‭ ‬إليهب‭.‬

ويعتبر‭ ‬قوله‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬يبنى‭ ‬عليها‭ ‬اقتصاد‭ ‬المشاركة‭ ‬الذي‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬االاستهلاك‭ ‬التعاونيب‭ ‬الذي‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬تشجيع‭ ‬استئجار‭ ‬الأشياء‭ ‬واقتراضها‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬شرائها،‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬استخدام‭ ‬عدد‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬الأصول‭ ‬للقيام‭ ‬بأمور‭ ‬مماثلة‭. ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬ذلك‭ ‬وللحفاظ‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬البيئية،‭ ‬ظهرت‭ ‬هنالك‭ ‬دعوات‭ ‬عديدة‭ ‬حديثة‭ ‬تشجع‭ ‬على‭ ‬استرجاع‭ ‬عادة‭ ‬الاقتراض‭ ‬من‭ ‬الجيران،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬دعوة‭ ‬الكاتبة‭ ‬سارة‭ ‬لازاروفيتش،‭ ‬التي‭ ‬كتبت‭ ‬مقالة‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬اSure‭!‬ب،‭ ‬تستكشف‭ ‬فيها‭ ‬فكرة‭ ‬الاستعارة،‭ ‬وضمّنتها‭ ‬رسومًا‭ ‬توضيحية‭ ‬عرفتنا‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بـ‭ ‬اهرمية‭ ‬الاحتياجاتب‭. ‬

وكانت‭ ‬لازاروفيتش‭ ‬قد‭ ‬استوحت‭ ‬فكرتها‭ ‬هذه‭ ‬من‭ ‬التسلسل‭ ‬الهرمي‭ ‬للاحتياجات‭ ‬الذي‭ ‬تحدث‭ ‬عنه‭ ‬عالِم‭ ‬النفس‭ ‬أبراهام‭ ‬ماسلو،‭ ‬الذي‭ ‬حدد‭ ‬فيه‭ ‬نظرية‭ ‬تقول‭ ‬إنه‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬البشر‭ ‬أن‭ ‬يلبّوا‭ ‬احتياجاتهم‭ ‬الأساسية‭ ‬بترتيب‭ ‬معيّن‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬ذاتهم،‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬جديد‭ ‬للاستهلاك‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬الاستهلاك‭ ‬الواعي،‭ ‬والاكتفاء‭ ‬بالحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬المشتريات،‭ ‬حيث‭ ‬تأتي‭ ‬المبادلة‭ ‬والاستعارة‭ ‬بعد‭ ‬الشراء‭ ‬وصنع‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬نحتاج‭ ‬إليها‭ ‬بأنفسنا،‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬عندما‭ ‬يصبح‭ ‬الشراء‭ ‬ضرورة‭ ‬في‭ ‬أعلى‭ ‬الهرم‭ ‬فقط‭ ‬عند‭ ‬استنفاد‭ ‬جميع‭ ‬الخيارات‭ ‬الأخرى‭.‬

 

محاربة‭ ‬مشكلة‭ ‬العزلة

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬اقتصاد‭ ‬المشاركة‭ ‬والعيش‭ ‬بأسلوب‭ ‬حياة‭ ‬مستدام،‭ ‬هناك‭ ‬أشياء‭ ‬أعمق‭ ‬يمكن‭ ‬للاقتراض‭ ‬من‭ ‬الجيران‭ ‬المساهمة‭ ‬فيها،‭ ‬إذ‭ ‬يفتح‭ ‬قرع‭ ‬باب‭ ‬الجيران‭ ‬وسؤالهم‭ ‬عن‭ ‬إمكان‭ ‬استعارة‭ ‬شيء‭ ‬ما،‭ ‬بابًا‭ ‬مباشرًا‭ ‬للحوار‭ ‬وإمكان‭ ‬للتواصل‭ ‬وفرصة‭ ‬لشخص‭ ‬ما‭ ‬للكشف‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬كرمه،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬إكمال‭ ‬مهمة‭ ‬ما‭ ‬بسهولة‭ ‬أكبر‭.‬

وأجمل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬عادة‭ ‬الاستعارة‭ ‬والإعارة‭ ‬من‭ ‬الجيران‭ ‬أنها‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬إرساء‭ ‬ثقافة‭ ‬المشاركة،‭ ‬والاستثمار‭ ‬في‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬يسكنون‭ ‬حولنا،‭ ‬والذي‭ ‬يخلق،‭ ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬مجموعة‭ ‬أكثر‭ ‬أمانًا‭ ‬وتماسكًا‭. ‬أي‭ ‬أنها‭ ‬تعزز‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬برأس‭ ‬المال‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الذي‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬تحدث‭ ‬عنه‭ ‬عالم‭ ‬الاجتماع‭ ‬الفرنسي‭ ‬بيير‭ ‬بورديو‭ ‬في‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬في‭ ‬1983‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬عالم‭ ‬الاجتماع‭ ‬الأميركي‭ ‬جيمس‭ ‬كوليمان‭ ‬في‭ ‬1988،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يبدأ‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬هذا‭ ‬المصطلح‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1997،‭ ‬ليحدد‭ ‬درجة‭ ‬اتصالنا‭ ‬بالآخرين‭.‬

وتؤكد‭ ‬الأبحاث‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يفتقر‭ ‬إليه‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬هو‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬حيث‭ ‬أصبحت‭ ‬العزلة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وباء‭ ‬متناميًا،‭ ‬كما‭ ‬بات‭ ‬هناك‭ ‬اعتراف‭ ‬متزايد‭ ‬بأن‭ ‬لهذه‭ ‬العزلة‭ ‬عواقب‭ ‬بدنية‭ ‬وعقلية‭ ‬وعاطفية‭ ‬وخيمة‭. ‬وتشير‭ ‬موجة‭ ‬من‭ ‬الأبحاث‭ ‬الجديدة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الانفصال‭ ‬الاجتماعي‭ ‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬اضطراب‭ ‬بالنوم،‭ ‬وخلل‭ ‬في‭ ‬جهاز‭ ‬المناعة،‭ ‬ويزيد‭ ‬من‭ ‬إمكان‭ ‬التعرض‭ ‬للالتهابات،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬مستويات‭ ‬هرمونات‭ ‬التوتر‭. ‬

 

تدهور‭ ‬معرفي

وجدت‭ ‬دراسة‭ ‬حديثة‭ ‬أن‭ ‬العزلة‭ ‬تزيد‭ ‬من‭ ‬خطر‭ ‬الإصابة‭ ‬بأمراض‭ ‬القلب‭ ‬بنسبة‭ ‬29‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬والسكتة‭ ‬الدماغية‭ ‬بنسبة‭ ‬32‭ ‬في‭ ‬المئة‭. ‬هذا‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬التأثيرات‭ ‬الجسدية؛‭ ‬أما‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬التأثير‭ ‬الفكري،‭ ‬فيمكن‭ ‬للعزلة‭ ‬أن‭ ‬تسرع‭ ‬التدهور‭ ‬المعرفي‭ ‬لدى‭ ‬كبار‭ ‬السن،‭ ‬وذلك‭ ‬وفق‭ ‬بحث‭ ‬قُدّم‭ ‬في‭ ‬المؤتمر‭ ‬الدولي‭ ‬لرابطة‭ ‬الزهايمر‭ ‬لعام‭ ‬2015،‭ ‬حيث‭ ‬أكدت‭ ‬فيه‭ ‬الطبيبة‭ ‬النفسية‭ ‬نانسي‭ ‬دونوفان،‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الطب‭ ‬بجامعة‭ ‬هارفارد،‭ ‬أن‭ ‬الشعور‭ ‬بالوحدة‭ ‬عامل‭ ‬خطير‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬التراجع‭ ‬المعرفي‭ ‬المتسارع‭ ‬عند‭ ‬البالغين‭ ‬الأكبر‭ ‬سنًّا‭. ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬يصبح‭ ‬الأفراد‭ ‬المنعزلون‭ ‬أكثر‭ ‬عرضة‭ ‬للوفاة‭ ‬قبل‭ ‬الأوان،‭ ‬مقارنة‭ ‬بالذين‭ ‬يقومون‭ ‬بتفاعلات‭ ‬اجتماعية‭ ‬أكثر‭ ‬قوة،‭ ‬وذلك‭ ‬وفقًا‭ ‬لتحليل‭ ‬جمّع‭ ‬بيانات‭ ‬من‭ ‬70‭ ‬دراسة‭ ‬و4‭.‬3‭ ‬ملايين‭ ‬شخص،‭ ‬وجد‭ ‬أن‭ ‬الأفراد‭ ‬المنعزلين‭ ‬اجتماعيًا‭ ‬معرّضون‭ ‬لخطر‭ ‬الموت‭ ‬بنسبة‭ ‬30‭ ‬بالمئة‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬السبع‭ ‬المقبلة‭ ‬من‭ ‬عمرهم،‭ ‬وأن‭ ‬هذا‭ ‬التأثير‭ ‬كان‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬العمر‭. ‬

فالناس‭ ‬مخلوقات‭ ‬اجتماعية‭ ‬تزدهر‭ ‬وتتطور‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التفاعل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬فيما‭ ‬بينها،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬حتى‭ ‬المحادثات‭ ‬العابرة‭ ‬وحتى‭ ‬الثرثرات‭ ‬الصغيرة‭ ‬التي‭ ‬لطالما‭ ‬كانت‭ ‬لها‭ ‬سمعتها‭ ‬السيئة،‭ ‬وحتى‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الطقس‭ ‬مع‭ ‬المارة‭ ‬الغرباء،‭ ‬تجعلنا‭ ‬أكثر‭ ‬سعادة‭ ‬وتساعد‭ ‬على‭ ‬تحسين‭ ‬مزاجنا‭.‬

فكيف‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬التفاعل‭ ‬مع‭ ‬أشخاص‭ ‬لهم‭ ‬وجود‭ ‬ثابت‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬ويعيشون‭ ‬في‭ ‬محيطنا‭ ‬الجغرافي‭ ‬نفسه،‭ ‬مما‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬إمكان‭ ‬بناء‭ ‬الصداقات‭ ‬وتعميق‭ ‬العلاقات‭ ‬المُثرية؟‭ ‬

 

محادثات‭ ‬صغيرة

لتأكيد‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬أجرى‭ ‬أستاذ‭ ‬العلوم‭ ‬السلوكية،‭ ‬نيكولاس‭ ‬إيبلي،‭ ‬دراسة‭ ‬في‭ ‬شيكاغو‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأشخاص،‭ ‬حيث‭ ‬كلّف‭ ‬البعض‭ ‬منهم،‭ ‬على‭ ‬فترة‭ ‬زمنية‭ ‬محددة،‭ ‬إجراء‭ ‬محادثات‭ ‬صغيرة‭ ‬مع‭ ‬جيرانهم،‭ ‬ولم‭ ‬يسمح‭ ‬للبعض‭ ‬الآخر‭ ‬بالقيام‭ ‬بها،‭ ‬فلاحظ‭ ‬أنه‭ ‬حتى‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬قالوا‭ ‬إنهم‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬للقيام‭ ‬بهذا‭ ‬التفاعل‭ ‬أكدوا‭ ‬أنهم‭ ‬شعروا‭ ‬بسعادة‭ ‬أكبر‭ ‬عندما‭ ‬تواصلوا‭ ‬مع‭ ‬جيرانهم‭. ‬

ومن‭ ‬خلال‭ ‬ذلك‭ ‬أكد‭ ‬إيبلي‭ ‬أنه‭: ‬ايمكن‭ ‬للناس‭ ‬تحسين‭ ‬رفاههم‭ ‬ورفاه‭ ‬الآخرين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬كونهم‭ ‬اجتماعيين‭ ‬أكثر،‭ ‬وبمحاولتهم‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬اختيارهم‭ ‬العزلةب‭.‬

ما‭ ‬نفتقده‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الابتعاد‭ ‬عن‭ ‬عادة‭ ‬الإعارة‭ ‬والاستعارة‭ ‬بين‭ ‬الجيران‭ ‬واختيارنا‭ ‬العمل‭ ‬بالمثل‭ ‬القائل‭: ‬اصباح‭ ‬الخير‭ ‬يا‭ ‬جاري،‭ ‬أنت‭ ‬في‭ ‬حالك‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬حاليب،‭ ‬هو‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬أشخاص‭ ‬آخرين‭ ‬وتنمية‭ ‬علاقات‭ ‬مشبعة‭ ‬تعزز‭ ‬من‭ ‬نحن‭.‬

إن‭ ‬الاتصال‭ ‬الإنساني‭ ‬الحقيقي،‭ ‬وليس‭ ‬الرسائل‭ ‬النصية،‭ ‬ولا‭ ‬رسائل‭ ‬البريد‭ ‬الإلكتروني،‭ ‬ولا‭ ‬الرسائل‭ ‬الصوتية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تمنحنا‭ ‬طريقة‭ ‬لتقديم‭ ‬أنفسنا‭ ‬والتعلّم‭ ‬من‭ ‬الآخرين‭ ‬كيف‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬أشخاصًا‭ ‬أفضل‭. ‬فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬اليوم‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬الأسهل‭ ‬والأرخص‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬نحتاج‭ ‬إليه‭ ‬دون‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬الاستعارة‭ ‬من‭ ‬الجيران،‭ ‬فإنه‭ ‬تجب‭ ‬استعادة‭ ‬تلك‭ ‬العادة،‭ ‬لأنه‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬ننسى‭ ‬كم‭ ‬هو‭ ‬جميل‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬عائلة‭ ‬أوسع‭ ‬تمتد‭ ‬خارج‭ ‬جدران‭ ‬منازلنا‭ .‬

استعارة‭ ‬الملابس‭ ‬