القلب

القلب

ملك‭ ‬الجسد،‭ ‬والسلطان‭ ‬المتوج‭ ‬على‭ ‬أمور‭ ‬حياتنا،‭ ‬وبئر‭ ‬النفط‭ ‬المتجددة‭ ‬لمشاعرنا‭.‬

ظل‭ ‬أبي‭ - ‬رحمه‭ ‬الله‭ - ‬قلب‭ ‬أمه،‭ ‬لأنه‭ ‬جاء‭ ‬بعد‭ ‬أربع‭ ‬فتيات،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬حقق‭ ‬لأمه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الفخر‭ ‬في‭ ‬حياتها‭ ‬الفقيرة،‭ ‬فلا‭ ‬أنسى‭ ‬اجدتي‭ ‬ودودةب،‭ ‬وهي‭ ‬جالسة‭ ‬بجوار‭ ‬الراديو‭: ‬لتسمع‭ ‬اسم‭ ‬ابنها‭ ‬وهو‭ ‬يتردد‭ ‬في‭ ‬الراديو‭ ‬حاصلًا‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬الدولة‭ ‬التشجيعية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1984،‭ ‬وظلت‭ ‬تصيح‭ ‬وتبكي‭ ‬مرددة‭ ‬اسمه‭ ‬خلف‭ ‬المذيع‭: ‬ابني،‭ ‬قلبي‭!‬

وكان‭ ‬هذا‭ ‬يضايقني،‭ ‬كيف‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أصير‭ ‬قلب‭ ‬أمي‭ ‬وسط‭ ‬إخوتي؟‭ ‬وقد‭ ‬تحقق‭ ‬هذا‭ ‬عندما‭ ‬دخلت‭ ‬عالم‭ ‬الكتابة،‭ ‬واستطعت‭ ‬أن‭ ‬أقدم‭ ‬إنجازًا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحياة،‭ ‬فأصبحت‭ ‬أنا‭ ‬قلب‭ ‬أمي‭. ‬ومن‭ ‬حينها‭ ‬والقلب‭ ‬يسيطر‭ ‬على‭ ‬تفكيري،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أنت‭ ‬المحور‭ ‬والمحرك‭ ‬والآمر‭ ‬الناهي،‭ ‬فأي‭ ‬ارتباكة‭ ‬في‭ ‬القلب‭ ‬تقلب‭ ‬المزاج‭ ‬العام،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬العقل‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يقود‭ ‬ويحلل‭ ‬ويفكر،‭ ‬لكن‭ ‬يظل‭ ‬للقلب‭ ‬حدسه‭ ‬الخاص‭ ‬ويقينه‭ ‬الذي‭ ‬يحرك‭ ‬مشاعرنا‭ ‬ويحدد‭ ‬علاقاتنا،‭ ‬هذا‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الإنساني،‭ ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬اتسعت‭ ‬الرؤية،‭ ‬فإننا‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬هو‭ ‬قلب‭ ‬العالم‭ ‬وبؤرة‭ ‬أحداثه،‭ ‬فيه‭ ‬هبطت‭ ‬الرسالات‭ ‬السماوية،‭ ‬وفيه‭ ‬مصير‭ ‬ونبض‭ ‬العالم،‭ ‬ومع‭ ‬أي‭ ‬ارتباكة‭ ‬في‭ ‬دمائه‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬مزاجه‭ ‬العام‭ ‬يضطرب‭ ‬العالم،‭ ‬ويصاب‭ ‬بذبحة‭ ‬صدرية‭ ‬أو‭ ‬أزمة‭ ‬قلبية‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬مجريات‭ ‬الحياة،‭ ‬لذا‭ ‬هو‭ ‬مريض‭ ‬دائمًا‭ ‬يسير‭ ‬على‭ ‬المسكنات،‭ ‬فهو‭ ‬قلب‭ ‬العالم‭ ‬وجوهر‭ ‬التاريخ‭ ‬وثقل‭ ‬حضارة‭ ‬الماضي‭ ‬المجيدة،‭ ‬لذلك‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ننظر‭ ‬إلى‭ ‬الحروب‭ ‬التي‭ ‬تقام‭ ‬على‭ ‬أديمه‭ ‬كل‭ ‬فترة،‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬عمليات‭ ‬جراحية‭ ‬بسبب‭ ‬اضطراب‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬العالم‭.‬

والأم‭ ‬هي‭ ‬قلب‭ ‬البيت‭ ‬ونبضه‭ ‬ومشاعره،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تقلق‭ ‬وتسهر‭ ‬وتنظّم‭ ‬ضربات‭ ‬قلبه،‭ ‬لكن‭ ‬الأب‭ ‬يصبح‭ ‬العقل‭ ‬بما‭ ‬يقدمه‭ ‬من‭ ‬أموال‭ ‬ورعاية‭ ‬ومراقبة،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬الأم،‭ ‬وقلب‭ ‬النار‭ ‬هي‭ ‬الجمرة‭ ‬شديدة‭ ‬السخونة،‭ ‬واقلَبَ‭ ‬هذا‭ ‬على‭ ‬ذاكب،‭ ‬أي‭ ‬شحنه‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬تُحمد‭ ‬عقباه،‭ ‬واقلَبَ‭ ‬الترابيزة‭ ‬أو‭ ‬الطبليةب‭ ‬مصطلح‭ ‬سياسي‭ ‬لتدمير‭ ‬أي‭ ‬مناقشات‭ ‬أو‭ ‬اتفاقيات،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬تناسبها‭ ‬كلمة‭ ‬انسكاب‭ ‬الشيء،‭ ‬بينما‭ ‬الجمار‭ ‬هو‭ ‬قلبُ‭ ‬النخيل،‭ ‬وهو‭ ‬شديد‭ ‬البياض،‭ ‬وذو‭ ‬طعم‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لك‭ ‬أن‭ ‬تنساه،‭ ‬والله‭ ‬هو‏‭ ‬مقلّب‭ ‬القلوب،‏‭ ‬أي‭ ‬مغيّرها‭ ‬ومحوّلها‭ ‬من‭ ‬حال‭ ‬إلى‭ ‬حال،‭ ‬وكما‭ ‬يقال‭ ‬اربك‭ ‬رب‭ ‬قلوبب،‭ ‬أي‭ ‬عالم‭ ‬ببواطنها‭. ‬والقلب‭ ‬هو‭ ‬العضو‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬اتخذ‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الصفات‭: ‬أبيض‭ ‬القلب‭: ‬طاهر،‭ ‬لا‭ ‬ينوي‭ ‬سوءًا،‭ ‬أعمى‭ ‬القلب‭: ‬لا‭ ‬يهتدي‭ ‬إلى‭ ‬الصَّواب،‭ ‬بسيط‭ ‬القلب‭: ‬طبيعيّ،‭ ‬ساذج،‭ ‬على‭ ‬الفطرة،‭ ‬لذا‭ ‬يظل‭ ‬االلّي‭ ‬في‭ ‬القلب‭ ‬في‭ ‬القلبب،‭ ‬فربما‭ ‬يظهر‭ ‬على‭ ‬الوجه‭ ‬شيء‭ ‬آخر‭ ‬لا‭ ‬يدركه‭ ‬غير‭ ‬القلب‭.‬

 

قلب‭ ‬المؤمن‭ ‬دليله‭ ‬

وتتشكّل‭ ‬القلوب‭ ‬حسب‭ ‬ما‭ ‬نراه،‭ ‬أي‭ ‬تصبح‭ ‬صفة‭ ‬القلب‭ ‬هي‭ ‬الأساس،‭ ‬فقلب‭ ‬المؤمن‭ ‬دليله‭ ‬كناية‭ ‬عن‭ ‬حدسه‭ ‬الصائب،‭ ‬لكن‭ ‬القلب‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يخدعك،‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬صاحبه‭ ‬ذا‭ ‬قلب‭ ‬أسود،‭ ‬وقد‭ ‬انتشر‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬هذا‭ ‬اللفظ،‭ ‬اأبو‭ ‬قلب‭ ‬أسودب‭ ‬أو‭ ‬قلبه‭ ‬أسود‭.‬

والقلب‭ ‬هو‭ ‬الموتور‭ ‬أو‭ ‬الدينامو‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأجهزة،‭ ‬خاصة‭ ‬الأجهزة‭ ‬المنزلية،‭ ‬فنجد‭ ‬تعبير‭ ‬اقلبها‭ ‬عطلب،‭ ‬أو‭ ‬اقلبها‭ ‬توقفب،‭ ‬حيث‭ ‬يطلق‭ ‬هذا‭ ‬على‭ ‬مروحة‭ ‬أو‭ ‬غسالة،‭ ‬فقلبها‭ ‬أهم‭ ‬جزء‭ ‬فيها،‭ ‬بينما‭ ‬نجد‭ ‬القلب‭ ‬المقدس‭ ‬كنيسة‭ ‬شهيرة‭ ‬في‭ ‬نوتردام‭ ‬بباريس،‭ ‬واقلب‭ ‬الليلب‭ ‬رواية‭ ‬لنجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬يبحث‭ ‬فيها‭ ‬البطل‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الإيمان‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬رضا‭ ‬الرب،‭ ‬والملك‭ ‬ريتشارد‭ ‬الأول‭ ‬ملك‭ ‬إنجلترا‭ (‬1157‭ - ‬1199‭) ‬لقّب‭ ‬بـ‭ ‬اقلب‭ ‬الأسدب‭ ‬بفضل‭ ‬سمعته‭ ‬كمحارب‭ ‬عظيم‭ ‬وقائد‭ ‬عسكري،‭ ‬وهو‭ ‬القائد‭ ‬الرئيس‭ ‬خلال‭ ‬الحملة‭ ‬الصليبية‭ ‬الثالثة،‭ ‬ويعتبر‭ ‬أحد‭ ‬أيقونات‭ ‬إنجلترا‭ ‬وفرنسا‭. ‬وكانت‭ ‬الأميرة‭ ‬ديانا‭ (‬أميرة‭ ‬ويلز‭)‬،‭ ‬هي‭ ‬ملكة‭ ‬القلوب،‭ ‬وقد‭ ‬توفيت‭ ‬في‭ ‬31‭ ‬أغسطس‭ ‬عام‭ ‬1997،‭ ‬عن‭ ‬36‭ ‬عامًا‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬أشهر‭ ‬الحوادث‭ ‬بالقرن‭ ‬العشرين،‭ ‬وقد‭ ‬لقبت‭ ‬بهذا‭ ‬اللقب‭ ‬كفاعلة‭ ‬خير‭. ‬وعندما‭ ‬كانت‭ ‬الإذاعة‭ ‬هي‭ ‬البهجة‭ ‬لنا،‭ ‬كان‭ ‬برنامج‭ ‬اساعة‭ ‬لقلبكب‭ ‬هو‭ ‬الفاكهة‭ ‬التي‭ ‬تنتظرها‭ ‬آذان‭ ‬المستمعين‭ ‬يوميًّا‭ ‬في‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬وستينياته،‭ ‬وقد‭ ‬ضم‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬نجوم‭ ‬وكتاب‭ ‬الكوميديا‭ ‬والفكاهة،‭ ‬مثل‭ ‬يوسف‭ ‬عوف‭ ‬وأمين‭ ‬الهنيدي‭ ‬وفؤاد‭ ‬المهندس‭ ‬ومحمد‭ ‬أحمد‭ ‬المصري‭ (‬الشهير‭ ‬بأبو‭ ‬لمعة‭) ‬وفؤاد‭ ‬راتب‭ (‬الشهير‭ ‬بالخواجة‭ ‬بيجو‭). ‬وقد‭ ‬اعتقد‭ ‬المصري‭ ‬القديم‭ ‬أن‭ ‬مركز‭ ‬البصيرة‭ ‬في‭ ‬الإنسان‭ ‬هو‭ ‬القلب،‭ ‬حيث‭ ‬إنه‭ ‬هو‭ ‬الشاهد‭ ‬على‭ ‬الإنسان،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬الكذب‭ ‬عليه‭ ‬أو‭ ‬خداعه،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬اذكاء‭ ‬القلبب‭ ‬أو‭ ‬اوعي‭ ‬القلبب‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يتخيل‭ ‬ويفكر‭ ‬ويعطى‭ ‬الأوامر‭ ‬للأعصاب‭ ‬والعضلات‭ ‬والجوارح،‭ ‬ويمكّن‭ ‬الحواس‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬بالشكل‭ ‬الأمثل،‭ ‬فكل‭ ‬شيء‭ ‬ينبع‭ ‬من‭ ‬القلب‭ ‬ويعود‭ ‬إليه‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭.‬

 

مَلِكُ‭ ‬البَدن

تعبّر‭ ‬رؤية‭ ‬القلب‭ ‬في‭ ‬المنام،‭ ‬عن‭ ‬شجاعة‭ ‬الرجل،‭ ‬وسماحته‭ ‬وجرأته‭ ‬وجلادته‭ ‬وجُوده‭ ‬وسخائه‭ ‬وغلظته‭ ‬وصلاحه‭ ‬وفساده،‭ ‬وذلك‭ ‬لأنه‭ ‬ملك‭ ‬البدن‭.‬

وقد‭ ‬يعبّر‭ ‬بالقلب‭ ‬عن‭ ‬العقل،‭ ‬لكن‭ ‬يظل‭ ‬للقلب‭ ‬حدسه‭ ‬وعاطفته‭ ‬وتقلّباته،‭ ‬ويترك‭ ‬للعقل‭ ‬تحليلاته‭ ‬وأسانيده‭ ‬ووصوله‭ ‬إلى‭ ‬البرهان،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬القلب‭ ‬يصل‭ ‬إليها‭ ‬قبل‭ ‬العقل‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬مسائلنا‭ ‬الحياتية‭. ‬فالقلب‭ ‬له‭ ‬منطقه‭ ‬الخاص‭ ‬أو‭ ‬يقينه‭ ‬الذاتي،‭ ‬والذي‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬المنطق‭ ‬الطبيعي‭ ‬اأي‭ ‬العقلب‭ ‬والقائم‭ ‬على‭ ‬تحليلاته‭ ‬واستنتاجاته،‭ ‬لذا‭ ‬فإنّ‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬تحدث‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬اليومية،‭ ‬نشرك‭ ‬فيها‭ ‬القلب‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬وتحليل‭ ‬الأمور‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬العقل،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجعلنا‭ ‬نردد‭ ‬أو‭ ‬نخبط‭ ‬صدورنا‭ ‬عندما‭ ‬يتألم‭ ‬القلب،‭ ‬أو‭ ‬عندما‭ ‬ينتفض،‭ ‬حيث‭ ‬إنه‭ ‬غير‭ ‬مقتنع‭ ‬بما‭ ‬يحدث،‭ ‬أو‭ ‬لاحت‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬فرحة‭ ‬لم‭ ‬يدركها‭ ‬العقل‭ ‬بعد‭.‬

وأول‭ ‬محاولة‭ ‬حقيقية‭ ‬لفهم‭ ‬دور‭ ‬القلب‭ ‬والدورة‭ ‬الدموية،‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬ابن‭ ‬النفيس،‭ ‬الذي‭ ‬عاش‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬الشام،‭ ‬وطوَّر‭ ‬ملاحظاته‭ ‬الأساسية‭ ‬عن‭ ‬القلب‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬االموجز‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الطبب،‭ ‬بينما‭ ‬أول‭ ‬نقلة‭ ‬نوعية‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬تعاملنا‭ ‬مع‭ ‬القلب،‭ ‬والفهم‭ ‬الحقيقي‭ ‬لوظائفه،‭ ‬وما‭ ‬يفعله‭ ‬بالضبط‭ ‬في‭ ‬جسم‭ ‬الإنسان،‭ ‬جاءت‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الطبيب‭ ‬الإنجليزي‭ ‬الأشهر‭ ‬ويليام‭ ‬هارفي،‭ ‬تزامنًا‭ ‬مع‭ ‬نشر‭ ‬كتابه‭ ‬اDe Motu Cordisب،‭ ‬عام‭ ‬1628،‭ ‬حيث‭ ‬ذكر‭ ‬ولأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬التاريخ،‭ ‬وصفًا‭ ‬للدورة‭ ‬الدموية‭ ‬الكبرى،‭ ‬التي‭ ‬يتحرك‭ ‬فيها‭ ‬الدم‭ ‬عبر‭ ‬الجسم‭ ‬كله،‭ ‬ومركزية‭ ‬دور‭ ‬القلب‭ ‬فيها‭ ‬كمضخة‭.‬

وفي‭ ‬عام‭ ‬1924،‭ ‬كان‭ ‬أول‭ ‬ظهور‭ ‬لتخطيط‭ ‬القلب‭ ‬الكهربائي‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬العالم‭ ‬الألماني‭ ‬ويليام‭ ‬انتهوفن،‭ ‬الذي‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬في‭ ‬الطب‭ ‬بالعام‭ ‬نفسه‭. ‬وأول‭ ‬عملية‭ ‬زرع‭ ‬قلب‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1967،‭ ‬حيث‭ ‬أجرى‭ ‬الجراح‭ ‬كريستيان‭ ‬بارنارد‭ ‬أول‭ ‬عملية‭ ‬جراحية‭ ‬لزراعة‭ ‬قلب‭ ‬بجنوب‭ ‬إفريقيا‭. ‬وعاش‭ ‬المريض‭ ‬الذي‭ ‬تلقّى‭ ‬القلب‭ ‬الجديد‭ ‬18‭ ‬يومًا‭ ‬فقط‭ ‬عقب‭ ‬الجراحة‭.‬

 

القلب‭ ‬السليم

‏لا‭ ‬يكونُ‭ ‬القلب‭ ‬سليمًا‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬حقودًا‭ ‬حسودًا،‭ ‬معجبًا‭ ‬متكبرًا،‭ ‬وقد‭ ‬شرط‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ [ ‬في‭ ‬الإيمان‭ ‬أن‭ ‬يحب‭ ‬لأخيه‭ ‬ما‭ ‬يحب‭ ‬لنفسه‭. ‬ونجد‭ ‬هذا‭ ‬مؤكدًا‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: ‬‭{‬إِذْ‭ ‬جَاءَ‭ ‬رَبَّهُ‭ ‬بِقَلْبٍ‭ ‬سَلِيمٍ‭ }. (‬سورة‭ ‬الصافات‭ - ‬الآية‭ ‬84‭)‬‭.‬

وأكثر‭ ‬مَن‭ ‬يقوم‭ ‬بزراعة‭ ‬القلب‭ ‬أو‭ ‬يغيّر‭ ‬شرايين‭ ‬قلبه،‭ ‬السياسيون‭ ‬والمدرسون‭ ‬والمدخنون‭ ‬بشراهة،‭ ‬والآباء‭ ‬القلقون‭ ‬دائمًا‭ ‬على‭ ‬أبنائهم،‭ ‬ومدربو‭ ‬كرة‭ ‬القدم،‭ ‬والحكام‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬الانقلاب‭ ‬عليهم،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬جاءت‭ ‬مقولة‭ ‬اقلب‭ ‬نظام‭ ‬الحكمب،‭ ‬وهي‭ ‬أقدم‭ ‬تهمة‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬السياسي،‭ ‬وهي‭ ‬تهمة‭ ‬سهل‭ ‬جدًّا‭ ‬أن‭ ‬تتهم‭ ‬بها؛‭ ‬سواء‭ ‬قمت‭ ‬بعملية‭ ‬انقلاب‭ ‬حقيقية،‭ ‬أو‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬على‭ ‬هوى‭ ‬النظام‭ ‬الذي‭ ‬تعيش‭ ‬بين‭ ‬جنباته،‭ ‬وأول‭ ‬أعداء‭ ‬القلب‭ ‬المكر‭ ‬والخداع‭ ‬والدهون‭ ‬وكثرة‭ ‬الأكل‭ ‬والتدخين،‭ ‬والزحام،‭ ‬والحيرة،‭ ‬والشك،‭ ‬ونقص‭ ‬النقود،‭ ‬أو‭ ‬كثرتها‭ ‬أيضًا‭. ‬إن‭ ‬القلب‭ ‬هو‭ ‬مايسترو‭ ‬بئر‭ ‬الحب‭ ‬ومنبع‭ ‬الحياة،‭ ‬وهو‭ ‬العضو‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬توقف،‭ ‬بل‭ ‬ويعمل‭ ‬لمصلحة‭ ‬جميع‭ ‬أعضاء‭ ‬الجسم،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬يتوقف‭ ‬فيها،‭ ‬تكون‭ ‬الوفاة‭. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬القلب‭ ‬هو‭ ‬ملك‭ ‬الجسد‭ ‬وقائد‭ ‬مشاعره،‭ ‬فنحن‭ ‬ندين‭ ‬بالكثير‭ ‬لملك‭ ‬القلوب‭ ‬وهو‭ ‬لقب‭ ‬الطبيب‭ ‬العالمي‭ ‬مجدي‭ ‬يعقوب،‭ ‬الذي‭ ‬نكنّ‭ ‬له‭ ‬كل‭ ‬حب،‭ ‬حيث‭ ‬يأخذ‭ ‬قطعة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬قلوبنا‭ ‬كجرّاح‭ ‬ماهر‭ ‬في‭ ‬علاج‭ ‬القلوب‭ ‬وزراعتها،‭ ‬والآن‭ ‬عليّ‭ ‬أن‭ ‬أنهض‭ ‬كي‭ ‬أعطي‭ ‬لأمي‭ ‬دواء‭ ‬قلبها،‭ ‬حتى‭ ‬أظل‭ ‬قلبها‭ ‬النابض،‭ ‬بصفتي‭ ‬قلب‭ ‬أمي‭ .