النفط بين إرث التاريخ وتحديات القرن الـ 21

النفط بين إرث التاريخ  وتحديات القرن الـ 21

مازال‭ ‬النفط‭ ‬يمثّل‭ ‬أهم‭ ‬العناصر‭ ‬المؤثرة‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬العرض‭ ‬والطلب‭ ‬والتطورات‭ ‬المؤثرة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الطاقة‭.‬

يعد‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬النفط‭ ‬بين‭ ‬إرث‭ ‬التاريخ‭ ‬وتحديات‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬أعده‭ ‬د‭. ‬ماجد‭ ‬المنيف،‭ ‬والصادر‭ ‬عن‭ ‬المركز‭ ‬الثقافي‭ ‬العربي‭ ‬‮«‬الطبعة‭ ‬الأولى‭ ‬عام‭ ‬2017‮»‬،‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬كتب‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬بشأن‭ ‬النفط‭. ‬بطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬ليس‭ ‬الأمر‭ ‬مستغربًا،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬د‭. ‬المنيف‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬الاقتصاديين‭ ‬العرب،‭ ‬فقد‭ ‬عمل‭ ‬أستاذًا‭ ‬للاقتصاد‭ ‬بجامعة‭ ‬الملك‭ ‬سعود،‭ ‬وممثلا‭ ‬للسعودية‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬محافظي‭ ‬‮«‬أوبك‮»‬،‭ ‬وأمينًا‭ ‬عامًّا‭ ‬للمجلس‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الأعلى،‭ ‬وعضوًا‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الشورى‭ ‬السعودي،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬ترأس‭ ‬جمعية‭ ‬الاقتصاد‭ ‬السعودية‭ ‬وملتقى‭ ‬الطاقة‭ ‬العربي‭.‬

‭ ‬يشمل‭ ‬الكتاب‭ ‬كل‭ ‬الأمور‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭ ‬بالنفط؛‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬خصائصه‭ ‬الطبيعية‭ ‬وبدايات‭ ‬تكوين‭ ‬الصناعة‭ ‬وعلاقته‭ ‬بالغاز‭ ‬الطبيعي،‭ ‬ويتكون‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬مباحث‭: ‬علاقات‭ ‬النفط‭ ‬المتداخلة،‭ ‬والقرن‭ ‬العشرون‭ ‬والعصر‭ ‬الذهبي‭ ‬للنفط،‭ ‬ثم‭ ‬آفاق‭ ‬وتحديات‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭.‬

ويقول‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬المقدمة‭: ‬احظي‭ ‬النفط‭ ‬منذ‭ ‬اكتشافه‭ ‬واستغلاله‭ ‬تجاريًّا‭ ‬نهاية‭ ‬العقد‭ ‬الخامس‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬وحتى‭ ‬الآن،‭ ‬باهتمام‭ ‬لم‭ ‬تحظَ‭ ‬به‭ ‬أي‭ ‬سلعة‭ ‬أولية‭ ‬أخرى،‭ ‬نظرًا‭ ‬إلى‭ ‬دوره‭ ‬المحوري‭ ‬في‭ ‬تطور‭ ‬البشرية‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والسياسي‭ ‬والاجتماعي،‭ ‬وفي‭ ‬تشكيل‭ ‬مصائر‭ ‬وتنظيم‭ ‬مجتمعات‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الشعوب‭ ‬والدول‭ ‬وعلاقاتها‭ ‬فيما‭ ‬بينهاب‭.‬

تؤكد‭ ‬هذه‭ ‬المقدمة‭ ‬الأهمية‭ ‬البالغة‭ ‬للنفط‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬المجتمعات‭ ‬الإنسانية‭ ‬قاطبة‭ ‬منذ‭ ‬اكتشافه‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬حتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا،‭ ‬وفي‭ ‬جميع‭ ‬البلدان‭ ‬المنتجة‭ ‬والمستهلكة‭.‬

كما‭ ‬هو‭ ‬معلوم‭ ‬أن‭ ‬النفط‭ ‬مرّ‭ ‬بمراحل‭ ‬تاريخية‭ ‬من‭ ‬أهمها‭ ‬أن‭ ‬عمليات‭ ‬الإنتاج‭ ‬تطورت،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬محتكرًا‭ ‬من‭ ‬شركة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬يمكن‭ ‬الزعم‭ ‬بأن‭ ‬شركة‭ ‬ستاندرد‭ ‬أويل‭ ‬التي‭ ‬أسسها‭ ‬جون‭ ‬روكفلر‭ ‬عام‭ ‬1870‭ ‬هي‭ ‬الشركة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬تولت‭ ‬عمليات‭ ‬التنقيب‭ ‬والإنتاج‭ ‬والتكرير‭ ‬والتوزيع‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والعالم‭.‬

وقد‭ ‬تمكّنت‭ ‬الشركة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تعاقداتها‭ ‬مع‭ ‬مؤسسة‭ ‬السكك‭ ‬الحديد‭ ‬مـن‭ ‬توفير‭ ‬إمدادات‭ ‬النفط‭ ‬ومكرراته‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المناطق‭ ‬الأمريكية‭.‬

اكان‭ ‬الكيروسين‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬المنتجات‭ ‬المكررة‭ ‬التي‭ ‬اعتمد‭ ‬عليها،‭ ‬وقد‭ ‬استخدم‭ ‬للإنارة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬المنتج‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الصادرات‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشرب‭. ‬

 

‮«‬ستاندرد‭ ‬أويل‮»‬

بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬شكّل‭ ‬احتكار‭ ‬ستاندرد‭ ‬أويل‭ ‬مصاعب‭ ‬لعديد‭ ‬من‭ ‬المنتجين،‭ ‬وعزز‭ ‬العداء‭ ‬السياسي‭ ‬لها‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬زمني‭ ‬طويل،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬التشريعات‭ ‬والأنظمة‭ ‬على‭ ‬تمكين‭ ‬المنافسين‭ ‬من‭ ‬توفير‭ ‬إمدادات‭ ‬النفط‭ ‬الخام‭ ‬والمنتجات‭ ‬المكررة‭ ‬داخل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وبقية‭ ‬البلدان‭ ‬المستهلكة‭ ‬الأساسية‭.‬

وقد‭ ‬أدى‭ ‬اختراع‭ ‬توماس‭ ‬أديسون‭ ‬المصباح‭ ‬الكهربائي‭ ‬إلى‭ ‬تراجع‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬الكيروسين،‭ ‬لكن‭ ‬اختراعًا‭ ‬آخر‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬دور‭ ‬النفط،‭ ‬فقد‭ ‬عزز‭ ‬اختراع‭ ‬آلة‭ ‬الاحتراق‭ ‬الداخلي‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬الجازولين‭ ‬والديزل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تسيير‭ ‬مركبات‭ ‬النقل‭ ‬البري‭.‬

كما‭ ‬تمكنت‭ ‬شركة‭ ‬فورد‭ ‬من‭ ‬تدشين‭ ‬تجميع‭ ‬السيارات‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1914،‭ ‬ثم‭ ‬بداية‭ ‬تسيير‭ ‬السفن‭ ‬والقطارات‭ ‬بمنتج‭ ‬زيت‭ ‬الوقود‭ ‬الثقيل،‭ ‬واستخدام‭ ‬الديزل‭ ‬وزيت‭ ‬الوقود‭ ‬في‭ ‬توليد‭ ‬الكهرباء،‭ ‬وبعدها‭ ‬النافتا،‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬البتروكيماويات،‭ ‬واستعادة‭ ‬الكيروسين‭ ‬دوره‭ ‬في‭ ‬النقل‭ ‬الجوي،‭ ‬وهي‭ ‬القطاعات‭ ‬التي‭ ‬ميّزت‭ ‬دور‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرينب‭.‬

هكذا‭ ‬يوضح‭ ‬الكاتب‭ ‬الدور‭ ‬المتنامي‭ ‬والمتسارع‭ ‬للنفط‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بمختلف‭ ‬البلدان،‭ ‬وقد‭ ‬انتهى‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬دون‭ ‬بروز‭ ‬لمنطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬ومنها‭ ‬البلدان‭ ‬المشرقية،‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬النفط،‭ ‬حيث‭ ‬اقتصرت‭ ‬مناطق‭ ‬الإنتاج‭ ‬على‭ ‬شرق‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وباكو‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬قزوين‭ ‬وسومطرة،‭ ‬كما‭ ‬يبيّن‭ ‬الكاتب‭ ‬أنه‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬ثلاثة‭ ‬أسواق‭ ‬لمنتجَي‭ ‬الكيروسين‭ ‬وزيت‭ ‬الوقود‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وأوربا‭ ‬وشرق‭ ‬آسيا‭. ‬وفي‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬كان‭ ‬الفحم‭ ‬يمثّل‭ ‬مصدرًا‭ ‬للطاقة،‭ ‬حيث‭ ‬تجاوزت‭ ‬حصته‭ ‬90‭ ‬في‭ ‬المئة‭. ‬

ويتطرق‭ ‬الكاتب‭ ‬د‭. ‬المنيف،‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬المبحث‭ ‬الأول‭ ‬إلى‭ ‬اأنواع‭ ‬وخصائص‭ ‬احتياطيات‭ ‬النفط‭ ‬وبنية‭ ‬صناعتهب‭. ‬

 

تعقيد‭ ‬وتنويع

يتضح‭ ‬من‭ ‬العرض‭ ‬التعقيد‭ ‬والتنويع‭ ‬في‭ ‬أوضاع‭ ‬النفط‭ ‬وصناعته‭. ‬هناك‭ ‬النفط‭ ‬التقليدي‭ ‬وغير‭ ‬التقليدي،‭ ‬الذي‭ ‬يتنوع‭ ‬بين‭ ‬النفط‭ ‬الثقيل‭ ‬جدًّا‭ ‬ورمال‭ ‬الزيت‭ ‬والنفط‭ ‬الصخري‭ ‬وصخور‭ ‬الزيت‭.‬

وهناك‭ ‬الغاز‭ ‬المحوّل‭ ‬إلى‭ ‬سوائل‭ ‬والفحم‭ ‬المحوّل‭ ‬إلى‭ ‬سوائل،‭ ‬كذلك‭ ‬هناك‭ ‬مصدر‭ ‬آخر‭ ‬للطاقة،‭ ‬وهو‭ ‬الوقود‭ ‬الحيوي‭ ‬المنتج‭ ‬من‭ ‬السكّر‭ ‬والنشويات‭.‬

لكن‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬ذُكر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفصل‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالنفط‭ ‬واحتياطاته،‭ ‬ويرتكز‭ ‬الباحث‭ ‬إلى‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المصادر‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬دراسات‭ ‬مجلس‭ ‬النفط‭ ‬العالمي‭ ‬وجمعية‭ ‬مهندسي‭ ‬النفط‭ ‬والجمعية‭ ‬الأمريكية‭ ‬لجيولوجي‭ ‬النفط‭. ‬يتحدد‭ ‬الاحتياطي،‭ ‬كما‭ ‬يشير‭ ‬الكاتب،‭ ‬إلى‭ ‬احتياطي‭ ‬مؤكد،‭ ‬والذي‭ ‬يمكن‭ ‬استخراجه‭ ‬بثقة‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬عن‭ ‬90‭ ‬في‭ ‬المئة،‭ ‬وهناك‭ ‬الاحتياطي‭ ‬المحتمل،‭ ‬ويمثّل‭ ‬الكميات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬استخراجها‭ ‬بمستوى‭ ‬ثقة‭ ‬تقدر‭ ‬بـ‭ ‬50‭ ‬في‭ ‬المئة‭. ‬كذلك‭ ‬الاحتياطي‭ ‬الممكن‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تزيد‭ ‬الثقة‭ ‬باستخراجه‭ ‬على‭ ‬10‭ ‬في‭ ‬المئة‭.‬

‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬معلوم‭ ‬أن‭ ‬مسألة‭ ‬الاحتياطي‭ ‬وتقديره‭ ‬تظل‭ ‬من‭ ‬المسائل‭ ‬القابلة‭ ‬للجدل،‭ ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬تثير‭ ‬القلق‭ ‬والخلافات‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬المنتجة‭ ‬للنفط،‭ ‬ومنها‭ ‬بلدان‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭.‬

وبموجب‭ ‬الجداول‭ ‬الواردة‭ ‬في‭ ‬الكتاب،‭ ‬فإن‭ ‬احتياطي‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬ارتفع‭ ‬من‭ ‬353‭ ‬مليار‭ ‬برميل‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1960‭ ‬إلى‭ ‬1700‭ ‬مليار‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2015‭. ‬أما‭ ‬احتياطي‭ ‬بلدان‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬فقد‭ ‬ارتفع‭ ‬من‭ ‬182‭ ‬مليار‭ ‬برميل‭ ‬عام‭ ‬1960‭ ‬إلى‭ ‬804‭ ‬مليارات‭ ‬عام‭ ‬2015‭.‬

 

بُعد‭ ‬استراتيجي

لقد‭ ‬أصبح‭ ‬للنفط‭ ‬بُعد‭ ‬استراتيجي،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نجح‭ ‬ونستون‭ ‬تشرشل،‭ ‬وزير‭ ‬البحرية‭ ‬البريطانية‭ ‬عام‭ ‬1913،‭ (‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬رئيسًا‭ ‬للوزراء‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭)‬،‭ ‬في‭ ‬إقناع‭ ‬البرلمان‭ ‬بتحوّل‭ ‬البحرية‭ ‬البريطانية‭ ‬من‭ ‬استخدام‭ ‬الفحم‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬زيت‭ ‬الوقود‭ ‬من‭ ‬النفط‭ ‬المنتج‭ ‬خارج‭ ‬بريطانيا‭. ‬وقد‭ ‬عزز‭ ‬ذلك‭ ‬الاستخدام‭ ‬القدرات‭ ‬العسكرية‭ ‬البريطانية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الأعداء،‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬التي‭ ‬نشبت‭ ‬مع‭ ‬الألمان،‭ ‬الحربين‭ ‬العالميتين‭ ‬الأولى‭ ‬والثانية‭.‬

لا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬دفع‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬لتحفيز‭ ‬الشركات‭ ‬الكبرى‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬جديدة‭ ‬خارج‭ ‬المناطق‭ ‬المعلومة‭ ‬بثروتها‭ ‬النفطية‭.‬

وأصبحت‭ ‬بلدان‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬محطّ‭ ‬اهتمام‭ ‬تلك‭ ‬الشركات،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬والعراق‭ ‬والكويت‭ ‬والسعودية‭. ‬ووقّعت‭ ‬اتفاقيات‭ ‬الامتياز‭ ‬والتنقيب‭ ‬خلال‭ ‬عشرينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬وقبل‭ ‬ذلك‭. ‬وقد‭ ‬أسست‭ ‬شركة‭ ‬النفط‭ ‬الأنجلوفارسية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1914،‭ ‬كما‭ ‬أُسست‭ ‬شركة‭ ‬نفط‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1928‭. ‬تلك‭ ‬الشركات‭ ‬كانت‭ ‬تمثّل‭ ‬شراكات‭ ‬بين‭ ‬الشركات‭ ‬العالمية‭ ‬الرئيسة،‭ ‬مثل‭ ‬British‭ ‬Petroleum‭ ‬وشركات‭ ‬فرنسية‭ ‬أو‭ ‬أمريكية‭ ‬أو‭ ‬هولندية‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬شركتي‭ ‬British‭ ‬Petroleum‭ ‬وGulf‭ ‬Oil‭ ‬حصلتا‭ ‬على‭ ‬امتياز‭ ‬للتنقـــيب‭ ‬وإنتاج‭ ‬نفط‭ ‬الكويت،‭ ‬وأسستا‭ ‬شركة‭ ‬نفط‭ ‬الكويت‭ (‬K‭.‬O‭.‬C‭). ‬

ومنذ‭ ‬العقد‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬أصبح‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬مركز‭ ‬اهتمام‭ ‬الشركات‭ ‬النفطية‭ ‬الرئيسة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وجرت‭ - ‬بناء‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ - ‬مباحثات‭ ‬مع‭ ‬الحكومات‭ ‬والسلطات‭ ‬السياسية‭ ‬القائمة‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬مثل‭ ‬إيران‭ ‬والعراق‭ ‬والكويت‭ ‬والسعودية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬عقود‭ ‬امتياز‭.‬

 

عصر‭ ‬النفط‭ ‬بامتياز

غنيّ‭ ‬عن‭ ‬البيان‭ ‬أن‭ ‬انهيار‭ ‬الخلافة‭ ‬العثمانية‭ ‬والتغيير‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬تركيا،‭ ‬بعد‭ ‬وصول‭ ‬مصطفى‭ ‬كمال‭ ‬أتاتورك‭ ‬قد‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬العلاقات‭ ‬السياسية‭ ‬بين‭ ‬بلدان‭ ‬المنطقة‭ ‬والحكومات‭ ‬الغربية،‭ ‬والتي‭ ‬مكّنت‭ ‬الشركات‭ ‬النفطية‭ ‬من‭ ‬تعزيز‭ ‬حضورها‭ ‬ونفوذها‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭. ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬لأي‭ ‬باحث‭ ‬إلا‭ ‬تأكيد‭ ‬أهمية‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬صناعة‭ ‬النفط‭ ‬العالمية‭. ‬

ويشير‭ ‬الكاتب‭ ‬إلى‭ ‬اأن‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬هو‭ ‬عصر‭ ‬النفط‭ ‬بامتيازب،‭ ‬إذ‭ ‬قدّر‭ ‬الإنتاج‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1905‭ ‬بنحو‭ ‬590‭ ‬ألف‭ ‬برميل‭ ‬يوميًّا،‭ ‬تنتج‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬62‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬منها،‭ ‬و31‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬تنتج‭ ‬من‭ ‬روسيا‭ ‬القيصرية‭ ‬و6‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬بإندونيسيا‭. ‬

وقد‭ ‬ساهم‭ ‬إنتاج‭ ‬السيارات‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬إنتاج‭ ‬النفط،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬مبيعات‭ ‬السيارات‭ ‬لا‭ ‬تتعدى‭ ‬مليون‭ ‬سيارة‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬1908‭ ‬إلى‭ ‬1914،‭ ‬ثم‭ ‬ارتفعت‭ ‬المبيعات‭ ‬إلى‭ ‬10‭ ‬ملايين‭ ‬سيارة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1924،‭ ‬وقد‭ ‬ساعد‭ ‬على‭ ‬زيادة‭ ‬المبيعات‭ ‬انخفاض‭ ‬أسعار‭ ‬السيارات،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬890‭ ‬دولارًا‭ ‬للسيارة‭ ‬الواحدة‭ ‬عام‭ ‬1908‭ ‬انخفضت‭ ‬إلى‭ ‬290‭ ‬دولارًا‭ ‬عام‭ ‬1924‭.‬

إذا‭ ‬كان‭ ‬القرن‭ ‬العشرون‭ ‬هو‭ ‬قرن‭ ‬النفط،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬مكّن‭ ‬الدول‭ ‬المصدرة‭ ‬للنفط‭ ‬من‭ ‬جني‭ ‬الثمار،‭ ‬وبطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬إدارة‭ ‬الأموال‭ ‬التي‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬مبيعات‭ ‬النفط‭ ‬متشابهة،‭ ‬فهناك‭ ‬بلدان‭ ‬مثل‭ ‬البلدان‭ ‬الخليجية‭ ‬عززت‭ ‬الأوضاع‭ ‬المعيشية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬بائسة‭ ‬قبل‭ ‬عصر‭ ‬النفط،‭ ‬وطورت‭ ‬المرافق‭ ‬والخدمات،‭ ‬وارتفعت‭ ‬بالمستويات‭ ‬التعليمية‭ ‬والصحية‭. ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته،‭ ‬ونظرًا‭ ‬إلى‭ ‬محدودية‭ ‬أعداد‭ ‬السكان‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البلدان،‭ ‬فقد‭ ‬تدفقت‭ ‬أعداد‭ ‬الوافدين‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬حدب‭ ‬وصوب،‭ ‬وجاء‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬والآسيوية‭ ‬لأداء‭ ‬مختلف‭ ‬الأنشطة،‭ ‬والقيام‭ ‬بأعمال‭ ‬عدد‭ ‬الوظائف‭ ‬والمهن‭ ‬التي‭ ‬عجز‭ ‬المواطنون‭ ‬أو‭ ‬عزفوا‭ ‬عن‭ ‬أدائها‭.‬

 

تحولات‭ ‬سياسية

هناك‭ ‬بلدان‭ ‬أخرى‭ ‬مصدرة‭ ‬للنفط،‭ ‬ولأسباب‭ ‬متعددة‭ ‬ديمغرافية‭ ‬واقتصادية،‭ ‬وأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬سياسية،‭ ‬عجزت‭ ‬عن‭ ‬مواكبة‭ ‬المتغيرات‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬الخليج‭. ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬الإدارة‭ ‬السياسية‭ ‬تمثّل‭ ‬أهم‭ ‬العناصر‭ ‬المؤثرة‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الثروة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬بلدان‭ ‬العالم‭.‬

بعد‭ ‬التحولات‭ ‬السياسية‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬1958‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وعام‭ ‬1979‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬شهدت‭ ‬الدولتان‭ ‬تراجعات‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬الأوضاع‭ ‬المعيشية،‭ ‬وتدهورت‭ ‬نوعية‭ ‬الحياة‭ ‬فيهما،‭ ‬خصوصًا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نشبت‭ ‬بينهما‭ ‬حرب‭ ‬دامت‭ ‬من‭ ‬1980‭ ‬إلى‭ ‬1988،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬مسوغات‭ ‬مقنعة‭ ‬لها‭. ‬وقد‭ ‬بددت‭ ‬أموال‭ ‬النفط‭ ‬على‭ ‬التسلح‭ ‬والعسكرة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬توجه‭ ‬هذه‭ ‬الأموال‭ ‬إلى‭ ‬التنمية‭ ‬والتعمير‭ ‬وصناعة‭ ‬ثروات‭ ‬جديدة‭ ‬ومتنوعة‭.‬

دول‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬النفطية‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬مهم‭ ‬وأساسي‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬منظمة‭ ‬الدول‭ ‬المصدرة‭ ‬للنفط‭ (‬أوبك‭) ‬في‭ ‬عام‭ ‬1960‭ ‬حيث‭ ‬عقد‭ ‬الاجتماع‭ ‬التأسيسي‭ ‬ببغداد‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬العراقي‭ ‬الراحل‭ ‬عبدالكريم‭ ‬قاسم،‭ ‬فقد‭ ‬اجتمع‭ ‬ممثلو‭ ‬السعودية‭ ‬وفنزويلا‭ ‬وإيران‭ ‬والعراق‭ ‬والكويت‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬1960،‭ ‬وقرروا‭ ‬تأسيس‭ ‬اأوبكب،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬عانت‭ ‬الدول‭ ‬المنتجة‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬المنخفضة‭ ‬والشروط‭ ‬الصعبة‭ ‬التي‭ ‬وردت‭ ‬في‭ ‬عقود‭ ‬الامتياز،‭ ‬واعتبرتها‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬متحيزة‭ ‬لمصلحة‭ ‬الشركات‭ ‬النفطية‭. ‬

يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬تأسيس‭ ‬اأوبكب‭ ‬جاء‭ ‬بعد‭ ‬متغيرات‭ ‬سياسية‭ ‬في‭ ‬فنزويلا‭ ‬والعراق،‭ ‬وبعد‭ ‬انقلابات‭ ‬عسكرية؛‭ ‬منها‭ ‬الانقلاب‭ ‬العسكري‭ ‬على‭ ‬الملكية‭ ‬بالعراق‭ ‬في‭ ‬يوليو‭ ‬1958‭ ‬بقيادة‭ ‬اللواء‭ ‬قاسم‭. ‬كذلك‭ ‬كان‭ ‬لإيران‭ ‬مخاض‭ ‬مع‭ ‬مسألة‭ ‬النفط،‭ ‬بعد‭ ‬قيام‭ ‬محمد‭ ‬مصدق‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬بتأميم‭ ‬شركة‭ ‬النفط‭ ‬الإيرانية،‭ ‬ثم‭ ‬الانقلاب‭ ‬الذي‭ ‬دبّر‭ ‬ضده‭ ‬بقيادة‭ ‬شاه‭ ‬إيران‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬المخابرات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬هذه‭ ‬العوامل‭ ‬وارتفاع‭ ‬درجة‭ ‬الوعي‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬نفطية‭ ‬عديدة‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬فنزويلا،‭ ‬دفعت‭ ‬إلى‭ ‬خلق‭ ‬كيان‭ ‬اأوبكب‭ ‬لمواجهة‭ ‬الشركات‭ ‬النفطية‭ ‬العملاقة،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬صياغة‭ ‬علاقات‭ ‬أفضل‭ ‬وتحقيق‭ ‬إيرادات‭ ‬مناسبة‭ ‬لمتطلبات‭ ‬البلدان‭ ‬المنتجة‭.‬

 

صيغ‭ ‬لعلاقات‭ ‬جديدة

في‭ ‬عام‭ ‬1960‭ ‬بلغ‭ ‬إنتاج‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬21‭ ‬مليون‭ ‬برميل‭ ‬في‭ ‬اليوم،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬6‭ ‬ملايين‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1940،‭ ‬لكن‭ ‬إنتاج‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬ارتفع‭ ‬من‭ ‬260‭ ‬ألف‭ ‬برميل‭ ‬إلى‭ ‬5‭.‬2‭ ‬ملايين‭ ‬في‭ ‬اليوم‭.‬

ولم‭ ‬تتوقف‭ ‬عمليات‭ ‬التحول‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬شركات‭ ‬النفط‭ ‬والدول‭ ‬المنتجة‭ ‬عند‭ ‬تأسيس‭ ‬اأوبكب،‭ ‬فقد‭ ‬عززت‭ ‬التطورات‭ ‬السياسية‭ ‬ومتطلبات‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الوطنية‭ ‬دفع‭ ‬مختلف‭ ‬الدول‭ ‬المنتجة‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬صيغ‭ ‬لعلاقات‭ ‬جديدة،‭ ‬وربما‭ ‬إعادة‭ ‬هيكلة‭ ‬الصناعة‭ ‬النفطية‭.‬

وبعد‭ ‬تأسيس‭ ‬اأوبكب‭ ‬ظل‭ ‬سعر‭ ‬النفط‭ ‬متهاودًا،‭ ‬وتراوح‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬1960‭ ‬إلى‭ ‬1972‭ ‬بين‭ ‬1‭.‬8‭ ‬و2‭.‬5‭ ‬دولار‭ ‬للبرميل‭.‬

‭ ‬لكن‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬1973،‭ ‬أو‭ ‬حرب‭ ‬العبور‭ ‬التي‭ ‬شنتها‭ ‬مصر‭ ‬على‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬لشبه‭ ‬جزيرة‭ ‬سيناء،‭ ‬أوجدت‭ ‬ديناميكية‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬اقتصادات‭ ‬النفط‭ ‬والطاقة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قررت‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬المنتجة‭ ‬للنفط‭ ‬وقف‭ ‬تصديره‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬ساندت‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭. ‬وتفاوضت‭ ‬بلدان‭ ‬مثل‭ ‬إيران‭ ‬والسعودية‭ ‬والكويت‭ ‬مع‭ ‬الشركات‭ ‬لتحقيق‭ ‬شروط‭ ‬أفضل،‭ ‬وتم‭ ‬تأميم‭ ‬الشركات‭ ‬النفطية‭ ‬في‭ ‬أواسط‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬البلدان،‭ ‬مثل‭ ‬السعودية‭ ‬والكويت‭ ‬والعراق‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬أخذت‭ ‬بالارتفاع‭ ‬اعتبارًا‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1973،‭ ‬وتراوحت‭ ‬بين‭ ‬3‭.‬29‭ ‬و36‭.‬83‭ ‬دولارًا‭ ‬للبرميل‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬1973‭ ‬إلى‭ ‬1985‭.‬

كان‭ ‬للصدمة‭ ‬النفطية‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1974‭ ‬أثر‭ ‬مهمّ‭ ‬وهيكلي‭ ‬على‭ ‬اقتصادات‭ ‬النفط،‭ ‬حيث‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬الأسعار‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‭. ‬لكن‭ ‬تلك‭ ‬الأسعار‭ ‬مرّت‭ ‬بمراحل‭ ‬صعود‭ ‬وهبوط‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬فترة‭ ‬زمنية‭ ‬تجاوزت‭ ‬الآن‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬الخمسة‭ ‬عقود‭.‬

 

شركات‭ ‬وطنية

أدت‭ ‬الصدمة‭ ‬النفطية،‭ ‬أيضًا،‭ ‬إلى‭ ‬تحفيز‭ ‬البلدان‭ ‬المنتجة‭ ‬لإقامة‭ ‬الشركات‭ ‬الوطنية‭ ‬المملوكة‭ ‬بالكامل‭ ‬من‭ ‬الدولة،‭ ‬وأصبحت‭ ‬تلك‭ ‬الشركات‭ ‬منافسة‭ ‬للشركات‭ ‬الكبرى‭ ‬العالمية؛‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الاحتياطيات‭ ‬النفطية‭ ‬والغازية،‭ ‬أو‭ ‬معدلات‭ ‬الإنتاج‭ ‬أو‭ ‬قيمة‭ ‬الأصول‭.‬

بيد‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الشركات‭ ‬الوطنية،‭ ‬منذ‭ ‬تأسيسها،‭ ‬تفاوتت‭ ‬في‭ ‬الأداء‭ ‬وتطوير‭ ‬آليات‭ ‬وأدوات‭ ‬الإنتاج،‭ ‬أو‭ ‬تطويع‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الحديثة‭ ‬في‭ ‬أعمالها‭.‬

هناك‭ ‬شركة‭ ‬أرامكو‭ ‬السعودية،‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الشركات‭ ‬النفطية‭ ‬العالمية،‭ ‬الوطنية‭ ‬والعالمية،‭ ‬إذ‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬مخزون‭ ‬نفطي‭ ‬طبيعي‭ ‬كبير،‭ ‬وتقوم‭ ‬بإنتاج‭ ‬وتصدير‭ ‬كميات‭ ‬أساسية‭ ‬من‭ ‬النفط،‭ ‬يقابل‭ ‬ذلك‭ ‬مؤسسة‭ ‬البترول‭ ‬الكويتية‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬مؤسسة‭ ‬نفطية‭ ‬أساسية،‭ ‬لكنها‭ ‬افتقرت‭ ‬للإدارة‭ ‬المستقرة‭ ‬والكفؤة‭ ‬نتيجة‭ ‬لعمليات‭ ‬التسييس‭ ‬غير‭ ‬الواعية،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬الشركات‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬تطرّق‭ ‬لها‭ ‬الكاتب‭ ‬أصبحت‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬اللاعبين‭ ‬في‭ ‬اقتصادات‭ ‬بلدانها،‭ ‬وعملت‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬مسؤولياتها‭ ‬التعليمية‭ ‬بموجب‭ ‬برامج‭ ‬تدريب‭ ‬وابتعاث‭ ‬خارجي‭.‬

وقد‭ ‬تشهد‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬تحولات‭ ‬مهمة‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬المقبلة،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬منتظر‭ ‬لشركة‭ ‬أرامكو‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تخصص‭ ‬السلطات‭ ‬المسؤولة‭ ‬في‭ ‬السعودية‭ ‬حصة‭ ‬مهمة‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬المساهمين‭ ‬فيها‭.‬

 

التحدي‭ ‬البيئي

التحدي‭ ‬الأساسي‭ ‬الذي‭ ‬يواجه‭ ‬اقتصادات‭ ‬النفط‭ ‬هو‭ ‬التحدي‭ ‬البيئي،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬الاهتمام‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬المستهلكة‭ ‬الرئيسة‭ ‬بتوفير‭ ‬وقود‭ ‬صديق‭ ‬للبيئة‭ ‬ولا‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬تلوث‭ ‬الهواء‭ ‬بغاز‭ ‬ثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬الكربون،‭ ‬دفع‭ ‬الحكومات‭ ‬والجهات‭ ‬الأخرى‭ ‬إلى‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬بدائل‭ ‬للطاقة‭ ‬وتطوير‭ ‬استخدامات‭ ‬وآليات‭ ‬لا‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬مشتقات‭ ‬النفط‭. ‬

وهكذا‭ ‬أصبح‭ ‬الاهتمام‭ ‬متزايدًا‭ ‬بإنتاج‭ ‬السيارات‭ ‬الكهربائية‭ ‬أو‭ ‬السيارات‭ ‬الهجينة،‭ ‬بما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬قطاع‭ ‬النقل‭ ‬الذي‭ ‬اعتمد‭ ‬على‭ ‬وقود‭ ‬الديزل‭ ‬أو‭ ‬البنزين‭ ‬قد‭ ‬يقلص‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المنتجات‭ ‬النفطية‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬والعقود‭ ‬المقبلة‭ ‬لمصلحة‭ ‬الكهرباء‭. ‬

وبطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬التحول‭ ‬المتوقع‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬سهلًا،‭ ‬وسوف‭ ‬تمضي‭ ‬مدة‭ ‬زمنية‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ترتفع‭ ‬مساهمة‭ ‬ذلك‭ ‬الوقود‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬النقل،‭ ‬لكن‭ ‬هناك‭ ‬قطاعات‭ ‬أخرى‭ ‬أهمها‭ ‬قطاع‭ ‬توليد‭ ‬الطاقة‭ ‬الكهربائية‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬يعتمد‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي‭ ‬على‭ ‬بدائل‭ ‬النفط،‭ ‬مثل‭ ‬الطاقة‭ ‬الشمسية‭ ‬والرياح‭ ‬والطاقات‭ ‬المتجددة‭ ‬الأخرى،‭ ‬وإلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬الغاز‭ ‬الطبيعي‭.‬

وتبقى‭ ‬صناعة‭ ‬البتروكيماويات‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬مصادر‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬النفط‭ ‬لزمن‭ ‬قادم‭ ‬طويل‭. ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬حكومات‭ ‬البلدان‭ ‬المنتجة‭ ‬تواجه‭ ‬مصاعب‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن،‭ ‬نظرًا‭ ‬لتراجع‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬وعدم‭ ‬تعافيها‭ ‬بما‭ ‬يحقق‭ ‬التوازن‭ ‬في‭ ‬موازناتها‭ ‬السنوية،‭ ‬وهذا‭ ‬ناتج‭ ‬عن‭ ‬عدم‭ ‬توظيف‭ ‬إيرادات‭ ‬النفط‭ ‬بشكل‭ ‬عقلاني،‭ ‬وبما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬خلق‭ ‬ثروات‭ ‬جديدة‭ ‬وتنويع‭ ‬القاعدة‭ ‬الاقتصادية‭.‬

 

الصناديق‭ ‬السيادية

إن‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬إيرادات‭ ‬النفط‭ ‬لتمويل‭ ‬الإنفاق،‭ ‬والجاري‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي،‭ ‬عزز‭ ‬الاتكالية‭ ‬والهدر‭ ‬في‭ ‬الثروة‭ ‬المالية،‭ ‬وعطل‭ ‬مسيرة‭ ‬التنمية‭ ‬البشرية‭. ‬

ولعل‭ ‬من‭ ‬المفيد‭ ‬أن‭ ‬نشير‭ ‬إلى‭ ‬الصناديق‭ ‬السيادية‭ ‬التي‭ ‬اعتمدتها‭ ‬البلدان‭ ‬المنتجة‭ ‬للنفط،‭ ‬مثل‭ ‬الكويت‭ ‬والسعودية‭ ‬والإمارات‭ ‬وقطر‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬بلدان،‭ ‬والتي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تحقق‭ ‬عوائد‭ ‬مناسبة‭ ‬لهذه‭ ‬البلدان‭ ‬تمكّنها‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬تلافي‭ ‬مخاطر‭ ‬تراجع‭ ‬إيرادات‭ ‬النفط،‭ ‬لكن‭ ‬هناك‭ ‬أهمية‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬بدائل‭ ‬اقتصادية‭ ‬محلية‭ ‬تمكّن‭ ‬من‭ ‬خلق‭ ‬الأعمال‭ ‬وتوفير‭ ‬الوظائف‭ ‬للقادمين‭ ‬إلى‭ ‬سوق‭ ‬العمل،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬شعوب‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬هي‭ ‬شعوب‭ ‬شابة‭ ‬تتجاوز‭ ‬نسبة‭ ‬من‭ ‬تقل‭ ‬أعمارهم‭ ‬عن‭ ‬الثلاثين‭ ‬عامًا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬70‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬المواطنين‭.‬

الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬نحن‭ ‬بصدده‭ ‬االنفط‭ ‬بين‭ ‬إرث‭ ‬التاريخ‭ ‬وتحديات‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرينب‭ ‬سفر‭ ‬عظيم‭ ‬تتجاوز‭ ‬صفحاته‭ ‬613،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬الملاحق‭ ‬والجداول‭ ‬المهمة،‭ ‬ويعد‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الدراسات‭ ‬العربية‭ ‬حول‭ ‬النفط،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬د‭. ‬المنيف‭ ‬قد‭ ‬بذل‭ ‬جهدًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬ووظّف‭ ‬إمكاناته‭ ‬العلمية‭ ‬لإنجازه‭ .