الذاتيّة الجديدة في أعمال الفنان ديفيد هوكني

الذاتيّة الجديدة  في أعمال الفنان ديفيد هوكني

البعض‭ ‬يُسمّيها‭ ‬‮«‬اللاموضوعيّة‭ ‬الجديدة‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬تعني‭ ‬الذاتيّة‭ ‬في‭ ‬الفنّ‭ ‬وفق‭ ‬أسلوب‭ ‬معاصر‭. ‬جاءت‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭ ‬كردّة‭ ‬فعل‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬التيّارات‭ ‬الفنيّة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬سائدة‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬خمسينيّات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬كالتعبيريّة‭ ‬التجريديّة‭ ‬والبقعيّة‭ ‬والفن‭ ‬الحركيّ‭ ‬واللاشكلي‭. ‬

تعود‭ ‬تسمية‭ ‬‮«‬الذاتيّة‭ ‬الجديدة‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬الناقد‭ ‬التشكيلي‭ ‬الفرنسي‭ ‬جون‭ ‬كلير‭ ‬Jean‭ ‬Claire‭. ‬أمّا‭ ‬خصائصها‭ ‬التقنيّة،‭ ‬فتقوم‭ ‬على‭ ‬التالي‭:‬

‭- ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الواقع‭ ‬بأسلوب‭ ‬ذاتيّ،‭ ‬ورفض‭ ‬التجريد‭ ‬الكلّيّ،‭ ‬وعدم‭ ‬التقيّد‭ ‬بالأساليب‭ ‬التقليديّة،‭ ‬كالتخطيط‭ ‬وقواعد‭ ‬التأليف‭ ‬المتعارف‭ ‬عليها‭. ‬

‭- ‬إدخال‭ ‬التقنيّات‭ ‬الحديثة‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬الفني‭ ‬كالتصوير‭ ‬الفوتوغرافيّ‭ ‬والفوتوشوب‭ ‬عبر‭ ‬الإلصاق‭ (‬الكولاج‭).‬

‭- ‬اختبار‭ ‬الوسائل‭ ‬التقنيّة‭ ‬الحديثة‭ ‬والصناعيّة‭.‬

‭- ‬استعمال‭ ‬تقنيّة‭ ‬الأكريليك‭ ‬في‭ ‬الرسم‭.‬

‭- ‬العفويّة‭ ‬والارتجال‭.‬

‭- ‬إدخال‭ ‬العناصر‭ ‬الأكثر‭ ‬استعمالاً‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬اليوميّة،‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬الفني‭ ‬والأشياء‭ ‬المهملة،‭ ‬والأقلّ‭ ‬جمالاً‭ ‬بالمفهوم‭ ‬المتداول،‭ ‬والاهتمام‭ ‬بالثقافات‭ ‬الشعبية‭ ‬والصور‭ ‬المأخوذة‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬المعاصرة‭ ‬كصور‭ ‬المشاهير‭ ‬والملاهي‭ ‬الليليّة،‭ ‬والهدف‭ ‬منه‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬المجتمع‭ ‬الاستهلاكيّ‭ ‬كما‭ ‬يفعل‭ ‬فنانو‭ ‬الـ‭ ‬‮«‬بوب‭ ‬آرت‮»‬‭.‬

‭- ‬استعمال‭ ‬المعادن‭ ‬الغريبة‭ ‬والجديدة‭.‬

  ‬بدأت‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬عام‭ ‬1955،‭ ‬ثمّ‭ ‬انتقلت‭ ‬إلى‭ ‬أمريكا‭ ‬حيث‭ ‬عرفت‭ ‬تطوّراً‭ ‬كبيراً‭ ‬هناك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬بريطانيا‭ ‬بسبب‭ ‬الجرأة‭ ‬الأمريكيّة‭ ‬بتطبيقها،‭ ‬مستفيدة‭ ‬من‭ ‬المحيط‭ ‬الاستهلاكي‭ ‬الذي‭ ‬وسم‭ ‬حياة‭ ‬الأمريكيّين‭ ‬وطريقة‭ ‬عيشهم‭.‬

 

ديفيد‭ ‬هوكني‭... ‬تأثيرات‭ ‬عدّة

تجلّت‭ ‬‮«‬الذاتيّة‭ ‬الجديدة‮»‬‭ ‬للفنان‭ ‬الإنجليزيّ‭ ‬ديفيد‭ ‬هوكني‭ ‬David‭ ‬Hockney‭... ‬مع‭ ‬الفنانين‭ ‬روي‭ ‬لشنتشتاين‭ ‬Roy‭ ‬Lichentechtin‭ ‬وأندي‭ ‬وارهول‭ ‬Andy‭ ‬Warhol‭. ‬وُلد‭ ‬الفنان‭ ‬هوكني‭ ‬في‭ ‬التاسع‭ ‬من‭ ‬يوليو‭ ‬عام‭ ‬1937‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭. ‬وذاع‭ ‬صيته‭ ‬في‭ ‬ستينيّات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬بفضل‭ ‬لوحاته‭ ‬غير‭ ‬التقليديّة،‭ ‬المجزأة‭ ‬صورها‭ ‬لإعادة‭ ‬تركيبها‭ (‬فوتوكولاج‭). ‬هو‭ ‬فنان‭ ‬متعدّد‭ ‬المواهب،‭ ‬شاعر‭ ‬وكاتب‭ ‬وحفار‭ ‬ومصمّم‭ ‬أزياء‭ ‬ومصوّر‭ ‬فوتوغرافيّ‭ ‬بارع،‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬جوائز‭ ‬عدّة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬استعمل‭ ‬صوره‭ ‬الفوتوغرافيّة‭ ‬فـــــي‭ ‬لوحاته‭ ‬بمفهوم‭ ‬جديد‭. ‬انتدب‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أهمّ‭ ‬الشركات‭ ‬المتخصّصة‭ ‬في‭ ‬برمجة‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬لتصميم‭ ‬برنامج‭ ‬للرسم‭. ‬

درس‭ ‬في‭ ‬كليّة‭ ‬الفنون‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬في‭ ‬الأعوام‭ ‬1953‭ - ‬1957‭ ‬ثمّ‭ ‬الأعوام‭ ‬1959‭ - ‬1962‭. ‬

أسّس‭ ‬مع‭ ‬الفنانين‭ ‬ديرك‭ ‬بوشيير‭ ‬Derick‭ ‬Boschier،‭ ‬كيتاج‭ ‬Kitaj،‭ ‬آلان‭ ‬جونز‭ ‬Alan‭ ‬Jones،‭ ‬وبيتر‭ ‬فيليبس‭ ‬Peter‭ ‬Phylips‭ ‬جماعة‭ ‬‮«‬لندن‭ ‬سونينغ‮»‬‭ ‬Swining‭ ‬London‭. ‬آمنوا‭ ‬بارتباط‭ ‬الفن‭ ‬بالحياة‭ ‬اليوميّة‭. ‬

كانت‭ ‬شخصيّة‭ ‬هوكني‭ ‬استفزازيّة‭ ‬جريئة‭ ‬ومتحدّية‭ ‬للتقاليد،‭ ‬وهو‭ ‬رائد‭ ‬في‭ ‬الـ«بوب‭ ‬آرت‮»‬‭ ‬Pop‭ ‬Art‭ ‬بنسخته‭  ‬البريطانية‭. ‬توسّعت‭ ‬نشاطاته‭ ‬لتشمل‭ ‬الطباعة‭ ‬وصناعة‭ ‬الأفــلام‭ ‬وتصميم‭ ‬المسارح‭ ‬والتصوير‭ ‬الفوتوغرافيّ‭ ‬والإلصاق‭ ‬بالصور‭ (‬الكولاج‭) ‬والفوتو‭ - ‬مونتاج‭ ‬Photomontage‭ ‬ضمن‭ ‬مواضيع‭ ‬كالطبيعة‭ ‬الصامتة‭ ‬وصور‭ ‬أشخاص‭. ‬في‭ ‬أعماله‭ ‬إعادة‭ ‬للقطة‭ ‬الكاميرا‭ ‬وللمشهد‭ ‬المصوّر،‭ ‬حيث‭ ‬يقوم‭ ‬بتقسيم‭ ‬صورة‭ ‬البولارويد‭ ‬Polaroid‭ ‬لإعادة‭ ‬تركيبها‭ ‬في‭ ‬صـــــورة‭ ‬جديـــدة‭ ‬تعطي‭ ‬إحساساً‭ ‬بأنها‭ ‬تتحرّك،‭ ‬يُذكّرنا‭ ‬هذا‭ ‬الشيء‭ ‬بالعمل‭ ‬التكعيبيّ‭.‬

من‭ ‬أقواله‭ ‬في‭ ‬الفن‭: ‬‮«‬الفن‭ ‬يُحرّك؛‭ ‬إذا‭ ‬كنا‭ ‬بصدد‭ ‬تغيير‭ ‬العالم‭ ‬والصور‭ ‬فيجب‭ ‬أن‭ ‬تتغيّر‭...‬‮»‬‭. ‬و«ما‭ ‬الذي‭ ‬يسعى‭ ‬إليه‭ ‬الفنان‭ ‬وهو‭ ‬يُحوّل‭ ‬الناس‭ ‬الذين‭ ‬يقبض‭ ‬عليهم‭ ‬بصريّاً‭ ‬إلى‭ ‬أشياء؟‭ ‬الإنسان‭ ‬لا‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬فناناً‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يستولي‭ ‬على‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الجنة،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬فكرتها‭...‬‮»‬‭. ‬

كان‭ ‬كثير‭ ‬الترحال،‭ ‬فزار‭ ‬دولاً‭ ‬عدّة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬باريس‭ ‬ومصر‭ ‬وبيروت‭ ‬وهاواي‭ ‬وألمانيا‭ ‬واليابان‭.‬

عرف‭ ‬هوكني‭ ‬في‭ ‬ستينيّات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬شهرة‭ ‬لم‭ ‬يضاهه‭ ‬بها‭ ‬أحد‭. ‬هو‭ ‬رسّام‭ ‬واقعيّ‭ ‬تغلب‭ ‬السيرة‭ ‬الذاتيّة‭ ‬على‭ ‬أعماله،‭ ‬تتصل‭ ‬بحياته‭ ‬وحياة‭ ‬أصدقائه‭. ‬استعمل‭ ‬آلات‭ ‬‮«‬الفاكسيميلي‮»‬،‭ ‬في‭ ‬عمله،‭ ‬ونشر‭ ‬كتابين،‭ ‬أحدهما‭ ‬سيرة‭ ‬ذاتيّة‭ ‬والآخر‭ ‬عن‭ ‬التقنيّات‭ ‬الفنيّة‭. ‬

استلهم‭ ‬معظم‭ ‬لوحاته‭ ‬من‭ ‬سماء‭ ‬جنوب‭ ‬كاليفورنيا‭ ‬الزرقاء‭ - ‬التي‭ ‬استقرّ‭ ‬فيها‭ ‬بعد‭ ‬مجيئه‭ ‬إلى‭ ‬أمريكا‭ ‬عام‭ ‬1961‭ - ‬ومناخها‭ ‬المُشمس‭ ‬وسكانها‭ ‬المولعين‭ ‬بحمامات‭ ‬السباحة‭ ‬وأساليب‭ ‬الحياة‭ ‬الباحثة‭ ‬عن‭ ‬المتعة‭ ‬والسعادة‭. ‬يستعمل‭ ‬المساحات‭ ‬الكبيرة‭ ‬ذات‭ ‬الألوان‭ ‬القويّة،‭ ‬أُعجب‭ ‬بأعمال‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الفنانين‭ ‬الكبار‭ ‬أمثال‭ ‬بيكاسو،‭ ‬راؤول‭ ‬دوفي،‭ ‬ماتيس‭ ‬وفراغونار‭. ‬وُصف‭ ‬بفنان‭ ‬السحر‭ ‬والذكاء،‭ ‬ويعود‭ ‬الفضل‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬أسلوبيّا،‭ ‬إلى‭ ‬الفنان‭ ‬كيتاج‭ ‬Kitaj،‭ ‬وخاصّة‭ ‬في‭ ‬أعماله‭ ‬القديمة‭.   ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تعنيه‭ ‬المادّة‭ ‬التي‭ ‬يرسم‭ ‬بها‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬تعنيه‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬السؤال‭ ‬حول‭ ‬كيفيّة‭ ‬رسم‭ ‬الوجوه‭.‬

زاوج‭ ‬هوكني‭ ‬في‭ ‬رسومه‭ ‬بين‭ ‬الأهرام‭ ‬وشكل‭ ‬النخلة‭ ‬وأظهر‭ ‬منذ‭ ‬مطلع‭ ‬حياته‭ ‬ميوله‭ ‬المثليّة،‭ ‬وكان‭ ‬غريباً‭ ‬في‭ ‬مظهره‭ ‬وسلوكه‭. ‬شدّد‭ ‬على‭ ‬رسم‭ ‬الرجال‭. ‬عمله‭ ‬المعنون‭ ‬‮«‬نحن‭ ‬صبيان‭ ‬متعانقان‮»‬‭ ‬We‭ ‬Two‭ ‬boys‭ ‬together‭ ‬clinging‭ ‬مستوحى‭ ‬من‭ ‬قصيدة‭ ‬الشاعر‭ ‬الأمريكي‭ ‬والت‭ ‬ويتمان‭ ‬Waly‭ ‬Whitman،‭ ‬الذي‭ ‬ارتبط‭ ‬شعره‭ ‬بالاتجاهات‭ ‬المثليّة‭. ‬أتت‭ ‬مصادر‭ ‬أفكاره‭ ‬من‭ ‬فنانين‭ ‬سابقين‭ ‬ومعاصرين‭ ‬له‭ ‬أمثال‭ ‬بول‭ ‬كلي،‭ ‬راؤول‭ ‬دوفي‭ ‬وفرنسيس‭ ‬بيكون‭. ‬وقد‭ ‬أُعجب‭ ‬كثــيراً‭ ‬بالفنان‭ ‬وليام‭ ‬بليك‭ ‬المعروف‭ ‬بارتباطه‭ ‬بالمواضيع‭ ‬الميتولوجيّة‭.  ‬ظهر‭ ‬عنصر‭ ‬المدينة‭ ‬في‭ ‬أعماله‭ ‬المستعادة‭ ‬من‭ ‬الذاكرة‭ ‬متأثراً‭ ‬بالفنانين‭ ‬بالتوس‭ ‬Balthus‭ ‬وإدوارد‭ ‬هوبر‭ ‬Edward‭ ‬Hopper‭ ‬وموراندي‭ ‬Morandi،‭ ‬ورسم‭ ‬نفسه‭ ‬مع‭ ‬المهاتما‭ ‬غاندي‭. ‬

سيطرت‭ ‬على‭ ‬أعماله‭ ‬أشكال‭ ‬ذكوريّة‭ ‬إيروتيكيّة‭ ‬كرمز‭ ‬للطاقة‭ ‬والقوّة‭ ‬لاقت‭ ‬استحسان‭ ‬كثيرين‭. ‬

تأثر‭ ‬بأعمال‭ ‬الفنان‭ ‬أنغر‭ ‬Ingres،‭ ‬وقاده‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬التساؤل‭ ‬حول‭ ‬احتمال‭ ‬استعمال‭ ‬أنغر‭ ‬للكاميرا‭ ‬الشفيفة‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬موشور‭ ‬صغير‭ ‬من‭ ‬الزجاج‭ ‬يمكن‭ ‬تعليقه‭ ‬بجانب‭ ‬اللوحة‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬الرسم‭ (‬هذه‭ ‬التقنية‭ ‬كان‭ ‬دافنشي‭ ‬قد‭ ‬أشار‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬كتاباته‭).‬

صرّح‭ ‬هوكني‭ ‬بأنه‭ ‬قام‭ ‬بتكبير‭ ‬لوحة‭ ‬لأنغر‭ ‬فوجدها‭ ‬تشبه‭ ‬لوحات‭ ‬الفنان‭ ‬أندي‭ ‬وارهول‭. ‬أدّت‭ ‬أبحاثه‭ ‬إلى‭ ‬استنتاج‭ ‬أنّ‭ ‬عدداً‭ ‬كبيراً‭ ‬من‭ ‬الفنانين‭ ‬القدامى‭ ‬بدءاً‭ ‬بجان‭ ‬فان‭ ‬آيك‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬الخامس‭ ‬عشر‭ ‬مروراً‭ ‬بفرمير‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬عشر‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬أنغر،‭ ‬قد‭ ‬استعملوا‭ ‬العدسات‭ ‬والإسقاطات‭ ‬لإضفاء‭ ‬لمسة‭ ‬أكثر‭ ‬واقعيّة‭ ‬على‭ ‬أعمالهم،‭ ‬واعتبر‭ ‬هذا‭ ‬الشيء‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬الخداع‭ ‬والغشّ‭ ‬في‭ ‬الرسم؛‭ ‬ففان‭ ‬آيك‭ ‬يستحيل‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يرسم‭ ‬الثريّا‭ ‬بتلك‭ ‬الدقة‭ ‬المعقدة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الاستعانة‭ ‬بعدسة‭.‬

استعمل‭ ‬آيك‭ ‬مرآة‭ ‬مقعّرة،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬المصادفة‭ ‬أنّ‭ ‬مرآة‭ ‬محدّبة‭ ‬رسمت‭ ‬في‭ ‬لوحة‭ ‬فان‭ ‬آيك‭ ‬‮«‬زواج‭ ‬أرنولفيني‭ ‬1434‮»‬،‭ ‬وكان‭ ‬الفنان‭ ‬قد‭ ‬ذكر‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬المعرفة‭ ‬السرّيّة‭: ‬إعادة‭ ‬اكتشاف‭ ‬التقنيّات‭ ‬الضائعة‭ ‬لكبار‭ ‬الرسامين‭ ‬القدامى‮»‬‭.‬

انتقلت‭ ‬هذه‭ ‬التقنيّة‭ ‬إلى‭ ‬إيطاليا‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬ثمّ‭ ‬إلى‭ ‬كلّ‭ ‬أنحاء‭ ‬أوربا‭. ‬وافق‭ ‬البعض‭ ‬على‭ ‬آراء‭ ‬الفنان‭ ‬هوكني،‭ ‬وهاجمه‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬واتهموه‭ ‬بأنه‭ ‬شخص‭ ‬ضئيل‭ ‬المقدرة‭ ‬يحاول‭ ‬إنزال‭ ‬كبار‭ ‬الرسامين‭ ‬القدامى‭ ‬إلى‭ ‬مستواه‭ ‬الأقلّ‭ ‬شأناً‭. ‬حصلت‭ ‬النقـــــاشات‭ ‬على‭ ‬شبكة‭ ‬الـ‭ ‬‮«‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي‮»‬‭ ‬BBC‭ ‬الأمريكيّة‭ ‬ضمن‭ ‬برنــــامج‭ ‬بثتــه‭ ‬تلك‭ ‬القناة‭.‬

أثارت‭ ‬هذه‭ ‬النظريّات‭ ‬جدلاً‭ ‬واسعاً‭ ‬بين‭ ‬المهتمّين؛‭ ‬فهاجم‭ ‬البعض‭ ‬آراءه‭ ‬ودحضها‭.‬

الصورة‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬هوكني‭ ‬هي‭ ‬الأساس،‭ ‬إلا‭ ‬أنّ‭ ‬الفكرة‭ ‬هي‭ ‬الأهم‭ ‬حين‭ ‬تحمل‭ ‬اللوحة‭ ‬مضامين‭ ‬فنيّة‭ ‬وعاطفيّة‭. ‬

من‭ ‬أقواله‭: ‬‮«‬أرسم‭ ‬ما‭ ‬أرغب‭ ‬برسمه،‭ ‬وعندما‭ ‬أرغب‭ ‬به،‭ ‬وحيثما‭ ‬أرغب‮»‬‭. ‬يُذكّرنا‭ ‬هذا‭ ‬بقول‭ ‬لبيكاسو‭: ‬‮«‬طالما‭ ‬أني‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أرسم‭ ‬اليد‭ ‬كما‭ ‬رسمها‭ ‬رفاييل،‭ ‬فإني‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أرسم‭ ‬ما‭ ‬أريد‭ ‬وكما‭ ‬أريد‮»‬‭.‬

  ‬يُفهم‭ ‬هوكني‭ ‬في‭ ‬مجاله‭ ‬كفنان‭ ‬تقليديّ‭. ‬في‭ ‬النهاية،‭ ‬لا‭ ‬يقوم‭ ‬اقتراحه‭ ‬على‭ ‬خلق‭ ‬منطوق‭ ‬لغويّ‭ ‬تصويريّ‭ ‬مقروء‭ ‬ومفهوم‭ ‬تحت‭ ‬علامة‭ ‬التشخيصيّة‭ ‬الجديدة‭. ‬الصور‭ ‬هي‭ ‬علامات‭ ‬تصويريّة‭ ‬وفي‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬ساخرة‭ ‬وكاريكاتوريّة‭. ‬ما‭ ‬يُميّز‭ ‬عمله‭ ‬هو‭ ‬العلامة‭ ‬أو‭ ‬الرابط‭ ‬بين‭ ‬التصوير‭ (‬استعمال‭ ‬اللون‭) ‬والكتابة،‭ ‬لعبة‭ ‬التناوب‭ ‬بين‭ ‬اللون‭ ‬المصوّر‭ ‬في‭ ‬التقنيّة‭ ‬المنوّعة‭ ‬وخشونة‭ ‬القماشة‭ ‬ورغبة‭ ‬روائيّة‭ ‬واضحة‭.‬

عمله‭ ‬المعنون‭ ‬‮«‬طيران‭ ‬باتجاه‭ ‬إيطاليا‭ - ‬منظر‭ ‬سويسريّ‮»‬‭ ‬Vol‭ ‬vers‭ ‬l`Italie‭- ‬paysage‭ ‬Suisse‭ ‬هو‭ ‬قصّة‭ ‬رحلة‭ ‬بالسيّارة‭ ‬مع‭ ‬أصدقائه،‭ ‬رحلة‭ ‬قصيرة‭ ‬جاءت‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬رغبته‭. ‬هوكني‭ ‬هو‭ ‬رسّام‭ ‬Dessinateur‭ ‬بارع،‭ ‬ظهر‭ ‬هذا‭ ‬الشيء‭ ‬في‭ ‬أعماله‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬الشباب‭.  ‬منذ‭ ‬منتصف‭ ‬ستينيّات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬أصبح‭ ‬رسمه‭ ‬أكثر‭ ‬واقعيّة،‭ ‬تخلى‭ ‬عن‭ ‬الخشونة‭ ‬التي‭ ‬وسمت‭ ‬أعماله‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأولى‭. ‬أعمال‭ ‬هوكني‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬التمتّع‭ ‬بملذات‭ ‬الحياة،‭ ‬مليئة‭ ‬بضوء‭ ‬الشمس‭... ‬وبالسخرية‭.‬

استخدم‭ ‬آلات‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬أعماله‭ ‬مجرّباً‭ ‬وسائل‭ ‬تكنولوجيّة‭ ‬غير‭ ‬مألوفة‭ ‬بالرسم،‭ ‬فمن‭ ‬استخدام‭ ‬البلاستيك‭ ‬المستقطب‭ ‬مروراً‭ ‬بأجهزة‭ ‬الفاكس‭ ‬إلى‭ ‬الـ‭ ‬‮«‬آي‭ ‬فون‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يُتيح‭ ‬له‭ ‬استخدام‭ ‬أصابعه‭ ‬في‭ ‬الرسم‭ ‬الـ‭ ‬Brushes‭ ‬وهو‭ ‬مزوّد‭ ‬بخيارات‭ ‬عديدة‭ ‬للتحكّم‭ ‬بسمك‭ ‬الخطوط‭ ‬ونوعيّتها‭ ‬وألوانها‭. ‬

ويستخدم‭ ‬أيضاً‭ ‬الكمبيوتر،‭ ‬لأنه‭ ‬يسمح‭ ‬له‭ ‬بتكثيف‭ ‬الوقت‭ ‬إلى‭ ‬حدّه‭ ‬الأدنى،‭ ‬فالعمل‭ ‬معه‭ ‬قد‭ ‬يستغرق‭ ‬الثواني‭ ‬القليلة‭ ‬بدل‭ ‬الساعات‭ ‬المطلوبة‭ ‬للمواد‭ ‬الأخرى‭.  ‬يرفض‭ ‬الفنان‭ ‬الشهرة،‭ ‬وبوصفه‭ ‬أنه‭ ‬أعظم‭ ‬رسام‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة،‭ ‬يعلق‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬بالقول‭ ‬إنه‭ ‬‮«‬كلام‭ ‬صحف‮»‬‭ ‬لا‭ ‬يشغلني‭.  ‬احتفلت‭ ‬به‭ ‬أمريكا‭ ‬قبل‭ ‬بلده‭ ‬الأمّ‭ ‬إنجلترا‭. ‬وبيعت‭ ‬لوحاته‭ ‬في‭ ‬أشــــهر‭ ‬المـــــزادات‭ ‬بمبالغ‭ ‬كبيرة‭ ‬

استخدم‭ ‬ديفيد‭ ‬هوكني‭ ‬صوره‭ ‬الفوتوغرافية‭ ‬في‭ ‬لوحاته‭ ‬بمفهوم‭ ‬جديد‭ (‬فوتوكولاج‭)‬

لوحة‭ ‬غير‭ ‬تقليدية‭ ‬المجزأة‭ ‬صورها‭ ‬لإعادة‭ ‬تركيبها‭ (‬فوتوكولاج‭)‬