لغة السريالية

اشتهرت السريالية بأنها المذهب التصويري الطرائفي الذي تبناه عدد من أشهر الفنانين التشكيليين، أمثال بابلو بيكاسو وسلفادور دالي ورينيه ماجريت وخوان ميرو وجيورجيو دي شيريكو وماكس آرنست ومارسيل دوشامب. لكن السريالية تمتد أيضًا إلى مجال الفكر والأدب، ويلتفّ حولها عدد من المفكرين والفلاسفة والشعراء والأدباء والمعماريين وحتى مخرجي السينما، مثل لويس بونويل. وهي حركة فنية تنتمي أيديولوجيًّا إلى مرحلة الحداثة الطليعية، وقد بدأت في عشرينيات القرن الماضي، وازدهرت خلال فترة ما بين الحربين العالميتين، حتى خبت قوتها مع نهاية الحرب العالمية الثانية.
تركت السريالية آثارًا بارزة وأفكاراً باهرة لا يمكن إنكارها، مكّنتها من البقاء والاستمرار إلى حد كبير في الأدب المعاصر، وخاصة في الواقعية السحرية التي من كبار أدبائها فرانز كافكا وبورخيس وجابريل جارسيا ماركيز.
ورغم أنها تعدّ من أكثر المذاهب الفــنية طرافة وإثارة للجدل، فإن السريالية تعتبر من أقلّ المذاهب التي تعرضت للدراسة والفحص العلمي الرصين.
فالدراسات والأدبيات عن السريالية قليلة للغاية إذا ما قورنت بمثيلاتها التي تتناول مذاهب فنية أخرى، مثل الرومانسية أو الواقعية أو ما بعد الحداثة... إلخ. فتكاد لا تجد في اللغة العربية كتبًا عن السريالية تجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.
هذا الكتاب
يبلغ حجم الكتاب 240 صفحة، تتوزع على 10 فصول هي:
مسار السريالية: الأصول والتاريخ، السيرة والعقليات، اللغة في الفكر السريالي.
كتابة السريالية: الأوتوماتية، اللاتناغمية، الكولاج وقصدية المؤلف.
قراءة السريالية: التناغم، جو الأحلام، الانغماس في الاستعارة وكسر الألفة، انتشار السريالية وأيديولوجيتها ودلالتها.
تكمن أهمية هذا الكتاب في أن مؤلفه بيتر ستوكويل، الباحث الأدبي بجامعة نوتنجهام، يفتخر بأنه باحث أسلوبي يسعى إلى تطبيق المنهج الأسلوبي على النصوص السريالية، وهذا منهج نقدي معاصر ينشغل بتحليل السمات الداخلية للنصوص الأدبية، ويتفادى كثير من المشكلات التي يعانيها كثير من المناهج النقدية الأخرى، مثل مشكلات الإحالة النفسية للمؤلف المعهودة في النقد الكلاسيكي، ومغالطة قصدية المؤلف المعهودة في المناهج الظاهراتية وفق الناقدين ويمسات وبردسلي، ومغبات التنكر للسّمة الأدبية في النصوص عند ممارسة النزعة العلموية الإحصائية المعهودة في المنهج البنيوي الشهير. لكلّ ذلك نظن أن الباحث ستوكويل قد وفّق في اختيار المنهج الأسلوبي في مقاربة النصوص السريالية.
لكن كان يجدر بالكتاب أن يحتوي على صور للّوحات التي أشار إليها الباحث، وهي كثيرة، لكنها جميعًا متاحة على الإنترنت، لأنها تمثّل علامات فارقة في التاريخ الفني الغربي.
أصول السريالية
يبدأ الباحث باستعراض تاريخ السريالية، فيذكر أن أول ظهور لمصطلح السريالية أتى في مسرحية اأثداء تريزياسب للشاعر أبولينير عام 1917، ويتكون المصطلح من شقين يعنيان ما فوق الواقع. وهي تسمية دقيقة إلى حد ما، لأنها تعبّر عن شغف السريالية بما يعلو على الواقع العادي، وتقصد به: الشيء المدهش والعجائبي والمرعب والأسطوري والسحري، والذي هو محلّ مصادفة بحتة ولا يخضع لروتين الحياة الواقعية العادية، بل يكسر هذا الروتين، بما يغيّر الواقع نفسه ويخلخله. وبالتالي، تعد السريالية حركة رفض جذري للواقع، وبحث عن واقع بديل يعلو فوقيًّا على الواقع المعتاد، ولذا تنشغل السريالية بالحلم واللاوعي والمصادفات غير المتوقعة، وهي كثيرًا ما تقترن بالحركات غير العقلانية والباراسايكولوجي.
وقد صدر أخيرًا عن جامعة أمستردام، عام 2014، كتاب يبحث في العلاقة بين السريالية والممارسات السحرية السريّة، لمؤرخة الفن السريالي تيسيل بودون، الذي هو في الأصل رسالتها للدكتوراة من جامعة أمستردام. وملخّص ما توصلت إليه الباحثة في هذا المجال هو أن انشغال السريالية بالممارسات السحرية هو أمر حقيقي حدث بالفعل، لكنه لا يدل على اميل إلى الشعوذةب لدى السرياليين، بقدر ما كان يعبّر عن رغبة محمومة للبحث في المجال الذي يراه السرياليون ايعلو فوق الواقعب وفق مصطلح السريالية الذي يجتمعون حوله.
وفي هذا الكتاب استعرضت المؤرخة ما كان يدور في الاجتماعات التي يقيمها السرياليون من أمور وممارسات تستهدف الخروج من الواقع إلى ما فوقه، وفق رؤية السرياليين. وقد استغرق هذا الكتاب في وصف الممارسات التي حدثت خلال الاجتماعات السريالية، بما يجعله مادة جيدة لمن يحب الاطلاع على ما كان يدور بينهم.
الأسلوبية والسريالية
يسعى الباحث ستوكويل إلى تحديد السمات الأسلوبية للفن السريالي. وبمعنى أبسط فهو يسعى إلى تقديم إجابة عن سؤال محدد: ما الذي يجعل عملاً فنيًّا أو نصًّا أدبيًّا يوصف بأنه ينتمي إلى السريالية؟ ما الذي يجعلنا نقول على لوحة أو قصيدة إنها سريالية؟
يجيب ستوكويل عن سؤال الأسلوبية السريالية من خلال تحليل الأساليب والتقنيات التي استخدمها السرياليون في نصوصهم الأدبية وفي أعمالهم التشكيلية. ورغم أنه يُعنون كتابه الغة السرياليةب فإنه لم يقتصر على تحليل سمات النصوص اللغوية وحدها، بل تطرّق كثيرًا إلى تحليل لوحات سريالية لسلفادور دالي ومارسيل دوتشامب وبيكاسو.
الكتابة الأوتوماتية
ربما كانت التقنية السريالية الأولى والأهم والأشهر هي تقنية الكتابة الأوتوماتية. وفي هذه التقنية يلجأ المؤلف إلى تصفية ذهنه من أي انشغالات واعية مسبقة، بحيث يسهل لعقله الباطني أن ينفتح بشكل مباشر على استقبال صور وأخيلة لاواعية ويتركها تتوالى على ذهنه. ثم عليه أن يمسك بورقة وقلم ويسمح لهذه الصور والأخيلة بأن تتدفق في شكل مكتوب، بحرية تامة ودون أدنى تدخّل أو سيطرة من عقله الواعي. فالكتابة الأوتوماتية هي حرية كاملة لانسياب الكلمات على الورق دون أي تحرير أو تصحيح أو رقابة. والهدف من الكتابة الأوتوماتية هو أن يندهش الكاتب نفسه بما كتب بالضبط كدهشة القارئ.
في الكتابة الأوتوماتية يتحرر اتداعي الخواطرب بشكل كامل. وهذا هو ما يفصل الكتابة الأوتوماتية عن أسلوب مقارب لها هو أسلوب اتيار الوعيب، حيث الأخير هو الأسلوب المعهود لدى روائيين حداثيين كبار مثل فيرجينيا وولف وجيمس جويس. ويحدد أندريه بريتون الفرق بين الكتابة الأوتوماتية السريالية وبين أسلوب اتيار الوعيب كما يلي:
ايكمن الفرق في أن أسلوب اتيار الوعيب يعمد إلى تقديم كتابة يحرّكها وعي الكاتب وإرادته الفنية في مسعى إلى تقديم نص أدبي رفيع يلتزم تأطيريًّا بتقليد الواقع. لكن الأمر على عكس ذلك في الكتابة الأوتوماتية السريالية، حيث لا يسمح بتدخّل إرادة الكاتب بأي شكل في تنظيم المادة المكتوبة، بل يترك العنان للقلم ليكتب الكلمات بكل عفوية دون أي رقابة من المؤلفب. وقد استخدم بريتون أسلوب الكتابة الأوتوماتية في إنتاج نصوص سريالية عديدة، كان أشهرها بالاشتراك مع زميله فيليب سوبولت بعنوان االحقول المغناطيسيةب عام 1920، ومن أشهر مقاطعه:
اتلك كانت إحدى نهايات أكاذيب الحزن. فقد احتضرت السكك الحديدية، في تدفّقها كنحلات طنانة، تبدو كأنها استحوذت على قرصات ما بعد ارتشاف العسل. بينما ظل الناس معلّقين يرقبون أمواج المحيط، وكانت الحيوانات تطير إلى داخل بؤرة اهتماماتهم وخارجها. ورغم مرور كل هذا الزمن، فإن الكلاب الملكية لم تطعن في العمر، بل ظلت صغيرة السن وبعافية جيدة. وربما ذات يوم سيتهيأ لها أن تذهب إلى الشاطئ وتحتسي كؤوس الشراب ممزوجة بضحكات التسامر وتستمر في الحياة للأبد. لكن ليس الآن. فالوقت قد حان كما نعلم جميعًا. فمن منّا سيرحل أولاً؟ب.
في هذا الكتاب كانت نهايات الفصول تتحدد بنهاية اليوم الذي يستغرقه الكاتبان في الكتابة، بحيث يبدأ الفصل الجديد مع بداية يوم جديد. وهكذا كانت بدايات ونهايات الفصول عشوائية، لا علاقة لها بمضمون النص.
ويرى المؤلف ستوكويل أن أسلوب الكتابة الأوتوماتية يعبّر بشكل عبقري عن فلسفة السريالية، لكونه يسعى إلى إفساح المجال للاوعي، ويترك للعقل الباطن حرية أن يتكلم بكل تلقائية وعفوية وفق ما يريد على الورق، وكأنما الهدف هو إزالة الحدود بين الحلم وبين الشعر في النص الناجم عن الكتابة الأوتوماتية.
قصيدة الشعر المتسلسل
ابتكر السرياليون ما أسموه بقصيدة االشعر المتسلسلب، حيث يشارك عدد من الشعراء بمشاركات عشوائية دون أن يطّلع أي منهم على مشاركات غيره، فينتج في النهاية قصيدة لم يتوقع أحد منهم فحواها أو معانيها. فقط يجب أن يخضع كل سطر في القصيدة لقواعد النحو الفرنسي، بحيث تترك خانات خاوية لكل عنصر لغوي، ويتم ملء كل خانة بشكل عشوائي. فالسطر الواحد كان ينقسم إلى الخانات التالية: (اسم شيء، نعت، فاعل، فعل، اسم شيء ثان، نعت، مفعول به).
ونجم عن التجارب السريالية في مجال القصائد المتسلسلة أبيات شعرية كالتالي:
شخص متفانٍ كما قطّ خاوٍ من العظام
كجثة مهيبة ترتشف عصير العنب الطازج
حزنت ورقة الشجر في هذا الوقت من الشوك
لا يمكن للأنف أن تغفر لأنها جاوزت عقدة الدم
البقر يتربع على عواميد التلغراف ويلعب الشطرنج
كيف تمكّن الثعبان المجنح من إغواء الطائر الحبيس؟
كانت ملابسه في شهر يوليو تعدل قطيع فئران هاربة
أرأيتم السمكة التي كانت تقف أمام الأوبرا مقطّعة الأوصال؟
في الأيام التي لا يتحقق فيها الأمن إلا ببصق الدم على الحجارة
لا يمكن سوى لعربة إطفاء أن تطرد هذا الكابوس من غرفة المعيشة لولا عطل خراطيم المياه
وقد استخدم الشاعر السريالي ديفيد جاسكوين هذه الطريقة ببراعة في عدد من قصائده التي حازت إعجاب أندريه بريتون.
الكولاج
برعت السريالية دومًا في محاولتها لابتكار طرق وتقنيات جديدة تهدف إلى إلغاء دور الإرادة الواعية والعقل الواعي في الإبداع. وتمادت في ذلك حتى توخّت العشوائية في الإنتاج الفني، وقد شملت إحدى طرق الإبداع الفني السريالي قص الكلمات والعبارات من الجرائد أو من قواميس وفق أرقام صفحاتها فقط، ثم لصقها إلى جوار بعضها بشكل عشوائي، حيث ينتج عنها جمل غير متوقعة.
ثم تطورت هذه التقنية إلى ما أصبح يسمى االكولاجب السريالي، حيث يجلب الفنان السريالي عدة عناصر مختلفة بشكل عشوائي أيضًا تحكمه المصادفة الموضوعية وحدها، بحيث ينجم عنها أشكال فنية وجمل كتابية جديدة وغير معتادة، وهو ما يعبّر عن فلسفة السريالية مرة أخرى، مما يعني أن التقنيات اللغوية والفنية التي استخدمها السرياليون كانت مرتبطة بشكل وثيق بجوهر فلسفتهم التي تدور حول تحرير اللاوعي، وإلجام الوعي في محاولة لإعادة اكتشاف ما فقدته الحياة البشرية جراء كبت اللاوعي وهيمنة الوعي عليها بما أسقطها في حضارة استهلاكية أدت إلى حرب عالمية تعتبر الأشد فظاعة في التاريخ، حيث إن الحل لديهم كان في العودة إلى طفولة الوعي البشري قبل أن يفقد براءته الأصلية ويرتقي إلى ما هو عليه من حضارة مادية الطابع تقتل كل ما هو فردوسي وترسّخ لكل ما هو شيطاني داخل الإنسان.
اكتشاف المدهش في العادي
من التقنيات السريالية إعادة تقديم الشيء الجاهز في شكل مدهش جديد، بما يكسر اعتيادنا عليه ويقدمه في إطار مختلف يجعلنا نرى الواقع بطريقة عجائبية مختلفة. وكان أبرز السرياليين في هذا المجال الفنان مارسيل دوتشامب، حين قدّم امبولةب في معرضه الفني تحت عنوان انافورةب.
إلا أن للسريالية حدودها. فسرعان ما اكتشف مارسيل دوتشامب أن االأشياء الجاهزةب واالكتابة الأوتوماتيةب ليست تقنيات فنية تتحقق فيها التلقائية والعفوية بالقدر الذي كان يظنّه السرياليون، فكتب يقول:
افي البداية عندما مارست الأوتوماتية، كنت أظن أنني محصّن ضد أي تدخّل من عقلي الواعي على اختياراتي الفنية، حيث كنت أتجنب أي تصنيف للأشياء بصفتها جميلة أو قبيحة، لكنني سرعان ما اكتشفت أن جزءًا من عقلي الواعي كان ينجح دومًا في التسلل إلى ما أفعل ويؤثر فيه ليدفعه نحو أن يظل متوافقًا إلى حد ما مع معيار الجمال المعهود لدى العقل البرجوازي الواعيب.
وعبارة االتوافق مع معيار الجمال المعهود لدى العقل البرجوازي الواعيب تعتبر بمنزلة تهمة خطيرة جدًّا في السريالية إذا ما قيلت لأحدهم. وهي تهمة كافية لطرد من يتهم بها من دائرة السرياليين غير مأسوف عليه للأبد.
لكن لم يكن أمام السريالية إلا أن تتقدم في طريقها لكسر المألوف الواعي وتقديم الجانب اللاواعي والمدهش في الحياة اليومية، وذلك من خلال ابتكار المزيد من التقنيات الفريدة.
هل ما يزال للسريالية معنى؟
لا شك في أن الفن السريالي يعتمد على عنصر الدهشة والإبهار، فهو لا يكتفي فقط بإدهاش المتلقي، بل يسعى أيضًا إلى إدهاش الفنان نفسه بما يمكن أن ينتجه من أمور باهرة ومدهشة.
وقد برع السرياليون في استخدام المواد العادية غير الفنية في إنتاج أعمالهم الفنية، فاستخدموا قصاصات الورق والصحف والطوابع المستعملة والريش والأسلاك التي اكتسبت جميعها سمات فنية جديدة عندما وضعت في يد الفنان السريالي الذي حشرها مع غيرها من العناصر، سواء في لوحة أو في نص مكتوب، بحيث نجم عنها عمل فني مجمل جديد من عناصر غير فنية في الأساس، وكانت تلك هي طريقة السرياليين في التمرد على الفن البرجوازي الذي نفروا منه وعافوا معاييره الجمالية الاستهلاكية.
وهنا يطرح المؤلف ستوكويل سؤالًا مهمًّا، وهو: هل يستمر الفن السريالي في ممارسة الإدهاش والإبهار، بمرور الأجيال؟ أم أن صدمة الدهشة والإبهار السريالية هو أمر وقتي، يمكن أن ينزوي ويخبو ويخفت شيئًا فشيئًا، بمرور الزمن؟ وبالتالي، هل ما يزال للفن السريالي معنى الآن، بعد مرور قرن من الزمن تقريبًا؟
كان هذا السؤال قد جرى سابقًا على لسان هانز ريختر، حيث قال:
الوحات بيكاسو وسيزان تستمر في إبهارنا وإدهاشنا كلما نظرنا إليها دون أن تذوي عنا الدهشة أو الانبهار بمرور الزمن. بل إن مرور الزمن عليها يزيد من انبهارنا بها وتقديرنا لها. إلا أن بعض اللوحات والأعمال الفنية الأخرى تتوقف عن إبهارنا وإدهاشنا مع مرور الزمن، مما يعني أنها تفقد قيمتها الفنية شيئًا فشيئًا حتى تصل إلى الصفرب. فإلى أي طرف من هذين تنتمي الأعمال السريالية؟ يجيب الباحث ستوكويل عن هذا السؤال بقوله إن الأعمال السريالية لا تزال قادرة على إبهارنا، ليس فقط في مستوى الفن التشكيلي، لكن أيضًا في مستوى الأشعار والقصص الأدبية. ويستشهد ستوكويل بالأبيات الشعرية التالية من أشعار هيو سايكس ديفيز:
لا يبدو كإصبع بل كريشة من مكسور الزجاج
لا يبدو مثل كرسي، بل كسيدة عجوز تبحث في كوم من الحجارة
لم يتفوّه أحد بتفاحة لما يزيد على دقيقة، حتى شعرت بأنني على وشك الاحتضار
أخيرًا تمكنت سمكة السردين الثانية من قلب الصينية وهدم البيت، لكن الناس توافقوا على ألا يلحظوا وقوع أي تغيير، فكانت أجواء إنجليزية الطابع للغاية
إبهار سريالي
يرى ستوكويل أن استمرار الإبهار السريالي في هذه الأشعار على سبيل المثال، وغيرها، هو نتيجة لعدم تهيّب السرياليين أو تخوّفهم من ابتكار واستخدام تقنيات فنية فريدة وطريفة عمدت إلى إثارة اللاتناغم والنشاز والصراع اللحني - وفق مصطلحات الموسيقيين - بين العناصر الفنية المستخدمة في العمل الواحد، لكن بشكل كان يؤدي دومًا إلى ابتكار حساسية جمالية جديدة مفارقة للمعتاد والمعهود، ليس في زمنهم وحده، بل أيضًا في زمننا الحالي، ولذا تظل السريالية تحتفظ دومًا بقدر من الطرافة والطزاجة في أغلب منتجاتها الفنية والأدبية، بما يمكّنها على تحدي مرور الزمن.
لقد برعت السريالية في محاولتها ابتكار طرق وتقنيات طريفة وعجيبة هدفت إلى إلغاء دور الإرادة الواعية والعقل الواعي في الإبداع، وتمادت في ذلك حتى توخت العشوائية في الإنتاج الفني، وتغييب دور المؤلف، حتى صارت أعمالها وكأنها منتجات جمعية لا تنتمي لأفراد محددين بصفاتها وسماتهم الشخصية، بل توازت طرق ومنتجات الإبداع الفني السريالي مع مكنون الفلسفة السريالية نفسها بشكل لم يكن له مثيل في كثير من المذاهب الأخرى، ولذا تظل المعاني السريالية طازجة مهما تخطاها الزمن .
لوحة سريالية بعنوان: إلحاح الذاكرة لسلفادور دالي