مدينة مجهولة تنتظر الشتاء مختارات من الشعر الكوبي المعاصر

مدينة مجهولة تنتظر الشتاء مختارات من الشعر الكوبي المعاصر

أبحر‭ ‬الشعر‭ ‬الكوبي‭ ‬المعاصر‭ ‬عبر‭ ‬كل‭ ‬الخرائط،‭ ‬بل‭ ‬وأعاد‭ ‬رسم‭ ‬الحدود،‭ ‬فحوَّل‭ ‬الدول‭ ‬طرقاً‭ ‬للفرار‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬الحدود‭ ‬أماكن‭ ‬ثابتة‭ ‬لا‭ ‬تتبدل‭. ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬طرق‭ ‬الفرار‭ ‬الهجرة‭ ‬والمنفى‭ ‬الذي‭ ‬تتشظى‭ ‬معه‭ ‬ثقافة‭ ‬الجزيرة‭. ‬لقد‭ ‬لعبت‭ ‬لغة‭ ‬السياسة‭ ‬دوراً‭ ‬جوهرياً‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬1959،‭ ‬حيث‭ ‬هيمنت‭ ‬عبادة‭ ‬شخص‭ ‬الزعيم‭ ‬متمثلاً‭ ‬في‭ ‬فيدل‭ ‬كاسترو‭ ‬على‭ ‬المشهد‭ ‬بأسره‭ ‬في‭ ‬الجزيرة‭. ‬لكن‭ ‬شعر‭ ‬كوبا‭ ‬المعاصر‭ ‬سعى‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يتحدى‭ ‬تلك‭ ‬اللغة،‭ ‬فحاولت‭ ‬القصائد‭ ‬إزالة‭ ‬الغبار‭ ‬عنها،‭ ‬واستبدال‭ ‬‮«‬فضاء‭ ‬نظيف‭ ‬يسبق‭ ‬الأطلال»بها،‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬تعبير‭ ‬الشاعر‭ ‬رولاندو‭ ‬سانشيز‭ ‬ميخياس‭.‬

إن‭ ‬مأساة‭ ‬الشاعر‭ ‬في‭ ‬كوبا‭ ‬تنتهج‭ ‬عادة‭ ‬النهج‭ ‬ذاته،‭ ‬فبعد‭ ‬مرحلة‭ ‬الانهيارات‭ ‬المتتالية،‭ ‬ينفصل‭ ‬الفرد‭ ‬عن‭ ‬المجموع،‭ ‬ثم‭ ‬يغرق‭ ‬في‭ ‬ذاته‭ ‬المتفردة‭ ‬ليصل‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬إلى‭ ‬نقطة‭ ‬اللاعودة‭: ‬الانتحار‭. ‬يتم‭ ‬هنا‭ ‬التضحية‭ ‬بالجسد‭ ‬برفض‭ ‬الانتماء‭ ‬إلى‭ ‬ثقافة‭ ‬القطيع‭. ‬إن‭ ‬انتحار‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬شعراء‭ ‬كوبا‭ ‬من‭ ‬أمثال‭ ‬آنخل‭ ‬إسكوبار،‭ ‬ورينالدو‭ ‬أريناس،‭ ‬وكالفرت‭ ‬كاسي،‭ ‬وراؤول‭ ‬إرنانديث‭ ‬نوفاس،‭ ‬ومجيل‭ ‬كوياسو،‭ ‬إنما‭ ‬يمكن‭ ‬فهمه‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬القطيعة‭ ‬الجذرية‭ ‬مع‭ ‬الأيديولوجيا‭ ‬السائدة‭ ‬التي‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الجسد‭ ‬والتضحية‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الفعل‭ ‬القومي‭ ‬فقط‭.‬

المفارقة‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬الانتحار‭ ‬يعد‭ ‬فعلاً‭ ‬يرمي‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬الشاعر‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬توكيد‭ ‬ذاته‭ ‬كشخص‭. ‬إن‭ ‬اللغة‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬آنخل‭ ‬إسكوبار‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬هي‭ ‬لغة‭ ‬مسكونة‭ ‬بالقبح‭ ‬والعزلة‭ ‬التي‭ ‬تحقق‭ ‬كثافة‭ ‬تشبه‭ ‬كثافة‭ ‬الجسد‭ ‬ثم‭ ‬تنفجر‭. ‬إن‭ ‬شعر‭ ‬إسكوبار‭ ‬يتتبع‭ ‬انزلاق‭ ‬كوبا‭ ‬إلى‭ ‬الهاوية،‭ ‬وإلى‭ ‬الموت‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭: ‬‮«‬لقد‭ ‬صلبوك‭ ‬على‭ ‬جذع‭ ‬شجرة‭ / ‬بين‭ ‬البحر‭ ‬الذي‭ ‬تحتقر‭ / ‬والأرض‭ ‬التي‭ ‬تحب‮»‬‭. ‬في‭ ‬14‭ ‬فبراير‭ ‬1997‭ ‬كان‭ ‬إسكوبار‭ ‬يمضي‭ ‬فترة‭ ‬النقاهة‭ ‬في‭ ‬بيته‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أقدم‭ ‬على‭ ‬محاولة‭ ‬انتحار،‭ ‬لكنه‭ ‬ألقى‭ ‬بنفسه‭ ‬من‭ ‬شرفة‭ ‬منزله،‭ ‬واضعاً‭ ‬حداً‭ ‬لحياته‭. ‬لقد‭ ‬دمر‭ ‬الجسد‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬البتة‭ ‬أن‭ ‬يصادقه،‭ ‬محولاً‭ ‬ذاته‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬برية‭ ‬موحشة‮»‬،‭ ‬وتلك‭ ‬هي‭ ‬حال‭ ‬كوبا‭ ‬بأسرها‭.‬

 

‭ ‬

أورلاندو‭ ‬جونثالث‭ ‬إستيبا‭*‬

 

لا‭ ‬أحد‭ ‬يتحدث‭ ‬وحيداً،

ولا‭ ‬حتى‭ ‬الصمت،

منزل‭ ‬للجميع‭.‬

‭ ‬‭* * *‬

على‭ ‬قيثارة،

ورقة‭ ‬شجر،

ويد‭ ‬تسقط‭.‬

‭ ‬‭* * *‬

حتى‭ ‬في‭ ‬كوبا

لو‭ ‬غرد‭ ‬الطائر

أتوق‭ ‬إلى‭ ‬كوبا‭.‬

‭ ‬‭* * *‬

نجم‭ ‬ليلي‭:‬

أمام‭ ‬حدقة‭ ‬عيني

للمرة‭ ‬الأولى‭.‬

‭ ‬‭* * *‬

ليس‭ ‬لدي‭ ‬قدمان،

وحدهما‭ ‬يداي

تتلمسان‭ ‬الأفق‭.‬

 

 

‭ ‬

خيسوس‭ ‬باركيت‭ ‬‭*‬

 

‮«‬احتفال‭ ‬لا‭ ‬يوصف‭ ‬أن‭ ‬تولد‭ ‬هنا‮»‬

‭(‬خوزيه‭ ‬ليثاما‭ ‬ليما‭)‬

لم‭ ‬يبق‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬أرض‭ ‬الأجداد

لا‭ ‬ذاكرة،‭ ‬ولا‭ ‬خاتم

ولا‭ ‬أولئك‭ ‬الآباء

الذين‭ ‬أحببناهم‭ ‬ذات‭ ‬يوم

لقد‭ ‬ابتلعتهم‭ ‬الأرض‭ ‬الظمأى

لا‭ ‬الشاطئ‭ ‬أو‭ ‬مثالياته

الآن‭ ‬تجتاحنا‭ ‬شواطئ‭ ‬العالم‭ ‬الأخرى

والذاكرة،‭ ‬والحنين

كل‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬نثق‭ ‬به

الغيوم‭ ‬تظلل‭ ‬المياه‭ ‬كالسجن

لم‭ ‬تبق‭ ‬تلك‭ ‬الأزقة

أو‭ ‬أسطح‭ ‬المنازل‭ ‬التي‭ ‬تشبه‭ ‬الصحراء

حيث‭ ‬كنا‭ ‬نسترق‭ ‬لحظات‭ ‬حميمية

الآن‭ ‬اجتاحتنا‭ ‬شوارع‭ ‬العالم

لم‭ ‬يبق‭ ‬ذلك‭ ‬الجسد‭ ‬الخلاسي

ضاعت‭ ‬الألوان

ضاعت‭ ‬الدهشة‭ ‬واللايقين

ضاعت‭ ‬معجزات‭ ‬الريح

على‭ ‬حافة‭ ‬البحر

ضاعت‭ ‬الطفولة‭ ‬

والبراءة‭ ‬الكاذبة‭ ‬والخوف

لم‭ ‬تعد‭ ‬هناك‭ ‬أحرف‭ ‬أربعة

كنت‭ ‬أنطقها‭ ‬كالسحر

لم‭ ‬تعد‭ ‬بلادي‭... ‬بلادي

لكنهم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬وثيقة

يقولون‭ ‬إني‭ ‬من‭ ‬هنا

البلاد‭ ‬كانت‭ ‬هنا‭ ‬لغيرنا

احتفال‭ ‬لا‭ ‬يوصف‭.‬

 

‭*‬‭ ‬خيسوس‭ ‬باركيت‭ (‬1935‭ -)  ‬شاعر‭ ‬وكاتب‭ ‬مقالات،‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬أعماله‭ ‬الشعرية‭ ‬‮«‬ما‭ ‬لم‭ ‬يقله‭ ‬البحر‮»‬‭ (‬1981‭) ‬و«كتاب‭ ‬الأبطال‮»‬‭ (‬1994‭) ‬و‮«‬غرقي‮»‬‭ (‬2001‭).‬

 

‭ ‬

آنخل‭ ‬إسكوبار‭ ‬‭*‬

 

عندما‭ ‬أشعر‭ ‬بالرهبة

أفكر‭ ‬كما‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬طفولتي

بسكين‭ ‬أبيض

سوف‭ ‬يقتلني‭:‬

أنا‭ ‬أسود

قرمزي‭ ‬كالصحراء

الشمس‭ ‬تشرق‭ ‬من‭ ‬الأفق،

تنير‭ ‬محياي‭ ‬البارد

برية‭ ‬موحشة

طفل‭ ‬يراني

ويرتجف‭ ‬خيفة

كمن‭ ‬ينظر‭ ‬لجريح

يُقسم‭ ‬أنه‭ ‬شاهدٌ‭ ‬على‭ ‬موتي

ليمحو‭ ‬الجريمة‭ ‬بحياته

 

‭*‬‭ ‬آنخل‭ ‬إسكوبار‭ (‬1957‭ ‬–‭ ‬1997‭) ‬شاعر‭ ‬ومسرحي‭ ‬وروائي‭ ‬له‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬الشعرية‭ ‬لعل‭ ‬من‭ ‬أهمها‭ ‬‮«‬حياة‭ ‬عامة‮»‬‭ (‬1987‭) ‬و«كيف‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬هافانا‭?‬‮»‬‭ (‬1996‭). ‬انتحر‭ ‬في‭ ‬14‭ ‬فبراير‭ ‬1997،‭ ‬وبعد‭ ‬انتحاره‭ ‬نشرت‭ ‬له‭ ‬أعمال‭ ‬عدة‭ ‬في‭ ‬إسبانيا‭.‬

 

‭ ‬داماريس‭ ‬كالديرون‭ ‬‭*‬

وصلت‭ ‬ومعي‭ ‬أمتعتي

لا‭ ‬ينتظرني‭ ‬أحد‭.‬

قدماي‭ ‬غريبتان

أجرهما‭ ‬كما‭ ‬أجر‭ ‬الكلاب‭.‬

مشهد‭ ‬دموي

الثلج‭ ‬يوحده‭ ‬بالكاد

ضاع‭ ‬كل‭ ‬شيء‭.‬

في‭ ‬الرابعة‭ ‬والثلاثين‭ ‬

وما‭ ‬زال‭ ‬بوسعي‭ ‬أن‭ ‬أقطع‭ ‬أوصالي

يالها‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬

 

‭*‬‭ ‬داماريس‭ ‬كالديرون‭ (‬1967‭ -) ‬لها‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المجموعات‭ ‬الشعرية‭ ‬منها‭ ‬المياه‭ ‬الاستوائية‭ (‬1992‭). ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬ليبروس‭ ‬التي‭ ‬تمنحها‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬ميركوري‮»‬‭ ‬الصادرة‭ ‬في‭ ‬تشيلي‭.‬

 

 

 

فيليكس‭ ‬ليثاراجا‭ ‬‭*‬

‭(‬إلى‭ ‬قسطنطين‭ ‬كفافيس‭)‬

 

‮«‬دمرت‭ ‬حياتي‭ ‬داخل‭ ‬الأسوار

في‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬المريضة‭ ‬المشلولة

التهبت‭ ‬مفاصل‭ ‬روحي

من‭ ‬لعنات‭ ‬وتأملات

وراء‭ ‬البحر

عند‭ ‬شاطئ‭ ‬آخر

مدينة‭ ‬أجمل،

ليست‭ ‬أسطورة

فيها‭ ‬أعيد‭ ‬بناء‭ ‬حياتي

أولد‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬كالملك‭ ‬آرثر‮»‬‭.‬

لو‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬أفكارك،‭ ‬فإنها‭ ‬سدى

لا‭ ‬تفر،‭ ‬فالمدينة‭ ‬سوف‭ ‬تلاحقك

ولن‭ ‬تجني‭ ‬سوى‭ ‬الخواء‭ ‬والألم

هنا‭ ‬أو‭ ‬هناك‭ ‬سوف‭ ‬تختل‭ ‬وتسقط

لقد‭ ‬حوَّلْتَ‭ ‬ذاتكَ‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭:‬

أنت‭ ‬ذاتُك‭ ‬السور‭.‬‭ ‬

 

‭*‬‭ ‬فيليكس‭ ‬ليثاراجا‭ (‬1959‭ - ) ‬شاعر‭ ‬وكاتب‭ ‬مقالات‭ ‬صحفية،‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬أعماله‭ ‬الروائية‭ ‬‮«‬بياتريس‮»‬‭ (‬1981‭) ‬و«البحث‭ ‬عن‭ ‬وحيد‭ ‬القرن‮»‬‭ (‬مجموعة‭ ‬شعرية،‭ ‬1991‭).‬

 

 

 

روخليو‭ ‬ساوندرس‭ ‬‭*‬

حزين‭ ‬أنا‭ ‬لمن‭ ‬عرفوني‭.‬

لمن‭ ‬طرقوا‭ ‬ذات‭ ‬ليلة‭ ‬على‭ ‬بابي،

حزين‭ ‬أنا‭ ‬لمن‭ ‬لا‭ ‬يستطيعون‭ ‬تحملي

حتى‭ ‬في‭ ‬مماتي‭.‬

وهم‭ ‬يحملوني‭ ‬الآن،‭ ‬ويهمسون‭ ‬وداعاً‭.‬

سوف‭ ‬أمضي‭ ‬معهم،

أو‭ ‬لعلهم‭ ‬يمضون‭ ‬معي‭.‬

لن‭ ‬أدعهم‭ ‬في‭ ‬سلام

أنا‭ ‬ملك‭ ‬لهم‭.‬

الآن‭ ‬ليس‭ ‬لديهم‭ ‬قول‭ ‬أو‭ ‬مبرر

كي‭ ‬يدعوني‭ ‬بلا‭ ‬موت‭.‬

كمصباح‭ ‬يضيء‭ ‬للأبد

عند‭ ‬مفترق‭ ‬طريق

يزيلون‭ ‬الضوء‭ ‬عن‭ ‬المصباح‭.‬

حزين‭ ‬أنا‭ ‬ممَّن‭ ‬لا‭ ‬يستطيعون‭ ‬أن‭ ‬يكرهوني،

من‭ ‬لا‭ ‬يستطيعون‭ ‬أن‭ ‬يستيقظوا‭ ‬لأجلي

أو‭ ‬يذهبوا‭ ‬لحفلة‭.‬

هذه‭ ‬الليالي‭ ‬تذكرني‭ ‬برائحة‭ ‬التماثيل‭.‬

حزين‭ ‬أنا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الجميع،

أكتب‭ ‬صفحاتي‭ ‬الأخيرة،

لكنها‭ ‬دائما‭ ‬صفحاتي‭ ‬الأولى‭.‬

 

‭*‬‭ ‬روخليو‭ ‬ساوندرس‭ (‬1963‭ -) ‬شاعر،‭ ‬وروائي‭ ‬عضو‭ ‬في‭ ‬مجموعة‭ ‬‮«‬دياسابورا‮»‬،‭ ‬من‭ ‬أعماله‭ ‬الشعرية‭ ‬‮«‬بوليمينيا‮»‬‭ (‬1996‭)‬

 

 

 

 

 

  أنطونيو‭ ‬خوزيه‭ ‬بونتي‭ ‬‭*‬

كانت‭ ‬مدينة‭ ‬مجهولة

تنتظر‭ ‬الشتاء

‭(‬حتى‭ ‬الشتاء‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬بمقدوري‭ ‬أن‭ ‬أتكهن‭ ‬بقدومه‭)‬

في‭ ‬مدينة‭ ‬الشتاء

أشعر‭ ‬بالرهبة‭.‬

لا‭ ‬تخيفني‭ ‬المسافة

ولا‭ ‬شكل‭ ‬بيتي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬أتذكره

لكنها‭ ‬العادة‭.‬

أعبر‭ ‬الشوارع

ما‭ ‬نفع‭ ‬شفاهنا

سوى‭ ‬أن‭ ‬نردد‭ ‬الأغنية‭ ‬العتيقة‭:‬

أين‭ ‬وسط‭ ‬المدينة،

البذور‭ ‬التي‭ ‬أحملها‭ ‬بيدي؟

يمر‭ ‬الناس

ما‭ ‬أطول‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬وجوههم‭ ‬الجميلة

وما‭ ‬أبطأ‭ ‬ممشاي‭...‬

مدينة‭ ‬تعقب‭ ‬الأخرى

لكن‭ ‬ذاكرتي‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تتذكر‭.‬

أنا‭ ‬مدينة‭ ‬مجهولة

تنتظر‭ ‬الشتاء‭.‬

أخشى‭ ‬أن‭ ‬تتلاشى‭ ‬ذاتي

في‭ ‬مدن‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬لها،

مدن‭ ‬تخترعها‭ ‬القطارات‭ ‬العابرة‭.‬

‭*‬‭ ‬أنطونيو‭ ‬خوزيه‭ ‬بونتي‭ (‬1964‭ -) ‬

شاعر‭ ‬وصحفي‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬أعماله‭ ‬

‮«‬المشي‭ ‬على‭ ‬الأطلال‮»‬‭ (‬شعر،‭ ‬1997‭)‬

‭ ‬و«لغة‭ ‬فرجيل‮»‬‭ (‬مقالات،‭ ‬2000‭)‬

 

‭ ‬بيدرو‭ ‬ماركيت‭ ‬أرماس‭ ‬‭*‬

 

الأسوار‭ ‬ليست‭ ‬لك‭ ‬ولا‭ ‬الحدود‭.‬

تعود‭ ‬من‭ ‬الليل‭ ‬البهيم

كمن‭ ‬يعود‭ ‬من‭ ‬البحر

كمن‭ ‬يؤمن‭ ‬بالموسيقى‭.‬

الآن‭ ‬يهجرك‭ ‬الليل

تفتح‭ ‬الباب‭ ‬على‭ ‬نهر

والنهر‭ ‬يصفعك

كابوس‭ ‬يسكنك‭ ‬بأجساد‭ ‬أخرى،

يكررون‭ ‬الطقس‭ ‬ذاته‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭ ‬في‭ ‬صمت،

أجساد‭ ‬ليست‭ ‬جميلة‭ ‬كجسدك‭.‬

لن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬معجزة‭ ‬في‭ ‬حياتك‭.‬

لن‭ ‬يراك‭ ‬أحد‭ ‬تخفي‭ ‬وجهك

في‭ ‬أجراس‭ ‬الكنيسة

لن‭ ‬تتجلى‭ ‬العذراء

في‭ ‬قارب‭ ‬بعيد‭.‬

كيف‭ ‬تفهم‭ ‬علامة‭ ‬الجسد

عندما‭ ‬تمر‭ ‬الأيام؟

ستطردك‭ ‬الجنة‭ ‬كما‭ ‬تطرد‭ ‬النجوم‭ ‬المذنبة

وحدتك‭ ‬سر‭ ‬سرمدي،

تنكر‭ ‬الجرح‭.‬

كان‭ ‬الجسد‭ ‬جسدي‭ ‬عندما‭ ‬عدت‭ ‬من‭ ‬الليل‭ ‬البهيم‭:‬

لا‭ ‬أؤمن‭ ‬بالملح،‭ ‬أو‭ ‬بالموسيقى،

لا‭ ‬أؤمن‭ ‬بأي‭ ‬نظام‭ ‬لا‭ ‬يضع‭ ‬حدوداً

بين‭ ‬النجم‭ ‬والبحر‭.‬

 

‭ ‬‭*‬‭ ‬بيدرو‭ ‬ماركيت‭ ‬أرماس‭ (‬1965‭ -) ‬عمل‭ ‬محرراً‭ ‬للمجلة‭ ‬الأدبية‭ ‬‮«‬دياسبورا‮»‬،‭ ‬من‭ ‬أعماله‭ ‬الشعرية‭ ‬‮«‬رؤوس‮»‬‭ (‬2002‭) ‬التي‭ ‬حصل‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬خوليان‭ ‬ديل‭ ‬كاسال‭.‬

 

 

‭ ‬

‭(‬إلى‭ ‬فيليكس‭ ‬ليثاراجا‭)‬

خرمان‭ ‬جويرا‭ ‬‭*‬

 

الآن‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬هناك‭ ‬مدينة

تعكس‭ ‬شعرك‭ ‬الرمادي‭ ‬والنسيان،

أن‭ ‬تحيى‭ ‬فذلك‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬شيئاً،

الآن‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬هناك‭ ‬مدينة‭ ‬أو‭ ‬سور‭ ‬يعيق‭ ‬خطاك

لا‭ ‬شوارع‭ ‬واسعة‭ ‬أو‭ ‬ألعاب‭ ‬نارية‭ ‬ترحب‭ ‬بعودتك‭.‬

الآن‭ ‬لا‭ ‬مدنية‭ ‬ولا‭ ‬بحر‭ ‬ولا‭ ‬قوارب‭ ‬في‭ ‬الموانئ،

لا‭ ‬تبحث‭ ‬عنها،‭ ‬فظلك‭ ‬لن‭ ‬يتبعك‭.‬

لقد‭ ‬حولت‭ ‬ذاتك‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭:‬

أنت‭ ‬السور‭ ‬الذي‭ ‬يعيقك‭.‬

الآن‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬هناك‭ ‬مدينة

أو‭ ‬رجال‭ ‬يغرقون‭ ‬في‭ ‬الأحلام‭.‬

نحن‭ ‬نتكلم‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬يفهمنا،

متظاهرين‭ ‬بالخرس‭ ‬أو‭ ‬العمى‭ ‬أو‭ ‬الحكمة،

نعيد‭ ‬بناء‭ ‬منازلنا‭ ‬لنبعد‭ ‬الخوف‭ ‬عنا

بأوراق‭ ‬أشجار‭ ‬عفنة‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الخريف‭ ‬الطويل‭.‬

والآن‭ ‬نجلس‭ ‬سدى،

وأرجلنا‭ ‬تتدلى‭ ‬على‭ ‬حافة‭ ‬الجزيرة،

ها‭ ‬هنا‭ ‬نحن

ما‭ ‬أوهننا‭ ‬■

 

‭ ‬‭* ‬خرمان‭ ‬جويرا‭ (‬1966‭ -) ‬من‭ ‬أعماله‭ ‬الشعرية

‭ ‬‮«‬قصيدتان‮»‬‭ (‬1998‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬يشرف‭ ‬على‭ ‬دار‭ ‬نشر‭ ‬‮«‬سترومنتو‮»‬‭.‬