تراجع المجلات الثقافية في الوطن العربي

تراجع المجلات الثقافية في الوطن العربي

في‭ ‬ظل‭ ‬المتغيرات‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬الحالية‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي،‭ ‬سادت‭ ‬ثقافة‭ ‬‮«‬الإنترنت‮»‬‭ ‬وطغت‭ ‬على‭ ‬ثقافة‭ ‬المُعَلّم‭ ‬والكتاب،‭ ‬فلم‭ ‬يَعُد‭ ‬للبحث‭ ‬العلمي‭ ‬والأدبي‭ ‬متابعاً‭ ‬سوى‭ ‬متخصص‭ ‬رام‭ ‬الاستزادة‭ ‬أو‭ ‬مثقف‭ ‬أراد‭ ‬الاستفادة‭.  ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬توافرت‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬وسائل‭ ‬البحث‭ ‬والاطلاع‭ ‬بسهولة‭ ‬ويسر،‭ ‬قلّ‭ ‬حُسن‭ ‬اختيار‭ ‬المفيد‭ ‬أو‭ ‬انتقاء‭ ‬الأفضل‭.‬

‭ ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬الزخم‭ ‬المعرفي‭ ‬الذي‭ ‬طغى‭ ‬على‭ ‬شاشات‭ ‬الحواسيب‭ ‬وانتشر‭ ‬عبر‭ ‬الهواتف‭ ‬الذكية،‭ ‬ليس‭ ‬إلا‭ ‬وجبات‭ ‬سريعة،‭ ‬تُسْكن‭ ‬جوع‭ ‬العقل‭ ‬ولكنها‭ ‬لا‭ ‬تغنيه‭ ‬أو‭ ‬تُشبع‭ ‬تفكيره‭.‬

إنّ‭ ‬التطور‭ ‬السريع‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أوجد‭ ‬التزاحم‭ ‬في‭ ‬تناول‭ ‬المعرفة،‭ ‬فغدا‭ ‬الغثّ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬السمين،‭ ‬وجعل‭ ‬التنوير‭ ‬عُرضة‭ ‬للتزوير‭. ‬لن‭ ‬نندب‭ ‬الحال،‭ ‬أو‭ ‬نبكي‭ ‬على‭ ‬الأطلال،‭ ‬فلاتزال‭ ‬هناك‭ ‬بارقة‭ ‬أمل،‭ ‬إن‭ ‬عزمنا‭ ‬على‭ ‬الجدّ‭ ‬في‭ ‬العمل‭.‬

 

مجلة‭ ‬العربي

ها‭ ‬هي‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬يقترب‭ ‬عمرها‭ ‬من‭ ‬الستين‭ ‬عاماً،‭ ‬ليحكي‭ ‬تاريخاً‭ ‬من‭ ‬التنوع‭ ‬الثقافي،‭ ‬مرّ‭ ‬بمراحل‭ ‬مختلفة،‭ ‬فيسطر‭ ‬على‭ ‬صفحاتها‭ ‬من‭ ‬أقلام‭ ‬كبار‭ ‬وصغار‭ ‬الكتّاب‭ ‬العرب‭ ‬إبداعات،‭ ‬في‭ ‬الرؤى‭ ‬الفكرية‭ ‬والاجتهادات،‭ ‬رسوم‭ ‬ولوحات‭ ‬وقصائد‭ ‬شعر‭ ‬ومقالات‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجالات‭. ‬لم‭ ‬تنجح‭ ‬مسيرة‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬إلا‭ ‬بتوجهها‭ ‬العربي‭ ‬الأصيل،‭ ‬واتخاذها‭ ‬من‭ ‬الثقافة‭ ‬فضاء‭ ‬واسعاً‭ ‬ومتجدداً،‭ ‬تلتقي‭ ‬في‭ ‬رحابه‭ ‬إبداعات‭ ‬الأقلام‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬مساحة‭ ‬عالية‭ ‬السقف،‭ ‬سادت‭ ‬بها‭ ‬حرية‭ ‬الرأي‭. ‬

وعلى‭ ‬مدى‭ ‬ستة‭ ‬عقود‭ ‬تقريباً،‭ ‬تقف‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬المطبوعات‭ ‬العربية،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تتراجع‭ ‬فيه‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المجلات‭ ‬العربية‭. ‬
ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أنّ‭ ‬الدعم‭ ‬الحكومي‭ ‬السخي‭ ‬لتكاليف‭ ‬إعداد‭ ‬المجلة‭ ‬وطباعتها‭ ‬وتوزيعها‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أرجاء‭ ‬الوطن‭ ‬العربي،‭ ‬ثم‭ ‬بيعها‭ ‬بأسعار‭ ‬زهيدة،‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬انتشار‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬فتح‭ ‬المجال‭ ‬للأقلام‭ ‬الجادة‭ ‬والواعدة‭ ‬للمشاركة‭ ‬بالمادة‭ ‬المعرفية‭ ‬والفكرية،‭ ‬الأدبية‭ ‬منها‭ ‬والفنية،‭ ‬لتكون‭ ‬بذلك‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬وعي‭ ‬المثقف‭ ‬العربي‭. ‬

لم‭ ‬تكن‭ ‬السياسة‭ ‬همّاً‭ ‬لمجلة‭ ‬العربي،‭ ‬ليس‭ ‬لأنّ‭ ‬السياسة‭ ‬تأخذ‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يبني‭ ‬ثقافة‭ ‬الأجيال،‭ ‬بل‭ ‬لأنّ‭ ‬السياسة‭ ‬لها‭ ‬صفحاتها‭ ‬في‭ ‬الجرائد‭ ‬اليومية‭ ‬والمجلات‭ ‬التي‭ ‬تخصصت‭ ‬بها‭.‬

‭ ‬لذا،‭ ‬يتملكك‭ ‬إحساس‭ ‬عند‭ ‬تقليبك‭ ‬لصفحات‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬لتأخذ‭ ‬نَفَسًاً‭ ‬نزيهاً‭ ‬هادئاً،‭ ‬لا‭ ‬تعصب‭ ‬فيه‭ ‬أو‭ ‬تطرف‭ ‬أو‭ ‬غلو‭. ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬النَفَس،‭ ‬يكون‭ ‬وعاء‭ ‬للجدّ‭ ‬والموضوعية‭ ‬والمصداقية،‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬محيط‭ ‬عالمي‭ ‬تتلاحق‭ ‬وتتلاطم‭ ‬أمواجه‭ ‬صعوداً‭ ‬ونزولاً،‭ ‬انكساراً‭ ‬ونكوصاً،‭ ‬بين‭ ‬المواكبة‭ ‬والانسحاب‭ ‬والتفكك‭ ‬والانشقاق‭ ‬والفتن،‭ ‬كمستجدات‭ ‬تُغيّر‭ ‬الواقع‭ ‬العربي،‭ ‬فتجعل‭ ‬حلمه‭ ‬كابوساً‭ ‬ووحدة‭ ‬شعبه‭ ‬وهويته‭ ‬مأزقاً‭. ‬لم‭ ‬تقف‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬موقفاً‭ ‬سلبياً‭ ‬تجاه‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المتغيرات،‭ ‬فقد‭ ‬ناصرت‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬وزمان‭ ‬عبر‭ ‬صفحاتها،‭ ‬بمقالات‭ ‬تنويرية‭ ‬وكتابات‭ ‬موضوعية،‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬التشنج‭ ‬والعصبية‭ ‬الدينية‭ ‬والطائفية‭ ‬والمذهبية،‭ ‬لتفتح‭ ‬باباً‭ ‬وسطياً‭ ‬يستطيع‭ ‬القارئ‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬رؤية‭ ‬الحقيقة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الزوايا‭ ‬بحجمها‭ ‬الحقيقي‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬بسطحها‭ ‬أو‭ ‬شكلها‭ ‬الخارجي‭.‬

 

أسباب‭ ‬تراجع‭ ‬المجلات‭ ‬الثقافية

في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي

إنّ‭ ‬المعاناة‭ ‬التي‭ ‬تعانيها‭ ‬المجلات‭ ‬الثقافية‭ ‬لا‭ ‬تختص‭ ‬بالعالم‭ ‬العربي‭ ‬وحده،‭ ‬بل‭ ‬تشمل‭ ‬جميع‭ ‬المجلات‭ ‬الثقافية‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬حين‭ ‬انشغل‭ ‬المثقف‭ ‬بمواكبة‭ ‬الأحداث‭ ‬العالمية‭ ‬السريعة‭ ‬والكثيفة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توافر‭ ‬الإنترنت‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬التي‭ ‬شغلت‭ ‬جزءاً‭ ‬كبيراً‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬ووقت‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬فغدت‭ ‬المجلة‭ - ‬أي‭ ‬مجلة‭ - ‬وبكل‭ ‬محتوياتها،‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليه‭ ‬أرشيفاً‭ ‬متقادماً‭ ‬من‭ ‬المعلومات‭ ‬والأفكار،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬المجلة‭ ‬الثقافية‭ ‬تعتمد‭ ‬في‭ ‬إصدارها‭ ‬على‭ ‬الجديد‭ ‬والمفيد‭ ‬في‭ ‬الفنون‭ ‬والآداب‭ ‬والعلوم‭ ‬والتربية‭ ‬والثقافة‭ ‬العامة‭.‬

‭ ‬وفي‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي،‭ ‬نرى‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬استكتاب‭ ‬أقلام‭ ‬الكتاب‭ ‬المشهورين‭ ‬والمعروفين،‭ ‬عوضاً‭ ‬عن‭ ‬تشجيع‭ ‬الأقلام‭ ‬الشابة‭ ‬المُبدعة‭. ‬ونعزو‭ ‬أسباب‭ ‬تراجع‭ ‬المجلات‭ ‬الثقافية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬إلى‭ ‬أسباب‭ ‬عدة،‭ ‬أهمها‭:‬

 

الرقابة‭ ‬على‭ ‬المطبوعات‭ ‬بين‭ ‬الدين‭ ‬والسياسة

الحرية‭ ‬ليست‭ ‬الفوضى،‭ ‬واحترام‭ ‬القانون‭ ‬أصل‭ ‬في‭ ‬ثقافة‭ ‬الإنسان‭ ‬واستمرار‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬مسيرتها‭ ‬الحضارية،‭ ‬وعلى‭ ‬ذلك‭ ‬فإنّ‭ ‬الالتزام‭ ‬ليس‭ ‬قيداً،‭ ‬بل‭ ‬حصن‭ ‬ضد‭ ‬العبث‭ ‬والتعدي‭ ‬على‭ ‬حريات‭ ‬الآخرين‭ ‬وحقوق‭ ‬المجتمع‭. ‬والمثقف‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يلتزم‭ ‬بحماية‭ ‬حقوق‭ ‬الغير،‭ ‬ويرى‭ ‬ذلك‭ ‬مبدأً‭ ‬سامياً‭ ‬وواجباً‭ ‬إنسانياً‭. ‬قد‭ ‬يختلط‭ ‬على‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الكتَّاب‭ ‬والمؤلفين‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الأمر،‭ ‬فيميل‭ ‬إلى‭ ‬التشهير‭ ‬أو‭ ‬التجريح،‭ ‬أو‭ ‬السبّ‭ ‬والقذف،‭ ‬أو‭ ‬استخدام‭ ‬النابي‭ ‬من‭ ‬الألفاظ‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يقبله‭ ‬المجتمع‭ ‬ولا‭ ‬ترتضيه‭ ‬الأخلاق‭. ‬وفي‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬هناك‭ ‬مساحات‭ ‬متفاوتة‭ ‬من‭ ‬الرقابة‭ ‬على‭ ‬المطبوعات،‭ ‬بحكم‭ ‬الدين‭ ‬والسياسة‭ ‬والأعراف‭ ‬العامة،‭ ‬فالرقابة‭ ‬الجادة‭ ‬والهادفة‭ ‬على‭ ‬المطبوعات‭ ‬تضع‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬عدم‭ ‬السماح‭ ‬بالتعدي‭ ‬أو‭ ‬الاستهزاء‭ ‬بقضايا‭ ‬أساسية،‭ ‬ومن‭ ‬أهمها‭: ‬عدم‭ ‬التعدي‭ ‬والمساس‭ ‬بالذات‭ ‬الإلهية‭ ‬أو‭ ‬بالرسل‭ ‬والأنبياء،‭ ‬وتقف‭ ‬ضد‭ ‬العبث‭ ‬والتجريح‭ ‬بثوابت‭ ‬الفكر‭ ‬الإنساني‭ ‬في‭ ‬حرية‭ ‬العقائد‭ ‬وممارسة‭ ‬شعائر‭ ‬العبادات،‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬تسمح‭ ‬بنشر‭ ‬ما‭ ‬يمكنه‭ ‬إثارة‭ ‬الفتن‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬خاصة‭ ‬الدينية‭ ‬منها‭ ‬أو‭ ‬الطائفية‭ ‬أو‭ ‬المذهبية،‭ ‬وذلك‭ ‬وفقاً‭ ‬لنصوص‭ ‬دساتيرها‭ ‬وقوانينها‭ ‬التي‭ ‬تكفل‭ ‬الحريات‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬فئات‭ ‬ذات‭ ‬تأثير‭ ‬على‭ ‬القرار‭ ‬السياسي‭ ‬أو‭ ‬الإعلامي،‭ ‬وتملك‭ ‬سلطة‭ ‬نافذة‭ ‬على‭ ‬شريحة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬المجتمع،‭ ‬لا‭ ‬تسمح‭ ‬في‭ ‬أحيان‭ ‬كثيرة‭ ‬بنشر‭ ‬ما‭ ‬يختلف‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يتوافق‭ ‬مع‭ ‬توجهاتها،‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬أو‭ ‬مطبوعة،‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬ما‭ ‬ينشر‭ ‬ليست‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬بالتعديات‭ ‬على‭ ‬القانون‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬ذكرناه‭ ‬سلفاً،‭ ‬ولكن،‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬المنع‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬درء‭ ‬الشبهات‭ ‬وإيثار‭ ‬السلامة،‭ ‬ليصبح‭ ‬المسموح‭ ‬به‭ ‬والمتداول‭ ‬خطاباً‭ ‬فئوياً‭ ‬يرفض‭ ‬الرأي‭ ‬الآخر‭. ‬أما‭ ‬في‭ ‬السياسة،‭ ‬فحدِّث‭ ‬ولا‭ ‬حرج،‭ ‬ولأنّ‭ ‬الموظف‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬بشؤون‭ ‬الرقابة‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬غير‭ ‬ملم‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬التخصصات‭ ‬الفكرية،‭ ‬خاصة‭ ‬الفلسفية،‭ ‬ولكونه‭ ‬أيضاً‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬متخذي‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬تقييم‭ ‬الفكرة‭ ‬بين‭ ‬الرفض‭ ‬والقبول،‭ ‬فإنه‭ ‬ينزح‭ ‬إلى‭ ‬المنع‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الإفساح،‭ ‬خشية‭ ‬المحاسبة‭ ‬من‭ ‬رؤسائه‭. ‬وهكذا،‭ ‬تشكل‭ ‬الرقابة‭ ‬قيداً‭ ‬على‭ ‬الكاتب‭ ‬والناشر‭ ‬والموزع،‭ ‬السبب‭ ‬الذي‭ ‬تتراجع‭ ‬معه‭ ‬كمية‭ ‬النسخ‭ ‬المطبوعة‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬قارناها‭ ‬بدول‭ ‬أكثر‭ ‬تقدماً‭ ‬وأكثر‭ ‬أمناً‭ ‬واستقراراً‭.‬

 

التقدم‭ ‬التكنولوجي‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬الإنترنت‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي

أصبحت‭ ‬‮«‬الإنترنت‮»‬‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬تشكل‭ ‬جزءاً‭ ‬مهماً‭ ‬من‭ ‬صياغة‭ ‬الفكر‭ ‬الإنساني،‭ ‬ووفقاً‭ ‬لما‭ ‬تفرضه‭ ‬دلالات‭ ‬التعبير‭ ‬الافتراضي‭ ‬لمستخدمي‭ ‬تلك‭ ‬الوسائط،‭ ‬نرى‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬الصياغة‭ ‬الجديدة‭ ‬قد‭ ‬أخلّ‭ ‬بمنهجية‭ ‬التفكير‭ ‬العقلي،‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬التجربة‭ ‬والمشاهدة‭ ‬والاستنتاج،‭ ‬بطريقة‭ ‬تكاد‭ ‬تكون‭ ‬حشوية‭ ‬تستند‭ ‬إلى‭ ‬الانطباع‭ ‬الأول‭ ‬لتلقي‭ ‬المعلومة،‭ ‬معنىً‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬أم‭ ‬صورة،‭ ‬فالمتلقي‭ ‬بات‭ ‬لا‭ ‬يفحص‭ ‬نَصّاً‭ ‬أو‭ ‬يتحرى‭ ‬عن‭ ‬صدق‭ ‬صورة،‭ ‬وصار‭ ‬يقبل‭ ‬ما‭ ‬يُعرض‭ ‬على‭ ‬الشاشة‭ ‬بأنّه‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬صدقاً،‭ ‬حتى‭ ‬تأتيه‭ ‬معلومة،‭ ‬بالطريقة‭ ‬نفسها،‭ ‬تدحض‭ ‬أو‭ ‬تلغي‭ ‬سابقتها‭.‬

‭ ‬المعضلة‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الوسيلة‭ ‬أنّها‭ ‬ضيّقت‭ ‬حدود‭ ‬دائرة‭ ‬التفكير‭ ‬الإنساني،‭ ‬حيث‭ ‬اقتضى‭ ‬الأمر‭ ‬الركون‭ ‬إلى‭ ‬التلقي‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬التخيل‭ ‬الخلاق‭ ‬والتفكير‭ ‬المبدع‭. ‬

لقد‭ ‬صارت‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬منافساً‭ ‬قوياً‭ ‬للمجلات‭ ‬الورقية،‭ ‬وذلك‭ ‬لسرعة‭ ‬نشر‭ ‬المعلومات‭ ‬واستقبالها‭ ‬بسهولة‭ ‬ويسر،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬تحقيق‭ ‬علمي‭ ‬أو‭ ‬تدقيق‭ ‬لغوي،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬مصداقية‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬المعلومة،‭ ‬إلا‭ ‬أنّ‭ ‬ذلك‭ ‬قد‭ ‬لاقى‭ ‬هوىً‭ ‬وترحاباً‭ ‬لدى‭ ‬شريحة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع،‭ ‬هي‭ ‬شريحة‭ ‬الشباب،‭ ‬الذين‭ ‬تتراوح‭ ‬أعمارهم‭ ‬بين‭ ‬15‭ ‬و30‭ ‬سنة‭. ‬السبب‭ ‬الذي‭ ‬أثر‭ ‬على‭ ‬نسبة‭ ‬قراء‭ ‬المجلات‭ ‬الورقية‭ ‬لتقتصر‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬فوق‭ ‬ما‭ ‬ذكرناه‭ ‬عمراً‭. ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ذلك‭ ‬ارتأت‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المجلات‭ ‬أن‭ ‬تقرن‭ ‬إصدارها‭ ‬الورقي‭ ‬بإصدار‭ ‬مماثل‭ ‬إلكتروني،‭ ‬وقد‭ ‬أرهق‭ ‬ذلك‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬المجلات‭ ‬تكلفة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬والجهد‭ ‬والمال‭.‬

 

التكلفة‭ ‬المالية‭ ‬الباهظة

في‭ ‬إصدار‭ ‬المجلة‭ ‬الورقية

إذا‭ ‬استثنينا‭ ‬رواتب‭ ‬المحررين‭ ‬وفريق‭ ‬عمل‭ ‬الطباعة‭ ‬والإخراج‭ ‬والإنتاج‭ ‬الفني،‭ ‬تبقى‭ ‬مكافآت‭ ‬الكُتّاب‭ ‬تُشكّل‭ ‬مصدر‭ ‬معاناة‭ ‬لدى‭ ‬القائمين‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬مجلة‭. ‬وتعتبر‭ ‬أسعار‭ ‬الورق‭ ‬عالي‭ ‬الجودة‭ ‬مصدر‭ ‬قلق‭ ‬آخر،‭ ‬حيث‭ ‬إنها‭ ‬ما‭ ‬فتئت‭ ‬بازدياد‭ ‬كبير،‭ ‬هذا‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬مصاريف‭ ‬الشحن‭ ‬والنقل‭ ‬والتوزيع‭. ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬المجلة‭ ‬المطبوعة‭ ‬لا‭ ‬تستند‭ ‬في‭ ‬تمويلها‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬حكومي‭ ‬أو‭ ‬دعم‭ ‬وقفي‭ ‬خاص،‭ ‬فإنها‭ ‬تلجأ‭ ‬إلى‭ ‬الإعلانات‭ ‬كركن‭ ‬أساسي‭ ‬لتمويل‭ ‬طباعتها‭ ‬وتسويقها،‭ ‬وعادة‭ ‬ما‭ ‬تستحوذ‭ ‬تلك‭ ‬الإعلانات‭ ‬على‭ ‬أهم‭ ‬الصفحات‭ ‬المقروءة‭ ‬في‭ ‬المجلة،‭ ‬مما‭ ‬يفقدها‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬مصداقيتها‭ ‬الثقافية‭ ‬أحياناً،‭ ‬هذا‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬معظم‭ ‬تلك‭ ‬الإعلانات‭ ‬إعلانات‭ ‬تجارية‭ ‬يكون‭ ‬الهدف‭ ‬منها‭ ‬تسويق‭ ‬سلعة‭ ‬لا‭ ‬تلقى‭ ‬رواجاً‭.‬

 

ضعف‭ ‬شركات‭ ‬التوزيع‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي

لا‭ ‬يصل‭ ‬كم‭ ‬طباعة‭ ‬أي‭ ‬مجلة‭ ‬عربية،‭ ‬باستثناء‭ ‬مجلة‭ ‬العربي،‭ ‬إلى‭ ‬خمسين‭ ‬ألف‭ ‬نسخة‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬نرى‭ ‬ضعفاً‭ ‬في‭ ‬التوزيع،‭ ‬يكاد‭ ‬يكون‭ ‬عائقاً‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬الثقافة‭ ‬والفنون‭ ‬والآداب‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭.‬

‭ ‬ولو‭ ‬ألقينا‭ ‬نظرة‭ ‬سريعة‭ ‬على‭ ‬جدول‭ ‬مقارنة‭ ‬الأسعار‭ ‬الذي‭ ‬يعتمده‭ ‬اتحاد‭ ‬الموزعين‭ ‬العرب،‭ ‬لرأينا‭ ‬عجباً،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬الموزع‭ ‬العربي‭ ‬يعمل‭ ‬بأسلوب‭ ‬بدائي‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬‮«‬دكاكين‭ ‬الكتب‭ ‬والمجلات‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬فتحت‭ ‬معارض‭ ‬الكتب‭ ‬العربية‭ ‬له‭ ‬أبوابها،‭ ‬دعماً‭ ‬وإسناداً،‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬نرى‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬الموزعين‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المعارض‭ ‬سوى‭ ‬منفذ‭ ‬للبيع،‭ ‬يزداد‭ ‬منه‭ ‬ربحاً‭ ‬وفائدة‭. ‬ولا‭ ‬ضير‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬وإنما‭ ‬كان‭ ‬الأمل‭ ‬أن‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬بوضع‭ ‬كتيب‭ ‬يحوي‭ ‬سير‭ ‬المؤلفين‭ ‬وملخصات‭ ‬موجزة‭ ‬عن‭ ‬الكتب‭ ‬المعروضة،‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬نراه‭ ‬إلا‭ ‬قليلاً‭.‬

إن‭ ‬الكتابة‭ ‬والقراءة‭ ‬والنشر‭ ‬والتوزيع‭ ‬برنامج‭ ‬توعوي‭ ‬شامل،‭ ‬يأخذ‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬المستجدات‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬والتربية‭ ‬والعلوم،‭ ‬وتطبيق‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬ليس‭ ‬منوطاً‭ ‬بالعلماء‭ ‬والأكاديميين‭ ‬المتخصصين‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬العلوم‭ ‬المختلفة،‭ ‬ولا‭ ‬بالناشرين‭ ‬والموزعين‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬مشروع‭ ‬متكامل،‭ ‬لابدّ‭ ‬أن‭ ‬يساهم‭ ‬فيه‭ ‬المثقفون‭ ‬والقادة‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬السياسة،‭ ‬إنّه‭ ‬مشروع‭ ‬دولة‭ ‬تتبنى‭ ‬منظومة‭ ‬فكرية‭ ‬متكاملة‭ ‬لبناء‭ ‬مستقبل‭ ‬أجيال‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬والعلماء‭ ‬