بعد 85 عامًا على صدور كتابه «في الأدب الجاهلي» مشروع طه حسين

بعد 85 عامًا على صدور كتابه «في الأدب الجاهلي» مشروع طه حسين
        

          قد تبدو استعادة طه حسين بعد مرور نحو خمسة وثمانين عامًا على صدور الطبعة الثانية من كتابه «في الأدب الجاهلي» ضربًا من الارتكاس النهضوي، ولكن الشواخص التي رفعها في التمهيد الضافي لهذا الكتاب مازالت قائمة ولم يتم تجاوزها، رغم كل معالم النهوض الظاهري التي حفل بها الوطن العربي على امتداد العقود الثمانية السالفة.

          إن الأهمية البالغة التي علّقت ومازالت معلقة على النهوض بمناهج تعليم العربية، لا تعود إلى المكانة الاستثنائية التي تتمتع بها اللغة العربية في الثقافة العربية فحسب، بل عادت ومازالت تعود إلى الدور الاستثنائي الذي اضطلع ومازال مفترضًا أن يضطلع به أساتذة اللغة العربية في المدارس والمعاهد والجامعات. ومع أن مكانة ودور المعلمين بوجه عام قد تراجعا في المجتمعات العربية، مقارنة بمكانة ودور رجال الأعمال والمهنيين والفنيين... كما أن مكانة معلمي العربية بوجه خاص قد تراجعت في الأوساط التعليمية مقارنة بمكانة معلمي العلوم واللغات الأجنبية، إلا أن معلم العربية هو من لايزال يرفع علم المدرسة ويقود نشيد الصباح ويشرف على الإذاعة المدرسية والمسابقات الثقافية والمكتبة، ويستأثر بالحد الأعلى من الحصص وأوقات التعليم. وكل ما يمكن أن يقال عن دوره في المدرسة يمكن أن يقال أيضًا عن دوره في المعاهد المتوسطة والجامعات.

          إن معلّم اللغة العربية في المدرسة أو المعهد أو الجامعة هو في الواقع- الموصل الرئيس في أغلب الأحيان والصانع الأول في أحيان أخرى لمعالم الهوية الوطنية والقومية والحضارية، ويتحمل أكثر من غيره مسئولية رسم الصورة النمطية للذات والآخر والتاريخ والمجتمع، كما يتحمل مسئولية محصلة العلاقة بين آليات التفكير وأساليب التعبير لدى الأجيال الطالعة، ومحصلة مهارات الاتصال والانفصال التي يمكن أن تترسخ لدى أفراد المجتمع. إنه قادر على أن يرسّخ مهارات الاستماع وثقافة الحوار والتواصل، كما أنه يمكن أن يرسخ مهارات الاكتفاء وثقافة الانفصال والإملاء والتلفيق والانفعال، لأنه ببساطة - مسئول عن تعليم الأجيال ماهية وكيفية الكلام.

          ولا ريب في أن تداعي أهداف الدعوة إلى النهضة العربية الأولى، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا، يعود مما يعود إلى القصور الفادح على صعيد تطوير مضامين وأساليب تعليم العربية في الوطن العربي، رغم المحاولات المتتابعة الرسمية وغير الرسمية التي بذلت للنهوض بما يفترض أنه مخيال الوعي ومرآة العالم، بل إن هذا التداعي قد امتد حتى طال الصورة النمطية لمعلم اللغة العربية نفسه، فغدا موضع تندر وسخرية كتّاب الرواية والمسرح والدراما التلفزيونية ورمزًا للتزمت الفكري والاجتماعي والنفاق السياسي والثقافي، والضحالة والتلفيق والسطحية وابتذال الذات.

          والحق أن الحال الذي آل إليه معلم العربية، سواء أعايناه بمنظار الواقع الحياتي اليومي أم بمنظار الأدب والدراما ووسائل الإعلام، لا يكاد يختلف الآن -في مستهل الألفية الثالثة- عن الحال الذي أبدع طه حسين في إبراز نماذجه وأنماطه الفنية النابضة بالحياة والسخرية والتهكم على امتداد صفحات كتابه «الأيام»، ولا عن الحال الذي أبدع فيه أيضًا في تشخيص ملامحه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية في تمهيده لكتابه «في الأدب الجاهلي».

          وإذا كانت النماذج أو الأنماط التي نطالعها في «الأيام»، لا تكاد تفترق عن النماذج أو الأنماط التي نطالعها الآن، إلا بالبزة والاسم فالتقليدي مازال متزمتًا وتلفيقيًا سطحيًا والتغريبي مازال منبتًّا متكبرًا غامضًا- فإن الشواخص التي نصبها في تمهيده لكتاب «في الأدب الجاهلي» لا تكاد تختلف عن الملامح الشاخصة الآن والمرشحة للشخوص لعقود قادمة، ما لم تتوافر إرادة نهضوية جديدة لمواجهة الاستحقاقات التي تترتب عليها.

شواخص مازالت «شاخصة»!

          يبدأ طه حسين تشخيصه النهضوي لواقع تعليم اللغة العربية بالتوقف عند حقيقة «توهّم» التقليديين القبض على جوهر موروث العربية إلى الحد الذي يبدو معه الفارق شاسعًا بين ما يلقنونه للمتعلمين وما هو مكنون في الموروث، لأن ما يلقنونه ليس إلا نسخة شوهتها الشروحات والتهذيبات والاختصارات حتى بعدت الشقة بين المتن العميق الرفيع والفرع السطحي المكرور، وإلى الحد الذي يجأر معه طه حسين قبل خمسة وثمانين عامًا كأنما هو يجأر بصوتنا الآن- متسائلًا عن النظام التعليمي الذي يسمح بتكرار مضمون وأسلوب تعليمي محدد لعقود متعاقبة، بحيث إن ما تلقاه الجيل الأحدث لا يكاد يختلف في شيء عما تلقاه جيل سابق جدًا.

          إن وهم التغريبيين لا يقل خطرًا عن وهم التقليديين، فهم كما يلاحظ طه حسين متحذلقون متعالون نزقون غامضون، يبدأون ويعيدون في الكلام على مفاهيم وأفكار وآداب وتواريخ غربية بمصطلحات ناتئة موغلة في الإغراب وكأنما هم يؤكدون بهذا النتوء معضلة بعض حملة الثقافة المحدثة في الموروث البعيد ومعضلة بعض حملة الثقافة الحداثية في حياتنا العربية المعاصرة.

          إن الأخطر من التقليديين والتغريبيين في آن معًا، أولئك الذين توهموا أن في مقدورهم الجمع بين الاثنين، فأغرقوا المدارس الرسمية الحكومية بمختاراتهم الباهتة، ولم تعد مناهجهم التي وضعوها حد انتزاع بضعة أبيات لهذا الشاعر، أو بضعة سطور لهذا الكاتب، مذيلة بتاريخ ولادته ووفاته، علاوة على تأكيد أن أسلوبه يتسم بصدق العاطفة وجزالة الألفاظ وشرف المعاني!

          ترى.. ألا يصف طه حسين وهو يشخص واقع مناهج العربية في المدارس الرسمية الحكومية قبل خمسة وثمانين عامًا.. ألا يصف واقع المناهج العربية في المدارس الرسمية الحكومية العربية الآن؟ ألا يصف واقع الانتقاء والتلفيق والتسطيح غير المبرر إلى الحد الذي يلقن معه المتعلِّم قصيدة أبي نواس «دع عنك لومي فإن اللوم إغراء..إلخ» دون أن يتوقف على المخاطَب فيها وهو «النظّام»، ودون أن يتوقف على أصول الاعتزال وفروعه، ودون أن يتوقف على أثر الاعتزال وفروعه، ودون أن يتوقف على أثر الاعتزال الأدبي والفكري والسياسي والديني في الثقافة العربية الإسلامية. إن المتعلم يلقن مثل هذه القصيدة فيحملها على أنها شاهد على التحدي الماجن العبثي للمجتمع في أحسن الأحوال، لكنه سرعان ما ينساها بعد أن يستظهرها و«يكرها كرًا» في جلسة «الامتحان» في معظم الأحوال. كم هو مؤلم أن تكون هذه هي محصلة هذا المثال التعليمي، فلا يبرز من ذلك المشهد السياسي الاجتماعي الفكري الثقافي المضطرم بالجدل إلا صرخة تمرد فردي لا تلبث هي الأخرى أن تهمد تحت ركام التفسير المعجمي والتذوق الشكلي. ولم لا مادام أن كثيرًا من معلمي العربية في مستهل القرن العشرين المنصرم -كما يؤكد طه حسين- كانوا يحظرون تعليم «الكامل» للمبرّد، لا لشيء إلا لأنه كان معتزليًا، ومادام أن كثيرًا من معلمي العربية في مستهل هذا القرن الواحد والعشرين مازالوا يؤكدون لطلابهم أن المعتزلة فرقة كافرة!

          إن التضلع بالعربية لا يعني بالضرورة أن المتضلع بها قادر على وضع المناهج التي يمكن أن تنهض بها، بل هو محتاج علاوة على ذلك إلى الإلمام بطرائق التدريس ومناهج التعليم الحديث. وحيث إن هذه الطرائق والمناهج قد استوت على سوقها في الغرب فلا بد من ابتعاث بعض المتضلعين بالعربية إلى الغرب استكمالًا للسنة الحميدة التي استنها محمد علي. بل لابد من الاستعانة بمن يسميهم طه حسين «الفنيين» أو من ندعوهم نحن الآن «خبراء المناهج» ليشرفوا على تصميم وإعداد مناهج العربية، ذلك أن التبحر في موضوع العربية شيء والعلم بالطريقة المثلى لإيصال العربية شيء آخر، وعليه فلابد من استحداث معاهد تربوية خاصة بطرائق تعليم العربية إلى جانب أقسام العربية، تعنى بتخريج الفنيين والخبراء في هذا الشأن.

          إن طه حسين لا يخفي حماسته البالغة للجامعة الأهلية المصرية، مقارنة بالأزهر التقليدي ودار العلوم أو المدارس الحكومية ذات الصبغة المنهجية التلفيقية. وبوجه خاص فهو لا يخفي حماسته للمنهج «الوظيفي التواصلي» لدى بعض المحاضرين في الجامعة الأهلية المصرية، أولئك الذين يتوجهون مباشرة إلى تلاميذهم بالتحية بدلاً من البدء بديباجة عصماء ليس فيها ما هو موجه إلى التلاميذ، وأولئك الذين ينطلقون مباشرة من المسألة المحورية إلى مسائل أخرى بالتداعي المحكم المدروس ودون أن ينسوا حق التلاميذ في التساؤل والمناقشة والتعليق والاعتراض.

          ولا يفوت طه حسين أن يؤكد على صعيد النهوض بمناهج تعليم العربية الحاجة الماسة إلى مراعاة متغيرين رئيسين في الحياة العامة، أولهما يتمثل في ضرورة استبطان حاجات وتطلعات الجيل والعمل على إشباع هذه الحاجات والتطلعات عبر موضوعات وأساليب مقنعة ومواكبة ومرنة لا تنفّر الجيل من العربية وأساتذتها بل تحببها إليهم وتقربها منهم، وثانيهما يتمثل في ربط تعليم العربية بوسائل الاتصال الجماهيري وعلى رأسها الصحافة، فما ينشر في الصحف والمجلات متعلقًا بالعربية وقضاياها هو المرآة الحقيقية النابضة بالحياة وليس ما يقبع في بطون المقررات الجامدة والمختصرات والملخصات المهجورة. ومما يؤسف له أن هذه الدعوة إلى جمهرة العربية وقضاياها عبر ربطها بأبرز وسائل الاتصال الجماهيري مازالت تجابه وبعد خمسة وثمانين عامًا من إطلاقها بإعراض كثير من أساتذة العربية المتزمتين أو القاصرين عن امتلاك الأسلوب الخاص بالكتابة الصحفية أو بالتعريض بالأدب الصحفي والكتّاب الصحفيين، بدعوى أن الاثنين يتسمان بالركاكة والسطحية، ولو أرجعوا النظر فيما يقولون لأقروا بأن ما لديهم من محفوظات ونصوص تحتاج إلى ما ينفض عنها الغبار ويمدها بأسباب الحياة، ولن يتم ذلك إلا عبر الصحف والمجلات.

          ولا يفوت طه حسين أيضًا التنويه بالخطورة البالغة التي ينطوي عليها التعصب الشديد والأعمى للعربية والتمترس خلف الاعتقاد بأنها أشرف اللغات والآداب والاستغناء عن الإلمام بكل ما عداها من لغات وآداب أجنبية. إذ علاوة على أن الإلمام باللغات والآداب الأجنبية كان أبرز روافع النهضة الحضارية العربية في العصر العباسي، فإن معرفتنا بالعربية لن تتعاظم إلا عبر الوقوف على أوجه الشبه والاختلاف بينها وبين غيرها من اللغات والآداب، لأن المقارنات والمقايسات الحضارية الموضوعية هي وحدهاالكفيلة بتعزيز المعرفة الواعية بالذات.

          ومن المفارقات الطافحة بالمفارقة، أن طه حسين وقبل خمسة وثمانين عامًا ينشط للبرهنة على ضرورة امتلاك مدرس العربية لثقافة عابرة للتخصصات تؤهله لأن يكون ابن العصر وابن العالم. كما ينشط للبرهنة على أن امتلاك هذه الثقافة العابرة للتخصصات ليس استحداثًا لشرط جديد في مدرس اللغة العربية بل استئناف لشرط راسخ في شخصية مدرس العربية، كما تجلت لدى كثير من معلمي العربية في العصر العباسي الذين «أخذوا من كل علم بطرف» ووظفوا هذا الأخذ من السياسة والعلوم والمعاش «الاقتصاد» والصنائع والتاريخ في سبيل تطوير العربية وتطوير معرفتهم بالعربية. إن هذا العصر «قبل خمسة وثمانين عامًا!!» هو عصر الأفق الواسع كما هو عصر التخصص الدقيق، والعلاقة بين الأفق والتخصص يحكمها احترام الدقة من جهة واحترام الاطلاع والمواكبة من جهة أخرى. إن معلم العربية كما هو مندوب للتعمق في دقائق العربية وإتقانها، مندوب أيضًا لشد وثاق العربية وعلومها بمظاهر ومناشط الحياة بوثاق متين، ولا ينبغي له أن يظل مدفونًا داخل معاجمه وفهارسه ومخطوطاته وقصائده وخطبه، إنه مدعو لتحليل الخطاب السياسي وإبراز الاستراتيجيات الألسنية والأسلوبية فيه، ومدعو لتحليل الخطاب العلمي وإبراز عنصر الاقتصاد اللغوي الكامن فيه، ومدعو لتحليل الخطاب التاريخي وإبراز استثماره الهائل للخطاب الديني.

          مع ذلك، فإن طه حسين لا يدخر وسعًا للتذكير بأن آداب العربية كأي آداب أخرى - لا بد أن تقع وسطًا بين العلم الخالص والذوق الخالص، إذ مهما اتخذنا من وسائل ومناهج علمية موضوعية بحتة لبحث الأدب فليس في مقدورنا تجاهل عامل النظر الذاتي والتذوق الشخصي والموهبة الفردية في استقراء النصوص وتحليلها وتركيبها.

          ومن أبرز الشواخص التي يتوقف طه حسين إزاءها طويلا، التحذير من اتخاذ التاريخ السياسي الرسمي مقياسًا لتأريخ العربية وآدابها، لما يترتب على هذا المقياس من مغالطات تاريخية ومنطقية. إن طه حسين يرفض من حيث المبدأ الانطلاق من مقولة التحقيب، ومن ثم فهو يرفض ذلك التقسيم الساذج لتاريخ العربية وآدابها: العصر الإسلامي.. العصر الأموي..العصر العباسي.. العصر الأيوبي والمملوكي.. العصر العثماني.. والعصر الحديث، بل إنه يرفض بوجه خاص إطلاق مسمى عصر الانحطاط على العصر الأيوبي والمملوكي وما تلاه لسبب وجيه مؤداه أن هذا المسمى يوحي بوجود علاقة تلازم حتمي بين الانحطاط السياسي والانحطاط اللغوي والأدبي، وهو ما لا تؤكده الوقائع التاريخية، إذ فيما نلاحظ اشتداد النهضة اللغوية والأدبية خلال مطلع العصر العباسي فإننا نلاحظ ازدهار وتنوع هذه النهضة أثناء عصر الدويلات.

          إن الدافع إلى ربط النهوض السياسي بالنهوض الأدبي - كما يرى طه حسين - هو صيانة مركزية أدب المركز (دمشق، بغداد..القاهرة.. قرطبة) وتهميش أدب الأطراف، مع أن أدب الأطراف قد يتجاوز من حيث الأهمية أدب المراكز في أحيان كثيرة. ولعل الأخطر من كل هذا هو الإيهام بأن النهضة الأدبية مستحيلة ما دامت النهضة السياسية غير متحققة، مع أن النهضة الأدبية في أوربا مثلت الرافعة الرئيسة للنهضة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والعلمية.

دعوة إلى النهوض مجددًا

          بعد أن عرض طه حسين لأبرز أعلام ومناهج المقياس العلمي الذي سبق أن تحفظ على تحكيمه بإطلاق في مباحث العربية ويتوقف مع سانت بيف وتين وبرونتيير، لا يفوته التنويه بضرورة النظر بعين الاعتبار الشديد إلى منهج برونتيير التطوري خاصة، إذ إن اللغات والآداب جميعها تخضع مثل الأحياء لقانون صراع البقاء، وهي مثل الأحياء أيضًا مهددة بالزوال والفناء والانحسار والجمود ما لم تحُز شرطي (الأصلح.. فالأبقى)، وهي لا تحوزهما إلا إذا امتلكت المقومات التالية:

          - أولا: النهضة العلمية هي أساس النهضة اللغوية والأدبية، فالابتكارات والاختراعات والصناعات هي وحدها التي تتكفل بنشر وترويج لغة وآداب بعينها تلقائيًا وحضاريًا.

          - ثانيًا: إن النهوض بالعربية لن يتم إلا إذا أُنجز تاريخ حقيقي للغة العربية وآدابها. وإن التاريخ الحقيقي للغة العربية وآدابها لن يتم إلا إذا أنجز التاريخ السياسي العربي الحقيقي والتاريخ العلمي العربي الحقيقي والتاريخ الفكري العربي الحقيقي والتاريخ الفني العربي الحقيقي.

          - ثالثًا: إن النهوض باللغة العربية وآدابها لن يتحقق إلا إذا توافرت الحرية السياسية بمعناها العام، وإلا إذا تم التحرر من سطوة اللغة باعتبارها ماهية مقدسة بوجه خاص، وإلا إذا تم التعامل معها على أنها ظاهرة تاريخية اجتماعية قابلة للبحث العلمي الموضوعي، بعيدًا عن الانحياز العاطفي المسبق في كل الأحوال.

          - رابعًا: إن الشك الإيجابي المنتج وفق المنهج الديكارتي ومنهج البحث العلمي الفلسفي، هو ما ينبغي أن يوجه تعاملنا وعواطفنا وتطلعاتنا على صعيد النهوض بالعربية وآدابها، وليس التسليم بكل ما نقرأ على علاته، أو الركون لكل ما نسمع على عواهنه.

          - خامسًا: التوقف عن التعامل مع العربية على أنها محض وسيلة ثانوية لغايات علمية أشرف أو محض شكل أجوف لمضمون أعلى، لما في ذلك من تناقض منطقي وعلمي فادح، إذ كيف يمكن أن يستقيم لنا القول بقدسية اللغة العربية في ذاتها ثم نتعامل معها على أنها مجرد إناء لعلوم شريفة ينبغي أن تقصد بالطلب؟!.
-------------------------------
* باحث وأستاذ جامعي من الأردن.

---------------------

لما رأيتُ الكذبَ سر تفوق الفئة السرية
ورأيتُ كيف الصدق يذهب من يقول به ضحية
ونظرت أحلاس الوظائف سادة بين البرية
أيقنت أن الألمعية في ازدراء الألمعية
وحللت عقلي من عقال الهاجسين بحسن نية
وسبرت أغوار السراة وقستهم بالسرسرية
فوجدت رهط الهبر قد بز الأماثل أريحية

عِرَار

 

 

غسان إسماعيل عبدالخالق*