الأمثال في الآداب «وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون»

الأمثال في الآداب «وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون»

تحمل الأمثال عبراً ومواعظ، وتنبه الإنسان إلى مواقف سابقة ليتعظ بها، ولقد ضرب الله سبحانه الأمثال لتذكير الناس وإرشادهم.وتتداول الأمم الأمثال بينها، ونجدها سائرة متحركة، لا تقف عند زمن ولا تمكث في بقعة من البقاع، والمثل كالحكمة ينتقل بين الأمم والشعوب، برغم اختلاف اللغات والطباع.

 

«قيل في الأمثال»: تسير من دون حاجة إلى سند وبرهان. والأمثال لا يكتبها كاتب كما يكتب الكُتّاب في الفكر بما لا يُحصى من الثقافات في اللغات والعلوم والتاريخ والجغرافيا والطب والهندسة والزراعة والقصص والشّعر والعلوم الفقهية.
والأمثال لا تحتاج إلى مؤلف يخلق أفكارها، بل يجمعها جمعاً، كما يجمع البستاني الفاكهة وليس له فضل فيها بعد الزرّاع، وهو غير من يقوم بالجمع واللّم. هكذا جامع الأمثال، إلا إذا وضع تاريخها وذكر أيامها وأسباب قولها وقصصها، ومواقيت إطلاقها في السلم والحرب، وتشييد الديار والقرى والمدن والممالك.
ورائد واضعي الأمثال في الأدب العربي هو أبوالفضل أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم النيسابوري، الميداني المتوفى سنة 518 من الهجرة.
قال ياقوت في «معجم الأدباء»: إن أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري الميداني، هو صاحب «مجمع الأمثال»، والميدان محلة من محال نيسابور في فارس، وهو عالم في اللغة العربية والنحو والصرف، وله كتاب «مُنْية الراضي في مسائل القاضي» وله «السامي في الأسامي»، ومن طرائف ما يُروى أن الزمخشري حسد الميداني على جودة تصنيفه وبديع تأليفه، فوضع حرف النون قبل حرف الميم في «الميداني»، فصار «النميداني»، ومعناه في الفارسية «الذي لا يعرف شيئاً»، فلما وقف الميداني على ذلك أخذ بعض تصانيف الزمخشري، فصيّر ميم نسبته نوناً فصار «الزنَخْشري» ومعناه الذي اشترى زوجته من سوق النخاسة.
وقال محمد بن أبي المعالي الخواري في كتاب «ضالة الأديب من الصحاح والتهذيب»: لو كان للذكاء والشهامة والفضل صورة لكان الميداني تلك الصورة.

الأمثال الرائدة في الكويت
إن أول إصدار للأمثال العامية في الكويت للكاتب والشاعر خالد سعود الزيد هو «من الأمثال العامية» صدر في عام 1961.
وثاني إصدار للشيخ عبدالله النوري هو «الأمثال الدارجة في الكويت» جزءان، لم يحملا تاريخ الطباعة، ولكن إهداء المؤلف لي حمل تاريخ 23/5/1966.
أما الإصدار الأشمل، فهو «الأمثال الكويتية المقارنة» للأستاذ أحمد البشر الرومي، والأستاذ صفوت كمال، وساعد في الإعداد الأستاذ محمد عمران، تاريخ الإصدار 1982.

من الأمثال في القرآن الكريم
احتوى القرآن الكريم على أمثال كثيرة كصور تشبيهية وغاية بيانية ومشاهد تاريخية مقارنة تحمل المواعظ والعِبر لأمم سالفة في أزمنة غابرة. قال الله تعالى:
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)}. (سورة إبراهيم – الآيات من 24 إلى 26).  
وقوله تعالى:
{لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (سورة الحشر – الآية 21).
وقوله تعالى:
{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِاْئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(سورة البقرة – الآية 261).
وقوله تعالى:
{وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ} (سورة البقرة  من الآية 265). 
وجاء في القرآن الكريم:- {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} (سورة الأعراف - من الآية 176).

من الأمثال النبوية
- «إن من البيان لسحراً».
قال هذا المثل النبي، [، حين وفد عليه عمرو بن الأهتم، والزبرقان بن بدر، وقيس بن عاصم، فاستمع الرسول إلى أشعارهم وخطبهم وما فيها من بلاغة، فقال [: «إن من الــــبيان لســـــحراً»، يضرب في استحسان المنطق والحجة البالغة.
«إن المنبتَّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى».المنبتَّ، المسارع الذي انقطع عن صحبه يريد سبقهم، والظهر للدابة، قال [ هذا المثل لرجل اجتهد في العبادة، حتى هجمت عيناه، أي غارتا، فلما رآه قال له:
«إن هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق، إن المنبتّ...»، إلى آخر المثل. إن الأمثال العربية صور اجتماعية للشعوب والأمم ترسم تجاربهم وعاداتهم وسلوكهم، ومكانتهم في الرقي والانحطاط وآثارهم، حتى أن ابن عبدربه، صاحب «العقد الفريد»، اعتبر الأمثال أبقى من الشعر، وأشرف من الخطابة، لم يسر شيء مسيرها ولا عمّ عمومها حتى قيل أسير من مثل.
ولقد ضربها الله تعالى وأوردها في قصص عديدة، فمن عصاه وآثر هواه، فقد خسر دينه ودنياه، قال الله في كتابه الكريم: {وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (سورة إبراهيم – من الآية 25).
وورد في مواضع الأمثال: ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون، وفي ختام آية أخرى {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} (سورة العنكبوت – من الآية 43)، وبعد مثل آخر {«لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}، كما أوردنا.
واهتم علماء اللغة بالأمثال في الشروح الأدبية وفي تفاسير القرآن الكريم، وأوردوا للأمثال قصصها ومسببات أقوالها، والمثل من «المماثلة».قال الزمخشري في مقدمة كتابه «المستقصي في أمثال العرب»: «والمثل في الأصل عند العرب بمعنى المثل والنظير». ورأى بعض المستشرقين في المثل أنه معرض في صورة حسيّة.
ورأى فيه آخر أنه من الحكمة الناتجة عن تجربة وبرهان، وصوره ضرب من الكتابة والدليل، والمبرّد جاء في كتابه «قول سائر» أهمية ما يتركه المثل لقارئه، وفسّر الفارابي المثل في معجمه «ديوان الأدب»: «المثل ما ترضاه العامة والخاصة في لفظه ومعناه»، وبين كيف استعان الحكماء والفلاسفة بالأمثال للقدرة على التعبير. وجاءت الأمثال عبر التاريخ العام والاجتماعي والأدبي منذ العصر الجاهلي والحقب الزمنية الإسلامية.
وقالوا: هي حكمة العرب في الجاهلية، والشعوب تأخذ من بعضها فتضيف لها وتضع في شروحها الحكايات والقصص، والميداني عالم وضع سفره القيّم في الأمثال، وأحصى أمثال الجاهلية والإسلام، والأمثلة التي ضربها الله تعالى في القرآن الكريم.

«أشأم من البسوس»
ارتبط المثل بتلك المرأة التي أشعلت حرباً ضارية بين «بكر» و«تغلب»، حتى كادت هذه الحرب تُفني أعزّ قبيلتين.
ونسج الفكر صوراً خيالية، كما زيّن الخيال الشعر والقصص والحكايات والروايات، والعهد الجاهلي فيه ثقافات من الشعر الذي صوّر أيامهم وتاريخهم الاجتماعي إلى المفاخر والهجاء والمديح ومطالع الأشعار من الغزل وتذكر المنازل ومن كان فيها من المحبين.
وهناك أمثال مولّدة نسجت على أمثال قديمة كالتي جمعها الميداني. وجاءت بعد ذلك الأمثال الحديثة التي جمعها المستشرقون ودوّنوها كما دونوا الشعر بعد أن كان أشتاتاً، وجمعت الأمثال الحديثة العامية في دول عربية عديدة مثل مصر والعراق والسودان والكويت، كما أوردنا، منذ أوائل ستينيات القرن الماضي إلى أوائل الثمانينيات، والغريب أن الأمثال توقف عطاؤها برغم التقدم العلمي.
وما نتبادله من الأمثلة هي من قول الأوائل في أجيال سادت فيها الأُمية، وضعوها وأخذوا من غيرهم وأضافوا إليها، وارتبطت الأمثال القديمة مع قصص وحكايات، وإن قال المرء جملة فيها حكمة وبناء مقفى قيل فيه «ذهب مثلاً».
 جاء رجل إلى الخليفة عمر بن الخطاب، ]، في أمر فقال له: إني لا أعرفك، فأتني بمن يعرفك، فمضى الرجل فأتى برجل من المسلمين، فسأله عمر عنه، فقال المدني خيراً فيه وأثنى عليه ومدحه، فسأله عمر: أتعاملت معه؟ قال: لا، فقال عمر: أصاحبته في طريق طال بكما؟ قال: لا، قال له عمر ]: «لا تهرف بما لا تعرف»؛ فذهب قوله مثلاً. ورويت أمثلة على ألسنة الإنس والجن والطير والحيوان احتواها مجمع الأمثال للميداني.
وقيلت أمثال في الحكماء والأبطال الشجعان والجبناء، كما قالوا «أحلم من الأحنف»، وهو قيس بن الأحنف، و«أبلغ من قس بن ساعدة»، و«أذكى من إياس»، و«لأمر ما جدع قصير أنفه»، و«جزاء سنمار»، و«لو تُرك القطا لنام»، و«أندم من الكسعي»، و«زينة المرء شرَفه»، و«أنجز حر ما وعد»، و«أعط القوس لباريها»، و«صدرك أوسع لسرك»، و«ليس لكاذب رأي». وفي أمثلتنا الدارجة «يفوتك من الكذاب صدق كثير».
والأمثال: «إذا طاح الجمل كثُرت سكاكينه»، و«أراويك نجوم الليل في النهار»، «اسأل مجرّب ولا تسأل طبيب»، «اشتر الزين ورد بفلوسك»، «اصرف ما بالجيب يأتيك ما بالغيب»، «أعط الخيل ركّابها»، «أعمى ويقود مفتح»، «الأول لاعب والتالي تاعب»، «اللي في الجدر (القدر) يطلعه الملاس».
وهناك قصيدة شعر انتشرت في دول شبه الجزيرة العربية، بها بيت جرى مثلا، وهي للشاعرة نورة الحوشان، والمثل المتضمن هذا البيت:
اللي يبينا عيّت النفس تبغيه 
واللي نبيه عيّا البخت لا يجيبه
وهو من قصة واقعية قالتها امرأة ضمن قصيدة، بعد أن عاشت عيشة هنيئة مع زوجها، إلى أن دبّ خلاف بينهما أدى إلى الطلاق، فاحتضنت صغارها. وفي يوم مرّت هي وأبناؤها على مزرعة طليقها، فقالت لابنها الكبير: خذ إخوتك واذهب إلى والدكم في المزرعة، وأنا أنتظركم في هذا المكان. وتذكرت تلك الأيام السعيدة التي قضتها في المزرعة مع زوجها السابق عبود بن علي بن سويلم، وأنشدت بلوعة قصيدة هذه بعض أبياتها:
يا عين هلّي صافي الدمع هلّيه
وإليه انتهى صافيه هاتي سريبه
يا عين شوفي زرع خِلك وراعيه
شوفي معاويده وشوفي قليبه
من أول دايم لرأيه نماليه
واليوم جيَّتهم علينا صعيبه
وإن مرّني بالدرب ما أقدر أحاكيه
مصيبة يا كبرها من مصيبه
اللي يبينا عيت النفس تبغيه
واللي نبيه عيا البخت لا يجيبه
القصيدة عامية وردت في أدب أهل نجد، وهي أقرب إلى الفصحى، والمفردتان «عيت» و«عيا» من فصيح الكلام، وهي مازالت باقية في لهجة الكويت وشبه الجزيرة العربية.
كما وردت المفردة في العهد الجاهلي وما بعده، وهذا هو النابغة يقول:
يا دار مية بالعلياء فالسند 
أقوَتْ وطال عليها سالف الأبد
وقد أورده الراحل خالد سعود الزيد في كتابه «الأمثال العامية وما يماثلها من الفصحى وأمثال من القرآن الكريم»:
المثل العامي:
«بيّن حكي الصج»
المثل العربي:
راز لك القنفذ أم حابر
الروز الاختبار، والمرأة المنقبة كالقنفذ لا ترى منها شيئاً. قال الشاعر:
رأوه فازدروه وهو حرٌ
وينفع أهله الرجل القبيح
ولم يخشوا مصالته عليهم
وتحت الرغوة اللبن الصريح
المصالة: من الصول والبحث... وهكذا:
برز الصريح بجانب المتن: ومن المثل في القرآن الكريم: {الْآَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ}. (سورة يوسف – من الآية 51)
ومن الأمثال المقارنة: الأمثال العامية للأستاذ خالد سعود الزيد «من طمع طبع».. طبع في «العامية»: غرق، تطلق على السفن، طبع القارب أو طبع البوم، وهي السفينة الكبيرة.
ومن الأمثال العربية: تقطّع أعناق الرجال المطامع. من لم يعنه ما يكفيه أعجزه ما يغنيه. رُبّ أمنية جلب مَنيّة. وقال رسول الله [: «إن الصفات التي لا تثبت عليها أقدام العلماء الطمع». وقال [: «خيار المؤمنين القانع، وشرارهم الطامع».

أقوال في الأمثال
وضع الأستاذ صفوت كمال مقدمة وافية للكتاب الموسوعي «الأمثال الكويتية المقارنة» ومما قاله: «الأمثال بطبيعة تكوينها، تشكل أشكال التعبير عن المجتمع، فتنعكس عليها عادات الشعوب وسلوكها وأخلاقها وتقاليدها، وهي معين لا ينضب لمن يريد دراسة المجتمع ولغته.
جاء في كتاب «العقد الفريد» لابن عبدربه (3/63) الأمثال وَشْيُ الكلام، وجوهر اللفظ، وحلي المعاني، التي تخيرتها العرب وقدمتها الأعاجم، ونطق بها كل زمان، وسارت على كل لسان، فهي أبقى من الشعر، وأشرف من الخطابة. حتى قيل «أسْيَر من مثل»، وهناك من الكتب القديمة كتاب لأبي عكرمة الضّبِّي (ت: 250هـ) يشبه كتاب السدوسي في اهتمامه باللغة أكثر من الأمثال.
ومن الذين جمعوا الأمثال من علماء اللغة العربية حمزة بن حسين الأصفهاني (ت: 351هـ - 962م). جمع الأمثال من سابقيه أبي محمد العسكري، واهتم بتصنيف الأمثال وترتيبها.
وبقي الكتابان المرجعان «مجمع الأمثال» للميداني، و«المستقصي في أمثال العرب» للزمخشري.
جاء في كتاب «أمثال العامة في الأندلس» صفحة 236 لعبدالعزيز الأهواني قوله: «الأصل في الأمثال أن تعيش على ألسن الناس من جيل إلى جيل، وهي في انتقالها تتعرض لتغيير صوتي ولفظي، حسب اختلاف اللهجات». أما المستشرق رودلف زلهايم في كتابه: «الأمثال العربية القديمة» فيقول في صفحة 71 وما بعدها:
«الدلائل تشير إلى أن حركة جمع الأمثال والنزوع إلى تدوينها، ظهرت في العصر الأموي، فيقال عن عبيد بن شرية الجرهمي، وعلاقة ابن كريم الكلابي، وصحار بن عباس العبدي، أنهم ألفوا كتباً في الأمثال، ويظهر أن مؤلفاتهم قد فقدت، وقد جمعوا الأمثال التي رويت منذ منذ العهد الجاهلي...».
هكذا ضاع كثير من التراث العربي لسوء تخزين الكتب في أماكن رطبة مليئة بالحشرات، ومنها ما كان يحفظ في المساجد وأقبيتها، ولم يكن عليها من يحافظ عليها ويرعاها، فتعرضت للتلف والفقدان.
وبقي من كتب الأمثال، كتاب الأمثال للمؤرخ السدوسي (ت 591هـ)، وهناك كتاب قديم للمفضل بن محمد الضبي (ت 170هـ 786م) وكتاب قديم جاء مصنفاً ومرتباً لأبي عبيد القاسم بن سلام في «فصل المقال في شرح كتاب الأمثال لأبي عبيد البكري الأوني».
كانت للشعب العربي في العهد الجاهلي ثقافات وحضارة، فيها الشعر والخطابة والأمثال، وكانت مواطن للحضارة في مكة والمدينة والطائف، وفي مدن أخرى في الحجاز وشماله، كما كانت حضارات في اليمن وعمان والبحرين دلّت عليها الحفريات.
وفي وسط الجزيرة العربية حضارة بلاد «الحِجْر» التي انقضت آثارها لتبنى عليها مدينة الرياض في عام 1330هـ - 1809م، أما اصطلاح الجهل والجاهلية الذي اتفق عليه المسلمون، فكانوا يعنون الجهالة الروحية وثقافة معرفة الله الواحد الأوحد، وليست جاهلية المعرفة والأمية، ولولا ذلك لما استوعب المسلمون القرآن الكريم وأحاطوا ببلاغته وبيانه.
ولعل نظرة فاحصة لأمثال العرب في الجاهلية يجد فيها الباحث إحدى ثقافات العصر بجانب الشعر والخطابة والتاريخ.
والبداوة هي خارج مواطن الحضارة، وهي ظاهرة موجودة في كل البلاد العربية وغيرها من الشعوب والأمم الأوربية، وفي بلاد الشرق كالصين وروسيا. إذن البداوة فيما قبل الإسلام موجودة بجانب مواطن الحضارة، وخير من صوّر هذه الحياة العلاّمة العراقي جواد علي في موسوعته اللغوية والتاريخية «تاريخ العرب قبل الإسلام».
والأمية موجودة، والجهل العلمي في كل البلاد العربية، ولم تقض عليها إلا دولة واحدة هي الجمهورية التونسية، بمجهود زعيمها الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، رحمه الله تعالى.
وتمتاز ثقافتها عن الدول العربية الأخرى في كل أبعاد الثقافة والوعي الذهني.

الأمثال المقارنة
جاء في الأمثال الكويتية المقارنة، لكل من أحمد بشر الرومي، وصفوت كمال (ج 1 ص219/ رقم 13) هذا المثل: «إكرام النفس هواها».المثل يعني أنك إذا أردت أن تكرم أحداً فأعطه ما يريد ويشتهي، ويضرب في الكرم، وورد هذا المثل في كتاب الأستاذ عبدالله النوري بهذا اللفظ نفسه (ج/2/175).
وهو شائع في دول شبه الجزيرة العربية باللفظ نفسه، يقول الشاعر الشعبي الأستاذ عبدالعزيز بن فايز:
ياهل الركاب اللي على السير شفقين
إذا زهن غالي جديد الأواني
منوة بعيد الدار دغم العرانين
ومنتبات من ضرياب عُمان
ما ودي ألبثكم إلى عاد عجلين
خوف من اكرام عليكم هوان
 كتاب (العبودي 1/11)
وجاء في كلام للحسن البصري حول هذا المضمون: «ولا تكرم أخاك بما يكره، ولا تحمل كتاباً إلى أمير حتى تعلم ما فيه». (عيون الأخبار ج 3/ ص 15)، والمثل هذا في العراق: ربيع النفس هواه
(الدليشي: 2/54/856).
وفي سورية: خيار الأمور تعجب أهلها. وفي فلسطين: خيار الحاجة تعجب صاحبها. وفي لبنان: بصيغة فلسطين نفسها. وجاء المثل رقم 230 في كتاب الأمثال الكويتية المقارنة (ص 311): «اتعب أبدانك ولا تتعب لسانك». وفي العراق: «تعّب رجلك ولا تتعب لسانك». و«تعب چنفي ولا نتعب قلبي».
(التكريتي، المقارنة 2/29/622).
وفي سورية وفلسطين ومصر بصيغة «اتعب جسمك ولا تتعب عقلك». وفي لبنان: «اتعب لسانك ولا تتعب أقدامك». وفي مصر أيضاً: «اتعب جسمك ولا تتعب قلبك». (تيمور 9/52).
وفي فلسطين: «اتعب رجليك ولا توجع راسك». وجاء في الأمثال الكويتية المقارنة (رقم 443): «اشتر وبيع اسمك ما يضيع».
وفي بعض دول شبه الجزيرة العربية:
«بيع واشتر وإن ما تربح بارك الله فيك».
وفي العراق: «اشتر وبيع اسمك ما يضيع».
وفي مصر: «بيع بخمسة واشتري بخمسة، يرزقك الله بين الخمستين» (تيمور 145).
وفي ليبيا: «البيع والشرا يكسر سلاسل الفقر».

القصة في الأمثال
جاء في كتاب مجمع الأمثال للميداني تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد (ج 1 ص85):
«إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض».
يروى أن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب، ] عنه، قال: «إنما مثلي ومثل عثمان كمثل أثوار ثلاثة كنّ في أجمة، أبيض وأسود وأحمر ومعهن فيها أسد، فكان لا يقدر منهن على شيء لاجتماعهن عليه، فقال للثور الأسود والثور الأحمر:
لا يدل علينا في أجمتنا إلا الثور الأبيض، فإن لونه مشهور ولوني على لونكما. فلو تركتماني آكله صفَتْ لنا الأجمة، فقالا: دونك فكله، فأكله، ثم قال بعد حين للثور الأحمر: لوني على لونك، فدعني آكل الأسود لتصفو لنا الأجمة، فقال دونك فكله، فأكله. ثم قال للثور الأحمر: إني آكلك لا محالة، فقال دعني أنادي ثلاثاً، فقال: افعل، فنادى ألا إني أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض».
قال الإمام علي ]: «ألا إني هنت يوم قتل عثمان، (ويروى وَهَنْت) يرفع بها صوته بضربه الرجل يرزأ بأخيه».
وجاء في مجمع الأمثال للميداني (رقم 120/ ج1):
«أنا ابن جلا وطلاع الثنايا».
ويضرب للمشهور المتعالم، وهو من قول سحيم بن وثيل الرياحي:
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا
متى أضع العمامة تعرفوني
تمثَّل بهذا المثل الحجاج بن يوسف الثقفي على منبر الكوفة، مهدداً أهل العراق. وجاء في المثل رقم 126/ (الميداني ج 1) «إياكم وخضراء الدّمن».قال هذا المثل رسول الله [، فقيل له: وما ذاك يا رسول الله؟ فقال: «المرأة الحسناء في منبت السوء». «إيّا» كلمة تخصيص وتقدير المثل: إياكم أخصّ بنصحي وأحذركم خضراء الدمن.
ويرتبط معظم الأمثال القديمة بقصص توضح لنا معنى المثل ومناسبته، أو يرتبط بحادثة تاريخية، وقد تكون القصص خيالية موضوعة كالقصص الأخرى الأدبية، ويمتد الخيال ليضع بعض أبطال المثل وشخوصه من الجِن، وتتحدث الأمثال عن بيئة الراوي بدوية كانت أو حضرية، وهناك أمثال جاهلية زاد عليها الفكر الإسلامي بأخلاقياته، وأمثال تضمنها الفكر القرآني وآدابه، وهناك ما تضمن أحاديث الرسول [، وما تضمن من أقوال وردت في الشعر العربي قديمه وحديثه، وهناك أمثال اكتسبها العامة من أمثال العرب الفصحى. وأمثال تنتقل من شعوب إلى أخرى، لذا قالوا عن الأمثال إنها «سائرة»، لا تثبت على حال ■