المتحف الوطني للفن الكوري الحديث والمعاصر بيت داخل البيت

المتحف الوطني للفن الكوري الحديث والمعاصر  بيت داخل البيت

منذ أن فتح المتحف الوطني للفن الكوري الحديث والمعاصر أبوابه للجمهور في سنة 1969، وهو يعطي درسا في أهمية أن يمثل فضاء الفن مرآة للتاريخ، لذا يعد هذا المتحف وثيقة بصرية للجدل الذي يشغل خيال التشكيلي المبدع. زائر اليوم للمتحف في فروعه الأربعة يقرأ ذلك الفهم الذي يشغل الجسور الممتدة بين البصر والبصيرة. أربعة فروع للمتحف، افتتح الأول في جواتشون سنة 1986، والثاني بمدينة دوك سو جونج سنة 1998، بينما نزور نحن المتحف الذي استقبل جمهوره للمرة الأولى في سنة 2013، أما الفرع الأخير في تشونج جو فقد افتتح السنة الماضية، وقد حافظ كل فرع على صبغة خاصة به، لكنها جميعا تلتزم بمعايير المتاحف الوطنية للفنون والثقافة في كوريا بجعلها بوابات لإثراء التجربة الثقافية لجمهور المشاهدين.

 

لا‭ ‬يعد‭ ‬أي‭ ‬فرع‭ ‬للمتحف‭ ‬صورة‭ ‬عن‭ ‬الآخر،‭ ‬أو‭ ‬نسخة‭ ‬عنه،‭ ‬وإنما‭ ‬نموذج‭ ‬مكمل‭ ‬لرسالته،‭ ‬لذا‭ ‬تخصص‭ ‬فرع‭ ‬جواتشون‭ ‬MMCA‭ ‬Gwacheon  ‬في‭ ‬أنواع‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬الفنون‭ ‬البصرية‭: ‬مثل‭ ‬الهندسة‭ ‬المعمارية،‭ ‬والتصميم،‭ ‬والحرف‭ ‬اليدوية‭. ‬أما‭ ‬فرع‭ ‬دوك‭ ‬سو‭ ‬جونج‭ ‬MMCA‭ ‬Deoksugung‭ ‬الذي‭ ‬يحتضنه‭ ‬موقع‭ ‬تاريخي‭ ‬مهم‭ ‬فيقدم‭ ‬عروض‭ ‬الفن‭ ‬الحديث‭ ‬من‭ ‬كوريا‭ ‬والخارج‭.‬

وفي‭ ‬قلب‭ ‬العاصمة‭ ‬يركز‭ ‬فرع‭ ‬سيئول‭ ‬MMCA‭ ‬Seoul  ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬الفن‭ ‬المعاصر‭ ‬العالمي،‭ ‬مع‭ ‬توفير‭ ‬منشأة‭ ‬لتخزين‭ ‬المقتنيات‭ ‬الفنية،‭ ‬ويؤدي‭ ‬فرع‭ ‬تشونج‭ ‬جو‭ ‬MMCA‭ ‬Cheongju‭ ‬دوراً‭ ‬مهما‭ ‬بين‭ ‬جمع‭ ‬الأعمال‭ ‬الفنية‭ ‬وحفظها‭ ‬ودراستها‭ ‬وعرضها‭ ‬والتثقيف‭ ‬بها،‭ ‬لتتكامل‭ ‬الفروع‭ ‬معا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المواقع‭ ‬المختلفة‭ ‬كمنصة‭ ‬ثقافية‭ ‬تشجع‭ ‬التواصل‭ ‬وتلاقح‭ ‬الفنون‭ ‬المعاصرة‭ ‬مع‭ ‬مختلف‭ ‬التخصصات‭ ‬الفنية‭ ‬الأخرى،‭ ‬مثلما‭ ‬تتواصل‭ ‬مع‭ ‬العلوم‭ ‬التطبيقية‭ ‬والإنسانية‭. ‬

كلمة‭ ‬مدير‭ ‬متحف‭ ‬الفن‭ ‬الحديث‭ ‬والفن‭ ‬المعاصر‭ ‬تشونغ‭ ‬هيونغ‭ ‬مين‭ ‬تؤكد‭ ‬ذلك‭: ‬‮«‬المهمة‭ ‬الأولى‭ ‬للمتحف‭ ‬هي‭ ‬تقديم‭ ‬تجربة‭ ‬سخية‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الثقافية‭ ‬لزواره،‭ ‬وسوف‭ ‬نظل‭ ‬ملتزمين‭ ‬بهذه‭ ‬المهمة‭ ‬لأجيال‭ ‬عديدة‭ ‬قادمة‮»‬‭.‬

عرض‭ ‬علينا‭ ‬فيلم‭ ‬تسجيلي‭ ‬يثبت‭ ‬شغف‭ ‬الكوريين‭ ‬بالتوثيق‭ ‬للمراحل‭ ‬التاريخية،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬عملية‭ ‬أرشفة‭ ‬طويلة‭ ‬الأجل،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬تصوير‭ ‬عملية‭ ‬البناء‭ ‬بقدر‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬التفصيل،‭ ‬تؤرخ‭ ‬بناء‭ ‬المتحف‭ ‬من‭ ‬زوايا‭ ‬عديدة،‭ ‬وذلك‭ ‬باستخدام‭ ‬مجموعة‭ ‬متنوعة‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬السمعية‭ ‬والبصرية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬التصوير‭ ‬الفوتوغرافي‭ ‬والفيديو‭ ‬والصوت،‭ ‬بتنفيذ‭ ‬مصورين‭ ‬هما‭ ‬الأكثر‭ ‬شهرة‭ ‬في‭ ‬كوريا؛‭ ‬ستانج‭ ‬نواه،‭ ‬وسيونغ‭ ‬وو،‭ ‬شملت‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬بداية‭ ‬عملية‭ ‬البناء‭ ‬في‭ ‬2009‭ ‬إلى‭ ‬الانتهاء‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬2013‭. ‬

 

سقف‭ ‬الذكريات

سأتوقف‭ ‬طويلاً‭ ‬أمام‭ ‬الأعمال‭ ‬الفنية‭ ‬داخل‭ ‬المتحف،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬فضاءاته‭ ‬الداخلية،‭ ‬أو‭ ‬فناءاته‭ ‬الخارجية،‭ ‬ليتأكد‭ ‬لي‭ ‬مفهوم‭ ‬واحد،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬معاصرة‭ ‬تلك‭ ‬الأعمال،‭ ‬وجنونهاـ‭ ‬أحيانا‭ - ‬لا‭ ‬ينفي‭ ‬عنها‭ ‬كوريتها‭ ‬أبداً‭. ‬يستلهم‭ ‬الفنان‭ ‬الكوري‭ ‬المعاصر‭ ‬أدواته‭ ‬وأجزاء‭ ‬بيته‭ ‬ووسائل‭ ‬عيشه‭ ‬ليعيد‭ ‬تقديمها‭ ‬تحفة‭ ‬فنية‭ ‬معاصرة،‭ ‬وربما‭ ‬باستخدام‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الأكثر‭ ‬تطوراً‭.‬

ليس‭ ‬أدل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬قطعة‭ ‬بيت‭ ‬داخل‭ ‬بيت‭. ‬تستلهم‭ ‬هذه‭ ‬القطعة‭ ‬‮«‬المتحركة‮»‬‭ ‬البيت‭ ‬الكوري‭ ‬التقليدي،‭ ‬الذي‭ ‬يسمى‭ ‬هانوك،‭ ‬كما‭ ‬يسمى‭ ‬أيضاً‭ ‬جوسون‭. ‬وهما‭ ‬اسمان‭ ‬مختلفان‭ ‬عن‭ ‬الطراز‭ ‬العصري‭ ‬الحالي‭ ‬الذي‭ ‬يحاكي‭ ‬البيوت‭ ‬الغربية‭ ‬الطراز‭ (‬يانج‭ ‬أوك‭).  ‬يُبنى‭ ‬الهانوك‭ ‬مواجهاً‭ ‬للأنهار‭ ‬ينتظر‭ ‬نسيماً‭ ‬يمر‭ ‬عليها‭ ‬قادما‭ ‬من‭ ‬الجنوب‭ ‬ليلطف‭ ‬درجة‭ ‬حرارته‭. ‬كما‭ ‬يعتمد‭ ‬معماريوه‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يحتمي‭ ‬بالجبال‭ ‬لتصد‭ ‬درجة‭ ‬الحرارة‭ ‬العالية‭ ‬والرطوبة‭ ‬الشديدة‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬شهور‭ ‬الصيف‭. ‬

نظام‭ ‬التدفئة‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬التقليدي‭ (‬أوندول‭)  ‬يستخدم‭ ‬أنابيب‭ ‬ساخنة‭ ‬تحت‭ ‬الأرضيات‭ ‬الخشبية‭ ‬للغرف‭ ‬لتجنب‭ ‬برودة‭ ‬الشتاء‭ ‬القارسة‭. ‬مثل‭ ‬فلاحي‭ ‬حضارات‭ ‬الأنهار‭ ‬بنى‭ ‬الكوريون‭ ‬القدماء‭ ‬بيوتهم‭ ‬باستخدام‭ ‬الخشب‭ ‬والطين‭ ‬الأحمر،‭ ‬وخصصوا‭ ‬القرميد‭ ‬الأسود‭ ‬للأسطح‭. ‬بيوت‭ ‬لاتزال‭ ‬مقامة‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬الأحياء‭ ‬التقليدية‭ ‬حتى‭ ‬بالعاصمة،‭ ‬وهي‭ ‬فخر‭ ‬المعماريين‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يستخدموا‭ ‬مسامير‭ ‬لتثبيت‭ ‬الأجزاء،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬الوتد‭ ‬هو‭ ‬أساس‭ ‬تجميع‭ ‬الألواح‭ ‬الخشبية‭ ‬معا‭. ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬قاعات‭ ‬المتحف‭ ‬يظهر‭ ‬أعلى‭ ‬الزوار‭ ‬نموذج‭ ‬للبيت‭ ‬التقليدي،‭ ‬الهانوك،‭ ‬يتحرك‭ ‬البيت‭ ‬لأسفل،‭ ‬ليصبح‭ ‬الزوار‭ ‬داخل‭ ‬جدرانه‭ ‬الشفافة،‭ ‬إنها‭ ‬لا‭ ‬تظهرهم‭ ‬داخل‭ ‬البيت‭ ‬وحسب،‭ ‬بل‭ ‬تجعل‭ ‬الخارج‭ ‬والداخل‭ ‬معاً‭ ‬بأسلوب‭ ‬مبتكر‭. ‬

الجدران‭ ‬المصنوعة‭ ‬من‭ ‬قماش‭ ‬شفاف‭ ‬واه،‭ ‬ذات‭ ‬لون‭ ‬سماوي‭ ‬منعش،‭ ‬طريقة‭ ‬تعزز‭ ‬مشاعر‭ ‬زوار‭ ‬البيت،‭ ‬يلفهم‭ ‬تشابك‭ ‬بين‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج‭ ‬وبين‭ ‬الفضاء‭ ‬الخاص‭ ‬والعام،‭ ‬يتعرض‭ ‬المشاهدون‭ ‬إلى‭ ‬أجواء‭ ‬سريالية‭ ‬تمزج‭ ‬الشرق‭ ‬بالغرب،‭ ‬والماضي‭ ‬بالحاضر،‭ ‬والحقيقي‭  ‬بالوهمي،‭ ‬وهي‭ ‬كذلك‭ ‬علاقاتنا‭ ‬المتشابكة‭ ‬بشكل‭ ‬معقد‭. 

مازلنا‭ ‬مع‭ ‬آثار‭ ‬البيت‭ ‬التقليدي،‭ ‬في‭ ‬إطارها‭ ‬العصري،‭ ‬بعد‭ ‬تدخل‭ ‬الفنان‭ ‬التشكيلي‭ ‬بفكرة‭ ‬مبتكرة‭. ‬خارج‭ ‬معظم‭ ‬البيوت‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬نصب‭ ‬تذكارية‭ ‬للأجداد،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يُبنى‭ ‬أمام‭ ‬سور‭ ‬البيت‭ ‬حوض‭ ‬تسبح‭ ‬فيه‭ ‬زهور‭ ‬اللوتس،‭ ‬وكان‭ ‬أهم‭ ‬تصميم‭ ‬للمنازل‭ ‬البسيطة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مستطيلة‭ ‬الشكل،‭ ‬بها‭ ‬بهو‭ ‬يحتل‭ ‬المساحة‭ ‬الأكبر،‭ ‬وعلى‭ ‬أحد‭ ‬الجانبين‭ ‬غرفة‭ ‬ومطبخ‭.  ‬لكن‭ ‬ذكريات‭ ‬القيلولة‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬اللحظات‭ ‬المهمة‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الكوري‭ ‬قديماً‭ - ‬وحديثاً‭ - ‬يستدعيها‭ ‬عمل‭ ‬فني‭ ‬يمثل‭ ‬سقفاً‭ ‬متماوجاً‭ ‬من‭ ‬السعف،‭ ‬وقد‭ ‬وجدت‭ ‬هذه‭ ‬السقيفة‭ ‬منذ‭ ‬عصر‭ ‬مملكة‭ ‬جوسون‭ (‬1392-1910‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬توسطت‭ ‬المساكن‭ ‬أفنية،‭ ‬بها‭ ‬مكان‭ ‬للاستراحة‭ ‬قرب‭ ‬النافذة،‭ ‬هنا‭ ‬سيخلد‭ ‬صاحب‭ ‬البيت‭ ‬للراحة‭ ‬في‭ ‬مهب‭ ‬الريح،‭ ‬تظله‭ ‬تلك‭ ‬السقيفة‭ ‬المتماوجة،‭ ‬وكأنه‭ ‬يقود‭ ‬مركبا‭ ‬موجاته‭ ‬تتخلل‭ ‬طبقات‭ ‬من‭ ‬الريح‭.‬

 

ظل‭ ‬الهلال‭ ‬المضيء

سيهل‭ ‬الليل،‭ ‬ويبدو‭ ‬خلف‭ ‬سحبه‭ ‬هلال‭ ‬مضيء،‭ ‬يترك‭ ‬ضوؤه‭ ‬ظل‭ ‬الأشياء‭ ‬على‭ ‬الجدران‭ ‬الصامتة،‭ ‬وكأنه‭ ‬يسمعها‭ ‬الأسرار‭. ‬هنا‭ ‬سوف‭ ‬يُقدم‭ ‬عمل‭ ‬فني‭ ‬صورة‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬من‭ ‬الذاكرة،‭ ‬حين‭ ‬يصمم‭ ‬التشكيلي‭ ‬يو‭ ‬رام‭ ‬تشوي‭ ‬الذي‭ ‬تخصص‭ ‬في‭ ‬النحت‭ ‬الحركي‭ ‬تصميماً‭ ‬للهلال‭ ‬وهو‭ ‬يتحرك‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭. ‬كان‭ ‬جد‭ ‬الفنان‭ ‬أحد‭ ‬العلماء‭ ‬الذين‭ ‬اشتغلوا‭ ‬بتصميم‭ ‬السيارات‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬مبكر،‭ ‬وكان‭ ‬والداه‭ ‬نحاتين،‭ ‬لذا‭ ‬عاش‭ ‬الطفل‭ ‬مبكراً‭ ‬رحلة‭ ‬استكشاف‭ ‬الفن‭ ‬مع‭ ‬الطين،‭ ‬وتخرج‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬تشونغ‭ ‬أنغ‭ ‬في‭ ‬سيئول،‭ ‬وسافر‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬ثم‭ ‬عاد‭ ‬ليقدم‭ ‬خلاصة‭ ‬ذكرياته‭ ‬وتجاربه‭ ‬ودراساته‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬الضخم‭ ‬يبدو‭ ‬الهلال‭ ‬مثل‭ ‬مخلوق‭ ‬خرافي‭ ‬متحرك‭ ‬يرتفع‭ ‬خمسة‭ ‬أمتار‭ ‬ويدور‭ ‬بحركة‭ ‬مهيبة‭ ‬بطيئة‭ ‬بأجنحة‭ ‬متناظرة‭ ‬تشبه‭ ‬المجاديف‭ ‬في‭ ‬سفينة‭ ‬فايكنغ‭. ‬الهلال‭ ‬الذي‭ ‬يشبه‭ ‬يرقة‭ ‬هائلة‭ ‬ينبثق‭ ‬منه‭ ‬ضوء‭ ‬غامض‭. ‬إنه‭ ‬نتيجة‭ ‬أبحاث‭ ‬للفنان،‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬منفصلاً‭ ‬عن‭ ‬الفنون‭ ‬الأخرى،‭ ‬ليقدم‭ ‬عملا‭ ‬تشكيليا‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬نراه‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬أفلام‭ ‬الخيال‭ ‬العلمي‭. ‬أبحاث‭ ‬شملت‭ ‬علم‭ ‬الآثار،‭ ‬وعلم‭ ‬الأحياء،‭ ‬وعلم‭ ‬الإنسان‭ ‬الآلي،‭ ‬وجعلته‭ ‬يتعاون‭ ‬بشكل‭ ‬وثيق‭ ‬مع‭ ‬خبراء‭ ‬تلك‭ ‬المجالات‭ ‬والحرفيين‭ ‬المهرة‭.‬

أعمال‭ ‬تشوي‭ ‬ترمز‭ ‬إلى‭ ‬الهياكل‭ ‬الحية‭ ‬لأنواع‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬النباتات‭ ‬والحيوانات‭ ‬والحشرات،‭ ‬وتشيد‭ ‬فوق‭ ‬مجموعة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬آلات‭ ‬دقيقة‭ ‬المكونات‭ ‬والمحركات‭ ‬والأجهزة‭ ‬الإلكترونية‭. ‬اسمى‭ ‬تشوي‭ ‬وحدته‭ ‬‮«‬البحوث‭ ‬المتحدة‭ ‬لآلة‭ ‬الأنيما‮»‬‭ ‬ربما‭ ‬لاستكشاف‭ ‬وتوثيق‭ ‬المخلوقات‭ ‬الميكانيكية‭ ‬التي‭ ‬استوطنت‭ ‬الفضاءات‭ ‬المجهولة،‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬أطلقتهـــا‭ ‬حضارة‭ ‬تكنولوجية‭ ‬عالية‭. 

من‭ ‬خلال‭ ‬أبحاثه‭ ‬عرف‭ ‬الفنان‭ ‬أن‭ ‬قرب‭ ‬مدن‭ ‬الموانئ‭ ‬الكورية‭ ‬تم‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬نوع‭ ‬جديد‭ ‬لشكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬الحياة،‭ ‬يحدث‭ ‬عندما‭ ‬تشع‭ ‬الشمس‭ ‬المنعكسة‭ ‬من‭ ‬سطح‭ ‬القمر‭ ‬أن‭ ‬تولد‭ ‬طاقة‭ ‬ضوئية‭ ‬تضخم‭ ‬قدرة‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬التخيل‭. ‬ربما‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬الدمج‭ ‬بين‭ ‬الآلي‭ ‬والإنساني،‭ ‬بين‭ ‬الأسطوري‭ ‬والواقعي،‭ ‬بين‭ ‬العلمي‭ ‬والخيالي،‭ ‬بين‭ ‬سفن‭ ‬التاريخ‭ ‬وفنون‭ ‬الحاضر‭ ‬خلاصة‭ ‬نقرأها‭ ‬تحت‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬الفني‭ ‬المعلق‭.‬

تأقلم‭ ‬الناس،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬كوريا‭ ‬الجنوبية،‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬باستخدام‭ ‬آلات‭ ‬وأنظمة‭ ‬تكنولوجية‭ ‬حديثة‭ ‬تحيطهم‭ ‬بجميع‭ ‬أنواع‭ ‬الأجهزة‭ ‬الميكانيكية‭ ‬الدقيقة‭. ‬

لذا‭ ‬نسأل‭: ‬هل‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬بالنسبة‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نتخيل‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬آلات؟‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬لا‭ ‬يمكننا‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬هيمنة‭ ‬الآلات‭ ‬هذه‭ ‬على‭ ‬حياتنا،‭ ‬لذا‭ ‬يبرز‭ ‬القلق‭ ‬بأن‭ ‬الوعي‭ ‬الذاتي‭ ‬للآلات،‭ ‬أو‭ ‬ثورة‭ ‬الروبوتات‭ ‬الذكية،‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬سقوط‭ ‬الجنس‭ ‬البشري‭! ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬لدينا‭ ‬حضارة‭ ‬راهنة‭ ‬حاضرة‭ ‬تبذل‭ ‬كل‭ ‬جهود‭ ‬ممكنة‭ ‬لإنتاج‭ ‬إنسان‭ ‬آلي‭ ‬أكثر‭ ‬ذكاء،‭ ‬مثلما‭ ‬لدينا‭ ‬أكثر‭ ‬الأجهزة‭ ‬دقة‭ ‬وأكثرها‭ ‬قرباً‭ ‬للإنسان،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬أفلام‭ ‬الخيال‭ ‬العلمي،‭ ‬ترى‭ ‬كيف‭ ‬سيكون‭ ‬مستقبل‭ ‬الصراع‭ ‬مع‭ ‬الآلات‭ ‬أو‭ ‬الوئام‭ ‬معها؟‭ ‬

المفهوم‭ ‬الأساس‭ ‬الذي‭ ‬تتحرك‭ ‬فيه‭ ‬المعروضات‭ ‬يستدعي‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬قرننا‭ ‬الحالي؛‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭. ‬سيبدو‭ ‬واضحاً‭ ‬أن‭ ‬الأعمال‭ ‬التركيبية‭ ‬الفنية‭ ‬تبرز‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬المنظرين‭ ‬أصحاب‭ ‬الأفكار‭ ‬وأمناء‭ ‬المتاحف‭ ‬والمهندسين‭ ‬المعماريين‭ ‬والمصممين‭ ‬والفلكيين‭ ‬والفيزيائيين‭ ‬والفنانين‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الجديدة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬مشاركة‭ ‬الجمهور‭.‬

 

تأويل‭ ‬الإنسان

ما‭ ‬يقدم‭ ‬في‭ ‬المتحف‭ ‬الجديد‭ ‬ليس‭ ‬فنا‭ ‬بدائيا،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬إعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬لنماذج‭ ‬تاريخية،‭ ‬وإنما‭ ‬هو‭ ‬رؤية‭ ‬فكرية‭ ‬بصرية‭ ‬لهوية‭ ‬وطن‭. ‬نحن‭ ‬نقف‭ ‬على‭ ‬خشبة‭ ‬مسرح‭ ‬فني‭ ‬يعيد‭ ‬إنتاج‭ ‬الروايات‭ ‬تشكيلياً،‭ ‬سواء‭ ‬تلك‭ ‬القصص‭ ‬التي‭ ‬رواها‭ ‬الأجداد،‭ ‬أو‭ ‬هذه‭ ‬الحكايات‭ ‬التي‭ ‬عاشها‭ ‬الفنانون‭ ‬أنفسهم‭. ‬فالخلاصة‭ ‬التي‭ ‬يتوخاها‭ ‬ويبتغيها‭ ‬وهو‭ ‬ينجح‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير،‭ ‬أن‭ ‬المتحف‭ ‬الوطني‭ ‬للفن‭ ‬الحديث‭ ‬والمعاصر‭ ‬في‭ ‬سيئول‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬إبراز‭ ‬رؤى‭ ‬الفن‭ ‬المتغيرة‭ ‬باستمرار،‭ ‬والتي‭ ‬يتبدل‭ ‬معها‭ ‬تفسيره‭ ‬للحياة،‭ ‬ولاسيما‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬الذي‭ ‬تتفكك‭ ‬فيه‭ ‬الحدود‭ ‬وتتآلف‭ ‬فيه‭ ‬التخصصات‭. ‬

هناك‭ ‬جديد‭ ‬نعيشه،‭ ‬التكرار‭ ‬لبعض‭ ‬المقتنيات،‭ ‬كأنها‭ ‬وحدة‭ ‬زخرفية‭ ‬مجسمة،‭ ‬يعني‭ ‬تكرار‭ ‬النماذج‭ ‬المحيطة‭ ‬بنا،‭ ‬كأنها‭ ‬استنساخ‭ ‬للعولمة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬روح‭ ‬الاتصال‭ ‬التي‭ ‬قربت‭ ‬بين‭ ‬القاصي‭ ‬والداني‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬القيم‭ ‬والأفكار‭ ‬الفردية‭ ‬المتأثرة‭ ‬بما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬حولنا‭. ‬هنا‭ ‬نعيش‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬تقييم‭ ‬الفن‭ ‬والعصر‭ ‬والمجتمع‭. ‬إنها‭ ‬روح‭ ‬العصر‭ ‬في‭ ‬كوريا‭ ‬التي‭ ‬تطرح‭ ‬الأسئلة‭ ‬دائماً‭. ‬أعمال‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬افتراضي‭ ‬وتجريدي‭ ‬ورمزي‭ ‬وحسي،‭ ‬لكنها‭ ‬تنتظر‭ ‬تأويل‭ ‬الإنسان‭ ‬وحده‭ ‬

زوار‭ ‬المتحف‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الأجيال‭ ‬يصطفون‭ ‬أمام‭ ‬مدخله،‭ ‬بينما‭ ‬مجسم‭ ‬تشكيلي‭ ‬لأبجدية‭ ‬كوزموبوليتانية‭ ‬يستقبل‭ ‬الجميع‭ ‬في‭ ‬حديقته

ثلاثة‭ ‬مشاهد‭ ‬للبيت‭ ‬الكوري‭ ‬التقليدي‭ ‬المتحرك‭ ‬هابطا‭ ‬بجدرانه‭ ‬وسقفه‭ ‬المصنوع‭ ‬من‭ ‬القماش‭ ‬الشفاف،‭ ‬ليحيط‭ ‬بساكنيه،‭ ‬ولا‭ ‬يفصل‭ ‬بينهم‭ ‬وبين‭ ‬من‭ ‬خارجه

يبدو‭ ‬الهلال‭ ‬مثل‭ ‬مخلوق‭ ‬خرافي‭ ‬متحرك‭ ‬يرتفع‭ ‬خمسة‭ ‬أمتار‭ ‬ويدور‭ ‬بحركة‭ ‬مهيبة‭ ‬بطيئة‭ ‬بأجنحة‭ ‬متناظرة‭ ‬تشبه‭ ‬المجاديف‭ ‬في‭ ‬سفينة‭ ‬فايكنغ