رسوم المساجد والمصلين في أعمال جان جيروم

رسوم المساجد والمصلين في أعمال جان جيروم

نشأ مصور الاستشراق الفرنسي جان جيروم (1824 - 1904م) في مقاطعة فيزول عام 1824م، وكان والده صائغاً مشهوراً، وتلقى تعليمه الأولي في مسقط رأسه، ثم التحق بمدرسة الفنون الجميلة في باريس، وتعلم في مرسم الفنان بول ديلاروك ، ثم ذهب جيروم إلى إيطاليا، وعندما عاد واصل دراساته الفنية على يد الفنان تشارلز جلير ، ولم يستمر معه سوى ثلاثة أشهر، استطاع خلالها الإلمام بأسلوب هذا المصور السويسري، وقد شجعه نجاح أول أعماله التي عُرضت في صالون عام 1847م على مواصلتها في الشرق، وأسندت إليه مهمة زخرفة بعض المساكن وفقاً للأساليب القديمة. 

 

كان جيروم مثقفاً وعالماً بالآثار، وكاتباً لعديد من الحوليات، كما كان وفياً لأصحابه، دائم الاتصال بهم، يؤثر ويتأثر بإبداعاتهم، ويبدو ذلك في الفترة التي أعقبت رجوعه من مصر، حيث استأجر عام 1862م مرسماً بشارع نوتردام بالقرب من لوكسمبرج ضمن المراسم التي كانت تُعرف وقتها باسم «علبة الشاي»، أو «صالون الشاي»، وشاركه في حياة جماعية عدد من أصدقائه أمثال هامون ، بيكو ، والنحات ألكسندر شونفرك ، وبولي بودري ، وأحد تلاميذه الكونت دي نون الذي يُعد من أفضل مقلديه، إضافة إلى ذلك، فإن تعاون جيروم معهم في إتمام الأعمال الفنية بجانب التجمع المحيط به من الفنانين أمثال كوربيه، وغيره من المشاهير والنقاد، أدى إلى أن ينصهر جيروم في بوتقة الإبداع المتجدد للحركة الفنية.
ويُعلق صحفي كان على مقربة من الفنان على مميزات تلك الشخصية في عام 1860م قائلاً: «جيروم نشيط، وقوي البنية، وله إرادة عجيبة، وطاقة لا تفنى، وهو يُغيّر من عمل لآخر دون ملل، ويعبر جيروم نفسه عن هذا المعنى قائلاً: أريد أن أموت وأنا أعمل».
عاشق لمصر
كانت شهرة جيروم المبكرة، ويُسر حالته المادية ومكونات الشخصية دافعاً له على المغامرة والترحال، وكانت زيارته الأولى للقاهرة سنة 1854م، تبعتها زيارات أخرى في أعوام 1856م، 1862، 1868، 1874، 1879, 1880م، وكانت تتخلل هذه الزيارات رحلات العودة إلى فرنسا لعرض أعماله التي أنجزها، أو إتمام بعض لوحاته التي أعدّ لها كثيراً من المعالجات التخطيطية الأولى. 
كما كان لدى جيروم دائماً ميل إلى الرحيل والرغبة في التنقل، وبات الشرق بأساطيره وواقعه حلماً لإبداعه، وظلت مصر معشوقته الأثيرة، فبعد زيارته القصيرة إلى القسطنطينية وربوع تركيا بدأت رحلاته المنتظمة إلى الشرق الأدنى في مصر وآسيا الصغرى، مصطحباً معه إيميل أوجيه (مؤلف مجموعة من المسرحيات الناجحة)، وأوغست بارتولدي (الذي نحت تمثال الحرية)، حيث أتى ومعه أدوات التصوير، وأتى أيضاً رسامون آخرون مثل بيبي ، ونرسيس برشير.
ويستطرد جيروم في حديث له عن زيارته لمصر قائلاً: «مكثنا أربعة أشهر على النيل، نصطاد ونستحم في دمياط إلى ما حولها، ثم رجعنا إلى القاهرة، حيث مكثنا أربعة أشهر أخرى في أحد منازل سليمان باشا التي استأجرها لنا، واستقبلنا بحفاوة ومحبة على أننا فرنسيون، وهذه فترة سعيدة من مرحلة الشباب». 
وفي عام 1864م تلقى جيروم دعوة من الحكومة الفرنسية للتدريس في مدرسة الفنون الجميلة في باريس، كأستاذ في المرسم الجديد الذي افتتح في تلك المدرسة، وظلّ بهذه المدرسة لما يقرب من أربعين عاماً، وتخرّج على يديه ما يقرب من ألفين من الأستاذة الكبار والفنانين والشبان. 

خصائص أسلوبه الفني
1 - الواقعية الشديدة في أعماله الفنية، وغزارة موضوعاته، خاصةً رسوم المساجد والمصلين، وتجلت الواقعية في: 
أ - رسم الشخوص وأوضاعهم وحركاتهم والتنوع فيها، وأحياناً كان يرسم الخلفيات بلون داكن، فبدت شخوصه وكأنها مجسمة.
ب - رسم المناظر الطبيعية وموضوعات الصحارى، وما فيهما من خيام، وبدو، وجمال وقوافل، ورمال، والشمس باللون الذهبي على الرمال. 
ج - الواقعية في رسم العمائر (لوحتا 254، 255)، والحارات، والأسواق، البائعين، مثل بائعي السجاد، وبائعي الأسلحة، وغيرها من الحوانيت، فتجلت في جُل أعماله الحيوية والحركة في التصاوير.
2 - مراعاة قواعد المنظور في رسم الشخوص بالنسبة إلى الحيوانات من جمال وخيول، وكذا بالنسبة إلى رسم العمائر.
3 - قواعد الظل والنور تظهر بجلاء في أعماله، وعادة ما كان يُضمنها خلفية داكنة، حتى يبرز الموضوع الرئيس فيبدو وكأنه مجسم.
4 - التناغم الشديد في توزيع عناصره في التصويرة، وتناسق الألوان، والأبصار وإبراز قوة الضوء.

وصف لبعض أعماله 
 تصويرة «مُصلون داخل جامع عمرو بن العاص بالقاهرة» (لوحة1):  المصور جان ليون جيروم (1871م)، زيت على قماش، متحف المتروبوليتان بنيويورك.
 تُمثل هذه التصويرة مصلين في المسجد، حيث رسم جيروم جُموع المصلين في صفوف بصلاة الجماعة، في ظلة القبلة (بجامع عمرو بن العاص بالقاهرة)، حيث اتخذ زاوية من البلاطة الثالثة جهة المحراب في الناحية  الشمالية الشرقية، ورسم في مقدمة التصويرة شخصاً يبدو من ملابسه أنه ربما يمثل أحد رؤساء الجند، حيث تبدو من ملابسه الأبهة والفخامة، وقد ارتدى قفطاناً ذا لون أصفر فوقه جُبة حمراء من دون أكمام، لها كنار يزدان بالزخارف، وغطاء رأس عبارة عن عمامة تتكون من طاقية حمراء مضلعة يلتف حولها شالها مرات عدة، وقد تمنطق بحزام وسط عريض وضع فيه خنجره ومقبضه، وقد وقف على سجادة للصلاة، وهمّ يرفع كلتا يديه بالتكبير، وقد رسُم من الوضع الجانبي. 
وإلى الخلف منه يقف أيضاً اثنان من الجنود رسما أيضا من الوضع الجانبي يرتدي كل منهما قفطاناً قصيراً يصل إلى الركبة، وعليه صديري وسروال، وقد علق سيفه داخل غمده إلى جانبه، ورفع كل منهما يديه بالتكبير.
وفي وسط التصويرة رُسم في الرواق نفسه صف من المصلين في خط مستقيم على حصير من أعواد القش، وهم في صلاة الجماعة خلف الإمام، وفي الرواق نفسه أيضاً رُسم شخص يقف إلى جوار عمود ليس عليه ثياب إلا من سُترة في منطقة الوسط (ربما يكون مجذوباً)، وقد بدا بشعره الطويل، ورفع يديه بالتكبير.
ويُرى أيضا صفان من المصلين من البائكتين الأولى والثانية صوب حنية المحراب، ولم يغفل جيروم رسم طفل صغير جهة يسار التصويرة يُصلي إلى جوار والده.
كما رسم الأعمدة الرخامية التي لها قواعد دورية، ولها تيجان مركبة من الأيوني والكورنثي، وتحمل عقوداً مدببة من الحجر المشهر تسير عمودية على جدار القبلة، ويربط بينها روابط خشبية لمنع رفس العقود، وعُلقت بها أدوات الإنارة، حيث ترى المشكاوات وقد علّقت في السلاسل، كما رسم الحمام يلتقط الحب في أرضية ظلة القبلة، ويجري سرب في ظلة القبلة.
والمنظر بصفة عامة مفعم بالواقعية في رسم الأشخاص وتنوع أوضاعهم، وحركات أيديهم، ورفعها للتكبير للصلاة، كما عبر بجلاء عن العمق في التصويرة، فرسم أدق التفاصيل من الزاوية التي اتخذها، حتى حنية المحراب، 
والمنبر الخشبي.
وقد عبَّر بجلاء عن الظل والنور نراهما على العقود، وفي الخلفية جهة اليمين بالقرب من صحن الجامع. كما تبين بجلاء مراعاة قواعد المنظور في رسم الأشخاص بالنسبة إلى رسم الأعمدة والعقود، ورسم الطفل الصغير، والطيور في ظلة القبلة.

تصويرة مسجد من الداخل 
تُمثل هذه التصويرة أحد المساجد من الداخل، حيث اتخذ جيروم زاوية في الظلة الشمالية الغربية، وتحديداً الناحية الشمالية من الظلة، حيث رسم الجزء الواقع أمامه من الظلة الشمالية الغربية، والظلة الشمالية الشرقية، والظلة الجنوبية الشرقية بكاملها والدورقاعة الوسطى.
وقد رسم المصلين في أوضاع مختلفة، فمنهم الجالس ومنهم الواقف ورفع يديه بالتكبير، ومنهم الراكع ومنهم الساجد، كما رسم الأعمدة الرخامية التي تحمل عقودا مدببة تسير إما موازية أو عمودية على جدار القبلة، تربط بينها الروابط الخشبية لمنع رفس العقود، ولتعليق أدوات الإنارة، والدورقاعة الوسطى مغطاة بشخشيخة.
والمنظر بصفة عامة مفعم بالواقعية، حيث المصلين في أوضاع مختلفة، والتنوع في جلساتهم، وحركاتهم، وأيديهم، كما يتجلى العمق في التصويرة، حيث رسم جزءاً من الظلة الشمالية الغربية والدورقاعة الوسطى وواجهة ظلة القبلة والسياج الخشبي الذي يفصل ظلة القبلة عن الدورقاعة الوسطى، وقد راعى جيروم أدق التفاصيل، ورسم زخارف الرخام في أرضية الدورقاعة الوسطى، كما راعى الظل والنور بجلاء ومصدره من الشخشيخة، حيث يظهر ذلك على واجهة ظلة القبلة وفي أرضية الدورقاعة، وفي الظلة الشمالية الشرقية.

تصويرة منظر في القاهرة
تمثُل هذه التصويرة منظراً من مناظر الحياة اليومية في القاهرة، حيث رسم جيروم مسجدا، يظهر منه جزء من الواجهة، والمئذنة، والقبة، وواجهة المسجد استخدم فيها الحجر المشهر باللونين الأصفر والبني، ويظهر داخله فتح بالجزء السفلي منها نافذة يُغشيها من الخارج مصبعات معدنية، وتنتهي الواجهة بشرفات على هيئة الورقة النباتية الخماسية، وإلى جوار المسجد توجد المنارة.
تبدأ بقاعدة مربعة من أسفل، ثم مثلثات منزلقة تحول المربع إليه مثمن زخرف بأشرطة تنعقد بميمات في أعلى، ثم شرفة محمولة على مقرنصات ذات دلايات، وللشرفة درابزين رخامي، ثم بدن أسطواني، ثم قمة من طراز القلة المملوكي، وتبدو على المسجد البساطة وعدم التأنق، والقبة من الخارج ملساء وخالية من الزخارف، كما رسم جيروم جملاً في يسار التصويرة عليه سرجه.
ورسم شارعاً فيه مجموعات من الناس بأزيائهم المكونة من الجبب والقفاطين وأغطية الرؤوس، وهي العمائم، كما رسم واجهات المنازل والمشربيات تطل على الشارع، وبدا في الخلفية جهة اليمين مئذنة مسجد. كما تُرى أسراب الطيور تحلّق حول المئذنة.
والمنظر بصفة عامة مفعم بالواقعية في رسم حركات الأشخاص وكثرة أعدادهم، وحركة الجمل في يسار التصويرة، كما يظهر بجلاء العمق في التصويرة، حيث رسم الجمل والمسجد في المقدمة، والشارع والمنازل في الوسط والسماء بلون أزرق صاف في الخلفية، كما راعى الظل والنور ومصدره يمين التصويرة، حيث تظهر الشمس على واجهة المسجد في يسار التصويرة.

تصويرة مصلون على السطوح 
تُمثل هذه التصويرة مصلين على السطوح، حيث رسم جيروم مجموعة من المصلين يستعدون لأداء الصلاة، فيُرى في المقدمة جهة السيار شخص وقف ربما يدعو بعد الأذان، وقد ارتدى قفطاناً أبيض، وجُبة سوداء، ويتمنطق بحزام وسط عريض، ورفع كفيه إلى السماء يبتهل ويدعو، وقد رسُم الجسم والوجه من الوضع الجانبي، وقد ارتدى غطاء رأس عبارة عن عمامة تتكون من طاقية يلتف شالها حولها مرات عدة، وقد انثنت أذناه أسفل ثقل العمامة، وبدا الرجل بلحيته المشذبة المدببة الطرف، وشاربه المتصل باللحية، وأنفه الأقنى.
وإلى الخلف منه مجموعة من المصلين يؤدون صلاة فردية، وفيما يبدو أنها قبل صلاة الجماعة، أو في انتظار صلاة المغرب على الأرجح، حيث الشمس وقت الغسق، وظهور بوادر لهلال صغير (في مطلع الشهر العربي)، والمصلون في حركات متنوعة؛ فالشخص الأول في يمين التصويرة يرتدي قفطاناً أصفر وحزام وسط أخضر، وهو في وضع السجود، وإلى جواره شخص يبدو من هيئته أنه جُندي يرتدي قفطاناً ذا لون برتقالي، وحزام وسط عريضاً بنياً، ووضع خنجره وسيفه في الحزام، وارتدى عمامة تتكون من طاقية حمراء وشال أخضر، وقد بدا في عنفوان شبابه، حيث اللحية السوداء والشارب المتصل بها، وكلتا يديه إلى جواره، وإلى جواره شخص رفع يديه بالتكبير، وإلى جواره في المنتصف يبدو شخص وقد جلس «التربيعة» في انتظار إقامة الصلاة، أو يُصلي وهو جالس، ثم شخص يرتدي قفطاناً بنياً، وجبُة خضراء وغطاء رأس عبارة عن عمامة تتكون من طاقية حمراء، وشال أبيض يلتف حولها مرات عدة، وإلى جواره شخص وقف يستعد للصلاة، ثم رجل بدا في سن متقدمة جداً، حيث رسم بلحيته المشذبة البيضاء الكثيفة وشاربه المتصل، وقد انحنى ظهره لتقدمه في السن، وفي وسط التصويرة تُرى مجموعة أخرى من المصلين بين الوقوف والجلوس في انتظار إقامة الصلاة، وجهة اليسار يعتلي المؤذن شرفة المنارة، وقد ارتدى قفطاناً، وجبة خضراء، وقد بدا بلحية مشذبة، وهو يتجه إلى القبلة في زاوية المصلين نفسها على السطوح، والمئذنة على النسق المملوكي تنتهي بقمة من طراز القلة المملوكي. 
وفي وسط التصويرة أيضاً جهة اليمين توجد مئذنة أخرى على النسق المملوكي، ويرى المؤذن على شرفة الدروة الأخيرة وهو يستند إلى الدرابزين، ويُرى هلال في بداية الشهر العربي أعلى قمة المئذنة.
وفي الخلفية، يُرى العديد من المآذن والمساجد، ففي جهة اليسار تظهر قباب ومآذن جامع محمد علي بالقلعة، وفي الناحية الأخرى جهة وسط التصويرة تُرى قبة ومنارتا جامع ومدرسة السلطان حسن. لذا فالراجح عندي أن هذا المنظر نُفذ في شارع باب الوزير، فظهرت في الخلفية ميدان الرميلة، وجزء من قلعة الجبل.
والمنظر بصفة عامة مفعم بالواقعية من خلال رسم الأشخاص وحركات أياديهم وأجسامهم، وتنوعهم بين الركوع والسجود والجلوس في انتظار رفع الأذان، والمنظر نُفذ قبيل صلاة المغرب، حيث اللون الأصفر للشمس المُشرب بالحمرة، وظهور الهلال (البدر) في أول الشهر العربي في الخلفية.
كما راعى المصور العمق في التصويرة، حيث رسم الإمام، وصفوف المصلين في المقدمة، ومجموعة أخرى يستعدون للصلاة في وسط التصويرة، ومقيمي الشعائر على المنارتين، ورسم في الخلفية جامع محمد علي، فبدت التصويرة وكأنها صورة فوتوغرافية.

تصويرة المؤذن 
تُمثل هذه التصويرة المؤذن أو مقيم الشعائر، وهو يعتلي شرفة إحدى المنارات، وقد رسُم في وضعية ثلاثية الأرباع، وهو في اتجاه القبلة، وقد ارتدى قفطاناً أبيض مقلماً بأشرطة رأسية، وجبة سوداء، وتمنطق بحزام وسط عريض، وغطاء رأس عبارة عن عمامة يظهر منها شالها يلتف حولها مرات عدة، وقد بدا بلحيته المشذبة المدببة الطرف، وشاربه المتصل بها، وأنفه الأقنى المستدق، ووجنتيه المكتنزتين اللتين أظهرتا عظام الفك، والرجل يرفع وجهه إلى السماء، وقد أسند كلتا يديه إلى درابزين خشبي عند الجوسق، حيث تظهر خلفه الأعمدة الحاملة للقمة، وقد زُخرفت تيجان الأعمدة  بأشكال المقرنصات.
كما رسم المصور في الخلفية العديد من المنارات والمساجد، وتظهر منها مئذنة ذات رأس مزدوج مميزة لمآذن عصر السلطان الغوري.
والمنظر بصفة عامة مفعم بالواقعية في رسم المؤذن، ونظرته إلى السماء، وهو يؤذن للصلاة، وكذا في أسراب الطيور التي تحلّق في السماء في حركة ديناميكية منتظمة، وقد بدا العمق في التصويرة بجلاء، حيث رسم المؤذن في مقدمة التصويرة جهة اليمين، ورسم المآذن في خلفية التصويرة، وتبدو مراعاة الظل والنور بجلاء، فبدا المنظر وكأنما صوّر في وضح النهار، (رفع أذان الظهر أو العصر).

تصويرة الخروج من المسجد 
تُمثل هذه التصويرة مُصلين أنهوا صلاتهم ويغادرون المسجد، حيث رسم مجموعة منهم يهبطون درج سلم بطرف واحد إلى خارج المسجد، يتقدمهم صبي صغير يرتدي قفطاناً أزرق وتمنطق بحزام وسط أحمر عريض، وغطاء رأس عبارة عن عمامة، وعقد كلتا يديه إلى ظهره ممسكاً بهما عصا في يده (أو ربما شُبك حيث يُرى هيئة المجمرة)، وإلى الخلف منه رجل مُسن يبدو من هيئته أنه شيخ ضرير ارتدى قفطاناً أصفر، وتمنطق بحزام وسط عريض أحمر، وجبة تزدان بأشرطة عرضية باللونين التركوازي والأصفر، وقد ارتدى غطاء رأس عبارة عن عمامة تتكون من طاقية حمراء يلتف حولها شالها الأبيض مرات عدة، وبدا بلحيته المشذبة البيضاء وشاربه الدقيق المتصل باللحية، وقد أخذ بيده صبي صغير ارتدى جلباباً تركوازياً، وعلى رأسه شال، وقد أمسك الشيخ الضرير بعصا في يده اليمنى، يتحسس بها الخطى، وإلى الخلف منه رجل يرتدي قفطاناً أحمر وحزام وسط عريض أزرق، وجُبة لونها تركوازي، وارتدى غطاء رأس عبارة عن عمامة تتكون من طاقية حمراء يلتف حولها شالها الأخضر مرات عدة، وإلى الخلف منه جموع المصلين بأزيائهم بين قفاطين وجُبب.
كما رسم جيروم واجهة المسجد، حيث رسم بائكة من عقدين مدببين يرتكزان على ثلاثة أعمدة، كما توجد روابط خشبية، ورسم سلّماً بطرف واحد له درابزين من الرخام، وتجلس أمام السلم سيدتان ترتديان ملابس مكونة من السبلة والحبرة والبرقع، وهاتان السيدتان تبيعان البرتقال، كما يُوجد في الناحية الأخرى صبي صغير جلس يستند بظهره إلى السلم، وقد أخذ يدخن التبغ، حيث أمسك الشبك في يده، كما رسم كلبين في مقدمة التصويرة؛ أحدهما يمشي، والآخر مستلق على الأرض.
والمنظر بصفة عامة مفعم بالواقعية في رسم الأشخاص وحركاتهم وحركات أياديهم، وأقدامهم ونظراتهم ووضعياتهم، والزحام الشديد في تكتلاتهم.
كما وضحّ جيروم أدق التفاصيل في التصويرة، حيث رسم جميع الزخارف في واجهة المسجد، وكذا رسم الكلاب في الشارع ونظرات السيدات أسفل البرقع بائعات البرتقال، فبدت التصويرة وكأنها صورة فوتوغرافية.
كما يظهر بجلاء العمق في التصويرة، حيث رسم الحيوانات والأشخاص في مقدمة التصويرة، ورسم كذلك جموع المصلين وهم يخرجون من المسجد، ورسم واجهة المسجد، كما راعى الظل والنور بجلاء، ومصدره يمين التصويرة يظهر على الجانب الأيمن للتصويرة. 

تصويرة مُصلّ في الصحراء 
تُمثل التصويرة جندياً وقف ليؤدي الصلاة في الصحراء، وقد رسُم في وضعية ثلاثية الأرباع من الأمام، وهو يتوجه إلى اليمين قليلاً صوب القبلة، وقد ارتدى قفطاناً أبيض مضلعاً، وعليه صديري بني، وقد تمنطق بحزام وسط عريض، ووضع فيه سيفاً وخنجراً، وارتدى سروالاً ضيقاً ذا لون أحمر، وترك خُفاً ذا لون بُني خلفه، وقد غرس حربته في الرمال إلى جواره، ورأسها إلى أعلى، كما ارتدى غطاء رأس عبارة عن عمامة شالها الأحمر ينسدل منه جزء إلى الخلف، وقد افترش قطعة سوداء من القماش استخدمها كسجادة، وقد همَّ بالدخول في الصلاة. وإلى الخلف منه الجواد وعليه سرج، وهو يلتقط العشب من الأرض، وإلى جواره يجلس جندي آخر جلسة التربيعة، ممسكاً بحربة، ورسم هذين الجنديين على ربوة عالية.
وفي وسط التصويرة يُرى جنديان آخران، وإلى الخلف تظهر قافلة حيث مجموعة من الجمال، وربما يقوم هؤلاء الجنود بحراسة هذه القافلة.
والمنظر بصفة عامة مفعم بالواقعية من خلال رسم حركات يدي الجندي المُصلي، وحركات أقدام الجواد، والجمال في الخلفية، كما راعى المصور العمق في التصويرة من خلال رسم ربوة مرتفعة في مقدمتها، وجزء منخفض من الأرض تسير عليه القافلة في الخلفية، ورسم سلاسل الجبال في الخلفية.
كما راعى المصور الظل والنور ومصدرهما يمين التصويرة، حيث يُرى ظل الجندي إلى عينه. وقد بدت التصويرة كأنما رسُمت في وضح النهار. كما تظهر بجلاء مراعاة الظل والنور ومصدرهما فيما يبدو يسار التصويرة، ويظهر على وجوه الأشخاص في المقعد وعلى رؤوس الأشخاص في الفناء.

 تصويرة مئذنة البيمارستان 
تُمثل هذه التصويرة منارة مجمع المنصور قلاوون (المدرسة والبيمارستان والقبة) بشارع المعز لدين الله (القصبة العظمى) بالقاهرة، حيث رُسمت التصويرة من على أحد السطوح المجاورة للبيمارستان، ورسم جيروم في مقدمة التصويرة مجموعة من النساء ربما يقمن بنسج السجاد.
وفي وسط التصويرة تظهر المئذنة، حيث رسم جزءاً من الجدران، واستخدم في بنائها الحجر الأبلق، ثم ظهرت الشرفات المسننة (المدرجة)، فالمئذنة، حيث البدن الأول مربع الشكل،  واستخدم فيه الأبلق، وفي منتصفه مضاهية معقودة بعقد نصف دائري ترتكز على عمودين مدمجين، وفي الوسط مدورية، ثم يعلو ذلك شريط كتابي، فشرفة لها درابزين حديدي، ثم يرتد البدن الثاني قليلاً عن البدن الأول، وهو مربع أيضاً، واستخدم فيه الأبلق، وظهرت به المضاهيات أيضاً يتوّجها عقد نصف دائري، ثم تظهر شرفة لها ودرابزين حديدي، ثم البدن الثالث أسطواني به فتحة مستطيلة، وتؤطره زخارف قوامها جفوت لاعبة ذات ميمات دائرية، ثم تأخذ القمة شكل الخوذة.
وإلى الخلف من مئذنة البيمارستان تظهر مئذنة أخرى تبدأ ببدن مربع، ثم شرفة مجموعة على حطات مقرنصات، ثم بدن مثمن تتوّجه شرفة محمولة على مقرنصات، ولها درابزين حديدي، ثم بدن أسطواني قصير ينتهي بقمة على هيئة سن القلم الرصاص (المطرور)، ويبدو من بدن المئذنة أنها مملوكية الطراز، أما القمة فمضافة في العصر العثماني.
ويظهر بجلاء العمق في التصويرة، حيث رسم جيروم سطح منزل في المقدمة عليه مجموعة من السيدات، ثم رسم في منتصف التصويرة مئذنة البيمارستان والمئذنة المجاورة. 
وفي الخلفية رسم مجموعة من أشجار النخيل، ومناظر للخضرة، كما بدت السماء صافية بلونها الأزرق الناصع.
كما راعى المصور الظل والنور بجلاء ومصدرهما القادم من يسار التصويرة، حيث ظهر بجلاء على المئذنة، وعلى سطح المنزل، وظل مئذنة البيمارستان على المئذنة المجاورة. والمنظر بصفة عامة مفعم بالواقعية في رسم الأشجار على سطح المنزل الملاصق للبيمارستان، وفي المزج والجمع بين العمارة المدنية وإلى جانبها العمارة الدينية، والمنظر الطبيعي في الخلفية، وبدت التصويرة وكأنها صورة فوتوغرافية التقطت في وضح 
النهار ■

 

(المصور جان جيروم) تصويرة المؤذن (1866م)، زيت على قماش.

 

(المصور جان جيروم) تصويرة «مُصلون داخل جامع عمرو بن العاص بالقاهرة» (1871م)، زيت على قماش، متحف المتروبوليتان بنيويورك.