الإعلام الثقافي في العالم العربي

الإعلام الثقافي في العالم العربي

حلقة‭ ‬حوارية‭ ‬أعدتها‭ ‬للنشر‭: ‬مازال‭ ‬الإعلام‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬أغلبه،‭ ‬وخاصة‭ ‬منه‭ ‬العمومي‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالربيع‭ ‬العربي،‭ ‬يتنافس‭ ‬على‭ ‬استضافة‭ ‬السياسيين‭ ‬ويتناقل‭ ‬أخبار‭ ‬الإرهابيين‭ ‬والمجرمين‭ ‬بشكل‭ ‬مكثف،‭ ‬وكبر‭ ‬التنافس‭ ‬بين‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬لاستضافة‭ ‬مثيري‭ ‬الشغب‭ ‬والفضائح‭ ‬السياسية‭ ‬والمالية‭ ‬وهُمشت‭ ‬الثقافة‭ ‬والمثقفون،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬بعض‭ ‬السياسيين‭ ‬ذهبوا‭ ‬إلى‭ ‬اعتبار‭ ‬الثقافة‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬الرفاه‭ ‬والزمن‭ ‬ليس‭ ‬زمنها،‭ ‬نظراً‭ ‬لجهلهم‭ ‬الشديد‭ ‬بأن‭ ‬التنظير‭ ‬للثورات‭ ‬أو‭ ‬الحراك‭ ‬الاجتماعي‭ ‬يسبقه‭ ‬عادة‭ ‬ثورة‭ ‬في‭ ‬الفنون‭ ‬والفكر،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬النهضة‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬مع‭ ‬مايكل‭ ‬أنجلو‭ ‬وليوناردو‭ ‬دافنشي،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬سبقت‭ ‬الثورة‭ ‬الفرنسية‭ ‬حيث‭ ‬نظر‭  ‬إليها‭ ‬جان‭ ‬جاك‭ ‬روسو‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬العقد‭ ‬الاجتماعي‮»‬‭ ‬ومونتسكيو‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬روح‭ ‬القوانين‮»‬‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر‭.‬

بدأ‭ ‬المهتمون‭ ‬بالشأن‭ ‬الثقافي‭ ‬يتساءلون‭: ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أهم‭ ‬من‭ ‬المعرفة‭ ‬ومما‭ ‬يفكر‭ ‬فيه‭ ‬الناس‭ ‬ليتواصلوا‭ ‬وليحلموا‭ ‬وليحيوا‭ ‬وليسمحوا‭ ‬للآخرين‭ ‬بالحياة،‭ ‬وكان‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬الحديث‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع،‭ ‬لأن‭ ‬أحد‭ ‬أكبر‭ ‬مواضع‭ ‬الوجع‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬هي‭ ‬الثقافة،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬متهم‭ ‬أيضاً‭ ‬بتبييض‭ ‬الأموال‭ ‬والإرهاب،‭ ‬وبأنه‭ ‬أداة‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬مافيات‭ ‬المال‭ ‬والسياسة‭.‬

ومن‭ ‬أجل‭ ‬تناول‭ ‬مسألة‭ ‬الإعلام‭ ‬الثقافي‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬نظمنا‭ ‬ندوة‭ ‬مع‭ ‬أهم‭ ‬وجوه‭ ‬الإعلام‭ ‬الثقافي‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المختلفة‭ ‬واستضفنا‭ ‬كلاً‭ ‬من‭ ‬الأستاذ‭ ‬عزالدين‭ ‬المدني‭ ‬الكاتب‭ ‬المسرحي‭ ‬والروائي‭ ‬والناقد‭ ‬وصاحب‭ ‬ومؤسس‭ ‬جريدة‭ ‬الأسبوع‭ ‬الثقافي،‭ ‬والأستاذة‭ ‬رشا‭ ‬التونسي‭ ‬الإعلامية‭ ‬المعروفة‭ ‬ومعدة‭ ‬ومقدمة‭ ‬برنامج‭ ‬أهواء‭ ‬المهتم‭ ‬بالشأن‭ ‬الثقافي‭ ‬على‭ ‬القناة‭ ‬الوطنية‭ ‬الثانية،‭ ‬والأستاذ‭ ‬منصف‭ ‬المؤذن،‭ ‬الصحفي‭ ‬وصاحب‭ ‬ومؤسس‭ ‬موقع‭ ‬هنا‭ ‬تونس‭ ‬بجريدته‭ ‬الإلكترونية‭ ‬وقناتيه‭ ‬الإذاعية‭ ‬والتلفزية،‭ ‬والأستاذة‭ ‬بسمة‭ ‬السلطاني‭ ‬رئيسة‭ ‬مصلحة‭ ‬البرامج‭ ‬بإذاعة‭ ‬تونس‭ ‬الثقافية‭ ‬بعد‭ ‬تجربة‭ ‬طويلة‭ ‬بين‭ ‬إذاعة‭ ‬الكاف‭ ‬الجهوية‭ ‬وإذاعة‭ ‬الشباب‭ ‬ثم‭ ‬الإذاعة‭ ‬الوطنية‭.‬

 

صعوبة‭ ‬إعداد‭ ‬برنامج‭ ‬ثقافي‭ ‬للتلفزيون‭ ‬

وانطلق‭ ‬الحوار‭ ‬بسؤال‭ ‬الأستاذة‭ ‬رشا‭ ‬التونسي‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬صعوبة‭ ‬إعداد‭ ‬برنامج‭ ‬ثقافي‭ ‬في‭ ‬قناة‭ ‬تلفزية‭ ‬عمومية،‭ ‬وهل‭ ‬يهتم‭ ‬المثقفون‭ ‬بحضور‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬البرامج،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬المثقفين‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬يتجنبون‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الرسمية‭ ‬التي‭ ‬أشارت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬حسن‭ ‬حظها‭ ‬أنها‭ ‬انطلقت‭ ‬في‭ ‬إعداد‭ ‬وتقديم‭ ‬البرنامج‭ ‬بعد‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬التشنج‭ ‬في‭ ‬القنوات‭ ‬التلفزية‭.. ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصبح‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬أمسِّ‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬نَفَس‭ ‬مختلف‭. ‬وتقول‭ ‬الأستاذة‭ ‬رشا‭  ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬إنها‭ ‬قدمت‭ ‬مادة‭ ‬تلفزيونية‭ ‬مختلفة،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬‮«‬أهواء‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬عنوان‭ ‬البرنامج‭ ‬يقدم‭ ‬مادة‭ ‬ثقافية‭ ‬في‭ ‬متناول‭ ‬المتلقي‭ ‬العادي‭ ‬ولا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تكوين‭ ‬أكاديمي،‭ ‬مضيفة‭ ‬أن‭ ‬ردها‭ ‬كان‭ ‬سيختلف‭ ‬لو‭ ‬سئلت‭ ‬قبل‭ ‬سنتين‭ ‬أو‭ ‬ثلاث،‭ ‬مشيدة‭ ‬بجريدة‭ ‬المغرب‭ ‬الأسبوعية،‭ ‬حيث‭ ‬أشرفت‭ ‬الأستاذة‭ ‬رشا‭ ‬على‭ ‬تكوين‭ ‬فريقها‭ ‬الصحفي،‭ ‬فخصصت‭ ‬للثقافة‭ ‬أربع‭ ‬صفحات،‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬رد‭ ‬المسؤولين‭ ‬عن‭ ‬صحيفة‭ ‬أخرى‭ ‬حين‭ ‬اقترحت‭ ‬عليها‭ ‬تخصيص‭ ‬باب‭ ‬للثقافة‭ ‬أن‭ ‬الوقت‭ ‬ليس‭ ‬مناسباً‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬اليسير‭ ‬اليوم‭ ‬تقديم‭ ‬ثقافة‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬قدرة‭ ‬استيعاب‭ ‬القارئ‭ ‬أو‭ ‬المستمع‭ ‬أو‭ ‬المشاهد‭. ‬لكن‭ ‬الظرف‭ ‬مهيأ‭ ‬نوعا‭ ‬ما‭ ‬لتقبُّل‭ ‬المادة‭ ‬الثقافية‭ ‬بسبب‭ ‬سأم‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬السياسة‭ ‬والحديث‭ ‬فيها،‭ ‬فالظرف‭ ‬الآن‭ ‬ظرف‭ ‬الثقافة‭ ‬بامتياز،‭ ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬للإعلام‭ ‬أن‭ ‬ينتهز‭ ‬هذه‭ ‬الفرصة‭.‬

 

رهان‭ ‬على‭ ‬الثقافة

وحول‭ ‬تقبّل‭ ‬القارئ‭ ‬التونسي‭ ‬لجريدة‭ ‬مختصة‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬وهي‭ ‬الأسبوع‭ ‬الثقافي،‭ ‬خصوصاً‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬قرّاء‭ ‬الجرائد‭ ‬اليوم‭ ‬يهتمون‭ ‬بالصفحات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬ومتابعة‭ ‬أخبار‭ ‬الجرائم‭ ‬والرياضة‭ ‬أشار‭ ‬الكاتب‭ ‬الكبير‭ ‬الأستاذ‭ ‬عز‭ ‬الدين‭ ‬المدني‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬2011‭ ‬أصدر‭ ‬مع‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬والإعلاميين‭ ‬‮«‬الأسبوع‭ ‬الثقافي‮»‬‭ ‬والتي‭ ‬تكلف‭ ‬إصدارها‭ ‬مبلغاً‭ ‬كبيراً‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬الخسارة‭ ‬المادية‭ ‬ليست‭ ‬مهمة،‭ ‬لكن‭ ‬المشكلة‭ ‬الأساسية‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬الناس‭ ‬لم‭ ‬تتقبل‭ ‬الثقافة‭ ‬أو‭ ‬لم‭ ‬يتقبلوا‭ ‬ما‭ ‬قدمناه‭... ‬ربما‭ ‬لو‭ ‬قدمنا‭ ‬مغريات‭ ‬مثل‭ ‬القضايا‭ ‬الإجرامية‭ ‬والسياسة‭ ‬وقليلاً‭ ‬مما‭ ‬يقوله‭ ‬الحقوقيون‭ ‬وشيئاً‭ ‬من‭ ‬السب‭ ‬والشتم‭ ‬ربما‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تنجح‭ ‬الجريدة،‭ ‬لكننا‭ ‬راهنا‭ ‬على‭ ‬الثقافة‭ ‬وأردناها‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أولاً‭ ‬وأخيراً‭ ‬محور‭ ‬اهتمام‭ ‬الجريدة‭.‬

وحول‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الرهان‭ ‬صائباً‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬نقدم‭ ‬الثقافة‭ ‬دون‭ ‬مغريات‭ ‬أخرى،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬التونسي‭ ‬المتهم‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬يقرأ،‭ ‬يرى‭ ‬المدني‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬تحديداً‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬الواقعية،‭ ‬فكم‭ ‬من‭ ‬التونسيين‭ ‬يحسن‭ ‬القراءة‭ ‬والكتابة‭ ‬أو‭ ‬يهتم‭ ‬بالثقافة‭ ‬ويقتني‭ ‬الجرائد‭ ‬أو‭ ‬يهتم‭ ‬ببرنامج‭ ‬ثقافي‭ ‬أو‭ ‬تحقيق؟‭! ‬وهذا‭ ‬يجعله‭ ‬يشعر‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬مثله‭ ‬مثل‭ ‬مشروع‭ ‬‮«‬دون‭ ‬كيشوت‮»‬‭ ‬خصوصاً‭ ‬في‭ ‬2011‭ ‬في‭ ‬ذروة‭ ‬الصراع‭ ‬وذروة‭ ‬الكلام‭ ‬الفارغ‭ ‬والجري‭ ‬وراء‭ ‬المناصب‭ ‬والخصومات‭ ‬وتدليس‭ ‬المبادئ‭ ‬واشترك‭ ‬في‭ ‬المعارك‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يعلمون،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬المضحكات‭ ‬المبكيات‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬وبعد‭ ‬خمسة‭ ‬أعداد‭ ‬سلّمنا‭ ‬أمرنا‭ ‬إلى‭ ‬الله،‭ ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬المثقفين‭ ‬شتموا‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭. ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الناس‭ ‬يرون،‭ ‬وأنا‭ ‬منهم،‭ ‬أن‭ ‬الثقافة‭ ‬ليست‭ ‬بهلواناً‭ ‬يُراد‭ ‬منه‭ ‬الإضحاك‭ ‬أو‭ ‬أنها‭ ‬قطعة‭ ‬حلوى‭ ‬بعد‭ ‬وجبة‭ ‬دسمة،‭ ‬مشيراً‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تونس‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬قط‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬اليوم،‭ ‬إذ‭ ‬كثرت‭ ‬اليوم‭ ‬الغوغاء‭ ‬والجهلة،‭ ‬والإنسان‭ ‬عدو‭ ‬ما‭ ‬يجهل‭. ‬في‭ ‬الجريدة‭ ‬لم‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬الفلسفة‭ ‬أو‭ ‬علم‭ ‬الكلام،‭ ‬تحدثنا‭ ‬في‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي‭,‬‭ ‬في‭ ‬الفن‭ ‬والأدب‭ ‬والمسرح‭ ‬والموسيقى‭: ‬الثقافة‭ ‬هي‭ ‬العنصر‭ ‬الأساسي‭ ‬لأي‭ ‬حياة‭ ‬سياسية‭ ‬وفكرية‭ ‬واقتصادية‭ ‬ومالية‭ ‬وهي‭ ‬أساسية،‭ ‬هكذا‭ ‬كان‭ ‬يقول‭ ‬بورقيبة،‭ ‬من‭ ‬الأفضل‭ ‬أن‭ ‬تحكم‭ ‬شعباً‭ ‬مثقفاً‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تحكم‭ ‬شعباً‭ ‬جاهلاً،‭ ‬إذ‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬قيادة‭ ‬الجهلة،‭ ‬وتصعب‭ ‬قيادة‭ ‬المثقفين‭ ‬بسبب‭ ‬النقد‭ ‬لأن‭ ‬المثقفين‭ ‬نقّاد‭ ‬وبينهم‭ ‬وبين‭ ‬الأشياء‭ ‬مسافات‭.‬

ويرى‭ ‬المدني‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الإعلاميين‭ ‬يستبعدون‭ ‬المثقفين‭ ‬لأنهم‭ ‬يسببون‭ ‬قلقاً‭ ‬للناس،‭ ‬فالمثقف‭ ‬يتصور‭ ‬تونس‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬ما‭ ‬يتصورها‭ ‬السياسي‭ ‬ورجل‭ ‬الاقتصاد‭. ‬إذ‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬يتكلم‭ ‬المثقفون‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬وعن‭ ‬الآفاق‭ ‬perspectives،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬أُبعد‭ ‬المثقفون‭ ‬من‭ ‬التلفزيون‭ ‬والإذاعة‭ ‬والجرائد،‭ ‬لأن‭ ‬الثقافة‭ ‬أصبحت‭ ‬إزعاجاً،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬المثقف‭ ‬لا‭ ‬يفرض‭ ‬أفكاراً‭ ‬لأنه‭ ‬ليس‭ ‬سياسياً،‭ ‬والسياسي‭ ‬لا‭ ‬يساوي‭ ‬مثقفاً‭.‬

ففي‭ ‬فرنسا‭ ‬يطرح‭ ‬اليوم‭ ‬المثقفون‭ ‬قضية‭ ‬اللاجئين‭ ‬السوريين‭ ‬على‭ ‬التراب‭ ‬الفرنسي،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬الفيلسوف‭ ‬الفرنسي‭ ‬Michel‭ ‬Onfray‮ ‬وكثيرون‭ ‬غيره‭ ‬يعتبرون‭ ‬أن‭ ‬الموضوع‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬قائمة‭ ‬التفكير‭ ‬الفرنسي‭ ‬الحر‭.‬

وقد‭ ‬خصصت‭ ‬جريدة‭ ‬Le‭ ‬monde‭ ‬صفحتين‭ ‬للموضوع،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬الفيلسوف‭ ‬يخاطب‭ ‬السياسي‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬المفكرين‭ ‬الفرنسيين،‭ ‬وهنا‭ ‬يأتي‭ ‬دور‭ ‬الإعلام‭.‬

وإذ‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬تونس،‭ ‬يتساءل‭ ‬المدني‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬اختفاء‭ ‬النقاشات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعج‭ ‬بها‭ ‬تونس‭ ‬رغم‭ ‬وجود‭ ‬الحزب‭ ‬الواحد‭ ‬زمن‭ ‬بورقيبة،‭ ‬الناس‭ ‬صامتون‭ ‬اليوم‭ ‬والسياسيون‭ ‬لا‭ ‬يتحاورون‭ ‬مع‭ ‬المثقفين‭.‬

 

الإذاعة‭ ‬مشروع‭ ‬لتقديم‭ ‬الثقافة‭ ‬

وترى‭ ‬بسمة‭ ‬السلطاني،‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الإذاعة‭ ‬زمن‭ ‬إنشائها‭ ‬كانت‭ ‬مشروعاً‭ ‬لتقديم‭ ‬الثقافة‭ ‬لكل‭ ‬التونسيين،‭ ‬لكنها‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬اتجهت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬إذاعة‭ ‬ثقافية‭ ‬للمثقفين‭ ‬وفي‭ ‬تونس‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬يختلط‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬الناس،‭ ‬فيصبح‭ ‬المثقف‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬ارتاد‭ ‬الجامعة‭ ‬أو‭ ‬الذي‭ ‬يتكلم‭ ‬بغموض‭.‬

وتعتقد‭ ‬السلطاني‭ ‬أن‭ ‬السؤال‭ ‬المطروح‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬الإعلام‭ ‬بالثقافة‭ ‬هو‭: ‬هل‭ ‬تبرأ‭ ‬الإعلام‭ ‬من‭ ‬الثقافة؟‭ ‬

وهي‭ ‬تعتبر،‭ ‬إجابة‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬التساؤل،‭ ‬أن‭ ‬إذاعة‭ ‬تونس‭ ‬الثقافية‭ ‬التي‭ ‬انطلقت‭ ‬في‭ ‬البث‭ ‬سنة‭ ‬2006‭ ‬ليست‭ ‬معروفة‭ ‬بالشكل‭ ‬الكافي‭ ‬في‭ ‬الوسط‭ ‬الثقافي‭ ‬بعد‭ ‬قرابة‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬العمل،‭ ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬منطلقاتها‭ ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الأهداف‭ ‬السياسية‭ ‬وحتى‭ ‬السياسوية‭ ‬من‭ ‬بعثها،‭ ‬كانت‭ ‬تهتم‭ ‬بالمبدع‭ ‬وبالمهتم‭ ‬بالثقافة‭. ‬وعموماً،‭ ‬فإن‭ ‬الإذاعة‭ ‬التونسية‭ ‬أسست‭ ‬على‭ ‬الثقافة‭ ‬وعلى‭ ‬استقطاب‭ ‬المثقفين‭ ‬الذين‭ ‬أثروا‭ ‬بدورهم‭ ‬المشهد‭ ‬الإعلامي‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬الاستقلال،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الجزء‭ ‬الفرنسي‭ ‬من‭ ‬الإذاعة‭ ‬أشرف‭ ‬عليه‭ ‬الشاعر‭ ‬الفرنسي‭ ‬الكبير‭ ‬فيليبي‭ ‬سوبو‭.‬

كما‭ ‬أشرف‭ ‬المؤرخ‭ ‬الكبير‭ ‬عثمان‭ ‬الكعاك‭ ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬البرامج‭ ‬في‭ ‬الإذاعة،‭ ‬لكن‭ ‬حالياً‭ ‬لا‭ ‬وجه‭ ‬للمقارنة‭ ‬بين‭ ‬الثقافة‭ ‬في‭ ‬الإذاعة‭ ‬بين‭ ‬الأمس‭ ‬واليوم‭.‬

أما‭ ‬عن‭ ‬الإذاعة‭ ‬الثقافية،‭ ‬فتشير‭ ‬السلطاني‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬يؤسس‭ ‬البرامج‭ ‬فيها‭ ‬هم‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأسماء‭ ‬المهمة‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الثقافة‭.‬

وللإجابة‭ ‬عن‭ ‬تساؤل‭ ‬البعض‭ ‬حول‭ ‬تكريس‭ ‬الإعلام‭ ‬العمومي‭ ‬والخاص‭ ‬لبعض‭ ‬الأسماء‭ ‬دون‭ ‬غيرها،‭ ‬حتى‭ ‬احتكروا‭ ‬الحديث‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬وفي‭ ‬البرامج‭ ‬الثقافية‭ ‬والذين‭ ‬كرست‭ ‬لهم‭ ‬أيضاً‭ ‬الإذاعة‭ ‬الثقافية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لها‭ ‬جرأة‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬الثقافة‭ ‬الأخرى‭ ‬المختلفة‭ ‬عن‭ ‬السائد،‭ ‬أشارت‭ ‬بسمة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬إذاعة‭ ‬تونس‭ ‬الثقافية‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬شبكاتها‭ ‬كانت‭ ‬دائماً‭ ‬تفتح‭ ‬المجال‭ ‬لكل‭ ‬مواطن‭ ‬يأنس‭ ‬في‭ ‬نفسه‭ ‬الكفاءة،‭ ‬وما‭ ‬عليه‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يتقدم‭ ‬بمشروع‭ ‬برنامج‭. ‬

مع‭ ‬ملاحظة‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬معدي‭ ‬ومقدمي‭ ‬البرامج‭ ‬يستسهلون‭ ‬العمل،‭ ‬وحتى‭ ‬بعض‭ ‬الإداريين،‭ ‬فتتم‭ ‬دعوة‭ ‬هؤلاء‭ ‬المشار‭ ‬لهم‭ ‬آنفاً،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬المثقفين‭ ‬يتخذون‭ ‬مواقف‭ ‬سلبية‭ ‬من‭ ‬الإعلام‭ ‬العمومي‭ ‬أو‭ ‬الرسمي،‭ ‬وعندما‭ ‬تتم‭ ‬دعوتهم‭ ‬لإعداد‭ ‬وتقديم‭ ‬البرامج‭ ‬يرفضون‭ ‬بتعلة‭ ‬أنهم‭ ‬يكتبون‭ ‬مقال‭ ‬الرأي‭ ‬أو‭ ‬الدراسات‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬بعضهم‭ ‬يحتقر‭ ‬الإعلام‭ ‬ويعتبره‭ ‬من‭ ‬شؤون‭ ‬العامة،‭ ‬خصوصاً‭ ‬إذا‭ ‬طلب‭ ‬منه‭ ‬تقريب‭ ‬الفلسفة‭ ‬والعلوم‭ ‬والفنون‭ ‬إلى‭ ‬المواطن،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬دورنا‭ ‬باعتبارنا‭ ‬مرفقا‭ ‬عمومياً،‭ ‬فقليلون‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬يتجاوبون‭ ‬معنا‭ ‬ويقبلون‭ ‬الحديث‭ ‬في‭ ‬الفلسفة‭ ‬والتصوف‭ ‬وعلم‭ ‬الكلام‭ ‬بما‭ ‬يتناسب‭ ‬والمستوى‭ ‬العام‭ ‬للناس‭. ‬

والفرق‭ ‬كبير‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬يوضع‭ ‬بين‭ ‬دفتي‭ ‬كتاب‭ ‬وما‭ ‬يقدم‭ ‬في‭ ‬الإذاعة‭ ‬للمستمع،‭ ‬فمقاييس‭ ‬إعداد‭ ‬البرامج‭ ‬مختلفة‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬يطرح‭ ‬أمامي‭ ‬هو‭ ‬تكريس‭ ‬فكرة‭ ‬ثانوية‭ ‬الثقافة‭ ‬أو‭ ‬تهميشها‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬نشرات‭ ‬الأخبار،‭ ‬فآخر‭ ‬ما‭ ‬يُعرض‭ ‬فيها‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالثقافة،‭ ‬كما‭ ‬تتخصص‭ ‬الأوقات‭ ‬التي‭ ‬تنخفض‭ ‬فيها‭ ‬نسبة‭ ‬المشاهدة‭ ‬ونسبة‭ ‬الاستماع‭ ‬في‭ ‬التلفزيونات‭ ‬والإذاعات‭ ‬للبرامج‭ ‬الثقافية،‭ ‬وبهذا‭ ‬ترسخت‭ ‬فكرة‭ ‬أن‭ ‬الثقافة‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الإعلام،‭ ‬حسب‭ ‬رأي‭ ‬الأستاذة‭ ‬بسمة،‭ ‬هو‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الثقافة،‭ ‬وعليه‭ ‬أن‭ ‬‮«‬يقوي‭ ‬عضلاته‮»‬‭ ‬بها‭ ‬ويستلهم‭ ‬من‭ ‬الثقافة‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يقدم،‭ ‬كما‭ ‬ترى‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬الوضع‭ ‬الراهن‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬وبعد‭ ‬أحداث‭ ‬يناير‭ ‬2014‭ ‬يبرر‭ ‬مطالبة‭ ‬الكثيرين‭ ‬بثورة‭ ‬ثقافية‭ ‬بسبب‭ ‬هذا‭ ‬الخواء‭ ‬والفراغ‭ ‬الثقافي‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬وأن‭ ‬ما‭ ‬يقدم‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬فنية‭ ‬فيه‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المباشرة‭ ‬لتخلص‭ ‬إلى‭ ‬القول‭ ‬‮«‬نحن‭ ‬فعلاً‭ ‬في‭ ‬أزمة‭ ‬ثقافة‭ ‬في‭ ‬تونس‮»‬‭.‬

 

من‭ ‬‮«‬الورقي‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الرقمي‮»‬

وحول‭ ‬رأي‭ ‬الأستاذ‭ ‬منصف‭ ‬المؤذن‭ ‬صاحب‭ ‬التجربة‭ ‬الطويلة‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬الصحفية‭ ‬وفي‭ ‬إدارة‭ ‬الصحف‭ ‬ومؤسس‭ ‬وصاحب‭ ‬موقع‭ ‬‮«‬هنا‭ ‬تونس‮»‬‭ ‬الإلكتروني‭ ‬بخصوص‭ ‬اتهام‭ ‬المحمل‭ ‬الرقمي‭ ‬بأنه‭ ‬حمّال‭ ‬قمامة‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬أكثر‭ ‬منه‭ ‬حمال‭ ‬معان،‭ ‬فكيف‭ ‬يمكن‭ ‬استعمال‭ ‬هذه‭ ‬الأداة‭ ‬الجديدة‭ ‬لتكريس‭ ‬القيم‭ ‬والثقافة،‭ ‬خصوصاً‭ ‬أنها‭ ‬أداة‭ ‬متاحة‭ ‬للجميع‭ ‬والرقابة‭ ‬عليها‭ ‬عسيرة؟‭ ‬وبسبب‭ ‬هذا‭ ‬اليسر‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الجمهور‭ ‬دخلت‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الوسائط‭ ‬الجديدة‭ ‬إلى‭ ‬اللهجة‭ ‬الدارجة‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المفردات‭ ‬القبيحة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬سجينة‭ ‬الأماكن‭ ‬المغلقة‭ ‬وانطلقت‭ ‬اليوم‭ ‬حرة‭ ‬في‭ ‬الشوارع،‭ ‬وكيف‭ ‬يمكن‭ ‬مراقبة‭ ‬هذا‭ ‬المتاح‭ ‬السهل‭ ‬الذي‭ ‬أتى‭ ‬به‭ ‬المحمل‭ ‬الرقمي؟

عن‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬رد‭ ‬المؤذن‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬لجمهور‭ ‬ثقافي‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬فقد‭ ‬خضت‭ ‬تجربة‭ ‬إصدار‭ ‬ملحق‭ ‬ثقافي‭ ‬لجريدتي،‭ ‬لكنه‭ ‬فشل‭ ‬تماماً،‭ ‬لأن‭ ‬الثقافة‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬لا‭ ‬تضمن‭ ‬لقمة‭ ‬العيش‭ ‬ولا‭ ‬نملك‭ ‬هياكل‭ ‬تستطيع‭ ‬الصمود‭. ‬كما‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬حسن‭ ‬حظه‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يتابع‭ ‬نشاط‭ ‬نادي‭ ‬أبي‭ ‬القاسم‭ ‬الشابي‭ ‬بمنطقة‭ ‬الوردية،‭ ‬وكان‭ ‬النادي‭ ‬ينظم‭ ‬لقاءات‭ ‬وينشر‭ ‬بعض‭ ‬الأعمال،‭ ‬لكن‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬اختفى‭ ‬الآن‭ ‬ولمجابهة‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬ونشر‭ ‬الثقافة‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬يرى‭ ‬المنصف‭ ‬أن‭ ‬على‭ ‬المؤسسات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬أن‭ ‬تهتم‭ ‬بالثقافة‭ ‬فتتكفل‭ ‬بطباعة‭ ‬كتاب‭ ‬مثلاً‭ ‬وتتبنى‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الأنشطة‭ ‬الثقافية،‭ ‬وبذلك‭ ‬سيتغير‭ ‬وجه‭ ‬البلاد‭ ‬خلال‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬فقط،‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬اليوم‭ ‬يغامر‭ ‬بإصدار‭ ‬مجلة،‭ ‬لذلك‭ ‬يمكن‭ ‬استغلال‭ ‬هذه‭ ‬التقنيات‭ ‬الجديدة‭ ‬المتاحة،‭ ‬فتونس‭ ‬تصدر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬60‭ ‬صحيفة‭ ‬تبيع‭ ‬كلها‭ ‬118‭ ‬ألف‭ ‬نسخة‭ ‬فقط‭ ‬يومياً،‭ ‬بينما‭ ‬يطلع‭ ‬يومياً‭ ‬6‭ ‬ملايين‭ ‬ونصف‭ ‬المليون‭ ‬على‭ ‬المواقع‭ ‬الإخبارية‭ ‬من‭ ‬هواتفهم‭ ‬الذكية،‭ ‬فلابد‭ ‬إذن‭ ‬من‭ ‬استخدام‭ ‬هذه‭ ‬الأدوات‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬وستكون‭ ‬النتائج‭ ‬مدهشة‭.‬

لكن‭ ‬الأستاذة‭ ‬رشا‭ ‬التونسي‭ ‬تخالفه‭ ‬الرأي‭ ‬بخصوص‭ ‬تبني‭ ‬المؤسسات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬للبرامج‭ ‬والكتاب،‭ ‬وتتساءل‭: ‬وماذا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يحصل‭ ‬ذلك؟‭ ‬أين‭ ‬المتابع؟‭ ‬وأين‭ ‬القارئ؟‭ ‬وترى‭ ‬أنه‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬تأسيس،‭ ‬فتونس‭ ‬كانت‭ ‬بلد‭ ‬ثقافة،‭ ‬إذ‭ ‬في‭ ‬‮«‬دار‭ ‬الثقافة‭ ‬ابن‭ ‬خلدون‮»‬‭ ‬كان‭ ‬الأستاذ‭ ‬عز‭ ‬الدين‭ ‬المدني‭ ‬يشرف‭ ‬على‭ ‬نادي‭ ‬الخميس‭ ‬الثقافي،‭ ‬وكان‭ ‬يصدر‭ ‬مجلة‭ ‬ثقافة‭ ‬وملحق‭ ‬العمل‭ ‬الثقافي،‭ ‬والآن‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬إرساء‭ ‬ثقافة‭ ‬الثقافة،‭ ‬فإذا‭ ‬لم‭ ‬نؤسس‭ ‬لقارئ‭ ‬ومستمع‭ ‬ومشاهد‭ ‬فلا‭ ‬فائدة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يقال‭. ‬

وفي‭ ‬رد‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬قالته‭ ‬السلطاني‭ ‬حول‭ ‬إذاعة‭ ‬تونس‭ ‬الثقافية‭ ‬ترى‭ ‬التونسي‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الإذاعة‭ ‬تغيرت‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬وأصبحت‭ ‬تشبه‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬الإذاعة‭ ‬الوطنية،‭ ‬لأنها‭ ‬دخلت‭ ‬مجال‭ ‬الحديث‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬وعنها،‭ ‬ووقعت‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬فكرة‭ ‬إرضاء‭ ‬المستمع‭ ‬لأنك‭ ‬عندما‭ ‬تخاطر‭ ‬بمشروع‭ ‬ثقافي‭ ‬انتظر‭ ‬حتى‭ ‬يأتيك‭ ‬المتلقي،‭ ‬فإذا‭ ‬انتظرته‭ ‬ولم‭ ‬يأتِ‭ ‬واستعجلت‭ ‬الذهاب‭ ‬إليه‭ ‬لتعطيه‭ ‬طبعاً‭ ‬جاهزاً‭ ‬على‭ ‬مزاجه‭ ‬فكأنك‭ ‬لم‭ ‬تفعل‭ ‬شيئاً‭.‬

وتعتقد‭ ‬الأستاذة‭ ‬رشا‭ ‬أن‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الإعلام‭ ‬الثقافي‭ ‬هو‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الحب‭ ‬والوله‭ ‬والغرام‭: ‬‮«‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تحب‭ ‬الثقافة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬مجالها،‭ ‬لذلك‭ ‬أظن‭ ‬أني‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬عملي،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬ضيوفي‭ ‬نخبويون،‭ ‬لكننا‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬نخاطب‭ ‬كل‭ ‬الناس‭... ‬وحالياً‭ ‬هناك‭ ‬استقبال‭ ‬جيد‭ ‬من‭ ‬المواطن‭ ‬للإعلام‭ ‬الثقافي‭ ‬على‭ ‬ألا‭ ‬يكون‭ ‬أكاديمياً‭... ‬الناس‭ ‬يحتاجون‭ ‬الآن‭ ‬إلى‭ ‬الثقافة‭.‬

وتضيف‭ ‬التونسي‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬يتم‭ ‬اليوم‭ ‬تحميل‭ ‬الإعلاميين‭ ‬مسؤولية‭ ‬كل‭ ‬المصائب‭ ‬إذا‭ ‬تكلموا‭ ‬وإذا‭ ‬صمتوا‭.‬‭.. ‬نحتاج‭ ‬اليوم‭ ‬رغم‭ ‬شيطنة‭ ‬الإعلام‭ ‬إلى‭ ‬الحديث‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬وفي‭ ‬السياسة‭... ‬الناس‭ ‬مبالون‭ ‬فعلاً،‭ ‬ورغم‭ ‬أني‭ ‬كنت‭ ‬يائسة‭ ‬أصبح‭ ‬اليوم‭ ‬عندي‭ ‬أمل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‮»‬‭.‬

 

هشاشة‭ ‬الهياكل‭ ‬الثقافية‭ ‬

وفي‭ ‬تعليق‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬من‭ ‬حوار‭ ‬يقول‭ ‬الأستاذ‭ ‬عز‭ ‬الدين‭ ‬المدني‭:‬

‮«‬أردت‭ ‬أن‭ ‬أسوق‭ ‬بعض‭ ‬الملاحظات‭... ‬العلة‭ ‬الأساسية‭ ‬للثقافة‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬الهياكل‭ ‬الثقافية‭ ‬على‭ ‬المستويين‭ ‬الخاص‭ ‬والعام‭ ‬هشة‭ ‬منذ‭ ‬وضع‭ ‬الخطتين‭ ‬الأولى‭ ‬والثانية‭ ‬في‭ ‬تونس‭... ‬لم‭ ‬يقع‭ ‬تطوير‭ ‬للهياكل،‭ ‬بل‭ ‬حصل‭ ‬العكس‮»‬‭.‬

ويخلص‭ ‬المدني‭ ‬إلى‭ ‬القـــول‭ ‬‮«‬إنه‭ ‬لا‭ ‬يـــمكن‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬هياكل‭ ‬قوية‭ ‬منيعة،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬مقارنتنا‭ ‬بالمغــــرب‭ ‬الأقصى،‭ ‬إذ‭ ‬يعتمد‭ ‬في‭ ‬الفن‭ ‬على‭ ‬قوة‭ ‬الهيكل‭ ‬ليمكن‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬الإنتاج‭... ‬وقد‭ ‬فقدت‭ ‬الهياكــل‭ ‬الثقافية‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬دورها‭ ‬وفاعليتـــــها‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬الثقافة،‭ ‬لذلك‭ ‬نجد‭ ‬تصحراً‭ ‬في‭ ‬الثقافـــــة‭ ‬التونسية،‭ ‬لأن‭ ‬السلطة‭ ‬كانت‭ ‬فـــــي‭ ‬يد‭ ‬الوزير‭ ‬ورئيس‭ ‬البلدية،‭ ‬وكان‭ ‬العمل‭ ‬يتم‭ ‬وفقاً‭ ‬لخططه‭ ‬وتوجيـــهاته،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬الحزب‭ ‬الواحد‭ ‬وهي‭ ‬طريقة‭ ‬عمل‭ ‬منعت‭ ‬وجود‭ ‬هــــياكل‭ ‬قوية‭ ‬تضـــمن‭ ‬تواصــل‭ ‬العمل‭ ‬بين‭ ‬الأجيال‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬عودة‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬إذاعة‭ ‬تونس‭ ‬الثقافية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تلتقط‭ ‬موجاتها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬تراب‭ ‬الجمهورية‭ ‬تشير‭ ‬السلطاني‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬عوائق‭ ‬كثيرة‭ ‬تقف‭ ‬أمام‭ ‬الإنتاج‭ ‬الإذاعي‭ ‬الثقافي،‭ ‬فالإعلام‭ ‬الخاص‭ ‬مثلا‭ ‬يوفر‭ ‬التنقل‭ ‬ويدفع‭ ‬مقابلاً‭ ‬مالياً‭ ‬للحضور،‭ ‬وغالباً‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬ظروف‭ ‬العمل‭ ‬أحسن،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الإعلام‭ ‬العمومي‭ ‬يمتلك‭ ‬إمكانات‭ ‬دولة،‭ ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬يمنع‭ ‬تحسين‭ ‬ظروف‭ ‬إنتاج‭ ‬البرامج‭ ‬الثقافية،‭ ‬ما‭ ‬العائق‭ ‬إذاً؟‭ ‬يبقى‭ ‬السؤال‭ ‬مطروحاً‭.‬

وفي‭ ‬الحقيقة‭ ‬وقعنا‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬في‭ ‬مواقف‭ ‬محرجة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النوع،‭ ‬لأننا‭ ‬نكون‭ ‬مضطرين‭ ‬إلى‭ ‬شرح‭ ‬الظروف‭ ‬لمعد‭ ‬برنامج‭ ‬ثقافي‭ ‬يكافأ‭ ‬على‭ ‬محاضرة‭ ‬من‭ ‬عشرين‭ ‬دقيقة‭ ‬بضعف‭ ‬ما‭ ‬يحصل‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬إعداد‭ ‬وتقديم‭ ‬برنامج‭ ‬ثقافي‭ ‬من‭ ‬ساعتين‭ ‬من‭ ‬البث،‭ ‬وهكذا‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬حرج‭ ‬شرح‭ ‬وضعية‭ ‬الميزانية‭ ‬وصعوبات‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬المرفق‭ ‬العمومي،‭ ‬ولكم‭ ‬أن‭ ‬تتخيلوا‭ ‬حرج‭ ‬إقناع‭ ‬المثقفين‭ ‬بقيمة‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الوطن‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬الثوابت‭ ‬الوطنية،‭ ‬وأننا‭ ‬لا‭ ‬نعمل‭ ‬في‭ ‬محل‭ ‬تجاري‭. ‬وتخلص‭ ‬الأستاذة‭ ‬بسمة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الواقع‭ ‬مر،‭ ‬وأن‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬لهم‭ ‬وعي‭ ‬كامل‭ ‬بخطورة‭ ‬الأمر،‭ ‬لكن‭ ‬الظروف‭ ‬لا‭ ‬تتحسن‭ ‬والمسؤولين‭ ‬لا‭ ‬يسعون‭ ‬لتحسينها‭. ‬

ومشكلة‭ ‬الإنتاج‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬تعاني‭ ‬المعضلة‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬الإذاعة‭ ‬وفي‭ ‬التلفزيون،‭ ‬كما‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬عقلية‭ ‬الإنتاج‭ ‬في‭ ‬الإذاعة‭ ‬الثقافية‭ ‬ليست‭ ‬متطورة‭ ‬في‭ ‬إذاعة‭ ‬تونس‭ ‬الثقافية،‭ ‬فغيرنا‭ ‬يخطط‭ ‬لسنوات‭ ‬ونحن‭ ‬نعد‭ ‬لكل‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحرج‭... ‬الشبكة‭ ‬البرامجية‭ ‬تعد‭ ‬في‭ ‬الساعات‭ ‬الأخيرة‭ ‬قبل‭ ‬انطلاقها،‭ ‬وكذلك‭ ‬مسلسلات‭ ‬رمضان‭ ‬وغيرها،‭ ‬وهذه‭ ‬العقلية‭ ‬تترسخ‭ ‬أكثر،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الاضطراب‭ ‬الحاصل‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬والثقافة‭ ‬وتضيف،‭ ‬‮«‬يبدو‭ ‬لي‭ ‬أنه‭ ‬حان‭ ‬الوقت‭ ‬لضبط‭ ‬استراتيجيات‭ ‬للعمل‭ ‬الإعلامي‭ ‬الثقافي‭ ‬الخاص‭ ‬والعمومي،‭ ‬فالقنوات‭ ‬اليوم‭ ‬بلا‭ ‬لون‭ ‬ولا‭ ‬رائحة‭ ‬ولا‭ ‬طعم‭... ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬وضوح‭ ‬في‭ ‬الخط‭ ‬التحريري‮»‬‭. ‬

وتلح‭ ‬الأستاذة‭ ‬بسمة‭ ‬على‭ ‬تحية‭ ‬مجموعة‭ ‬ممن‭ ‬بادروا‭ ‬بكل‭ ‬حماسة‭ ‬وتقدموا‭ ‬لخدمة‭ ‬الثقافة‭ ‬فيمنحونك‭ ‬وقتهم‭ ‬وجهدهم،‭ ‬فالبعض‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬الجمهورية‭ ‬لحضور‭ ‬حلقة‭ ‬يقدم‭ ‬فيها‭ ‬كتاباً‭ ‬أو‭ ‬قصيداً‭ ‬على‭ ‬نفقته‭ ‬الخاصة،‭ ‬وهذه‭ ‬نقطة‭ ‬مضيئة‭ ‬في‭ ‬إذاعة‭ ‬تونس‭ ‬الثقافية‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الإعلاميين‭ ‬ينفرون‭ ‬المثقف‭ ‬والمستمع‭ ‬المهتم‭ ‬بالشأن‭ ‬الثقافي،‭ ‬وتخلص‭ ‬بسمة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المادة‭ ‬الثقافية‭ ‬ليست‭ ‬جماهيرية،‭ ‬فإذا‭ ‬استطعنا‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬مستمع‭ ‬فقط‭ ‬فهذا‭ ‬يكفينا‭. ‬

 

التلفزيون‭ ‬في‭ ‬أيدي‭ ‬المستثمرين

أما‭ ‬الأستاذة‭ ‬رشا‭ ‬التونسي‭ ‬فترى،‭ ‬للإجابة‭ ‬عن‭ ‬سؤال‭ ‬حول‭ ‬تبني‭ ‬المستثمرين‭ ‬والمستشهرين‭ ‬للأعمال‭ ‬الثقافية‭ ‬التلفزيونية‭ ‬كما‭ ‬يفعلون‭ ‬مع‭ ‬برامج‭ ‬الألعاب‭ ‬وبرامج‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بتلفزيون‭ ‬الواقع‭ ‬المعتمد‭ ‬على‭ ‬نشر‭ ‬الغسيل‭ ‬القذر‭ ‬للعائلات‭ ‬على‭ ‬الملأ،‭ ‬تقول‭ ‬ضيفتنا‭ ‬إنها‭ ‬تحبذ‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬التلفزيون‭ ‬الرسمي‭ ‬أو‭ ‬الإذاعة‭ ‬الرسمية،‭ ‬فرغم‭ ‬مغريات‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬القنوات‭ ‬الخاصة‭ ‬والعروض‭ ‬التي‭ ‬قدمت‭ ‬لها‭ ‬فالمسألة‭ ‬مسألة‭ ‬خيارات‭ ‬وليست‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالمغريات‭ ‬المالية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الحديث‭ ‬عنها‭ ‬أو‭ ‬مقارنتها‭ ‬بالقطاع‭ ‬الخاص‭ ‬حين‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالمرفق‭ ‬العمومي‭.‬

وترى‭ ‬ضيفتنا‭ ‬أنه‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬تكوين‭ ‬معدي‭ ‬البرامج‭ ‬الثقافية‭ ‬داخل‭ ‬المؤسسات‭ ‬الإعلامية‭ ‬الرسمية،‭ ‬إذ‭ ‬هناك‭ ‬قليلون‭ ‬فيها‭ ‬مؤهلون‭ ‬لإعداد‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬البرامج،‭ ‬فليس‭ ‬الانتماء‭ ‬للمؤسسة‭ ‬مبرراً‭ ‬لكي‭ ‬يمنح‭ ‬هؤلاء‭ ‬مساحات‭ ‬زمنية‭ ‬على‭ ‬الشاشة‭ ‬يتابعها‭ ‬ملايين‭ ‬من‭ ‬الناس‭.‬

أما‭ ‬عن‭ ‬الاستشهار‭ ‬والتمويل‭ ‬فتعترف‭ ‬التونسي‭ ‬بأن‭ ‬البرامج‭ ‬الثقافية‭ ‬هي‭ ‬الأفقر،‭ ‬وحتى‭ ‬إذا‭ ‬تمكن‭ ‬صاحب‭ ‬البرنامج‭ ‬من‭ ‬إقناع‭ ‬المستشهرين‭ ‬تؤول‭ ‬الأموال‭ ‬إلى‭ ‬البرامج‭ ‬الأخرى،‭ ‬وكأن‭ ‬الثقافة‭ ‬ترف‭ ‬أو‭ ‬فائض‭.‬

ورغم‭ ‬أنها‭-  ‬كما‭ ‬تقول‭ - ‬تقدم‭ ‬ثقافة‭ ‬للناس‭ ‬عموماً‭ ‬وليست‭ ‬نخبوية،‭ ‬فقد‭ ‬عرض‭ ‬أحد‭ ‬رجال‭ ‬الأعمال‭ ‬تبني‭ ‬برنامجها‭ ‬‮«‬أهواء‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬مشجع‭ ‬لأن‭ ‬الأستاذة‭ ‬رشا‭ ‬تأمل‭ ‬أن‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬دعوة‭ ‬كتاب‭ ‬ومثقفين‭ ‬عرب،‭ ‬كما‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تشتري‭ ‬كتباً‭ ‬لتقدمها‭ ‬هدايا‭ ‬للضيوف‭ ‬والمشاركين،‭ ‬كما‭ ‬تتمنى‭ ‬إقامة‭ ‬مجالس‭ ‬أدبية‭.‬

وتشير‭ ‬الأستاذة‭ ‬رشا‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬تركز‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬تونس،‭ ‬لأن‭ ‬خدمة‭ ‬الثقافة‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬محليا،‭ ‬وأنها‭ ‬بعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشرين‭ ‬حلقة‭ ‬لم‭ ‬يتكرر‭ ‬ضيف‭ ‬في‭ ‬حلقتين،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬تونس‭ ‬ثرية‭ ‬بالمبدعين،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬أيضاً‭ ‬تحلم‭ ‬بالانفتاح‭ ‬ولو‭ ‬قليلاً‭ ‬وإن‭ ‬اقتصر‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬بلدان‭ ‬المغرب‭ ‬الكبير‭... ‬اليوم‭ ‬تقدَّم‭ ‬للبرنامج‭ ‬ممول‭ ‬ولا‭ ‬تدري‭ ‬الأستاذة‭ ‬رشا‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬الإدارة‭ ‬ستــقبل‭ ‬تبنيه‭ ‬لبرنامج‭ ‬ثقافي‭ ‬أم‭ ‬لا‭. ‬

ويرى‭ ‬المؤذن‭ ‬أن‭ ‬الإعلام‭ ‬الرقمي‭ ‬هو‭ ‬أخطر‭ ‬المحامل‭ ‬اليوم،‭ ‬وأن‭ ‬المهم‭ ‬هو‭ ‬ضبط‭ ‬خطة‭ ‬واضحة‭ ‬فيها‭ ‬حوافز‭ ‬وتشجيــــع‭ ‬وتأطيــــر‭ ‬وتكــــوين‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬المدرسة‭ ‬ومراحل‭ ‬التعليم‭ ‬عموماً،‭ ‬فهو‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬البلاد‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬العقليات‭ ‬حتى‭ ‬نحسن‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الثقافة‭... ‬الناس‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تعلم‭ ‬الانضباط‭ ‬واحترام‭ ‬الآخر‭ ‬حتى‭ ‬يجد‭ ‬الأفراد‭ ‬أرضية‭ ‬للحديث‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬بـالمواقع‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬الحوافز‭ ‬ضرورية‭ ‬لنشر‭ ‬الثقافة‭. ‬ورداً‭ ‬على‭ ‬استفسار‭ ‬التونسي‭ ‬عن‭ ‬القصد‭ ‬من‭ ‬الحوافز،‭ ‬هل‭ ‬هي‭ ‬مادية؟‭ ‬يرد‭ ‬المؤذن‭ ‬بالتأكيد‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬الحوافز‭ ‬المادية،‭ ‬فحسب‭ ‬رأيه‭ ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬الحياة،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحوافز‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬رحلة‭ ‬أو‭ ‬زيارة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الحوافز‭ ‬المالية‭.‬

بينما‭ ‬يتواصــــل‭ ‬احتـــجاج‭ ‬التونسي‭ ‬التـــي‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الطريقة‭ ‬تعـــلم‭ ‬الناس‭ ‬أن‭ ‬الأخـــــلاق‭ ‬تكون‭ ‬مقابل‭ ‬المال‭ ‬أو‭ ‬المنفعة،‭ ‬وهذا‭ ‬خطر‭ ‬يرى‭ ‬المؤذن‭ ‬أنه‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬الانطلاق‭ ‬من‭ ‬حد‭ ‬أدنى‭ ‬من‭ ‬أخلاق‭ ‬التعامل،‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬الحوافز‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬بطاقات‭ ‬سفر‭ ‬فهذا‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬الانفتاح‭ ‬والتطور،‭ ‬فالتعرف‭ ‬على‭ ‬الآخر‭ ‬هو‭ ‬النور‭ ‬الحقيقي‭ ‬والثقافة‭ ‬الحقيقية،‭ ‬فإذا‭ ‬أمكن‭ ‬لنا‭ ‬تعليم‭ ‬القيم‭ ‬في‭ ‬الصغر،‭ ‬فسيأتي‭ ‬الباقي‭ ‬بشكل‭ ‬طبيعي‭.‬

بينما‭ ‬يتجه‭ ‬الأستاذ‭ ‬المدني‭ ‬إلى‭ ‬تشخيص‭ ‬الحالة‭ ‬التونسية،‭ ‬فيرى‭ ‬‮«‬أن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬ليس‭ ‬ثورة‮»‬‭ ‬لأن‭ ‬الجانب‭ ‬الفكري‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬موجوداً‭... ‬فلو‭ ‬كانت‭ ‬الثورة‭ ‬حقيقية‭ ‬لكان‭ ‬فيها‭ ‬جانب‭ ‬فكري،‭ ‬فما‭ ‬طرح‭ ‬كان‭ ‬خصومة‭ ‬بين‭ ‬جماعة‭ ‬الإنترنت‭ ‬وجماعة‭ ‬الكتب‭. ‬

فقد‭ ‬وقع‭ ‬اختلاط‭ ‬في‭ ‬الأفكار،‭ ‬أي‭ ‬إن‭ ‬جماعة‭ ‬الإنترنت‭ ‬ضد‭ ‬الكتاب‭ ‬والعكس‭ ‬صحيح،‭ ‬وهي‭ ‬مسألة‭ ‬يرى‭ ‬المدني‭ ‬أنها‭ ‬مغلوطة‭... ‬هي‭ ‬أشياء‭ ‬تتكامل،‭ ‬فهذا‭ ‬التقسيم‭ ‬جعل‭ ‬الصراع‭ ‬يشبه‭ ‬صراع‭ ‬الكباش،‭ ‬فقد‭ ‬فقدت‭ ‬الضوابط‭ ‬في‭ ‬الأخلاق‭ ‬والسلوك،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬إرجاعهما‭ ‬بسهولة‭. ‬ويسأل‭ ‬الكاتب‭ ‬الكبير‭: ‬‮«‬هل‭ ‬القانون‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬الضوابط‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تعوض‭ ‬المسؤول‭ ‬أم‭ ‬لا؟‮»‬‭ ‬ويجيب‭ ‬أنه‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬رادع‭ ‬ومنظم،‭ ‬وهو‭ ‬القانون،‭ ‬فالنظام‭ ‬الديمقراطي‭ ‬يحترم‭ ‬القانون‭ ‬والمجتمع‭ ‬يسير‭ ‬بالقانون،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سيعوض‭ ‬النظام‭ ‬السابق،‭ ‬وينتهي‭ ‬تحليل‭ ‬المدني‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي‭ ‬مازال‭ ‬مبتدئاً‭ ‬في‭ ‬وعيه‭ ‬بالقانون‭ ‬والتزامه‭ ‬به‭.‬

 

الإعلام‭ ‬الثقافي‭ ‬واسطة‭ ‬خير‭ ‬

كان‭ ‬لابد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المستوى‭ ‬من‭ ‬طرح‭ ‬السؤال‭ ‬حول‭ ‬ماذا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يصنع‭ ‬الإعلام‭ ‬الثقافي‭ ‬في‭ ‬هذا؟‭ ‬وللإجابة‭ ‬يعتبر‭ ‬المدني‭ ‬أن‭ ‬الإعلام‭ ‬الثقافي‭ ‬واسطة‭ ‬خير‭ ‬بين‭ ‬المثقفين،‭ ‬ولابد‭ ‬لفهمه‭ ‬من‭ ‬تحديد‭ ‬معنى‭ ‬المثقف‭. ‬هل‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يكتب‭ ‬الشعر‭ ‬فقط؟‭ ‬إنها‭ ‬أفكار‭ ‬قديمة‭ ‬ومضحكة،‭ ‬فالمثقف‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬المسرحي‭ ‬أو‭ ‬السينمائي‭ ‬أو‭ ‬الموسيقي‭... ‬المثقف‭ ‬اقتصادي‭ ‬ومعماري‭ ‬أيضاً،‭ ‬لأن‭ ‬الثقافة‭ ‬ليست‭ ‬آداباً‭ ‬وفنوناً‭ ‬فقط،‭ ‬وإلا‭ ‬كيف‭ ‬نصنِّف‭ ‬العلوم‭ ‬الإنسانية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬هل‭ ‬نزيحها‭ ‬من‭ ‬مجال‭ ‬الثقافة؟‭!‬

ويواصل‭ ‬المدني‭ ‬تعريته‭ ‬للحقائق،‭ ‬فيرى‭ ‬أن‭ ‬التونسي‭ ‬المتعلم‭ ‬مازال‭ ‬يحتقر‭ ‬نفسه‭ ‬ولا‭ ‬يعرف‭ ‬معنى‭ ‬النقد،‭ ‬لأن‭ ‬الثقافة‭ ‬والنقد‭ ‬أمر‭ ‬واحد،‭ ‬فإذا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬ناقداً‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬بالمراجعات،‭ ‬ولا‭ ‬يمكنك‭ ‬أن‭ ‬تطرح‭ ‬الأسئلة‭ ‬المحرقة،‭ ‬فالثقافة‭ ‬هي‭ ‬نقد‭ ‬محرق‭ ‬والعلوم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والإنسانية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تعلم‭ ‬النقد‭ ‬وتعلم‭ ‬معنى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هنا‭ ‬وفي‭ ‬العالم،‭ ‬معنى‭ ‬أنت‭ ‬والآخر‭... ‬الآخر‭ ‬القريب‭ ‬والآخر‭ ‬البعيد‭. ‬

أما‭ ‬عن‭ ‬كيفية‭ ‬التوفيق‭ ‬بين‭ ‬إعلام‭ ‬ثقافي‭ ‬والمعطى‭ ‬الجديد‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬حرية‭ ‬التعبير،‭ ‬فترى‭ ‬التونسي‭ ‬أن‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مضمونة‭ ‬للإعلام‭ ‬بكل‭ ‬أشكاله‭ ‬وليست‭ ‬خاصة‭ ‬بالإعلام‭ ‬الثقافي‭ ‬فقط‭.‬

وهي‭ ‬حرية‭ ‬حتماً‭ ‬لها‭ ‬سقف،‭ ‬إذ‭ ‬لولا‭ ‬ذلك‭ ‬لما‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬قانون‭ ‬الصحافة،‭ ‬لكننا‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬وخلال‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬أثبتنا‭ ‬أننا‭ ‬لسنا‭ ‬أهلاً‭ ‬لحرية‭ ‬التعبير،‭ ‬إذ‭ ‬تحول‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬انفلات‭ ‬وفوضى،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬ترى‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬الثقافة‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الحرية،‭ ‬لأنها‭ ‬في‭ ‬ذاتها‭ ‬حرية‭. ‬ومن‭ ‬يخاف‭ ‬الثقافة‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يفهمها‭ ‬ومراقبو‭ ‬البرامج‭ ‬الثقافية‭ ‬غالباً‭ ‬لا‭ ‬يفهمون‭ ‬الثقافة،‭ ‬وهنا‭ ‬تموت‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭.. ‬حين‭ ‬تبني‭ ‬مسرحاً‭ ‬تغلق‭ ‬سجناً،‭ ‬ومثلاً‭ ‬كاتب‭ ‬ياسين‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬قدم‭ ‬مسرحاً‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬باللهجات‭ ‬المحلية‭ ‬الجزائرية‭... ‬جربوا‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬تفعلوا‭ ‬ذلك،‭ ‬وسوف‭ ‬ترون‭ ‬ماذا‭ ‬سيحدث‭.‬

وتتفق‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬الطرح‭ ‬نفسه‭ ‬الأستاذة‭ ‬بسمة‭ ‬السلطاني‭ ‬التي‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬الثقافة‭ ‬حرية‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬تكون‭... ‬ولتكون‭ ‬مثقفاً‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬قرأت‭ ‬لليساري‭ ‬والمتزمت‭ ‬وغيرهما‭... ‬أن‭ ‬تقرأ‭ ‬داروين‭ ‬والغزالي‭ ‬وحتى‭ ‬سيد‭ ‬قطب‭ ‬وابن‭ ‬تيمية‭ ‬لتتمكن‭ ‬من‭ ‬صنع‭ ‬توازنك‭ ‬وتتعرف‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الآراء‭... ‬لتختار‭.‬

فالثقافة‭ ‬في‭ ‬تعريفها‭ ‬اللغوي‭ ‬البسيط‭... ‬ثقف‭ ‬العود،‭ ‬أي‭ ‬هذبه‭ ‬وشذبه‭ ‬ونزع‭ ‬عنه‭ ‬الزوائد‭. ‬بينما‭ ‬يرى‭ ‬المؤذن‭ ‬أنه‭ ‬وتحت‭ ‬مسمى‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬تحصل‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬التجاوزات،‭ ‬إذ‭ ‬الموضة‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬يدَّعي‭ ‬البعض‭ ‬امتلاكهم‭ ‬لملفات‭ ‬خطيرة،‭ ‬ويهددون‭ ‬بكشفها،‭ ‬ثم‭ ‬لا‭ ‬شيء‭... ‬لابد‭ ‬هنا‭ ‬من‭ ‬تفعيل‭ ‬القانون‭ ‬بكل‭ ‬صرامة‭.. ‬من‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬الدليل‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يصمت‭. ‬

وحرية‭ ‬التعبير‭ ‬في‭ ‬النظم‭ ‬الجديدة‭ ‬تعتبر‭ ‬مشكلة‭ ‬وفق‭ ‬المدني،‭ ‬لأنها‭ ‬لم‭ ‬تنضج،‭ ‬فالخطاب‭ ‬الإعلامي‭ ‬لا‭ ‬يخضع‭ ‬لأي‭ ‬قيود‭ ‬سياسية‭ ‬ولا‭ ‬أخلاقية‭... ‬غير‭ ‬أن‭ ‬تونس‭ ‬كما‭ ‬يرى‭ ‬ضيفنا‭ ‬الكريم‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تحتفل‭ ‬بالابتكار‭ ‬وهذه‭ ‬مشكلة‭... ‬فالشاب‭ ‬الذي‭ ‬صنع‭ ‬صاروخاً‭ ‬وضع‭ ‬في‭ ‬السجن‭.. ‬ويرى‭ ‬المدني‭ ‬أن‭ ‬المشكلة‭ ‬هنا‭ ‬فكرية،‭ ‬لأن‭ ‬من‭ ‬زج‭ ‬بهذا‭ ‬المخترع‭ ‬في‭ ‬زنزانة‭ ‬لم‭ ‬يفهمه،‭ ‬فأساس‭ ‬أي‭ ‬مجتمع‭ ‬هو‭ ‬الابتكار‭ ‬والبحث‭.‬،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬الآداب‭ ‬أو‭ ‬الفنون‭ ‬أو‭ ‬العلوم،‭ ‬فإذا‭ ‬اختفى‭ ‬البحث‭ ‬كيف‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬حرية‭ ‬التعبير؟

‭ ‬في‭ ‬ختام‭ ‬اللقاء‭ ‬أشارت‭ ‬الأستاذة‭ ‬رشا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الإعلام‭ ‬الثقافي‭ ‬متعب‭ ‬فإذا‭ ‬فُرضت‭ ‬عليه‭ ‬قيود‭ ‬انتهى‭. ‬

أما‭ ‬الأستاذة‭ ‬بسمة‭  ‬فترى‭ ‬أن‭ ‬تونس‭ ‬تعرف‭ ‬أزمة‭ ‬تثمين‭ ‬مجهود‭ ‬المبدعين‭ ‬الكبار‭.. ‬يحاربون‭ ‬النجاح،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تحليل‭ ‬شخصيتنا‭ ‬وأن‭ ‬نعود‭ ‬إلى‭ ‬أنفسنا‭ ‬ونضع‭ ‬المعايير‭ ‬لنمارس‭ ‬الثقافة‭ ‬بمفهومها‭ ‬الكبير‭ ‬وتوافقها‭. ‬وأنهت‭ ‬الأستاذة‭ ‬رشا‭ ‬المتفائلة‭ ‬اللقاء‭ ‬بأن‭ ‬إنقاذ‭ ‬الثقافة‭ ‬ممكن‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الإعلام‭ ‬الثقافي‭ ‬