مجالس الأدباء في العصر الأموي

مجالس الأدباء في العصر الأموي

تُعدُّ‭ ‬‮«‬مجالسُ‭ ‬الأدباء‮»‬‭ ‬ظاهرةً‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وكانت‭ ‬قد‭ ‬خَطَت‭ ‬أولى‭ ‬خطواتها‭  ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الأموي‭ (‬41‭ - ‬132‭ ‬هـ‭) ‬فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬انشغال‭ ‬بني‭ ‬أمية‭ ‬في‭ ‬الصراعات‭ ‬الداخلية‭ ‬والفتوحات‭ ‬الخارجية،‭ ‬فقد‭ ‬حظي‭ ‬الأدبُ‭ ‬باهتمامهم‭ ‬ورعايتهم‭. ‬وربما‭ ‬يعود‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬بعضاً‭ ‬من‭ ‬الخلفاء‭ ‬الأمويين‭ ‬وأولادهم‭ ‬كان‭ ‬يقول‭ ‬شعراً،‭ ‬مثل‭ ‬معاوية‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬سفيان‭ ‬وابنه‭ ‬يزيد‭ ‬وعبدالملك‭ ‬بن‭ ‬مروان‭ ‬وحفيده‭ ‬الوليد‭ ‬بن‭ ‬يزيد‭. ‬وكان‭ ‬بعضهم‭ ‬الآخر‭ ‬واسع‭ ‬العلم‭ ‬في‭ ‬ميادين‭ ‬الأدب‭ ‬وأيام‭ ‬العرب‭. ‬فالخليفة‭  ‬معاوية‭ (‬ت‭ ‬60‭ ‬هـ‭)‬كان‭ ‬عالماً‭ ‬بأخبار‭ ‬العرب‭ ‬وأيامهم‭  ‬وبأساليب‭ ‬‮«‬العربية‮»‬‭ ‬وناقداً‭ ‬لها‭. ‬

الخليفة‭ ‬عبدالملك‭ (‬ت‭ ‬86‭ ‬هـ‭) ‬كان،‭ ‬كما‭ ‬يذكر‭ ‬المبرد‭ ‬في‭ ‬‮«‬الكامل‮»‬‭: ‬‮«‬أكثر‭ ‬الناس‭ ‬علماً‭ ‬وأبرعهم‭ ‬أدباً‮»‬،‭ ‬وكان‭ ‬‮«‬يتجنب‭ ‬الجلوس‭ ‬مع‭ ‬غير‭ ‬الأدباء‮»‬‭. ‬ويضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الأمويين‭ ‬كانوا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الأدباء‭ ‬والشعراء‭ ‬والقصاصين‭ ‬كي‭ ‬يشيدوا‭ ‬بذكرهم،‭ ‬ولهذا‭ ‬فتحوا‭ ‬لهم‭ ‬أبواب‭ ‬مجالسهم‭.   

 

‭ ‬مظاهر‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالأدب

‭ ‬تجلى‭ ‬اهتمام‭ ‬الأمويين‭ ‬بالأدب‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المظاهر،‭ ‬منها‭: ‬

1‭ - ‬حرصهم‭ ‬الشديد‭ ‬على‭ ‬إتقان‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬فاللحن‭ (‬الخطأ‭ ‬في‭ ‬اللغة‭) ‬كان‭ ‬في‭ ‬نظرهم‭ ‬عيباً‭ ‬كبيراً،‭ ‬فقال‭ ‬الخليفة‭ ‬عبدالملك‭: ‬‮«‬اللحن‭ ‬في‭ ‬الكلام‭ ‬أقبح‭ ‬من‭ ‬التفتيق‭ ‬في‭ ‬الثوب‭ ‬النفيس‮»‬،‭ ‬وقيل‭ ‬له‭: ‬‮«‬لقد‭ ‬عجَّل‭ ‬عليك‭ ‬الشيبُ‭ ‬يا‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين؟‭ ‬قال‭  ‬شيبني‭ ‬ارتقاءُ‭ ‬المنابر‭ ‬وتوقع‭ ‬اللحن‮»‬‭.‬‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬ابنه‭ ‬مسلمة‭: ‬‮«‬اللحن‭ ‬في‭ ‬الكلام‭ ‬أقبح‭ ‬من‭ ‬الجدري‭ ‬في‭ ‬الوجه‮»‬‭.‬

2‭ ‬‭- ‬طلب‭ ‬الخلفاء‭ ‬من‭ ‬مؤدبي‭ ‬أبنائهم‭ ‬أن‭ ‬يركِّزوا‭ ‬في‭ ‬تعليمهم‭ ‬على‭ ‬الأدب‭. ‬فقال‭ ‬معاوية‭ ‬لمؤدبي‭ ‬أولاده‭: ‬‮«‬اجعلوا‭ ‬الشعر‭ ‬أكثر‭ ‬همكم‭ ‬وأكثر‭ ‬آدابكم،‭ ‬فإن‭ ‬فيه‭ ‬مآثر‭ ‬أسلافكم‭ ‬ومواضع‭ ‬إرشادكم‮»‬‭. ‬كما‭ ‬قال‭ ‬عبدالملك‭ ‬لمؤدب‭ ‬ولده،‭ ‬كما‭ ‬يذكر‭ ‬ابن‭ ‬قُتيبة‭ ‬في‭ ‬‮«‬عيون‭ ‬الأخبار‮»‬‭: ‬‮«‬علِّمهم‭ ‬الشعر‭ ‬يمجدوا‭ ‬وينجدوا‮»‬‭.‬

‭ ‬3ذ‭ ‬حركة‭ ‬التعريب‭ ‬التي‭ ‬قادها‭ ‬الخليفة‭ ‬عبدالملك،‭ ‬حيث‭ ‬عرَّب‭ ‬القراطيس‭ (‬ورق‭ ‬البردي‭)  ‬والنقد،‭ (‬حيث‭ ‬أصدر‭ ‬الدينار‭ ‬العربي‭ ‬الإسلامي‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬دينار‭ ‬الروم‭) ‬ونقل‭ ‬دواوين‭ ‬الخراج‭ ‬إلى‭ ‬العربية،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬تُكتب‭ ‬في‭ ‬الشام‭ ‬باليونانية‭ ‬وفي‭ ‬العراق‭ ‬بالفارسية‭. ‬كما‭ ‬نقل‭ ‬ابنه‭ ‬الخليفة‭ ‬الوليد‭ ‬ديوان‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬اليونانية‭ ‬والقبطية‭ ‬إلى‭ ‬العربية‭.‬

‭ ‬4ذ‭ ‬عقد‭ ‬المجالس‭ ‬الأدبية،‭  ‬حيث‭  ‬شعر‭ ‬خلفاء‭ ‬بني‭ ‬أمية‭ ‬بحاجتهم‭ ‬إلى‭ ‬عقد‭ ‬هذه‭ ‬المجالس‭ ‬تلبية‭ ‬لرغبتهم‭ ‬في‭ ‬الآداب‭ ‬والعلوم‭ ‬وتحقيقاً‭ ‬لمكانتهم‭ ‬الاجتماعية‭. ‬ويقول‭ ‬المسعودي‭ ‬في‭ ‬‮«‬مروج‭ ‬الذهب‮»‬‭: ‬إن‭ ‬الخليفة‭ ‬معاوية‭ ‬كان‭ ‬يمضي‭ ‬وقتاً‭ ‬طويلاً‭ ‬من‭ ‬الليل‭ ‬مع‭ ‬جلسائه‭ ‬في‭ ‬مذاكرة‭  ‬‮«‬أخبار‭ ‬العرب‭ ‬وأيامها‭ ‬والعجم‭ ‬وملوكها‭ ‬وسياستها‭ ‬لرعيتها‭ ‬وسير‭ ‬ملوك‭ ‬الأمم‭ ‬وحروبها،‭ ‬ثم‭ ‬يحضر‭ ‬الدفاتر‭ ‬في‭ ‬سير‭ ‬الملوك‭ ‬وأخبارها،‭ ‬فيقرأ‭ ‬ذلك‭ ‬عليه‭ ‬غلمان‭ ‬له‭ ‬مرتبون،‭ ‬وقد‭ ‬وكلوا‭ ‬بحفظها‭ ‬وقراءتها‮»‬‭. ‬وكتب‭ ‬الخليفة‭ ‬عبدالملك‭ ‬إلى‭ ‬والي‭ ‬العراق‭ ‬الحجاج‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬إنه‭ ‬ليس‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬لذة‭ ‬الدنيا‭ ‬إلا‭ ‬وقد‭ ‬أصبت‭ ‬منه،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬عنــــدي‭ ‬شيء‭ ‬ألذه‭ ‬إلا‭ ‬مناقلة‭ ‬الإخوان‭ ‬للحديث‮»‬‭.  ‬ثم‭ ‬طلب‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يبعث‭ ‬إليه‭ ‬عالم‭ ‬العراق‭ ‬عامر‭ ‬الشعبي‭. ‬

وقال‭ ‬الخليفة‭ ‬سليمان‭ ‬بن‭ ‬عبدالملك‭ (‬ت‭ ‬99‭ ‬هـ‭) ‬أيضاً،‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬أبوحيان‭ ‬التوحيدي‭ ‬في‭ ‬‮«‬الإمـــــتاع‭ ‬والمؤانــــسة‮»‬‭: ‬‮«‬لقد‭ ‬ركبنا‭ ‬الفاره‭ (‬النشيط‭ ‬من‭ ‬الدواب‭) ‬ولبسنا‭ ‬اللين‭ ‬وأكلنا‭ ‬الطيب‭ ‬حتى‭ ‬أجمناه‭ (‬مللناه‭)‬،‭ ‬وما‭ ‬أنا‭ ‬اليوم‭ ‬أحوج‭ ‬مني‭ ‬إلى‭ ‬جليس‭ ‬يضع‭ ‬عنـــــي‭ ‬مؤونة‭ ‬التـــحفظ‭ ‬ويحدثني‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يمجه‭ ‬السمع‭ ‬ويطرب‭ ‬إليه‭ ‬القلب‮»‬‭. ‬

ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬أدرك‭ ‬بنو‭ ‬أمية‭ ‬أن‭ ‬مشاركتهم‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬العلم‭ ‬تحقق‭ ‬لهم‭ ‬مكانة‭ ‬اجتماعية‭ ‬وأدبية،‭ ‬وقــــد‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬ذلــــــك‭ ‬الخليــــفة‭ ‬عبدالملك‭ ‬عندما‭ ‬قال‭ ‬للشعبي‭:  ‬‮«‬لا‭ ‬تقولوا‭ (‬أنتم‭ ‬معشر‭ ‬العلماء‭) ‬إننا‭ (‬أي‭ ‬بني‭ ‬أمية‭) ‬فزنا‭ ‬في‭ ‬الملك‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬شاركناكم‭ ‬في‭ ‬العلم‭ ‬أيضاً‮»‬‭.‬‭ ‬

وفضلاً‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬الأصول‭ ‬الأولى‭ ‬لهذه‭ ‬المجالس‭ ‬قد‭ ‬وضُعت‭ ‬أيام‭ ‬عبدالملك،‭ ‬حيث‭ ‬أوصى‭ ‬الشعبي‭ ‬قائلاً‭: ‬‮«‬لا‭ ‬تردَّ‭ ‬عليَّ‭ ‬الخطأ‭ ‬في‭ ‬مجلسي،‭ ‬ولا‭ ‬تكلفني‭ ‬جواب‭ ‬التشميت‭ ‬والتهنئة‭ ‬ولا‭ ‬جواب‭ ‬السؤال‭ ‬والتعزية،‭ ‬ودع‭ ‬عنك‭ ‬كيف‭ ‬أصبح‭ ‬الأمير‭ ‬وكيف‭ ‬أمسى‭ ‬واجعل‭ ‬بدل‭ ‬المدح‭ ‬لي‭ ‬صواب‭ ‬الاستماع‭ ‬مني‮»‬‭.‬‭ ‬

وتذكرنا‭ ‬هذه‭ ‬الوصايا‭ ‬بقول‭ ‬الخليفة‭ ‬العباسي‭ ‬هارون‭ ‬الرشيد‭ (‬ت193‭ ‬هـ‭) ‬للأصمعي‭: ‬‮«‬وقِّرْنا‭ ‬في‭ ‬الملأ‭ ‬وعلِّمْنا‭ ‬في‭ ‬الخلاء‮»‬‭.   

       

أغراض‭ ‬الشعر

‭ ‬كانت‭ ‬مجالس‭ ‬الأدباء‭ ‬تُعقد‭ ‬في‭ ‬قصور‭ ‬الخلفاء‭ ‬والأمراء‭ ‬الأمويين،‭ ‬وتحت‭ ‬رعايتهم‭ ‬ومشاركتهم،‭ ‬وكان‭ ‬بعضهايعقد‭ ‬يومياً‭ ‬وبعضها‭ ‬الآخر‭ ‬أسبوعياً‭. ‬وكانت‭ ‬تضم‭ ‬شعراء‭ ‬وأدباء‭ ‬ولغويين‭ ‬ورواة‭ ‬وفقهاء‭ ‬وغيرهم‭. ‬وكان‭ ‬من‭ ‬أشهر‭ ‬شعراء‭ ‬مجالس‭ ‬بني‭ ‬أمية‭: ‬الأخطل‭ ‬وجرير‭ ‬والفرزدق‭ ‬وكُثيِّر‭ ‬ونُصَيب‭ ‬والكُمَيت‭ ‬بن‭ ‬زيد‭  ‬وغيرهم‭. ‬ومن‭ ‬الفقهاء‭ ‬والرواة‭  ‬نذكر‭: ‬عامر‭ ‬الشعبي‭ ‬وحمَّاد‭ ‬الراوية‭ ‬وغيرهما‭. ‬وكان‭ ‬الخليفة‭ ‬يستدعي‭ ‬من‭ ‬يشاء‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬إلى‭ ‬مجلسه‭. ‬

ويقول‭  ‬الأصفهاني‭ ‬في‭ ‬‮«‬الأغاني‮»‬‭: ‬‮«‬إن‭ ‬الخليفة‭ ‬هشام‭ ‬بن‭ ‬عبدالملك‭ (‬ت‭ ‬125هـ‭) ‬استدعى‭ ‬حمَّاد‭ ‬الراوية‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬ليسأله‭ ‬عن‭ ‬بيت‭ ‬من‭ ‬الشعر،‭ ‬كما‭ ‬استدعى‭ ‬الوليدُ‭ ‬بن‭ ‬يزيد‭ ‬الشاعرَ‭ ‬مطيع‭ ‬بن‭ ‬إياس‭ ‬من‭ ‬الكوفة‭ ‬عندما‭ ‬سمع‭ ‬شعره‭ ‬غناءً‮»‬‭.  ‬وكان‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬تناولته‭ ‬المجالس‭ ‬من‭ ‬موضوعات‭ ‬يدور‭ ‬حول‭ ‬الشعر،‭ ‬الذي‭ ‬توزعت‭ ‬أغراضه‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬المديح‭ ‬والفخر‭ ‬والهجاء‭ ‬والغزل‭. ‬ويروي‭ ‬الأصفهاني‭ ‬واقعة‭ ‬تؤكد‭ ‬ذلك،‭ ‬وفحواها‭ ‬أن‭ ‬الخليفة‭ ‬عبدالملك‭ ‬صنع‭ ‬طعاماً‭ ‬ودعا‭ ‬إليه‭ ‬الناس،‭ ‬وكان‭ ‬بين‭ ‬الحضور‭ ‬أعرابي‭ ‬من‭ ‬بني‭ ‬عُذرة‭. ‬فقال‭ ‬عبدالملك‭ ‬للأعرابي‭: ‬إن‭ ‬بني‭ ‬عُذرة‭ ‬فصحاء‭ ‬الناس،‭ ‬فهل‭ ‬لك‭ ‬علم‭ ‬بالشعر؟‭ ‬فقال‭ ‬الأعرابي‭:  ‬سلني‭ ‬ما‭ ‬بدا‭ ‬لك‭. ‬قال‭: ‬أي‭ ‬بيت‭ ‬قالته‭ ‬العرب‭ ‬أمدح؟‭ ‬قال‭ ‬الأعرابي‭: ‬قول‭ ‬جرير‭:‬

ألستم‭ ‬خيرَ‭ ‬مَنْ‭ ‬ركِب‭ ‬المَطايا

وأَندى‭ ‬العالمين‭ ‬بطونَ‭ ‬راح؟

وكان‭ ‬جرير‭ ‬بين‭ ‬الحضور‭ ‬فرفع‭ ‬رأسه،‭ ‬ثم‭ ‬قال‭ ‬الخليفة‭ ‬للأعرابي‭: ‬فأي‭ ‬بيت‭ ‬قالته‭ ‬العرب‭ ‬أفخر؟‭ ‬قال‭ ‬الأعرابي‭: ‬قول‭ ‬جرير‭:‬

إذا‭ ‬غضبتْ‭ ‬عليك‭ ‬بنو‭ ‬تِميم

حسبتَ‭ ‬الناسَ‭ ‬كلَّهمُ‭ ‬غِضَابَا‭ ‬

فتحرك‭ ‬جرير،‭ ‬فقال‭ ‬الخليفة‭ ‬له‭: ‬أي‭ ‬بيت‭ ‬أهجى؟‭ ‬قال‭ ‬الأعرابي‭: ‬قول‭ ‬جرير‭:‬

فغُضَّ‭ ‬الطَّرْفَ‭ ‬إنك‭ ‬من‭ ‬نُمير

فلا‭ ‬كَعْباً‭ ‬بلغتَ‭ ‬ولا‭ ‬كِلاَبا

ثم‭ ‬سأل‭ ‬الخليفة‭ ‬الأعرابي‭: ‬أي‭ ‬بيت‭ ‬قالته‭ ‬العرب‭ ‬أغزل؟‭ ‬قال‭ ‬الأعرابي‭: ‬قول‭ ‬جرير‭:‬

إن‭ ‬العيون‭ ‬التي‭ ‬في‭ ‬طَرْفِها‭ ‬مَرَضٌ

قَتَلْنَنا‭ ‬ثم‭ ‬لم‭ ‬يُحْيِين‭ ‬قَتْلانا

وكان‭ ‬التباين‭ ‬في‭ ‬الآراء‭ ‬حول‭ ‬المفاضلة‭ ‬بين‭ ‬الشعراء‭ ‬يُعدُّ‭ ‬أمراً‭ ‬طبيعياً،‭ ‬ويقول‭ ‬الزجاجي‭ ‬في‭ ‬‮«‬مجالــــس‭ ‬العلماء‮»‬‭: ‬إن‭ ‬الوليـــــد‭ ‬بن‭ ‬عـــــبدالملك‭ (‬ت‭ ‬96‭ ‬هـ‭) ‬كان‭ ‬يُقدِّم‭ ‬الشاعر‭ ‬النابغة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬أخوه‭ ‬سليمان‭ ‬يُقدًّم‭ ‬الشاعر‭ ‬امرأ‭ ‬القيس‭ ‬وحكم‭ ‬بينهما‭ ‬أعرابي‭ ‬فصيح‭ ‬استدعي‭ ‬لهذا‭ ‬الغرض،‭ ‬فقال‭ ‬لهما‭ ‬الأعرابي‭: ‬أنشدوني‭ ‬لهما‭ ‬وقاربوا‭ ‬بين‭ ‬المعنيين‭. ‬فقال‭ ‬الوليد‭: ‬صاحبي‭ ‬يقول‭:‬

وصدرٍ‭ ‬أراح‭ ‬الليلُ‭ ‬عازبَ‭ ‬همِّه

تضاعف‭ ‬فيه‭ ‬الحزنُ‭ ‬من‭ ‬كلِّ‭ ‬جانبِ

تَطَاول‭ ‬حتى‭ ‬قلتُ‭ ‬ليس‭ ‬بمنقضٍ

وليس‭ ‬الذي‭ ‬يرعى‭ ‬النجومَ‭ ‬بآيب

فقال‭ ‬الأعرابي‭: ‬ما‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬أشعر‭ ‬من‭ ‬صاحبك‭. ‬فقال‭ ‬له‭ ‬سليمان‭: ‬لا‭ ‬تعجل‭ ‬حتى‭ ‬تسمع‭ ‬صاحبي‭ ‬الذي‭ ‬يقول‭:‬

وليلٍ‭ ‬كموج‭ ‬البحر‭ ‬مُرخِ‭ ‬سُدولَه

عليَّ‭ ‬بأنواع‭ ‬الهموم‭ ‬ليبتلي‭ ‬

‭ ‬قال‭ ‬الأعرابي‭: ‬حسبك‭ ‬صاحبك‭ ‬أشعر‭. ‬قال‭ ‬سليمان‭: ‬فاسمع‭ ‬ما‭ ‬بعده‭.‬

قال‭ ‬الأعرابي‭: ‬لا‭ ‬أحتاج‭. ‬

 

الشعبي

كان‭ ‬الشعبي‭ ‬عالماً‭ ‬بالفقه‭ ‬والحديث‭ ‬والأدب‭ ‬وأيام‭ ‬العرب،‭ ‬ومكث‭  ‬سنين‭ ‬يُزيِّن‭ ‬‮«‬مجلس‭ ‬الأدباء‮»‬‭ ‬أيام‭ ‬الخليفة‭ ‬عبدالملك،‭ ‬فكان‭ ‬اول‭ ‬من‭ ‬يدخل‭ ‬المجلس‭ ‬وآخر‭ ‬من‭ ‬يخرج‭ ‬منه‭. ‬وقد‭ ‬تحدى‭ ‬الشعبيُ‭ ‬الأخطلَ‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬عبدالملك،‭ ‬حيث‭ ‬أثبت‭ ‬أن‭ ‬النابغة‭ ‬أشعر‭ ‬من‭ ‬الأخطل‭ ‬نفسه،‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يجرؤ‭ ‬أحد‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬ذلك‭. ‬فهذا‭ ‬جرير‭ ‬يقول‭ ‬لابنه‭: ‬‮«‬يا‭ ‬بني‭ ‬أدركتُ‭ ‬الأخطلَ‭ ‬وله‭ ‬ناب‭ ‬واحد،‭ ‬ولو‭ ‬أدركته‭ ‬وله‭ ‬ناب‭ ‬آخر‭ ‬لأكلني‭ ‬به‮»‬‭. ‬

وكان‭ ‬الخليفة‭ ‬معجباً‭ ‬بعلم‭ ‬الشعبي‭ ‬وأخلاقه‭ ‬حتى‭ ‬إنه‭ ‬أوفده‭  ‬إلى‭ ‬ملك‭ ‬الروم،‭ ‬وعاد‭ ‬الشعبي‭ ‬يحمل‭ ‬خطاباً‭ ‬من‭ ‬الملك‭ ‬إلى‭ ‬الخليفة‭ ‬وقد‭ ‬وردت‭ ‬فيه‭ ‬العبارة‭ ‬التالية‭: ‬‮«‬العجب‭ ‬لقوم‭ ‬فيهم‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ (‬مثل‭ ‬الشعبي‭) ‬كيف‭ ‬وَلَّوا‭ ‬أمورَهم‭ ‬غيره‮»‬‭. ‬وعندما‭ ‬قرأ‭ ‬عبدالملك‭ ‬ذلك‭ ‬قال‭ ‬للشعبي‭: ‬‮«‬لقد‭ ‬حسدني‭ ‬الملك‭ ‬عليك،‭ ‬فأراد‭ ‬أن‭ ‬أقتلك‮»‬‭. ‬فقال‭ ‬الشعبي‭ ‬للخليفة‭: ‬‮«‬إنما‭ ‬كَثُرت‭ ‬عنده‭ ‬يا‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يَرَكَ‮»‬‭.‬

 

حمَّاد‭ ‬الراوية

ومن‭ ‬العلماء‭ ‬الذين‭ ‬ذاع‭ ‬صيتهم‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬العصر‭ ‬حمَّاد‭ ‬بن‭ ‬ميسرة،‭ ‬والذي‭ ‬اشتهر‭ ‬باسم‭ ‬حمَّاد‭ ‬الراوية‭. ‬ويقول‭ ‬الأصفهاني‭ ‬إنه‭ ‬كان‭ ‬‮«‬من‭ ‬أعلم‭ ‬الناس‭ ‬بأيام‭ ‬العرب‭ ‬وأخبارها‭ ‬وأشعارها‭ ‬وأنسابها‭ ‬ولغاتها‭. ‬

وكانت‭ ‬ملوك‭ ‬بني‭ ‬أمية‭ ‬تقدمه‭ ‬وتؤثره‭ ‬وتستزيره،‭ ‬فيفد‭ ‬إليهم‭ ‬وينادمهم‭ ‬ويسألونه‭ ‬عن‭ ‬أيام‭ ‬العرب‭ ‬وعلومها‭ ‬ويجزلون‭ ‬صلته‮»‬‭. ‬وقد‭ ‬سأله‭ ‬الوليد‭ ‬بن‭ ‬يزيد‭: ‬بم‭ ‬استحققت‭ ‬هذا‭ ‬اللقب‭ ‬فقيل‭ ‬لك‭ ‬الراوية؟‭ ‬فأجابه‭: ‬بأني‭ ‬أروي‭ ‬لكل‭ ‬شاعر‭ ‬تعرفه‭ ‬يا‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬أو‭ ‬سمعت‭ ‬به‭ ‬ثم‭ ‬أروي‭ ‬لأكثر‭ ‬منهم‭ ‬مما‭ ‬لم‭ ‬تعرفه‭ ‬ولم‭ ‬تسمع‭ ‬به‭. ‬فقال‭ ‬الوليد‭: ‬فكم‭ ‬مقدار‭ ‬ما‭ ‬تحفظ؟‭ ‬قال‭: ‬أنشد‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬حرف‭ ‬من‭ ‬حروف‭ ‬المعجم‭ ‬مائة‭ ‬قصيدة‭ ‬كبرى‭ ‬سوى‭ ‬المقطعات‭ ‬من‭ ‬شعر‭ ‬الجاهلية‭... ‬فقال‭ ‬سأمتحنك‭. ‬وأمره‭ ‬بالإنشاد‭ ‬فأنشد‭ ‬حمَّادُ‭ ‬حتى‭ ‬ضجر‭ ‬الوليدُ،‭ ‬ثم‭ ‬وَكَّل‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬استحلفه‭ ‬أن‭ ‬يُصْدقه‭. ‬فأنشد‭ ‬ألفين‭ ‬وتسعمائة‭ ‬قصيدة‭ ‬للجاهليين،‭ ‬وأُخبر‭ ‬الوليدُ‭ ‬بذلك‭ ‬فأمر‭ ‬له‭ ‬بمائة‭ ‬ألف‭ ‬درهم‭. ‬

 

النساء‭ ‬في‭ ‬مجالس‭ ‬الأدباء

‭ ‬لم‭ ‬يفد‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬المجالس‮»‬‭ ‬الشعراء‭ ‬والأدباء‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬وفدت‭ ‬نساء‭ ‬ذاع‭ ‬صيتهن‭ ‬في‭ ‬الآداب‭ ‬والعلوم،‭ ‬مثل‭ ‬الشاعرة‭ ‬ليلى‭ ‬الأخيلية،‭ ‬التي‭ ‬قدمت‭ ‬على‭ ‬مجلسي‭ ‬معاوية‭ ‬وعبدالملك‭ ‬وغيرهما،‭ ‬وقالت‭ ‬عنها‭ ‬المصادر‭ ‬إنها‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬المتقدمات‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬ومن‭ ‬شعراء‭ ‬الإسلام‭. ‬كما‭ ‬قَدِمت‭ ‬عائشة‭ ‬بنت‭ ‬طلحة‭ ‬بن‭ ‬عبيدالله‭ (‬وهي‭ ‬حفيدة‭ ‬الخليفة‭ ‬أبي‭ ‬بكر‭ ‬الصديق‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬ابنته‭ ‬أم‭ ‬كلثوم‭) ‬على‭ ‬مجلس‭ ‬الخليفة‭ ‬هشام،‭ ‬وكانت‭ ‬عائشة‭ ‬من‭ ‬اللاتي‭ ‬نبغن‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬وأيام‭ ‬العرب‭ ‬والنجوم‭. ‬فبعث‭ ‬الخليفة‭ ‬إلى‭ ‬مشايخ‭ ‬بني‭ ‬أمية‭ ‬يخبرهم‭ ‬بقدومها‭ ‬ويطلب‭ ‬منهم‭ ‬أن‭ ‬يسْمِروا‭ ‬عنده‭ ‬تلك‭ ‬الليلة،‭ ‬فحضروا‭. ‬

ويقول‭ ‬الأصفهاني‭: ‬‮«‬فما‭ ‬تذاكروا‭ ‬شيئاً‭ ‬من‭ ‬أخبار‭ ‬العرب‭ ‬وأشعارها‭ ‬وأيامها‭ ‬إلا‭ ‬أفاضت‭ ‬عائشة‭ ‬معهم‭ ‬فيه‭ ‬وما‭ ‬طلع‭ ‬نجمٌ‭ ‬ولا‭ ‬غار‭ ‬إلا‭ ‬سمَّته،‭ ‬فقال‭ ‬لها‭ ‬الخليفة‭: ‬أما‭ ‬الأول‭ ‬فلا‭ ‬أنكر‭ ‬وأما‭ ‬النجوم‭ ‬فمن‭ ‬أين‭ ‬لك؟‭ ‬فقالت‭ ‬عائشة‭: ‬‮«‬أخذتها‭ ‬من‭ ‬خالتي‭ ‬عائشة‭ (‬أم‭ ‬المؤمنين‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنها‭). ‬فأمر‭ ‬لها‭ ‬الخليفة‭ ‬بمائة‭ ‬ألف‭ ‬درهم،‭ ‬وردها‭ ‬إلى‭ ‬المدينة‮»‬‭.   

   

‭ ‬تكريم‭ ‬الأدباء

‭ ‬تعددت‭ ‬صور‭ ‬التكريم‭ ‬التي‭ ‬حظي‭ ‬بها‭ ‬الأدباء،‭ ‬فقد‭  ‬خصص‭ ‬الخليفة‭ ‬عبدالملك‭  ‬للشعبي‭ ‬ألفي‭ ‬درهم‭ ‬من‭ ‬العطاء‭ ‬ولكل‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬أهله‭ ‬وأولاده‭ ‬ألفي‭ ‬درهم‭ ‬سنوياً‭ ‬أيضاً‭. ‬وأعطى‭ ‬الخليفة‭ ‬هشام‭ ‬الشاعر‭ ‬الكُمَيت‭ ‬بن‭ ‬زيد‭ ‬أربعين‭ ‬ألف‭ ‬درهم،‭ ‬وثلاثين‭ ‬ثوباً‭ ‬هاشمية‭. ‬ومنح‭ ‬الخليفة‭ ‬نفسه‭ ‬حمَّاد‭ ‬الراوية‭ ‬جاريتين‭ ‬ومنزلاً‭ ‬ومائة‭ ‬ألف‭ ‬درهم‭. ‬وأعطى‭ ‬الوليد‭ ‬بن‭ ‬يزيد‭ ‬شاعرَه‭ ‬يزيد‭ ‬بن‭ ‬ضبه‭ ‬ألف‭ ‬درهم‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬بيت‭ ‬من‭ ‬قصيدة‭ ‬بلغت‭ ‬خمسين‭ ‬بيتاً‭. ‬

أما‭ ‬التكريم‭ ‬المعنوي‭ ‬فقد‭ ‬اشتمل‭ ‬على‭ ‬منح‭ ‬الألقاب‭ ‬الفخرية‭. ‬فقد‭ ‬منح‭ ‬الخليفةُ‭ ‬عبدالملك‭ ‬الشاعرَ‭ ‬الأخطل‭ ‬ألقاباً،‭ ‬مثل‭: ‬‮«‬أشعر‭ ‬العرب‮»‬‭ ‬و«شاعر‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‮»‬‭ ‬و«شاعر‭ ‬بني‭ ‬أمية‮»‬‭. ‬وأعفى‭ ‬ابنه‭ ‬الخليفة‭ ‬يزيد‭ ‬عن‭ ‬الشاعر‭ ‬الأحْوَص‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬الخليفةُ‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬قد‭ ‬نفاه‭ ‬إلى‭ ‬اليمن،‭ ‬واستقبله‭ ‬يزيد‭ ‬وقرَّبه‭ ‬وأكرمه‭. ‬كما‭ ‬كرَّم‭ ‬الخلفاءُ‭ ‬أبناءَ‭ ‬الأدباء‭. ‬فيروي‭ ‬ابن‭ ‬قتيبة‭  ‬أن‭ ‬الخليفة‭ ‬معاوية‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬سفيان‭ ‬استقبل‭ ‬ابن‭ ‬الشاعر‭ ‬أبي‭ ‬محجن‭ ‬الثقفي‭ ‬وأكرمه‭ ‬وأجزل‭ ‬جائزته،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أنشده‭  ‬أبياتاً‭ ‬من‭ ‬شعر‭ ‬والده،‭ ‬مثل‭:‬

لا‭ ‬تَسألي‭ ‬الناسَ‭ ‬عن‭ ‬مالي‭ ‬وكَثْرَتِه

وسائلي‭ ‬الناسَ‭ ‬ما‭ ‬فِعْلي‭ ‬وما‭ ‬خُلُقي

سيكثُر‭ ‬المالُ‭ ‬يوماً‭ ‬بعد‭ ‬قِلته

ويكتسي‭ ‬العُودُ‭ ‬بعد‭ ‬اليُبس‭ ‬بالوَرَقِ

ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬طرد‭ ‬الخليفةُ‭ ‬عبدالملك‭ ‬ابن‭ ‬الشاعر‭ ‬عبدالله‭ ‬بن‭ ‬جحش‭ ‬من‭ ‬مجلسه‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اكتشف‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يروي‭ ‬شيئاً‭ ‬من‭ ‬قصائد‭ ‬والده،‭ ‬وقال‭ ‬له‭: ‬‮«‬رَحِمَ‭ ‬اللهُ‭ ‬أباك‭. ‬فقد‭ ‬ضَيَّعتَ‭ ‬أدبَه‭ ‬وعققته‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬تَرْوِ‭ ‬شعرَه‭: ‬اخرج‭ ‬فلا‭ ‬شيء‭ ‬لك‭ ‬عندنا‮»‬‭.     

كانت‭ ‬مجالس‭ ‬الأدباء‭ ‬صفحة‭ ‬مشرقة‭ ‬قي‭ ‬تاريخ‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‭ ‬وعاملاً‭ ‬مهماً‭ ‬من‭ ‬عوامل‭ ‬تطورها‭ ‬وازدهارها‭.‬

‭ ‬وشكَّلَ،‭ ‬ما‭ ‬تناولته‭ ‬من‭ ‬آداب‭ ‬وعلوم،‭ ‬وما‭ ‬انتهجته‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬وقواعد،‭ ‬تراثاً‭ ‬ثرياً‭ ‬أفادت‭ ‬منه‭ ‬أجيالٌ‭ ‬بعد‭ ‬أجيال‭ ‬من‭ ‬بناة‭ ‬الحضارة‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‭ ‬