السيوطي طبيب لم يمارس مهنة الطب

السيوطي طبيب لم يمارس مهنة الطب

من المعروف لدى الباحثين أن السيوطي مؤرخ موسوعي كتب عديداً من الكتب في مجالات مختلفة، وانتقد كثيرين في عصره، وأصدر فتاوى عدة مهمة، فأدى ذلك إلى ازدياد خصومه. وأهم ما يميز السيوطي أنه ذكر أسماء العلوم الدينية واللغوية والإنسانية، التي رزق نعمة التبحر بها، ومن مزاياه أيضاً أنه ذكر أسماء جميع الأساتذة العلماء الذين أخذ عنهم بعض العلوم الأساسية والتطبيقية، ففي العلوم المتعلقة بالحساب قرأ الميقات على الشيخ مجد الدين إسماعيل بن السباع، وقرأ الطب على محمد بن إبراهيم الدواني، وكان طبيباً قد قدم إلى القاهرة من بلاد الروم.‏

 

 لعل هذا هو الغريب في الأمر، فعلى الرغم من أن السيوطي مؤرخ وفقيه، فإنه قرأ كتب الطب، وكتب فيه وفي الصحة العامة بما فيه فائدة للبشرية، لكنه لم يمارس المهنة على الإطلاق، ولم نجد مصدراً واحداً يثبت ممارسته الطب بأي شكل. ولذا سنقدم في هذا المقال ملامح هذه الشخصية، وكيف استطاع دراسة الطب والحديث عنه، وأهم مؤلفاته الطبية وفائدتها.

نشأته وحياته
ولد جلال الدين أبوالفضل عبدالرحمن 
بن الكمال أبي بكر بن محمد الخضيري السيوطي الشافعي في مستهل رجب عام 849هـ/ أكتوبر عام 1445م في القاهرة، حيث كان أبوه يدرّس الفقه في المدرسة الشيخونية، وكان من العلماء الصالحين ذوي المكانة العلمية الرفيعة التي جعلت بعض أبناء العلماء والوجهاء يتلقون العلم على يديه. وقد توفي وعمر ابنه السيوطي ست سنوات، فنشأ الطفل يتيماً، واتجه إلى حفظ القرآن الكريم، فأتم حفظه وهو دون الثامنة، ثم حفظ بعض الكتب في تلك السن المبكرة، مثل «العمدة»، و«منهاج الفقه والأصول»، وألفية 
ابن مالك، فاتسعت مداركه وزادت معارفه.
كان السيوطي محل العناية والرعاية من عدد من العلماء من رفاق أبيه، وتولى بعضهم أمر الوصاية عليه، ومنهم الكمال بن الهمام الحنفي أحد كبار فقهاء عصره، أما العلوم المتصلة بأمور الدنيا، التي اهتم بها السيوطي، فكان منها علم الفرائض والحساب، قرأه على العلامة الشهاب الشارماجي، وقرأ علم التوقيت على محمد الميقاتي.
بدأ العالم الفقيه دراسته في القاهرة، وأتمها متنقلاً بين بلدان مصر، وحاجاً إلى مكة المكرمة سنة 869هـ، وقام برحلات علمية عديدة شملت بلاد الحجاز والشام واليمن والهند والمغرب الإسلامي، ثم عاد إلى القاهرة واشتغل ببذل المشورة في المسائل الفقهية، وتولى بعدها منصب تدريس الفقه في المدرسة الشيخونية عام 872هـ/1467م، وكان الطلاب يقبلون على الحلقات العلمية التي يعقدها السيوطي، ثم جلس لإملاء الحديث والإفتاء بجامع ابن طولون، بعد ذلك تولى مشيخة الخانقاه البيبرسية التي كانت تمتلئ برجال الصوفية.
 قضى السيوطي فترة غير قصيرة في خصومات مع عدد من علماء عصره، كان ميدانها الحملات الشرسة في النقد اللاذع في الترجمة المتبادلة. ومن خصومه: البرهان الكركي، وأحمد بن محمد القسطلاني، والشمس الجوجري، غير أن أشد خصوماته وأعنفها كانت مع شمس الدين السخاوي، الذي اتهم السيوطي بسرقة بعض مؤلفاته، واغتصاب الكتب القديمة التي لا عهد للناس بها ونسبتها إلى نفسه، ولم يقف السيوطي مكتوف اليدين مع هذه الحملات، بل دافع عن نفسه بحماسة بالغة، وكان من عادته أن يدعم موقفه وقراره بوثيقة ذات طابع أدبي، فألّف رسالة في الرد على السخاوي، اسمها «مقامة الكاوي في الرد على السخاوي»، نسب إليه فيها تزوير التاريخ، وأكل لحوم العلماء والقضاة ومشايخ الإسلام، كما كان من أقوى المدافعين عن 
ابن العربي وابن الفارض، حيث اتهمهما بعض الصوفية بالزندقة والكفر، فردّ عليهم السيوطي برسالتين هما «تنبيه الغبي إلى تبرئة ابن عربي»، و«قمع المعارض في نصرة ابن الفارض».
ونشب بين السيوطي والمتصوفة خلاف قوي، وكان لهذه العلاقة المضطربة بينه وبعض علماء عصره، وما تعرض له من اعتداء في الخانقاه البيبرسية كاد يقضي عليه، أثرهما فيه، ماجعله يقرر اعتزال الإفتاء والتدريس والحياة العامة ولزوم بيته في روضة المقياس على النيل، ثم اعتزل الناس، واعتكف في دار «خانقاه» بجزيرة في النيل، حيث انصرف إلى العبادة والتأليف والتصنيف. 
ثم تنبه بعض خصوم السيوطي إلى خطئهم فيما صوبوه إلى هذا العالم الجليل من سهام النقد والتجريح وما اختلقوه من خصومات ظالمة، فأعلنوا خطأهم، وفي مقدمتهم الشيخ القسطلاني الذي أراد أن يسترضي هذا العالم الجليل الذي لزم بيته وعزف عن لقاء الناس، فتوجه إليه حافياً معتذراً، غير أن هذا الأمر لم يجعل السيوطي يقطع عزلته ويعود إلى الناس، إذ استمر في تفرغه للعبادة والتأليف. عاصر السيوطي ثلاثة عشر سلطاناً مملوكياً، وكانت علاقته بهم متحفظة، وطابعها العام المقاطعة، وإن كان ثمة لقاء بينه وبينهم، ووضع نفسه في مكانته التي يستحقها، وسلك معهم سلوك العلماء الأتقياء، فإذا لم يقع سلوكه منهم موقع الرضا قاطعهم وتجاهلهم، وكان بعض الأمراء يأتون لزيارته، ويقدمون له الأموال والهدايا النفيسة، فيردها ولا يقبل من أحد شيئاً، ورفض مرات عديدة دعوة السلطان لمقابلته، وألّف في ذلك كتاباً أسماه «ما وراء الأساطين في عدم التردد على السلاطين»، فقد ذهب يوماً للقاء السلطان الأشرف قايتباي وعلى رأسه عمامة طويلة، فعاتبه البعض، فأنشأ رسالة في تبرير سلوكه، أطلق عليها «الأحاديث الحسان في فضل الطيلسان»، وروي أن السلطان الغوري أرسل له مرة خصيّاً وألف دينار، فردّ الدنانير وأخذ الخصي ثم أعتقه، وقال لرسول السلطان: «لا تعد تأتينا بهدية، فإن الله أغنانا عن ذلك»، وفي عهد سلطنة طومان باي الأول، حاول هذا السلطان الفتك بالسيوطي، لكن هذا العالِم هجر بيته في جزيرة الروضة، واختفى فترة حتى عُزل طومان باي.

مؤرخ موسوعي
ظل السيوطي اثنين وعشرين عاماً في التأليف وكتابة مؤلفات عدة في تخصصات متنوعة في علوم القرآن والحديث والفقه والتفسير والتاريخ والسير والتراجم، ومؤلفات أخرى طريفة، ولذلك عدّ له بروكلمان 415 مؤلفاً، وأحصى له حاجي خليفة في كتابه «كشف الظنون» حوالي 576 مؤلفاً، ووصل بها البعض كابن إياس إلى 600 مؤلف، ولذا أطلق عليه لقب المؤرخ الموسوعي.
ولكن العجيب في مؤلفات السيوطي هو مؤلفاته الطبية، فلم يُعرف عنه أنه مارس الطب، ولكن شغفه بالمطالعة والتأليف والتلخيص شجعه على وضع بعض المؤلفات الطبية، وشبه الطبية. كما نُسب إليه كتاب مشهور جمع بين الطب التقليدي والطب النبوي، إضافة إلى طب العرافين والمشعوذين. وفيما يلي نذكر أسماء بعضاً من أهم تلك المؤلفات ومدى الفائدة الطبية منها. 
1 - كتاب المنهج السوي والمنهل الروي في الطب النبوي‏: ترجم بيرون هذا الكتاب إلى الفرنسية عام 1860م، وترجمه إلجود إلى الإنجليزية عام 1962، وكانت أولى طبعاته بالعربية في القاهرة سنة 1870م.‏ 
2 - كتاب غاية الإحسان في خلْق الإنسان:‏ نشر الكتاب محققاً من دار الفضيلة بالقاهرة سنة 1991، بتحقيق مرزوق علي إبراهيم.
3 - كتاب الرحمة في الطب والحكمة، المنسوب لجلال الدين السيوطي: لهذا الكتاب طبعات عدة جرت في مصر، الأولى في المطبعة الشرقية سنة 1311هـ، والثانية في المطبعة الميمنية سنة 1322هـ، والثالثة في دار الكتب العربية الكبرى سنة 1329هـ، والرابعة في مطبعة عيسى البابي الحلبي سنة 1357هـ. وفي سورية قامت مكتبة محمد الحلبي بتصوير الطبعة الأخيرة، ونشرتها من دون تاريخ، كما قامت مطبعة صبيح بالقاهرة بالعمل نفسه.‏ ويجمع الباحثون في التراث الطبي العربي على أن هذا الكتاب من تأليف محمد مهدي بن علي الصُنْبُري، اليمني المقرئ، المتوفى عام 815هـ/ 1412م، وقد نُسب خطأً للسيوطي؛‏ كما أكد حاجي خليفة في «كشف الظنون».
4 - رسالة «ما رواه الواعون في أخبار الطاعون»
ومخطوطته محفوظة في مكتبة الأسد برقم 17365، حيث ورد في مقدمتها ما يلي: «بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، الحمد لله مقدِّر الأرزاق والآجال، والصلاة والسلام على سيدنا محمد والصحب والآل. هذا جزء انتخبت فيه ما ورد في أخبار الطاعون، اختصرته من كتاب «بذل الماعون»، لشيخ الإسلام ابن حجر. فأتيت بالمقصود وحذفت الأسانيد، وما وقع على سبيل الاستطراد».
5 - كتاب إتمام الدراية لقرّاء النقاية: وهو كتاب مدرسي، ألّفه السيوطي، وجعله على نمط كتاب مفاتيح العلوم للخوارزمي المتوفى عام 783هـ/ 997م. يوجد من هذا الكتاب في مكتبة الأسد بدمشق خمس نسخ مخطوطة وكتاب مطبوع على الحجر عام 1309هـ، وقد جاء على غلافه «إن السبب في طبعه، لتعميم نفعه، الأجل الأمجد، الكامل المكرم، محمد الشيرازي، الملقب بملك الكتاب، لازال لكل خير عام». ويلاحظ أن هذا الكتاب يضم علوماً عديدة، أهمها علم التشريح وعلم الطب.
وسنكتفي فيما يلي ببيان ما تكلم عنه السيوطي في علمي التشريح والطب: يقول السيوطي: «لقد قدمت التشريح على الطب، لأنه منه كنسبة التصريف للنحو، لأن التشريح يبحث عن ذات البدن وتركيبها، أما الطب فيبحث عن الأمور العارضة لها. ولما كان الطب لمعالجة الأمراض الظاهرة الدنيوية لذلك (يستحسن) أن يعقبه التصوف الذي تعالج به الأمراض الباطنة الأخروية».
6 - فوائد لعلاج بعض الأمراض: ومخطوطته بمكتبة سامي حداد في بيروت.
7 - المقامات الطبية: وتحتوي على مقامات في التغذية كالمقامة الخضرية والمقامة الفستقية والمقامة التفاحية، وتحتوي هذه المقامات على شرح وتفسير للأهمية العلاجية لبعض الخضراوات والفواكه والورد كنوع من الطرق المستخدمة للوقاية والحفاظ على الإنسان من الأمراض. وقبل الحديث عن مقامات السيوطي الطبية، فمن الأفضل توضيح ماهية هذه المقامات؛ فالمقامة فن أدبي رفيع علا على الشعر والخطابة، وهو نص أدبي مسجوع ومرصع بالمحسنات البديعية، وغير مقيد بطول معين، ويؤلفه الكاتب إما لإظهار براعته وتفوقه اللغوي، وإما لعرض قضية ما، وأصبح هذا الفن ديوان العرب الجديد الذي يعتمد عليه الباحثون في دراسة حياتهم الاجتماعية والفكرية واللغوية معروضة بصورة راقية جلية تبعاً لمقدرة الأديب. وتتميز مقامات السيوطي بتنوع موضوعاتها تنويعاً كبيراً، فقد حوت أدباً وتاريخاً وطباً وحديثاً وتفسيراً وفقهاً وسيرة ذاتية وسياسة ونقداً ووصفاً، وما يهمنا هنا هو الحديث عن المقامة الطبية للسيوطي.

مختارات من المقامات الطبية
المقامة الخضرية، وفيها شرح السيوطي الفوائد العلاجية لكل من القرع والهندباء والخس والرّجلة والبامية والملوخية والخبازي؛ حيث يقول: «سأل سائل عن أمثل الوسائل، ويرصد لديوان الرسائل عن الخضراوات السبعة، المنفردة بالرواء واللمعة، وما أجدى منها نفعه، وأجدر وقعه، وأسرع وضعه، وأوضع سرعة، وأنصع في فن الطب شرعه. فقال: على الخبير سقطتم، ومن البحر لقطتم، ولقد أقسطتم في سؤالكم وما قسطتم، وسأنبيكم بما يفوق حكمة بقراط، من غير تفريط ولا إفراط».

المقامة التفاحية
لم يقتصر السيوطي فيها على المحاسن الظاهرة على التفاحات، بل شرح الفوائد العلاجية لكل من الرمان والأترج والسفرجل والتفاح والكمثرى والنبق والخوخ، وأورد ما وصفتها به الشعراء؛ فيقول: «سألت طائفة فاقهة عن مناقب الفاكهة، وصفاتها المتشاكهة، وما ضرب لها من الأمثال والمشابهة، وما قاله فيها من كل طبيب أريب، وكل شاعر أديب، واختارت منها سبعة زهراء وبضعة، جهر الزمان بحسنها جهراً، فأجبناها لما طلبت، وسالت قناة القلم بالبلاغة فيها لما سالت ورغبت، وبدأنا بالألطف فالألطف في الذات، والأشرف فالأشرف في الصفات».

التفاح
«وما أدراك ما التفاح؟ بارد رطب في الأولى، مقوّ لفم المعدة، إذا صادف فيها غليظاً أحدره فضولاً، طيب في المذكورين، موافق قل أن يضر المحرورين، له خاصية عظيمة في تفريج القلب وتقويته، ذو عطرية تعد من أغذية الروح وأدويته، من أنفع الأشياء للموسوسين والمذبولين أكلاً وشماً، ويقوي الدماغ وينفع هو وعصارته وورقه سماً، ويضمد بها العين الرمد إذا شوي شياً، والمشوي منه في العجين ينفع قلة الشهوة ومن الدود والدوسنطاريا. ومن خاصيته فيما ذكره الأطباء توليد النسيان، وروي فيه أثراً إلا أنه في غاية النكران وشرابه يعقل الطبيعة ويقمع حراً، ويصلح الغثي والقيء الكائنتين من المرة الصفراء، وعصارته لرجل النقرس طلاء، وهو يسر النفس ويحسّن الخلق شماً ومأكلاً، والحذر من فاكهة لم تنضج على شجرها فإنها عليلة ومن أكثر من ذلك حمي حُمّى طويلة، وجعل ابن البيطار السفرجل نوعاً من أنواع التفاح، وجعل منها غالب ما أوردناه، في هذا المراح، فسمي الأترج بالتفاح المائي نسبة إلى بلاد ماه، والخوخ بالتفاح الفارسي سماه، والمشمش بالتفاح الأرمني دعاه، وهذا يدل على شرف التفاح لمن وعاه، ومن محاسنه الأدبية أنه اجتمع فيه الصفرة الدرية، والبياض الفضي والحمرة الذهبية. وأنه يلذذ من الحواس ثلاثاً بجرمه؛ العين لحسنه، والأنف لعرفه، والفم لطعمه، وكم قال فيه من شاعر ماهر وأديب باهر. حيث قال أحدهم:
تفاحة جمعت لونين خلنهمـا
خدَّي حبيب ومحبوب قد اعتنقـا
تعانقا فبدا الواشي فراعهمـا
فاحمر ذا خجلاً واصفر ذا فرقاً 

الرمان
«ما أدراك ما الرمان؟، مصرح بذكره في القرآن، في قوله تعالى في سورة الرحمن، {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} (آية 68)، وفي الحديث (ليس في الأرض رمان تلقح إلا بحبة من حب الجنة)، وقال علي بن أبي طالب، ]، فيما رواه البيهقي وأسنده: «كلوا الرمان بشحمه فإنه دباغ المعدة»، من غير أن يضر بعصبها، ويحدر منها الرطوبات المرية العفنة، ويبرئ من وصبها، ويحط الطعام إذا مص بعده عن فمها، وينفع من الحميات الغب المتطاولة وألمها، ومن الجرب والحكة والخفقان، وإذا أديم مص مع الطعام أخصب الأبدان، ويقوي الصدر، ويجلو الفؤاد، وإذا أكل بالخبز منعه من الفساد، جيد الكيموس قليل الغذاء، صالح للمحرورين، دافع للأذى ويتغط لما يحدثه من قليل رياح، ويكون نفخه سريع التغشي لا يحتاج إلى إصلاح، وفيه قبض لطيف، ويسير تجفيف، وحبه أشد في ذلك من قشره، ثم جنبذه الذي يسقط من الشجر إذا عقد زهره، وإذ وضع في شمس حادة ماؤه المعتصر، واكتحل به بعد غلظه أحدّ البصر، وكلما عتق كان أجود وأبرّ، وإذا طبخ ماؤه في إناء نحاس نفع من القروح والعفن والروايح المنتنة في الأنف والأذن، وحامض أنفع للمعدة الملتهبة وأكثر للبول إدراراً، وأقوى في تسكين الأبخرة الحارة مقداراً، وأشد تبريداً للكبد، ولاسيما إن أولي إدماناً وإكثاراً، ويطفئ نارية الصفراء والدم، ويقطع القيء ويقطع من المعدة البلغم، وإذا عصر النوعان مع شحمهما وشرب منه نصف رطل مع سكر عشرين درهماً أسهل المرة الصفراء، وقوى المعدة وأذهب عنها ضراً، وإن شرب أواقٍ مع عسرة دراهم سكر، فإن هذا يقارب الأهليلج الأصفر، وفي الشراب المتخذ منهما خاصية في منع أخلاط الأبدان من التعفن، والرب المتخذ من الرمانين يقوي المعدة الحادة ويقطع العطش والقيء والغثيان، وإذا عُصرت الرمانتان بشحمهما وتُمضمض بمائهما نفع من القلاع المتولد في أفواه الصبيان، وإذا طبخ في إناء نحاس ماؤهما المعتصر واكتحل بهما أذهبا الحكة والجرب» .

الرجلة أو البقلة الحمقا
«وما أدراك ما الرجلة؟ فيها حديث ضعيف بلا نزاع، (أن فيها شفاء من سبعين داء أدناه الصداع)، وأنه [ (دعا لها بالبركة، وحيث شاءت نبتت)، وذلك حين داوى بها قرحة برجله فبرئت، فلذلك يسميها الأطباء البقلة المباركة واللينة والحمقاء, أسماء متشاركة، باردة في الثالثة رطبة في الثانية، كثيرة المنافع في الحاضرة والبادية، عظيمة البركات تمنع المواد المخلبة والنزلات، لاسيما على المرارة والحرارة مائلات، مع أنها تغير هذه المواد وتحيل منها المزاج، وكم لها من أثر حسن في العلاج، تقمع الصفراء جداً، وتبدل من الحرارة برداً وتبرد تبريداً شديداً. وهي من أنفع الأشياء كلها لمن يجد في المعدة والكبد لهيباً وتوقيداً، أكلاً لها، وشرباً لمائها، ووضعاً على فم المعدة، وما دون الشراسيف بإزائها. وتشفي من الضرس العارض في الأسنان، ومن قرحة الأمعاء وحرقتها إذا أكلها الإنسان. ومن الفضول أن يصل إلى المعدة بالسيلان، ومن نفث الدم من الصدر والقيء والإسهال، ومن نزف النسوان ومن الأوجاع والقروح في الكلى والمثانة. وتنفع المحرورين وأصحاب الحميات الحادة وتزيد في الباه والمني والأمزجة الحارة اليابسة المادة. ومن قال إنها تضعف شهوة الجماع فهو من المبرودين بلا نزاع. وضمادها ينفع من الصداع وأورام العين وغيرها، ومن الحمرة والتهاب المعدة والمثانة وحرق النار وضيرها، وعصارتها تنفع من الحميات والبواسير وحب القرع شرباً، ومن بثور الرأس وصداعه غسلاً وصباً. وقد ينفع في أدوية الرحم وفي أخلاط الأكحال، وإذا حقن به غير مغلي نفع من انصباب المرة الصفراء إلى الأمعاء، وأمسك ما حدث عنها من الإسهال. وبذرها ينفع من القلاع والحر في أفواه الأطفال. ويشفي من الحصا ويدر البول ويسهل طبعاً، وإذا قلي أمسك الطبيعة وقوى الأمعاء. وإذا دلّك بالرجلة الثآليل قلعها بالخاصية قلعاً، ومن وضعها في فراشه لم ير حلماً ولا مناماً وضعاً. وهي في الجملة صالحة للعلاج في كل حار من الأزمان والبلدان والمزاج، غير أنها تقطع شهوة الطعام وتحدث في البصر إظلام» ■