فن مدرسة الباربيزون

فن مدرسة الباربيزون

تخصصت مدرسة الباربيزون في رسم المناظر الطبيعية، وقد أنشئت هذه المدرسة سنة 1830 م على يد مجموعة من الفنانين على رأسهم المصور كاميل كوروت (1796 - 1875)، والمصور ثيودور  روسو (1812 - 1867). وذهب بعض مؤرخي الفنون إلى أن هذه المدرسة قد أنشئت في عام 1850م، ويرى كثير منهم أن ينابيع المياه والأشجار المتاخمة معها، وكذا القرى الصغيرة حول هذه الينابيع، كان لها تأثير كبير في النشاط الفني لهؤلاء الفنانين، بل كانت هي المصدر الرئيس الذي استوحى منه هؤلاء الفنانين أعمالهم الفنية. 

ما يفند هذا الرأي من حيث نشأة   «الباربيزون» عام 1850 ما ذكره العالم فينوريكو بورك في أطروحة الدكتوراه، حيث ذكر أن هذه المدرسة أنشئت في الربع الأول من القرن التاسع عشر، لاسيما منذ سنة 1825م، حيث أقام بعض فناني الباربيزون صالوناً لإتمام أعمالهم الفنية، وكان هذا الصالون في الشارع الرئيس لقرية الباربيزون، وأمدوه بعديد من الفنانين والسياح الذين لهم ميول فنـية.
ثم قام شخص يدعى جاني ببناء صالون لمصوري الباربيزون كي يتجمعوا فيه، وذلك في سنة 1830م، ووجد هؤلاء الفنانين طريقهم في فرنسا إلى الباربيزون خلال الفترة من 1825 إلى 1850.
وسعى عدد من هؤلاء الفنانين إلى مغادرة مدرسة الفنون الجميلة في باريس، وتوجهوا إلى قرية الباربيزون، لتنفيذ المناظر الجميلة للقرية وغابة الفونتينبلو، وكانوا يرسمون المناظر في الخلاء، ثم يتمون أعمالهم الفنية في الصالون الذي أقاموه في الشارع الرئيس للقرية.
بدأ مصورو الباربيزون أعمالهم الفنية في فرنسا عام 1830م، وذلك تحت تأثير المصورين الهولنديين، وكانوا ينفذون «اسكتشاتهم» في الخلاء ثم ينهون الأعمال الفنية في الاستديو، واستمرت هذه المدرسة في باريس حتى عام 1870م. 

سبب التسمية
سميت مدرسة الباربيزون بهذا الاسم نسبة إلى قرية فرنسية تحمل هذا الاسم، وتقع على بعد 30 كم جنوب شرقي العاصمة باريس، وتتميز بوجود ينابيع المياه والغابات، كما أنها منطقة ريفية، وتقع القرية قرب غابة فونتينبلو، (50 كم جنوب شرقي العاصمة باريس)، وكان لهذه المنطقة أهمية بالغة وميزة كبيرة من حيث طبوغرافية المكان، إذ يمكن النظر إليها من أماكن مختلفة، تعكس كل زاوية منها اتجاهاً مغايراً.  

الأسلوب الفني لمدرسة الباربيزون
يتميز الأسلوب الفنية لمصوري «الباربيزون» باستخدام تقنيات مختلفة، معتمدين في ذلك على التوقيت الذي تُنفذ فيه التصويرة، فمثلاً بدأ الأسلوب الفني للمصور كوروت على طراز النيوكلاسيكية، بينما كان الأسلوب الفني للمصور روسّو (1812– 1867) يميل إلى الرومانسية في العمل الفني، وكان المصور ميلليت يميل إلى الواقعية، وعلى منواله أيضاً سار المصور تشارلز فرانسو دوبيجني (1817 - 1877)، وهو تلميذ للمصور كوروت. 
وحقيقة أن جُل هؤلاء المصورين قاموا بحركة فنية ضد التقاليد القديمة المتعمقة في الفن الإنجليزي والألماني، كما أسسوا حركة مناهضة ضد الزخارف الكلاسيكية الجديدة (النيوكلاسيكية)، حتى أن المصور كوروت وإن كان قد بدأ أسلوبه الفني على النيوكلاسيكية، إلا أن هذا الأسلوب لم يستمر، ولم يلق قبولاً لدى النقاد، والمصور ديلاكروا (1798 - 1863) كان من رواد الرومانتيكية في العمل الفني، وكان يهتم كثيراً بالمشاعر والأحاسيس، وانعكس ذلك على أسلوبه لاستخدام الألوان النقية في العمل الفني.
ولم يكن أسلوب مدرسة الباربيزون في التصوير مقتصراً على رسم الغابات وينابيع المياه فحسب، على الرغم من أن هذه الموضوعات كانت رئيسة في العمل الفني، وحقيقةً أن الطبيعة في الفن الفرنسي والهولندي والإنجليزي كان لها عظيم الأثر في تشكيل البدايات لهذا الأسلوب الفني لتلك المدرسة، والتي لم يكن هذا المكان هو الوحيد الذي أعيد تكوينها فيه.
وتُعد الحركة الفنية لمدرسة الباربيزون واحدة من أعظم ردود الأفعال ضد تقاليد الأكاديمية الفرنسية لمدرسة الفنون الجميلة، وقام بهذه الحركة فنانو الباربيزون، وقد كان لهذه المدرسة الأثر البالغ في أسلوب عديد من الطلاب الإنجليز الذين درسوا في فرنسا. 
وحققت تلك المدرسة تقدماً كبيراً في مجال استخدام اللون، الضوء (والظل والنور)، ووضح في رسمهم للبورتريهات الشخصية بكامل هيئتها، البراعة في استخدام الظل والنور، ومراعاة توزيعهما، وأيضاً استعمال الألوان البراقة، وذلك في الرسم على القماش، ويظهر المعنى بجلاء في لوحاتهم الفنية بمجرد رؤيتها، وهذا يدل على وضوح العمل الفني، ودقة تعبير هؤلاء الفنانين. 
اشتهر مصورو الباربيزون برسم الأشجار ضمن رسوم المناظر الطبيعية، ووجد البعض أن هذا الأسلوب الفني صعب قبوله، ولكن المصور فان جوخ وجد في هذا الأسلوب إلهامه الفني، وكان جوخ معجباً أشد الإعجاب بأسلوب المصور جيان ميلليت (1814 - 1875)، الذي تميز أسلوبه أيضاً بالبراعة في رسم المناظر الخاصة بحياة الفلاحين، وقد كان لعمله الفني تأثير على أسلوب فان جوخ. 

أثر المصور كونستابل على رواد «الباربيزون»
جون كونستابل هو مصور إنجليزي ولد في مقاطعة شرق إنجلترا، وعاش في الفترة من 1776 –1837، وكان مغرماً برسم المناظر الطبيعية الرومانسية، خاصة في وادي دبرهام، هذه المنطقة المحيطة بموطنه، والتي شاع إطلاق اسم مدينة كونستابل عليها فيما بعد.
كان للأعمال الفنية لكونستابل، التي عُرضت في صالون باريس سنة 1824م عميق الأثر على الأسلوب الفني لمصوري الباربيزون، خاصة مجموعة المناظر الطبيعية في عام 1830م، وهم الذين قضوا معظم حياتهم بقرية الباربيزون في باريس. 
وكان للمصورين كونستابل، وزميله الإنجليزي ريتشارد بونينجتون (1802 - 1828) دور في أعمال المناظر الطبيعية لمصوري الباربيزون، وهؤلاء الذين استلهموا أعمالهم الفنية من العصر الذهبي للمصورين الهولنديين الذين اهتموا برسم المناظر الطبيعية.
أنتج كونستابل عدداً من الأعمال الفنية للهواة وللمعارض، وكان في انتعاش مستمر، وكان يرى أن هناك طرقاً جديدة لابد من تعلّمها لمهنته، ولم يكن يقيد نفسه بصيغة معينة، إذ كان دائماً يقول «العالم متسع، لا يوجد يومان متشابهان، ولا حتى ساعتين في اليوم الواحد، وليست هناك ورقتان متشابهتان من أوراق الشجر منذ بداية خلق العالم، والإنتاج الحقيقي للفن مثل تلك الأشياء الموجودة في الطبيعة، وكلها مختلفة عن بعضها البعض».

من روائع أعمال المصور جون كونستابل
وادي ديدهام - زيت على قماش 
(1802م)  متحف فيكتوريا وألبرت بلندن.
لوحة عربة القش - زيت على قماش  سنة 1821، المتحف الوطني بلندن.
تميز الأسلوب الفني لكونستابل برسم السماء (الخلفية) باللــــون الرمــــادي، ويظهر هذا بجــــلاء في تصويــــرة عـــربــــة القــــش سنة 1821م -  المحفوظة في المتحف الوطنـــي بلندن.
ومن أشهر رواد مدرسة الباربيزون في فرنسا.
-المصور كوروت (1796 - 1875). 
-المصور تشارلز فرانسوا دوبجيني (1817 - 1878).
-المصور جيان فرانسوا ميلليت (1814 - 1875). 
-المصور ثيودور روسَّو (1812 - 1876).

التيارات الفنية لمصوري الباربيزون
سار عديد من مصوري الباربيزون في اتجاهين فنيين، وعلى رأسهم رائد المدرسة المصور كوروت، حيث طراز النيوكلاسيكية، الذي استمر فيه وإن لم يكن يلق قبولاً، وكذا طراز الانطباعية.

طراز النيوكلاسيكية (الكلاسيكية الجديدة) 
كانت المدرسة الكلاسيكية الجديدة بمنزلة تحول طبيعي إلى الفنون القديمة، حيث تخضع العمل الفني لتقاليده المستمدة من الأدب والمُثل الجمالية لحضارة اليونان والرومان، وترى في الفن اليوناني المثل الأعلى للجمال، وتحترم القواعد الفنية التي التزمها الفنان اليوناني من وحدة وإيقاع وانسجام وتنسيق ونظام وتنوع، وهي استجابة للعالم الأثري وينكلمان الذي اكتشف الحضارة الرومانية عام 1748م بين حطام مدينتي بومبي، وهيراكولومنيم، منذ دعا إلى العودة للفنون الكلاسيكية القديمة كضرورة ومطلب جوهري لحياة أوربا، فلبى دعوته الفنان أنطوان مينجز (1725 - 1779)، واستجاب له النحات الإيطالي أنطونيو كانوفا 
(1757– 1822م) والمصور الإيطالي يوسيني باتوني (1752 –1787م)، ليعيدا إلى الفن سيرته الأولى، كما حمل لواءها المصور الفرنسي جوزيف ماري فيان (1716 – 1809م)، وتبعه المصور لويس دافيد في هذا المضمار عندما رجع إلى موطنه في باريس، وأصبح رائداً من رواد النيوكلاسيكية في فرنسا، على أن الاهتمام بالفنون الكلاسيكية بدأ يظهر في فرنسا منذ عصر الملك لويس الخامس عشر في عام 1774م، بعد أن أشرفت ماري أنطوانيت، زوجة الملك لويس السادس عشر، على شؤون الفن بفرنسا. 
وفي أعقاب قيام الثورة، وإعدام الملك عام 1793م نشط تيار النيوكلاسيكية ثانية، تحت رعاية نالميو الذي أراد التقرب إلى الطبقات المتوسطة التي كانت تشجع هذه النزعة الجديدة، فظهرت آثارها على فنون العمارة والنحت والتصوير، وليس أدل على ذلك من كنيسة سانت جفيف التي استلهمها المهندس الفرنسي جاك سوفلو من مبنى الباثنيون الروماني. 
واستجاب المصورون لهذه الحركة النيوكلاسيكية، فنجد أن أعمال المصور دافيد هي: 
تصويرة الإخوة هوراس، زيت على قماش، متحف اللوفر، باريس.
موت مارا، زيت على قماش، بالمتحف الملكي بروكسل
وغيرها من اللوحات، وكذا اللوحة المحظية بمتحف اللوفر.

عطاء خصب
استمرت الحركة النيوكلاسيكية بعطائها الخصب تمد يدها إلى الفنون الجميلة عامة، وفن التصوير بصفة خاصة، وانضم إلى تيارها عديد من رواد الحركة الفنية؛ سواء في إنجلترا أو فرنسا أو ألمانيا أو غيرها من البلدان، إلى أن جاء جاك دافيد (1825 - 1848) الذي يعد رائد المذهب الكلاسيكي الجديد أو النيوكلاسيكية، وقد بدأ كمصور يتأثر بنزعة الـ «روكوكو»، قبل أن يتحول إلى النيوكلاسيكية، فقد اهتم منذ البداية برسم الموضوعات التاريخية، وانضم إلى مدرسة الأكاديمية، وفاز بجائزة روما وسافر إليها بصحبته أستاذه فيان، الذي شغل منصب مدير الأكاديمية في روما، فتأثر بالفنون والقيم الجمالية الكلاسيكية، ولما عاد إلى باريس اتجه إلى كلية التصوير التاريخي، وعين عضواً في الأكاديمية الملكية عام 1781م، واستلهم روح لوحته «الإخوة هوراس»، أو المناخ الفني لها من أطلال الآثار بروما، فنزع إليها وأبدع تصويرها، واستلهم كذلك في لوحته الشهيرة «موت سقراط» القيم الجمالية الكلاسيكية، ثم تولى بعد الثورة الفرنسيــة على الملكــــية منصب المشرف على أكاديمــــية الفنــون الفرنسية، وأصبح دكتاتور الفن، وقد أتاح له ذلك وضع التعاليم والأصول الفنية للنيوكلاسيكية، إلا أن ديفيد كان بعيداً عن الأضواء السياسية، وبعد مقتل صديقه المخلص روبير، حددت إقامته في قصر لوكسمبرج، ثم استقر في مرسمه الخاص.
وبعد عودة الإمبراطورية الفرنسية في عهد نابليون، أصبح مصور البلاط الإمبراطوري المشرف على الفن في فرنسا، إلى أن انتهى الحكم نتيجة الصراع السياسي إلى أسرة ليوريوند، فنفي مع أخيه إلى بلجيكا سنة 1816م في عهد لويس الثامن عشر، واستقر في بروكسل.
وبالرغم مما قاله النقاد عن النزعة النيوكلاسيكية لدى رواد تلك المدرسة من أنهم أشاعوا الجمود في التصوير من خلال الأصول والقيم الجمالية الكلاســــيكية، فإنــنا نجد أن هذه المدرسة أخرجت لنا كثيراً من الفنانين المبعدين، وأثرت في حركات الفن بأنحاء أوربا، وعبّرت عن ارتباط القيم الجمالية بالسياسة والمجتمع، في إطار التراث الكلاسيكي القديم، فهي تعد حركة محدودة للفن الكلاسيكي من ناحية الشكل أو أسلوب التنفيذ، إضافة إلى المضامين السياسية والاجتماعية المعبّرة عن تلك الخلفية التاريخية أروع تعبير، ومهدت بذلك لظهور النزعات والاتجاهات الفنية الجديدة التي انطلقت من أساسيات وأصول النزعة النيوكلاسيكية.  
ومن أروع أعمال المصور كوروت على نمط النيوكلاسيكية في بداية مشواره الفني:   
لوحة كوبري نارني - زيت على ورق – (1826م) - مقاس 48×36 سم - متحف اللوفر في باريس. 
منظر طبيعي في نارني - زيت على ورق - (1827م) – مقاس 71 × 51 سم - متحف اللوفر في باريس.
وتتجلى في هذه الأعمال القيم والمثل الجمالية الممثلة لمدرسة النيوكلاسيكية في استخدام الضوء (الظل والنور)، وإبراز جمال الطبيعة البراقة. 

الانطباعية (التأثيرية) 
في السنوات العشر الأخيرة من عمر كوروت من 1865 – 1875م أصبح متأثراً بالانطباعية في أعماله، وصار العمل الفني له مفعماً بالشاعرية، ومليئاً باللمسات الانطباعية، ويُرى هذا التعبير الفني بجلاء في الأعمال التي نفذها كوروت في شبابه، حيث الضوء الطبيعي، وما نفذه في أواخر أيامه، حيث صبغها بالصبغة الفضية.
وتُعد الانطباعية أو التأثيرية من أبرز الحركات الفنية التي ترجع إلى سنة 1863م، عندما رفضت لجنة التحكيم في صالون باريس قبول معروضات بعض الفنانين الشبان، فأقاموا معرضاً خاصاً بهم أطلق عليه «معرض المستقلين» بمرسم المصور الفوتوغرافي نادرا، واستمر المعرض شهراً من 15 أبريل إلى 15 مايو سنة 1874م وشارك فيه كل من سيزلي، وسيزان، وديما، وجوبــــوران، وموريــــسو، وكان لهذا المعرض صدى فـــي الحياة الثقــــافية بباريس ومثار تعليق، وقد شاع إطلاق لفظ تأثير على لوحة مونيه «شروق الشمس على صفحة المياه» حالياً بمـــتحف مارمـــوتان في باريس.  
وكان لالتقاء هؤلاء بعد أن تلقوا دراستهم الفنية في أكاديمية سويسرا ومرسم جلير، وترابطهم في باريس أثره في قرارهم النزوح إلى غابة فونتا بنلد، كي يرسموا في الهواء الطلق وأشعة الشمس، وينتقلون إلى شاطئ نهر السين، وشاطئ المانش، ويمكن أن نقرر أنه ما كاد عام 1870م ينتصف حتى شهد العالم مولد الفن التأثيري. 
وكانت نتيجة محاولاتهم الفنية التي أخذ بونيه على عاتقه إيجاد حلول ألوان تُساعد على تصوير انعكاس أشعة الشمس والسحب والسحر على مياه نهر السين الجارية، أو بمعنى أدق أنهم سعوا إلى اكتشاف دنيا الحركة من خلال الألوان ودرجاتها، وكان هذا الكشف رؤية جديدة للطبيعة، ولعل بداية أعمال كورييه نقطة تحول لمعالجة عنصر الصور المباشرة في الهواء على أساس قوة الملاحظة، لا على أساس القواعد والقيم الجمالية الكلاسيكية.
واستمرت المدرسة التأثيرية في خوض تجاربها الفنية على الرغم من اندلاع الحرب بين فرنسا وألمانيا، فرحل مونيه، وبيسارو، ونسيزلي إلى لندن، حيث تعرفوا إلى المصور دوبجيني، وتاجر التحف داران رويـــل، فتــــطوروا تطـــوراً سريعاً تجلى في أهم ضربات الفرشاة والألوان للحصول على تأثيرات انعكاسات الضوء على صفحة الماء وأوراق الشجر والسجاد والبيوت والتلال ومناظر الطبيعة، كما أصبحت الألوان أكثر بريقاً، وعليه تقرر العمل بالمرحلة الثانية منذ عام 1871م، وعندما اكتمـــلت نظــــريــتهم عن الألوان الأساسية (الحمراء والصفراء والزرقاء) التي لا تحقق أغراضهم في الأداء الفني مثلما تحقق ألوان الطيف، وتتـــــم صـــــياغة نظرية التكامل في الألوان، فأحدثت انقلاباً في التكنيك، وبالتالي استطاع الفنان أن يظهر شخصيته وأسلوبه المميز.
ولم تُعرف مدرسة فنية كهذه المدرسة من ناحية اهتمامها بتأصيل التجارب الانطباعية وفن مبادئ ونظريات وقواعد جمالية.
لقد كانت معالجة الفنان التأثيري، أو الانطباعي معالجة جمالية خالصة، التزم فيها الفنان بتلك القواعد والأصول والقيم الجمالية التي أرسى قواعدها روادها الأوائل من كبار المصورين، فنظرية تناغم الألوان ودرجاته لم تعرفها مدرسة فنية من قبل، كما أن نظرية الألوان لم تأت من فراغ، فهي تتبع نظرية ألوان الضوء والطيف.
ولعل اجتماع الفنانين التأثيريين في غابة فونتينبلو وقربهم من الطبيعة وجمالها أفاضا عليهم بمبادئ الفلسفة التأثيرية في الفن، حيث دفعت أشعة الشمس وانعكاساتها على نهر السين وخليج المانش الفنان التأثيري إلى إيجاد الحلول التشكيلية المستوحاة من الطبيعة الزاخرة بروعة الألوان ومجموعة الحركة وتكامل الأشكال، ومجمل القول إن هذه المدرسة الفنية أضافت الكثير إلى الأصول الجمالية للفن. 
ومن أروع أعمال المصور كوروت على نمط الانطباعية: 
لوحة المساء (1850 – 1860) بمتحف الهرميتاج في روسيا، زيت على قماش، مقاس 46.5 × 32.5 سم، حيث تتجلى فيها ضربات الفرشاة ممثلة لون الشمس وقت الشفق على صفحة الماء في تــناغم ورقّة نسبية. 
 لوحة قرية آفري - زيت على قماش – (1867م) – 65.5 × 49.3 سم - المتحف الوطني للفن بواشنطن، حيث يتجلى فيها استخدام الألوان الفضية، وهي من الألوان المميزة للانطباعيين، كما أن كوروت شملها بتناغم وشاعرية ورقّة ■

 

(المصور كوروت) لوحة المساء (1850 – 1860) بمتحف الهرميتاج في روسيا، زيت على قماش، مقاس 46.5 × 32.5 سم

 

(المصور دافيد) موت مارا، زيت على قماش، بالمتحف الملكي بروكسل