فلسفة ميلر... فارس الطاحون

 فلسفة ميلر... فارس الطاحون

  ‬اقتفى‭ ‬الباحثون‭ ‬أثر‭ ‬نحو‭ ‬سبعمائة‭ ‬وعشرين‭ ‬شخصاً‭ ‬ممن‭ ‬يستحقون‭ ‬أن‭ ‬تسعهم‭ ‬الموسوعات‭ ‬كشخصيات‭ ‬لها‭ ‬حيثية‭ ‬وإنجاز‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات‭ ‬ويحملون‭ ‬لقب‭ ‬ميلر،‭ ‬منهم‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬خمسة‭ ‬وثمانين‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الثقافة‭ ‬والفنون،‭ ‬نصفهم‭ ‬أو‭ ‬يزيد‭ ‬مازالوا‭ ‬أحياء‭ ‬وبالكاد‭ ‬يجد‭ ‬بعضهم‭ ‬من‭ ‬يهتم‭ ‬به،‭ ‬ومن‭ ‬ماتوا‭ ‬لم‭ ‬يتبق‭ ‬منهم‭ ‬غير‭ ‬ذكرى‭ ‬عابرة،‭ ‬ولكن‭ ‬الكاتب‭ ‬أرثر‭ ‬ميلر‭ ‬ولد‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬بعد‭ ‬وفاته‭ ‬عند‭ ‬آلاف‭ ‬أصبحوا‭ ‬ملايين‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬العشر‭ ‬التالية،‭ ‬ليحقق‭ ‬في‭ ‬مئوية‭ ‬ميلاده‭ ‬الأولى‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يرجوه‭ ‬وعبر‭ ‬عنه‭ ‬فــي‭ ‬مقــابلة‭ ‬مـــع‭ ‬النــاقد‭ ‬البريطاني‭ ‬جون‭ ‬لار،‭ ‬أن‭ ‬تثير‭ ‬لحظة‭ ‬موتــــه‭ ‬جــــدلاً‭ ‬وتحث‭ ‬البعض‭ ‬عـــلى‭ ‬قــراءة‭ ‬مـــــا‭ ‬تـــرك‭ ‬مــن‭ ‬أوراق،‭ ‬ويكفيه‭ ‬أن‭ ‬يعيدوا‭ ‬لثلاثة‭ ‬أشياء‭ ‬فقط‭ ‬قيمتها‭ ‬الحقيقية‭ ‬في‭ ‬الدنيا،‭ ‬وهي‭: ‬الإنسان‭ ‬والأخلاق‭ ‬والعمل‭. ‬

اختلف‭ ‬المؤرخون‭ ‬حول‭ ‬حقيقة‭ ‬مقولة‭ ‬‮«‬لا‭ ‬كرامة‭ ‬لنبي‭ ‬في‭ ‬قومه‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬وطنه‮»‬‭ ‬ونسبتها‭ ‬لنبي‭ ‬الله‭ ‬عيسى‭ ‬عليه‭ ‬السلام،‭ ‬ولكنها‭ ‬واقع‭ ‬يتكرر،‭ ‬ليس‭ ‬مع‭ ‬الأنبياء‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬صاحب‭ ‬فكر‭ ‬انحاز‭ ‬للإنسانية‭ ‬والقيم‭ ‬الأخلاقية،‭ ‬والمؤيدون‭ ‬لهذه‭ ‬المقولة‭ ‬يستشهدون‭ ‬دائماً‭ ‬بأهم‭ ‬شخصية‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬أجمعت‭ ‬عليه‭ ‬مختلف‭ ‬الدوائر‭ ‬الثقافية‭ ‬والفكرية‭ ‬والفلسفية،‭ ‬الكاتب‭ ‬الأيرلندي‭ ‬الأمريكي‭ ‬‮«‬أرثر‭ ‬ميلر‮»‬‭.‬

لم‭ ‬تكن‭ ‬الحكومة‭ ‬الأمريكــــية‭ ‬ودودة‭ ‬في‭ ‬خلافها‭ ‬مع‭ ‬ميلر‭ ‬منذ‭ ‬خمسيــــنيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬وأصبح‭ ‬الاهتمام‭ ‬بأي‭ ‬من‭ ‬أعماله‭ ‬وتقديمها‭ ‬مسرحياً‭ ‬أو‭ ‬سينمائياً‭ ‬أو‭ ‬نشر‭ ‬مقالاته‭ ‬أو‭ ‬إجراء‭ ‬حوار‭ ‬معه‭ ‬تصاحبه‭ ‬دائماً‭ ‬أزمة،‭ ‬ولم‭ ‬تستمر‭ ‬الهدنة‭ ‬والسكينة‭ ‬التي‭ ‬وجدها‭ ‬بتولي‭ ‬جون‭ ‬كيندي‭ ‬حكم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والذي‭ ‬منحه‭ ‬جائزة‭ ‬الإنجاز‭ ‬مدى‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬الدرجة‭ ‬الأولى،‭ ‬فعادت‭ ‬الأمور‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬وأسوأ‭ ‬بعد‭ ‬مقتل‭ ‬كيندي‭.‬

مرت‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬على‭ ‬وفاة‭ ‬ميلر،‭ ‬وحلت‭ ‬ذكرى‭ ‬مئويتـــه‭ ‬الأولى‭ ‬ولم‭ ‬تتخل‭ ‬الحكومة‭ ‬الأمريكية‭ ‬عن‭ ‬موقفها‭ ‬ورفضت‭ ‬أن‭ ‬تحتفل‭ ‬به،‭ ‬لكن‭ ‬المسارح‭ ‬والجامعات‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الولايات‭ ‬حرصاً‭ ‬على‭ ‬تاريخها‭ ‬ذهبت‭ ‬تحتفل‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬طريقتها‭ ‬بعروض‭ ‬مسرحية‭ ‬وندوات‭ ‬ومطبوعات‭ ‬وغيرها،‭ ‬ودعمتها‭ ‬مؤسسة‭ ‬أرثر‭ ‬ميلر‭ ‬التي‭ ‬أسسها‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬نجوم‭ ‬المسرح‭ ‬والفنون‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬عام‭ ‬2011‭ ‬بهدف‭ ‬مساعدة‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬الفنية‭ ‬والأدبية،‭ ‬ولكنها‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬أصبحت‭ ‬تهتم‭ ‬بشؤون‭ ‬المجتمع‭ ‬ككل،‭ ‬وعمادها‭ ‬عناصر‭ ‬ميلر‭ ‬الفلسفية‭ ‬الثلاثة‭: ‬الإنسانية،‭ ‬القيم‭ ‬الأخلاقية‭ ‬وقدسية‭ ‬العمل‭.‬

تلك‭ ‬العناصر‭ ‬حضر‭ ‬بعضها‭ ‬أو‭ ‬جميعها‭ ‬في‭ ‬كتابات‭ ‬ميلر‭ ‬المختلفة،‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬حــــواراته،‭ ‬ويمكن‭ ‬قراءتها‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬تقارير‭ ‬جريدة‭ ‬‮«‬التلجراف‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬اهتمت‭ ‬بذكرى‭ ‬مئويته‭ ‬كغيرها‭ ‬من‭ ‬الصحف‭ ‬الإنجليزية‭ ‬كإحدى‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬احتفلت‭ ‬به‭ ‬رسمياً‭,‬‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬فرنسا‭ ‬وألبانيا‭ ‬والصين‭ ‬وألمانيا‭ ‬وكوسوفو‭ ‬واليونان‭ ‬واليابان‭ ‬وهولندا‭ ‬وإسبانيا‭ ‬وتركيا،‭ ‬ولكن‭ ‬احتفالات‭ ‬بريطانيا‭ ‬كانت‭ ‬مختلفة،‭ ‬فميلر‭ ‬يداعب‭ ‬شعبها‭ ‬ويبعث‭ ‬فيهم‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬استعادة‭ ‬ما‭ ‬فُقد،‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭.‬

وجاء‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬هذه‭ ‬التقارير‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المثير‭ ‬أن‭ ‬اسمه‭ ‬عبّر‭ ‬عنه‭ ‬تماماً،‭ ‬فأرثر‭ ‬تحريف‭ ‬للفظ‭ ‬‮«‬أرتور‮»‬‭ ‬اليوناني‭,‬‭ ‬ويعني‭ ‬الابن‭ ‬أو‭ ‬الفارس،‭ ‬وميلر‭ ‬التي‭ ‬تنطق‭ ‬بالألمانية‭ ‬‮«‬مولر‮»‬،‭ ‬والمجرية‭ ‬‮«‬مولنر‮»‬،‭ ‬والإسبانية‭ ‬والإيطالية‭ ‬‮«‬مولنيرو‮»‬،‭ ‬وتعني‭ ‬جميعها‭ ‬‮«‬عامل‭ ‬الطاحون‮»‬‭ ‬ترمز‭ ‬إلى‭ ‬قيمة‭ ‬العمل‭ ‬وقدسيته،‭ ‬ولهذا‭ ‬وبالجمع‭ ‬بين‭ ‬اسمه‭ ‬الأول‭ ‬والثاني‭ ‬يصبح‭ ‬أرثر‭ ‬ميلر‭ ‬‮«‬فارس‭ ‬الطاحون‮»‬‭.‬

 

بيان‭ ‬صحفي

أصبح‭ ‬هذا‭ ‬البيان‭ ‬الذي‭ ‬حرصت‭ ‬نقابة‭ ‬المسرحيين‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬نشره‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الصحف‭ ‬المحلية‭ ‬والإقليمية،‭ ‬وثيقة‭ ‬صحفية‭ ‬تاريخية،‭ ‬رغم‭ ‬صدوره‭ ‬في‭ ‬الرابع‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬مارس‭ ‬الماضي،‭ ‬حيث‭ ‬قرأت‭ ‬النقابة‭ ‬مبكراً‭ ‬موقف‭ ‬الحكومة‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الرسمية‭ ‬وأنها‭ ‬ستتجاهل‭ ‬الاحتفال‭ ‬بمئوية‭ ‬أرثر‭ ‬ميلر‭ ‬الأولى،‭ ‬وذيلوا‭ ‬البيان‭ ‬بعبارة‭ ‬‮«‬ما‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬ميلر‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬وقت‭ ‬محدد،‭ ‬فهو‭ ‬لكل‭ ‬زمان‭ ‬وله‭ ‬أهميته‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬أمتنا‭ ‬تماماً‭ ‬مثل‭ ‬قيمته‭ ‬كفنان‭ ‬ومواطن‮»‬‭.‬

وجاء‭ ‬في‭ ‬البيان‭ ‬‮«‬تدعم‭ ‬نقابة‭ ‬المسرحيين‭ ‬الأمريكية‭ ‬والجمعية‭ ‬الوطنية‭ ‬للمسرحيين‭ ‬والملحنين‭ ‬والشعراء‭ ‬الغنائيين‭ ‬بكل‭ ‬فخر‭ ‬حملة‭ ‬تكريم‭ ‬أرثر‭ ‬ميلر‭ ‬في‭ ‬ذكرى‭ ‬مرور‭ ‬مائة‭ ‬عام‭ ‬على‭ ‬ميلاده،‭ ‬التي‭ ‬تحل‭ ‬في‭ (‬15‭ ‬أكتوبر‭ ‬عام‭ ‬2015‭)‬،‭ ‬وكان‭ ‬ميلر‭ ‬عضواً‭ ‬مدى‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬نقابة‭ ‬المسرحيين‭ ‬وكان‭ ‬أول‭ ‬عضو‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬جوائز‭ ‬دائرة‭ ‬الدراما،‭ ‬التوني،‭ ‬البولتيزر‭ ‬للدراما‭ ‬عن‭ ‬عروض‭ ‬‮«‬وفاة‭ ‬بائع‭ ‬متجول‮»‬،‭ ‬‮«‬كلهم‭ ‬أبنائي‮»‬،‭ ‬و«نظرة‭ ‬من‭ ‬فوق‭ ‬الجسر‮»‬،‭ ‬وله‭ ‬أيضاً‭ ‬عروض‭ ‬خالدة‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬الثمن‮»‬‭ ‬و«البوتقة‮»‬،‭ ‬ولا‭ ‬يمر‭ ‬يوم‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يقدم‭ ‬أحد‭ ‬أعماله‭ ‬في‭ ‬مسرح‭ ‬واحد‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

كرئيس‭ ‬للقلم‭ ‬الدولي‭ ‬يعد‭ ‬أرثر‭ ‬ميلر‭ ‬صوتاً‭ ‬قوياً‭ ‬لحرية‭ ‬التعبير،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬مسرحياته‭ ‬ومقالاته،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬خطبه‭ ‬ومظاهره‭ ‬الشخصية،‭ ‬ومثل‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬نقابة‭ ‬المسرحيين‭ ‬موس‭ ‬هارت،‭ ‬تينسي‭ ‬ويليامز،‭ ‬يوجين‭ ‬أونيل‭ ‬الذين‭ ‬احتفلت‭ ‬بهم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وأصدرت‭ ‬طوابع‭ ‬بريدية‭ ‬تذكارية‭ ‬لهم،‭ ‬فأرثر‭ ‬ميلر‭ ‬يستحق‭ ‬هذا‭ ‬الشرف،‭ ‬ولهذا‭ ‬تهيب‭ ‬نقابة‭ ‬المسرحيين‭ ‬بالجمعية‭ ‬الاستشارية‭ ‬لإصدار‭ ‬الأختام‭ ‬ومدير‭ ‬مكتب‭ ‬بريد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تلبية‭ ‬طلبها،‭ ‬كما‭ ‬تحث‭ ‬النقابة‭ ‬أعضاءها‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬جهودها،‭ ‬وكذلك‭ ‬المسارح‭ ‬وإدارتها‭ ‬الفنية‭ ‬والفنانين‭ ‬والمصممين‭ ‬وجميع‭ ‬الفنيين‭ ‬العاملين‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأنحاء‭ ‬على‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬تكريم‭ ‬هذا‭ ‬الكاتب‭ ‬الأمريكي‭ ‬لما‭ ‬قدمه‭ ‬طوال‭ ‬حياته‮»‬‭.‬

 

العودة‭ ‬للديار

لم‭ ‬تقبل‭ ‬جامعة‭ ‬سانت‭ ‬فرانسيس‭ ‬ببروكلن‭ ‬الرفض،‭ ‬وناضلت‭ ‬بحكم‭ ‬أن‭ ‬ميلر‭ ‬أحد‭ ‬أبنائها،‭ ‬فقد‭ ‬درس‭ ‬وتخرج‭ ‬فيها،‭ ‬حتى‭ ‬نجحوا‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬جمعية‭ ‬تحمل‭ ‬اسمه‭ ‬قبل‭ ‬وفاته‭ ‬بعامين،‭ ‬ودعوه‭ ‬لافتتاحها،‭ ‬فأرسل‭ ‬ابنته‭ ‬باعتذار‭ ‬به‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الشجن‭ ‬لعدم‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬الحضور،‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يرجو‭ ‬ذلك،‭ ‬لتحل‭ ‬في‭ ‬مئويته‭ ‬الدورة‭ ‬الثانية‭ ‬عشرة‭ ‬للمؤتمر‭ ‬الذي‭ ‬تعقــــده‭ ‬الجمعــــية‭ ‬سنوياً‭ ‬والذي‭ ‬جاء‭ ‬شعاره‭ ‬هذا‭ ‬العـــام‭ ‬‮«‬الــــعودة‭ ‬للديـــــار‮»‬‭ ‬في‭ ‬إشـــارة‭ ‬إلى‭ ‬عودة‭ ‬ميلر‭ ‬إلى‭ ‬محــــل‭ ‬ميلاده‭ ‬والمكان‭ ‬الذي‭ ‬عاش‭ ‬فيه‭ ‬في‭ ‬الأربعينيات‭ ‬والخمسينيات‭ ‬وبزغت‭ ‬فيه‭ ‬موهبته،‭ ‬وبهذا‭ ‬سبقوا‭ ‬دعوة‭ ‬النقابة‭ ‬بكثير،‭ ‬ولم‭ ‬يعبأوا‭ ‬بتجاهل‭ ‬المؤسسات‭ ‬الرسمية‭ ‬لها‭.‬

واعتاد‭ ‬المؤتمـــــر‭ ‬أن‭ ‬يناقـــــش‭ ‬عــــدداً‭ ‬من‭ ‬الأوراق‭ ‬البحثية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دورة‭ ‬تتنـــــاول‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يخـــص‭ ‬علاقة‭ ‬ميلر‭ ‬بالحياة،‭ ‬حتى‭ ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬الأوراق‭ ‬في‭ ‬الدورات‭ ‬السابقة‭ ‬أكــــثر‭ ‬من‭ ‬خمسمائة‭ ‬بحث،‭ ‬ومن‭ ‬أبرزها‭ ‬علاقة‭ ‬ميلر‭ ‬بالتصوير‭ ‬الصحفي‭ ‬والدراما‭ ‬وعلوم‭ ‬السياسة‭ ‬والجمال،‭ ‬وكذلك‭ ‬العلوم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والفلسفية،‭ ‬ويواصل‭ ‬المؤتمر‭ ‬مساعيه‭ ‬في‭ ‬دورته‭ ‬الخاصـــة‭ ‬بمئوية‭ ‬ميلر،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬إعــــادة‭ ‬قــــراءة‭ ‬أفضل‭ ‬ما‭ ‬قدم‭ ‬من‭ ‬قبل‭.‬

 

مئويتان‭ ‬في‭ ‬كليفلاند

ووحدت‭ ‬دار‭ ‬كليفلاند‭ ‬للفنون‭ ‬الجهود،‭ ‬فاستجابت‭ ‬لدعوة‭ ‬النقابة‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬واحتفلت‭ ‬بجمهورها‭ ‬الذي‭ ‬ساندها‭ ‬خلال‭ ‬مائة‭ ‬عام‭ ‬مضت‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬ووضعت‭ ‬في‭ ‬برنامجها‭ ‬العام‭ ‬الذي‭ ‬أعدته‭ ‬للاحتفال‭ ‬بالمئوية‭ ‬الأولى‭ ‬لتأسيس‭ ‬الدار‭ ‬فقرات‭ ‬خاصة‭ ‬وبارزة‭ ‬تكرِّم‭ ‬فيها‭ ‬أرثر‭ ‬ميلر‭ ‬في‭ ‬عيد‭ ‬ميلاده‭ ‬المئوي‭.‬

اختارت‭ ‬الدار‭ ‬دكتور‭ ‬ألفريد‭ ‬ماير،‭ ‬المتخصص‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬وشخصية‭ ‬أرثر‭ ‬ميلر‭ ‬ليضع‭ ‬البرنامج‭ ‬الخاص‭ ‬بمئويته‭ ‬بالتنسيق‭ ‬مع‭ ‬المسؤولين‭ ‬عن‭ ‬برنامج‭ ‬كليفلاند‭ ‬العام،‭ ‬والذي‭ ‬يتضمن‭ ‬عرض‭ ‬‮«‬قصة‭ ‬عيد‭ ‬الميلاد‮»‬‭ ‬في‭ ‬معالجة‭ ‬خاصة‭ ‬عن‭ ‬تاريخ‭ ‬الدار،‭ ‬وفيه‭ ‬يتحدث‭ ‬فنانو‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬عن‭ ‬جذورها‭ ‬والنداء‭ ‬الذي‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬القلب‭ ‬إلى‭ ‬العقل‭ ‬وكيف‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬تنمية‭ ‬الوعي‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لجماهيره‭ ‬الذين‭ ‬كافأوهم‭ ‬بالاهتمام‭ ‬به‭ ‬وحمايته‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬اعتداء‭.‬

 

تبادل‭ ‬خبرات‭ ‬في‭ ‬متشجن

وضعت‭ ‬عشرات‭ ‬الجامعات‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وخارجها‭ ‬مئات‭ ‬البرامج‭ ‬الخاصة‭ ‬للاحتفال‭ ‬بمئوية‭ ‬أرثر‭ ‬ميلر،‭ ‬ولكن‭ ‬جامعة‭ ‬متشجن‭ ‬احتفظت‭ ‬بواسطة‭ ‬العقد‭ ‬لنفسها‭ ‬والمكان‭ ‬الأبرز‭ ‬بينها،‭ ‬رغم‭ ‬اكتفائها‭ ‬بتخصيص‭ ‬جزء‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬برنامجها‭ ‬السنوي‭ ‬المعتاد،‭ ‬ولكنه‭ ‬كان‭ ‬كافياً‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬اهتمامها‭ ‬بابنها‭ ‬وأحد‭ ‬خريجيها،‭ ‬وتمثل‭ ‬هذا‭ ‬الجزء‭ ‬في‭ ‬ثلاث‭ ‬ندوات‭ ‬خلال‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام‭ ‬قوامها‭ ‬18‭ ‬ساعة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬مسرحيتين‭.‬

تتضمن‭ ‬الندوة‭ ‬الأولى‭ ‬خطاباً‭ ‬مفتوحاً‭ ‬يلقيه‭ ‬أستاذ‭ ‬الأدب‭ ‬المسرحي‭ ‬بالجامعة‭ ‬إينوك‭ ‬براتر،‭ ‬والثانية‭ ‬حلقة‭ ‬نقاشية‭ ‬عن‭ ‬تاريخ‭ ‬الجامعة‭ ‬الأدبي‭ ‬والمسرحي‭ ‬وميلر‭ ‬كنقطة‭ ‬تحول‭ ‬فيها،‭ ‬أما‭ ‬الندوة‭ ‬الثالثة‭ ‬فتمثل‭ ‬إحدى‭ ‬مرحلتين‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ ‬‮«‬تبادل‭ ‬الخبرات‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬بمسرح‭ ‬ميلر‮»‬،‭ ‬ويجتمع‭ ‬فيها‭ ‬الخريجون‭ ‬مع‭ ‬المتمرسين‭ ‬والخبراء‭ ‬في‭ ‬عناصر‭ ‬المسرح‭ ‬لتبادل‭ ‬النقاش‭ ‬حول‭ ‬أهم‭ ‬الدروس‭ ‬المستفادة‭ ‬من‭ ‬مسرح‭ ‬ميلر،‭ ‬ثم‭ ‬ينتقلون‭ ‬لمتابعة‭ ‬مسرحيتين‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانية‭.‬

 

أربعون‭ ‬في‭ ‬ثلاثة

أبت‭ ‬المكتبة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وإدارتها‭ ‬أن‭ ‬يستسلموا‭ ‬لإرادة‭ ‬عائلة‭ ‬فورد‭ ‬التي‭ ‬تمتلك‭ ‬أكبر‭ ‬نسبة‭ ‬منها،‭ ‬رغم‭ ‬عطائها‭ ‬وتأسيسها‭ ‬لهذه‭ ‬المكتبة‭ ‬عام‭ ‬1979‭ ‬للنشر‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يهدف‭ ‬للربح‭ ‬بل‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬ثقافية‭ ‬وزيادة‭ ‬وعي‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع،‭ ‬وكذلك‭ ‬تبني‭ ‬كتاب‭ ‬ومفكرين،‭ ‬الشعب‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬لكتاباتهم‭ ‬وأفكارهم‭ ‬أمثال‭ ‬مارك‭ ‬توين،‭ ‬فيليب‭ ‬روث،‭ ‬سول‭ ‬بيلو‭ ‬وغيرهم‭.‬

ولكن‭ ‬عاب‭ ‬هذه‭ ‬العائلة‭ ‬انحيازها‭ ‬للحكومة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬قراراتها‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬آثارها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجالات‭ ‬المجتمعية،‭ ‬ومنها‭ ‬الثقافة‭ ‬والفنون،‭ ‬والحكومة‭ ‬بدورها‭ ‬أسيرة‭ ‬مجموعات‭ ‬الضغط‭ ‬المختلفة‭ ‬التي‭ ‬وضعت‭ ‬ميلر‭ ‬في‭ ‬القائمة‭ ‬السوداء‭ ‬منذ‭ ‬نصف‭ ‬قرن،‭ ‬ولأول‭ ‬مرة‭ ‬تخرج‭ ‬‮«‬المكتبة‭ ‬الأمريكية‮»‬‭ ‬عن‭ ‬الإطار‭ ‬المرسوم‭ ‬لها‭ ‬وتقوم‭ ‬بطباعة‭ ‬الأعمال‭ ‬الكاملة‭ ‬لأرثر‭ ‬ميلر‭ ‬ونشرها‭ ‬بمناسبة‭ ‬مئويته‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬طبعتين‭ ‬قد‭ ‬تزيد‭ ‬إلى‭ ‬خمسة‭ ‬بعد‭ ‬نفادها‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬متوقع‭.‬

 

الأولى‭ ‬والأخيرة‭ ‬في‭ ‬دالاس

كتب‭ ‬ميلر‭ ‬نحو‭ ‬خمسين‭ ‬عملاً‭ ‬درامياً‭ ‬وقدّم‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬70‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬برودواي‭ ‬وخارجها،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬المسارح‭ ‬البريطانية،‭ ‬ورشح‭ ‬أغلبها‭ ‬لجائزة‭ ‬التوني‭ ‬التي‭ ‬فاز‭ ‬بها‭ ‬سبع‭ ‬مرات،‭ ‬أولاها‭ ‬عن‭ ‬مسرحية‭ ‬‮«‬كلهم‭ ‬أبنائي‮»‬‭ ‬عام‭ ‬1947،‭ ‬وآخرها‭ ‬عام‭ ‬1959،‭ ‬ولكن‭ ‬الأمر‭ ‬لم‭ ‬يتكرر‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬رغم‭ ‬استمرار‭ ‬ميلر‭ ‬في‭ ‬العطاء‭ ‬لأسباب‭ ‬غير‭ ‬فنية‭ ‬وغير‭ ‬إنسانية‭ ‬أيضاً،‭ ‬واستمر‭ ‬اعتقاد‭ ‬الجوائز‭ ‬السبع‭ ‬سائداً‭ ‬حتى‭ ‬جاء‭ ‬من‭ ‬يفرق‭ ‬بين‭ ‬الجوائز‭ ‬ويكشف‭ ‬الحقيقة‭.‬

وفي‭ ‬مئوية‭ ‬ميلر‭ ‬اختار‭ ‬مسرح‭ ‬ووترتاور‭ ‬بدالاس‭ ‬أن‭ ‬يقدم‭ ‬معالجة‭ ‬جديدة‭ ‬عن‭ ‬مسرحية‭ ‬‮«‬كلهم‭ ‬أبنائي‮»‬،‭ ‬وسبقتها‭ ‬مقدمة‭ ‬تحكي‭ ‬قصة‭ ‬الجائزة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬حصل‭ ‬عليها‭ ‬ميلر‭ ‬ككاتب‭ ‬للمسرحية،‭ ‬والجوائز‭ ‬الست‭ ‬الأخرى‭ ‬فازت‭ ‬بها‭ ‬المسرحيات‭ ‬إنتاجياً‭ ‬ولم‭ ‬ينلها‭ ‬ككاتب،‭ ‬ولهذا‭ ‬فإن‭ ‬الجائزة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬حصل‭ ‬عليها‭ ‬هي‭ ‬أيضاً‭ ‬الأخيرة،‭ ‬ثم‭ ‬طرحوا‭ ‬تساؤلات‭ ‬حول‭ ‬الحلم‭ ‬الأمريكي‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬حقيقة‭ ‬أو‭ ‬وهماً‭ ‬وكيفية‭ ‬الاستيقاظ‭ ‬من‭ ‬كابوس‭ ‬يصعب‭ ‬تجاوزه‭ ‬وما‭ ‬يصحب‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬آلام‭ ‬شديدة،‭ ‬واستنكروا‭ ‬المبدأ‭ ‬السيئ‭ ‬‮«‬كل‭ ‬شيء‭ ‬مقابل‭ ‬المال‮»‬‭ ‬وعقبوا‭ ‬عليها‭ ‬بتساؤلات‭ ‬أخرى‭ ‬مكملة‭ ‬‮«‬حتى‭ ‬الكرامة؟،‭ ‬والحب؟،‭ ‬والوطن؟‮»‬،‭ ‬ثم‭ ‬أخذ‭ ‬أبطال‭ ‬العرض‭: ‬تيري‭ ‬مارتن،‭ ‬ديانا‭ ‬شيهان‭ ‬وكريستوفر‭ ‬كاسرينو‭ ‬يتحدثون‭ ‬بصوت‭ ‬ميلر‭ ‬ويعبِّرون‭ ‬عن‭ ‬مخاوفهم‭ ‬من‭ ‬تفكيك‭ ‬الأسرة‭ ‬الذي‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تمزيق‭ ‬المجتمع‭.‬

 

ميلر‭ ‬في‭ ‬كلماته‭ ‬مع‭ ‬نيوفيلد

لم‭ ‬يكتف‭ ‬مبدعو‭ ‬الدراما‭ ‬بما‭ ‬كتبه‭ ‬ميلر‭ ‬من‭ ‬نصوص‭ ‬سينمائية‭ ‬ومسرحية‭ ‬ومعالجات‭ ‬تلفزيونية،‭ ‬فذهبوا‭ ‬يتتبعون‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬به‭ ‬حتى‭ ‬صوره‭ ‬التي‭ ‬التقطت‭ ‬له‭ ‬طوال‭ ‬حياته‭ ‬منذ‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬الرابعة‭ ‬من‭ ‬عمره‭ ‬وحتى‭ ‬قبيل‭ ‬وفاته‭ ‬بأيام،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬قراءة‭ ‬تعبيرات‭ ‬وجهه‭ ‬وحركات‭ ‬جسده‭ ‬وتحليلها‭ ‬ثم‭ ‬تفسيرها‭ ‬علمياً‭ ‬وفنياً،‭ ‬وتقديم‭ ‬الصور‭ ‬مصحوبة‭ ‬بالقراءات‭ ‬والتحليلات‭ ‬والتفسيرات‭ ‬بمعرض‭ ‬خاص‭ ‬ببرلين‭ ‬في‭ ‬ذكراه،‭ ‬ولكلماته‭ ‬التي‭ ‬تحدث‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬أمور‭ ‬مختلفة‭ ‬مقامها‭ ‬أيضاً‭.‬

جلس‭ ‬الممثل‭ ‬أنطونيو‭ ‬نيوفيلد‭ ‬في‭ ‬مقعد‭ ‬خاص‭ ‬على‭ ‬خشبة‭ ‬مسرح‭ ‬بلايميكر‭ ‬الأمريكي‭ ‬ليقدم‭ ‬مسرحية‭ ‬مونودراما‭ ‬يعايش‭ ‬فيها‭ ‬شخصية‭ ‬ميلر‭ ‬بكل‭ ‬تفاصيلها‭ ‬ويتحدث‭ ‬بلسانه‭ ‬عن‭ ‬الفن‭ ‬والمسرح‭ ‬والمجتمع،‭ ‬ولم‭ ‬يبتعد‭ ‬عن‭ ‬عناصره‭ ‬الفكرية‭ ‬الثلاث،‭ ‬ومن‭ ‬كلمات‭ ‬ميلر‭ ‬التي‭ ‬ألقاها‭ ‬نيوفيلد‭ ‬على‭ ‬الجمهور‭ ‬‮«‬كثيراً‭ ‬ما‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬إنتاج‭ ‬مسرحية‭ ‬جديدة‭ ‬يمثل‭ ‬فرصة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬للتطهر‭ ‬من‭ ‬النقائص‮»‬،‭ (‬يناير‭ ‬عام‭ ‬1955‭)‬‭.‬

وأيضاً‭ ‬‮«‬الحقيقة‭ ‬المؤكدة‭ ‬أن‭ ‬الفن‭ ‬له‭ ‬دور‭ ‬حيوي‭ ‬في‭ ‬الحضارة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬تماماً‭ ‬كمنابع‭ ‬الأنهار‭ ‬التي‭ ‬تمدها‭ ‬بالمياه،‭ ‬وفي‭ ‬العصور‭ ‬المقبلة‭ ‬سيدرك‭ ‬البشر‭ ‬أخيراً‭ ‬وبقليل‭ ‬من‭ ‬الوعي‭ ‬أن‭ ‬الفن‭ ‬ليس‭ ‬ترفاً،‭ ‬ولكنه‭ ‬ضرورة‭ ‬حياتية‮»‬،‭ (‬أبريل‭ ‬عام‭ ‬1959‭)‬‭. ‬

ومنها‭ ‬كذلك‭ ‬‮«‬مشاهدة‭ ‬أي‭ ‬عرض‭ ‬مسرحي‭ ‬لا‭ ‬تشبه‭ ‬الكذب‭ ‬على‭ ‬أريكة‭ ‬الطبيب‭ ‬النفسي‭ ‬أو‭ ‬الجلوس‭ ‬وحيداً‭ ‬أمام‭ ‬شاشة‭ ‬التلفاز،‭ ‬ففي‭ ‬المسرح‭ ‬يمكنك‭ ‬أن‭ ‬تشعر‭ ‬بردة‭ ‬فعل‭ ‬الجالسين‭ ‬بجوارك،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ردة‭ ‬فعلك،‭ ‬ومعه‭ ‬تتعلم‭ ‬شيئاً‭ ‬جديداً‭ ‬عن‭ ‬نفسك،‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬إمكانية‭ ‬مشاطرة‭ ‬الآخرين‭ ‬السراء‭ ‬والضراء،‭ ‬والشعور‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬مثيل‭ ‬له‭ ‬بأنك‭ ‬لست‭ ‬وحدك‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدنيا،‭ ‬بل‭ ‬أنت‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الجنس‭ ‬البشري،‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬المسرح،‭ ‬وذلك‭ ‬سر‭ ‬بقائه‮»‬،‭ (‬نوفمبر‭ ‬عام‭ ‬1991‭)‬‭.‬

يتوقف‭ ‬الحاضرون‭ ‬لبعض‭ ‬الوقت‭ ‬عند‭ ‬عبارته‭ ‬‮«‬يظن‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬الفنون‭ ‬دائماً‭ ‬ما‭ ‬تنتقم‭ ‬من‭ ‬الروح‭ ‬البشرية،‭ ‬وهذا‭ ‬قصر‭ ‬نظر،‭ ‬وقلة‭ ‬وعي‭ ‬شديدان،‭ ‬لأنها‭ ‬إنجازات‭ ‬خالدة،‭ ‬فالإغريق‭ ‬بانتصاراتهم‭ ‬والفراعنة‭ ‬بجلالهم‭ ‬والرومان‭ ‬بمجدهم‭ ‬والآشوريون‭ ‬بسلطانهم‭ ‬الرهيب‭ ‬واليهود‭ ‬بصعودهم‭ ‬ثم‭ ‬سقوطهم‭ ‬وبقاء‭ ‬نسلهم‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭ ‬بلا‭ ‬سبب‭ ‬واضح،‭ ‬جميعهم‭ ‬لم‭ ‬يبق‭ ‬منهم‭ ‬إلا‭ ‬بعض‭ ‬حجارة‭ ‬منحوتة،‭ ‬وشيء‭ ‬من‭ ‬الطلاء‭ ‬على‭ ‬جدران‭ ‬الكهوف،‭ ‬والأهم‭ ‬مسرحيات‭ ‬تنقل‭ ‬قدراً‭ ‬من‭ ‬فكرهم،‭ ‬ومجمل‭ ‬ما‭ ‬تركوه‭ ‬يمثل‭ ‬الفن‭ ‬المطلق‭ ‬دون‭ ‬شيء‭ ‬آخر‮»‬،‭ (‬نوفمبر‭ ‬عام‭ ‬2002‭)‬‭.‬

 

جولة‭ ‬في‭ ‬بنترست

اعتبره‭ ‬بنترست‭ ‬شخصية‭ ‬غير‭ ‬عادية‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وبنترست‭ ‬موقع‭ ‬اجتماعي‭ ‬اكتسب‭ ‬شهرة‭ ‬كبيرة‭ ‬منــــذ‭ ‬إنشائه‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الشركاء‭ ‬بول‭ ‬سكــــيرا‭ ‬وإيفــــان‭ ‬شارب‭ ‬وأحد‭ ‬رائدي‭ ‬الإنترنت‭ ‬بن‭ ‬سيلبرمان،‭ ‬بدأ‭ ‬من‭ ‬مديــنة‭ ‬سان‭ ‬فرانسيسكو‭ ‬بولاية‭ ‬كاليفورنيا،‭ ‬يشبه‭ ‬الفيسبوك‭ ‬في‭ ‬اعتماده‭ ‬على‭ ‬المشاركين‭ ‬فيه،‭ ‬ولكنه‭ ‬خاص‭ ‬بالصور‭ ‬التي‭ ‬ترافقها‭ ‬بعض‭ ‬معلومات‭ ‬عنها‭.‬

وخلال‭ ‬السنوات‭ ‬الخمـــس،‭ ‬وهــــي‭ ‬عمــر‭ ‬الموقع،‭ ‬كانت‭ ‬وظيفة‭ ‬القائميـــــن‭ ‬عليه‭ ‬تنظـــــيم‭ ‬عمله‭ ‬ورسم‭ ‬الأطر‭ ‬التي‭ ‬يتبعها‭ ‬المشاركــون‭ ‬أصحاب‭ ‬الصفحات‭ ‬المختلـــــفة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬القاعدة‭ ‬اختلفت‭ ‬مع‭ ‬ميلر،‭ ‬الاستثناء‭ ‬الوحيــد،‭ ‬وقام‭ ‬بإنــــشاء‭ ‬صفحة‭ ‬خاصة‭ ‬يتـــتبعها‭ ‬الزائــــرون‭ ‬بمناسبة‭ ‬ذكرى‭ ‬مئوية‭ ‬ميلاده‭ ‬الأولى،‭ ‬واعتبروها‭ ‬لبنة‭ ‬يمكن‭ ‬لمن‭ ‬يرغـــب‭ ‬الإضافة‭ ‬إليــها،‭ ‬حيث‭ ‬يـــــقوم‭ ‬مشرف‭ ‬الصفحة‭ ‬بمراجعة‭ ‬الصورة‭ ‬المضافة‭ ‬وحــقوق‭ ‬الملكية‭ ‬الخاصــــة‭ ‬بـــها‭ ‬والمعلومات‭ ‬المصاحبة‭ ‬لها‭ ‬قبل‭ ‬نشرها‭.‬

 

سر‭ ‬البوتقة‭ ‬في‭ ‬عشرات‭ ‬العروض

أبى‭ ‬داولينج‭ ‬أن‭ ‬يكشف‭ ‬سر‭ ‬تمسكه‭ ‬بالبوتقة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تسابق‭ ‬عشرات‭ ‬المسارح‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬لتقديم‭ ‬هذا‭ ‬النص‭ ‬في‭ ‬معالجات‭ ‬مختلفة‭ ‬ليصبح‭ ‬أكثر‭ ‬أعمال‭ ‬ميلر‭ ‬تقديماً‭ ‬خلال‭ ‬الاحتفال‭ ‬بمئويته‭ ‬الأولى‭ ‬أتاح‭ ‬الفرصة‭ ‬لتحليلات‭ ‬وتفسيرات‭ ‬توضح‭ ‬سر‭ ‬البوتقة‭ ‬التي‭ ‬شبه‭ ‬فيها‭ ‬ميلر‭ ‬محاكمة‭ ‬السحر‭ ‬في‭ ‬مستعمرة‭ ‬ماساتشوستس‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬1962و1963،‭ ‬بما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تجاه‭ ‬الماركسية‭ ‬ومعتنقيها‭ ‬وما‭ ‬تتخذه‭ ‬من‭ ‬إجراءات‭ ‬ضدهم‭.‬

ففي‭ ‬إحياء‭ ‬جديد‭ ‬للبوتقة‭ ‬في‭ ‬برودواي‭ ‬في‭ ‬مسرح‭ ‬سيجنتشر‭ ‬تركز‭ ‬المعالجة‭ ‬على‭ ‬ضمير‭ ‬الفرد‭ ‬الغائب‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬العملية‭ ‬وانعكاسه‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬الشخصية‭ ‬تحت‭ ‬مسميات‭ ‬الاحترافية‭ ‬التي‭ ‬تقتضي‭ ‬قتل‭ ‬أي‭ ‬مشاعر‭ ‬أثناء‭ ‬القيام‭ ‬بأي‭ ‬عمل،‭ ‬مما‭ ‬يفقد‭ ‬المرء‭ ‬إنسانيته،‭ ‬وذهب‭ ‬استديو‭ ‬المسرح‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬إلى‭ ‬الهوية‭ ‬الإنسانية‭ ‬للشعوب‭ ‬التي‭ ‬تضاءلت‭ ‬إزاء‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬أمور‭ ‬عديدة‭ ‬دون‭ ‬الاقتراب‭ ‬منها‭ ‬ومحاولة‭ ‬فهمها‭.‬

وتبنى‭ ‬مسرح‭ ‬شيفيلد‭ ‬الإنجليزي‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬النفس‭ ‬حق‭ ‬شرعي‭ ‬لكل‭ ‬إنسان،‭ ‬ومالت‭ ‬معالجة‭ ‬مسرح‭ ‬‮«‬نيفرلاند‮»‬‭ ‬الكندي‭ ‬إلى‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الحريات،‭ ‬وركز‭ ‬مسرح‭ ‬‮«‬شيري‭ ‬جريك‮»‬‭ ‬اليوناني‭ ‬على‭ ‬رؤية‭ ‬أنه‭ ‬مع‭ ‬الخوف‭ ‬يختل‭ ‬الفكر‭ ‬ويصاب‭ ‬المرء‭ ‬برهاب‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬حوله،‭ ‬وآخر‭ ‬في‭ ‬الأولد‭ ‬أفيك‭ ‬اللندني‭ ‬الإنجليزي‭ ‬يناضلون‭ ‬فيه‭ ‬ضد‭ ‬التطرف‭ ‬الديني،‭ ‬وجسد‭ ‬مسرح‭ ‬‮«‬كلية‭ ‬ماكسويل‭ ‬للفنون‭ ‬والعلوم‮»‬‭ ‬النمساوي‭ ‬المعركة‭ ‬بين‭ ‬الفكر‭ ‬العلمي‭ ‬والفوضى‭ ‬اللاعقلية‭.‬

تدور‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المعالجات‭ ‬وغيرها‭ ‬حول‭ ‬فكرة‭ ‬رئيسة‭ ‬لا‭ ‬تبتعد‭ ‬عن‭ ‬عناصر‭ ‬ميلر‭ ‬الثلاثة،‭ ‬الإنسان‭ ‬وحقوقه،‭ ‬الأخلاق‭ ‬وانعدامها‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬سيادة‭ ‬الكذب‭ ‬والنفاق‭ ‬باســــم‭ ‬الدين،‭ ‬وضياع‭ ‬الوقت‭ ‬هباء‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الاستفادة‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬مثمر،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تتجلى‭ ‬في‭ ‬‮«‬البوتقة‮»‬‭ ‬رؤية‭ ‬ميلر‭ ‬الفكرية،‭ ‬لهذا‭ ‬حظي‭ ‬بأكبر‭ ‬اهتمام،‭ ‬ووجدوا‭ ‬فيها‭ ‬أيضاً‭ ‬أعلى‭ ‬درجة‭ ‬من‭ ‬الرمزية‭ ‬وتمنح‭ ‬أقصى‭ ‬اتساع‭ ‬لتناول‭ ‬أفكار‭ ‬ورؤى‭ ‬متباينة‭ ‬يربطها‭ ‬عصب‭ ‬واحد‭ ‬وهو‭ ‬فلسفة‭ ‬ميلر‭ ‬التي‭ ‬أخذت‭ ‬تنتشــــر‭ ‬بعد‭ ‬وفاته‭ ‬بعشر‭ ‬سنوات،‭ ‬ويـــبدو‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬أنها‭ ‬تشــــتد‭ ‬وتمتد،‭ ‬كما‭ ‬مثلت‭ ‬‮«‬البوتقة‮»‬‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاتــها‭ ‬رمزاً‭ ‬لأي‭ ‬قهر‭ ‬وتسلط‭ ‬كشفوا‭ ‬باهتمامهم‭ ‬أنه‭ ‬يتجسَّد‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬حالية‭ ‬أخرى‭ ‬مع‭ ‬قوة‭ ‬نفوذ‭ ‬المال‭ ‬ومالكيه‭.‬

 

مؤتمر‭ ‬علمي‭ ‬بإكستريمادورا

صنفت‭ ‬مئات‭ ‬الجامعات‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬ما‭ ‬كتبه‭ ‬ميلر‭ ‬من‭ ‬إبداعات‭ ‬دراميــــة‭ ‬كأعمــــال‭ ‬فكرية‭ ‬وفلسفية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تخضع‭ ‬باستمــــرار‭ ‬للدراسات‭ ‬والتحليلات‭ ‬المختلفة،‭ ‬واتجهت‭ ‬جامعة‭ ‬غرب‭ ‬أنجيليا‭ ‬بمدينة‭ ‬نوريش‭ ‬البريطانية‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فأسست‭ ‬مركز‭ ‬أرثر‭ ‬ميلر‭ ‬للدراسات‭ ‬الأمريكية‭ ‬بهدف‭ ‬تعـــزيز‭ ‬المشاريع‭ ‬البحثية‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬الإنسانية‭ ‬والاجتماعيــــة،‭ ‬وفي‭ ‬ذكرى‭ ‬ميلاده‭ ‬المائة‭ ‬كشفت‭ ‬جامعة‭ ‬إكستريمادورا‭ ‬الإسبانيــــة‭ ‬عن‭ ‬أسبقيتهـــــا‭ ‬وريادتها‭ ‬في‭ ‬الاهتمام‭ ‬بميلر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الرؤية‭ ‬ذاتها،‭ ‬ودعت‭ ‬بقية‭ ‬الجامعات‭ ‬لمؤتمر‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭.‬

وأعلنت‭ ‬كلية‭ ‬الفنون‭ ‬والآداب‭ ‬جامعة‭ ‬إكستريمادورا‭ ‬بمدينة‭ ‬كاسيريس‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬مركز‭ ‬أرثر‭ ‬ميلر‭ ‬بجامعة‭ ‬غرب‭ ‬أنجيليا‭ ‬وجامعة‭ ‬جورجيا‭ ‬الأمريكية‭ ‬وجامعتي‭ ‬كومبلوتنس‭ ‬بمدريد‭ ‬وبونيفريسداد‭ ‬بإشبيلية‭ ‬الإسبانيتين‭ ‬عن‭ ‬مؤتمر‭ ‬بمنزلة‭ ‬منتدى‭ ‬للتفكير‭ ‬الأكاديمي‭ ‬الموسع‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬جوانب‭ ‬وحياة‭ ‬وأعمال‭ ‬المفكر‭ ‬ميلر،‭ ‬بدأت‭ ‬تتلقى‭ ‬الأوراق‭ ‬البحثية‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬مهتم‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الجامعات،‭ ‬واقتصر‭ ‬القبول‭ ‬على‭ ‬تلقي‭ ‬ملخصات‭ ‬تتراوح‭ ‬كلماتها‭ ‬بين‭ ‬250‭ ‬و300‭ ‬كلمة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬سيرة‭ ‬ذاتية‭ ‬للمتقدم‭ ‬في‭ ‬150‭ ‬كلمة،‭ ‬وحددت‭ ‬آخر‭ ‬موعد‭ ‬لتقديم‭ ‬الأوراق‭ ‬في‭ ‬30‭ ‬سبتمبر‭ ‬ووفرت‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬عناوين‭ ‬البريد‭ ‬الإلكتروني‭ ‬لاستقبالها‭ ‬ثم‭ ‬إرسال‭ ‬إشارة‭ ‬قبول‭ ‬الأوراق‭ ‬في‭ ‬7‭ ‬أكتوبر،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يبدأ‭ ‬المؤتمر‭ ‬فعالياته‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬نوفمبر‭.‬

 

ميلر‭ ‬لكل‭ ‬زمان‭ ‬ومكان

وإلى‭ ‬الشمال‭ ‬الأوربي،‭ ‬التف‭ ‬تسعة‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬تتراوح‭ ‬أعمارهم‭ ‬بين‭ ‬19‭ ‬و25‭ ‬عاماً‭ ‬حول‭ ‬بلورة‭ ‬سحرية،‭ ‬أتت‭ ‬بهم‭ ‬من‭ ‬بقاع‭ ‬مختلفة‭ ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬وكل‭ ‬منهم‭ ‬كان‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬مختلف،‭ ‬إلى‭ ‬خشبة‭ ‬المسرح‭ ‬في‭ ‬ثوب‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬يتضمنها‭ ‬اثنان‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬كتب‭ ‬ميلر‭ ‬‮«‬منظر‭ ‬من‭ ‬فوق‭ ‬الجسر‮»‬‭ ‬و«عدو‭ ‬الشعب‮»‬،‭ ‬والأخيرة‭ ‬معالجة‭ ‬كتبها‭ ‬عن‭ ‬نص‭ ‬لهنريك‭ ‬إبسن‭.‬

كتب‭ ‬البلجيكي‭ ‬باتريك‭ ‬السن‭ ‬معالجة‭ ‬مزج‭ ‬فيها‭ ‬بين‭ ‬النصين‭ ‬واختار‭ ‬منهما‭ ‬تسع‭ ‬شخصيات‭ ‬شابة،‭ ‬وجعل‭ ‬كلاً‭ ‬منهم‭ ‬يمثل‭ ‬زماناً‭ ‬ومكاناً‭ ‬مختلفاً،‭ ‬ورغم‭ ‬التزامه‭ ‬بالجمل‭ ‬الحوارية‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬بعيد،‭ ‬لكنها‭ ‬جاءت‭ ‬مناسبة‭ ‬ليثبت‭ ‬بهذه‭ ‬التجربة‭ ‬التي‭ ‬قدمها‭ ‬على‭ ‬مسرح‭ ‬تفينتي‭ ‬بالعاصمة‭ ‬بروكسل‭ ‬أن‭ ‬ميلر‭ ‬عابر‭ ‬للزمن‭ ‬في‭ ‬كتاباته،‭ ‬وأن‭ ‬ما‭ ‬يتناوله‭ ‬من‭ ‬أفكار‭ ‬إنسانية‭ ‬واجتماعية‭ ‬وروحية‭ ‬يحتاج‭ ‬إليه‭ ‬كل‭ ‬البشر،‭ ‬بل‭ ‬وكل‭ ‬المخلوقات‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬الكون‭.‬

 

مئويات‭ ‬بولندية

أعلن‭ ‬البرلمان‭ ‬البولندي‭ ‬أن‭ ‬2015‭ ‬عام‭ ‬‮«‬المسرح‭ ‬العام‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يمر‭ ‬على‭ ‬تأسيسه‭ ‬قرنان‭ ‬ونصف‭ ‬القرن،‭ ‬وشكل‭ ‬لجنة‭ ‬خاصــة‭ ‬لعمــــل‭ ‬برنامج‭ ‬تستمر‭ ‬فقراته‭ ‬طوال‭ ‬العام،‭ ‬تعبيراً‭ ‬عن‭ ‬اهتمامهم‭ ‬به،‭ ‬ولقيمته‭ ‬الكبيرة‭ ‬يجد‭ ‬من‭ ‬يحتفل‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬اعتاد‭ ‬القائمون‭ ‬عليـــه‭ ‬الاحتفـــال‭ ‬سنوياً‭ ‬بكل‭ ‬كاتب‭ ‬ومخرج‭ ‬ومبدع‭ ‬مسرحي‭ ‬وفني‭ ‬بندوات‭ ‬وعروض‭ ‬لا‭ ‬تشبه‭ ‬غيرها‭ ‬تحت‭ ‬سفوح‭ ‬الجبال،‭ ‬فقد‭ ‬شهد‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬رعاية‭ ‬البرلمان‭ ‬كشريك‭ ‬في‭ ‬الاحتفال‭ ‬بذكرى‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المبدعين‭.‬

واستعرض‭ ‬المسرح‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬بيان‭ ‬برنامج‭ ‬المئويات‭ ‬الذي‭ ‬يتضمنه‭ ‬يوبيله‭ ‬الذهبي‭ ‬الخامس،‭ ‬ومنها‭ ‬مئوية‭ ‬الفنان‭ ‬التشكيلي‭ ‬والمصمم‭ ‬والمخرج‭ ‬المسرحي‭ ‬تاددوش‭ ‬كانتور،‭ ‬وذكرى‭ ‬ميلاد‭ ‬الكاتب‭ ‬والفيلسوف‭ ‬ستانسلاف‭ ‬إغناسي‭ ‬فيتكيفيتش‭ ‬المائة‭ ‬والثلاثين،‭ ‬وغيرهما‭ ‬من‭ ‬البولنديين،‭ ‬ووقع‭ ‬اختيارهم‭ ‬على‭ ‬أرثر‭ ‬ميلر‭ ‬للاحتفال‭ ‬بمئويته‭ ‬كاستثناء‭ ‬وحيد‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬معالجة‭ ‬كتبها‭ ‬سيلاف‭ ‬كليستي‭ ‬مدتها‭ ‬ثلاث‭ ‬ساعات،‭ ‬تمثل‭ ‬خلاصة‭ ‬أعمال‭ ‬ميلر‭ ‬وأفكاره‭ ‬وفلسفته،‭ ‬وبدا‭ ‬لمن‭ ‬تابع‭ ‬العروض‭ ‬التحضيرية‭ ‬أن‭ ‬عناصره‭ ‬الثلاثة‭ ‬حاضرة‭.‬

 

لقاء‭ ‬الحبيب‭ ‬في‭ ‬سراييفو

وبالشرق‭ ‬أيضاً،‭ ‬افترق‭ ‬زفونيــــمير‭ ‬راديلكوفيش‭ ‬وسيربرين‭ ‬ديزدار‭ ‬مع‭ ‬اندلاع‭ ‬الحرب‭ ‬بعد‭ ‬زمالة‭ ‬وصداقة‭ ‬وشراكة‭ ‬امتدت‭ ‬منذ‭ ‬كانا‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬الابتدائية‭ ‬ثم‭ ‬الثانوية‭ ‬والجامعة،‭ ‬وحتى‭ ‬جمعهما‭ ‬حب‭ ‬المسرح‭ ‬وضربا‭ ‬المثل‭ ‬في‭ ‬التعاون‭ ‬في‭ ‬إخراج‭ ‬العروض،‭ ‬ولم‭ ‬يفكر‭ ‬أي‭ ‬منهما‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يستقل‭ ‬عن‭ ‬الآخر‭ ‬خلال‭ ‬عشر‭ ‬سنوات،‭ ‬حتى‭ ‬ضاعت‭ ‬الذكريات‭ ‬ودمرت‭ ‬النيران‭ ‬والانتهاكات‭ ‬الإنسانية‭ ‬بالحاضر‭ ‬وأصبح‭ ‬المستقبل‭ ‬ضبابياً،‭ ‬فهربا‭ ‬رغماً‭ ‬عنهما‭ ‬وجعلهما‭ ‬الطوفان‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬كل‭ ‬منها‭ ‬إلا‭ ‬نفسه،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬لهما‭ ‬أثر‭ ‬في‭ ‬البوسنة‭ ‬والهرسك‭.‬

ودون‭ ‬أن‭ ‬تقصد‭ ‬ذهبت‭ ‬الكاتبة‭ ‬ليلا‭ ‬أليمونوفيش‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬الطيور‭ ‬البوسنية‭ ‬المهاجرة‭ ‬ممن‭ ‬يمكنهم‭ ‬أن‭ ‬يشاركوا‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬سراييفو‭ ‬السنوي‭ ‬في‭ ‬دورته‭ ‬الحادية‭ ‬والثلاثين،‭ ‬ويناسب‭ ‬أياً‭ ‬من‭ ‬فقراته‭ ‬الرئيسية،‭ ‬حيث‭ ‬يكرِّمون‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬الروائي‭ ‬الألماني‭ ‬فرانز‭ ‬كافكا،‭ ‬ويحتفلون‭ ‬بمرور‭ ‬450‭ ‬عاماً‭ ‬على‭ ‬بداية‭ ‬النشاط‭ ‬الثقافي‭ ‬والفني‭ ‬في‭ ‬البوسنة‭ ‬والهرسك،‭ ‬والمئوية‭ ‬الأولى‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬أرثر‭ ‬ميلر،‭ ‬وبيلي‭ ‬هوليداي‭ ‬وفرانك‭ ‬سيناترا‭.‬

توصلت‭ ‬ليلا‭ ‬بالبحث‭ ‬إلى‭ ‬اثنين‭ ‬ارتبطا‭ ‬بشدة‭ ‬بميلر‭ ‬منذ‭ ‬هجرتهما،‭ ‬أحدهما‭ ‬إلى‭ ‬كندا‭ ‬والثاني‭ ‬إلى‭ ‬أستراليا،‭ ‬وكلاهما‭ ‬أسس‭ ‬ورشة‭ ‬مسرحية‭ ‬أطلق‭ ‬عليها‭ ‬اسمه،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬تعرف‭ ‬أنهما‭ ‬الصديقان‭ ‬راديلكوفيش‭ ‬وديزدار‭ ‬حتى‭ ‬التقت‭ ‬بهما‭ ‬معاً،‭ ‬واختارا‭ ‬لها‭ ‬عنواناً‭ ‬لليلة‭ ‬الاحتفال‭ ‬بميلر‭ ‬في‭ ‬المسرح‭ ‬الوطني،‭ ‬فكان‭ ‬‮«‬لقاء‭ ‬الحبيب‭ ‬في‭ ‬سراييفو‮»‬‭ ‬حيث‭ ‬جمعتهما‭ ‬المدينة‭ ‬بعد‭ ‬فراق‭ ‬وضمت‭ ‬لهما‭ ‬حبيباً‭ ‬آخر‭ ‬هو‭ ‬ميلر‭.‬

 

صوت‭ ‬ميلر‭ ‬بالإذاعة‭ ‬الألمانية

استغلت‭ ‬الإذاعة‭ ‬الألمانية‭ ‬الوطنية‭ ‬ما‭ ‬لديها‭ ‬من‭ ‬أرشيف‭ ‬تعتني‭ ‬به‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬تهتم‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬قضايا‭ ‬لتتذكر‭ ‬ميلر‭ ‬في‭ ‬مئويته‭ ‬على‭ ‬طريقتها،‭ ‬واستعادت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خمسين‭ ‬عاماً‭ ‬مضت،‭ ‬وتحديداً‭ ‬في‭ ‬شتاء‭ ‬عام‭ ‬1953،‭ ‬عندما‭ ‬قامت‭ ‬الإذاعة‭ ‬بعمل‭ ‬حلقة‭ ‬خاصة‭ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬مؤتمر‭ ‬نزع‭ ‬الــــسلاح‭ ‬بمشاركة‭ ‬أرثر‭ ‬ميلر‭ ‬الذي‭ ‬تحدث‭ ‬عن‭ ‬خطورة‭ ‬الأسلحة‭ ‬وتطورها‭ ‬الرهيب‭ ‬على‭ ‬الإنسان،‭ ‬وأن‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مهنة‭ ‬تتعلق‭ ‬به‭ ‬غير‭ ‬شريفة‭ ‬أو‭ ‬أخلاقية‭.‬

تحدث‭ ‬ميلر‭ ‬عن‭ ‬عناصر‭ ‬فلسفته‭ ‬الثلاثة،‭ ‬ولم‭ ‬ينتبه‭ ‬الكثيرون‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬رغم‭ ‬أهميته‭ ‬التي‭ ‬زادت‭ ‬وتعاظمت،‭ ‬وبينت‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية‭ ‬إن‭ ‬وجدت‭ ‬من‭ ‬يعتني‭ ‬بها‭ ‬لأصبح‭ ‬العالم‭ ‬أفضل‭ ‬كثيراً،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أكده‭ ‬المشاركون‭ ‬في‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬حلقات‭ ‬‮«‬مناهضة‭ ‬السلاح‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تقدِّمها‭ ‬الإذاعة‭ ‬الألمانية‭ ‬حالياً،‭ ‬وجاءت‭ ‬ذكرى‭ ‬ميلر‭ ‬لتعيد‭ ‬بث‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬بالحلقة‭ ‬الأرشيفية‭ ‬في‭ ‬مقاطع‭ ‬يتحدث‭ ‬الضيوف‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬منها،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬تبتعد‭ ‬عن‭ ‬الحقوق‭ ‬الإنسانية‭ ‬والحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬الأخلاق‭ ‬ومعايير‭ ‬العمل‭ ‬الحقيقي‭ ‬الذي‭ ‬يستحق‭ ‬التقديس‭.‬

 

مهرجان‭ ‬في‭ ‬الريف‭ ‬الفرنسي

يبدو‭ ‬شأن‭ ‬الحكومة‭ ‬الفرنسية‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الرسمية‭ ‬التابعة‭ ‬لها‭ ‬غريباً‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬احتفالها‭ ‬بالإنجليزي‭ ‬شكسبير‭ ‬وتجاهلها‭ ‬لألبير‭ ‬كامو‭ ‬أحد‭ ‬أبنائها،‭ ‬كما‭ ‬تحتفل‭ ‬بمئوية‭ ‬ميلر‭ ‬أيضاً،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬منطقة‭ ‬لافيتي‭ ‬الريفية‭ ‬ذات‭ ‬الطبيعة‭ ‬المسرحية‭ ‬الخاصة‭ ‬اختارت‭ ‬أن‭ ‬تستقل‭ ‬باحتفاليتها‭ ‬التي‭ ‬تستمر‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬وليس‭ ‬شهراً‭ ‬واحداً،‭ ‬وتمثل‭ ‬حياته‭ ‬الثرية‭ ‬أساساً‭ ‬لها،‭ ‬كما‭ ‬تتضمن‭ ‬كذلك‭ ‬أربع‭ ‬مسرحيات‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬كتب‭.‬

ويبدأ‭ ‬‮«‬مهرجان‭ ‬أرثر‭ ‬ميلر‮»‬‭ ‬بالريف‭ ‬الفرنسي‭ ‬بندوة‭ ‬فكرية‭ ‬وفنية‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‮»‬‭ ‬ليستمر‭ ‬المنتدى‭ ‬الريفي‭ ‬لميلر‭ ‬بسبعة‭ ‬وعشرين‭ ‬ندوة‭ ‬أخرى،‭ ‬وتمثل‭ ‬هذه‭ ‬الندوات‭ ‬مراحل‭ ‬حياته‭ ‬وعلامات‭ ‬فيها‭ ‬يناقشها‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الثقافة‭ ‬والفن‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬وبعض‭ ‬الزائرين،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬مشاركة‭ ‬الجمهور،‭ ‬التي‭ ‬تنتهي‭ ‬بندوة‭ ‬عن‭ ‬وفاته‭ ‬عام‭ ‬2005،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬مسرحيات‭: ‬‮«‬كلهم‭ ‬أبنائي‮»‬،‭ ‬‮«‬وفاة‭ ‬بائع‭ ‬متجول‮»‬،‭ ‬‮«‬البوتقة‮»‬،‭ ‬‮«‬منظر‭ ‬من‭ ‬فوق‭ ‬الجسر‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬ستعرض‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬وفبراير‭ ‬ومايو‭ ‬وديسمبر‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العام‭.‬

 

محامي‭ ‬العمال

ارتبط‭ ‬دكتور‭ ‬لانج‭ ‬شين،‭ ‬المدير‭ ‬التنفيذي‭ ‬للمسرح‭ ‬الشعبي‭ ‬ببكين،‭ ‬ارتباطاً‭ ‬وثيقاً‭ ‬بميلر‭ ‬في‭ ‬الأعوام‭ ‬الثلاثين‭ ‬الأخيرة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يلتقي‭ ‬به،‭ ‬ولمس‭ ‬فيه‭ ‬ملمحاً‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬كتاباته‭ ‬وحواراته‭ ‬وحتى‭ ‬سلوكه‭ ‬في‭ ‬المحيط‭ ‬الذي‭ ‬يسكن‭ ‬فيه،‭ ‬واعتبر‭ ‬أن‭ ‬تقديره‭ ‬للعمل‭ ‬وقدسيته‭ ‬جعله‭ ‬بمنزلة‭ ‬ناشط‭ ‬ومدافع‭ ‬عن‭ ‬العمال‭ ‬وحقوقهم،‭ ‬أياً‭ ‬كان‭ ‬ما‭ ‬يمارسونه،‭ ‬مادام‭ ‬عملاً‭ ‬قانونياً‭ ‬وشريفا،‭ ‬ومنذ‭ ‬وفاة‭ ‬ميلر‭ ‬قبل‭ ‬عشر‭ ‬سنـــــوات‭ ‬شغلتـــه‭ ‬فكــــرة‭ ‬إبراز‭ ‬هذا‭ ‬الجانب‭ ‬ليتخذه‭ ‬الآخرون‭ ‬قدوة،‭ ‬ويسيرون‭ ‬في‭ ‬دربه‭.‬

ومع‭ ‬اقتراب‭ ‬ذكرى‭ ‬مئوية‭ ‬ميلر‭ ‬تبلورت‭ ‬الفكرة‭ ‬لدى‭ ‬شين،‭ ‬ولأول‭ ‬مرة‭ ‬يحمل‭ ‬القلم‭ ‬ليكتب‭ ‬نصاً‭ ‬مسرحياً‭ ‬أطلق‭ ‬على‭ ‬بطله‭ ‬أرثر‭ ‬ميلر،‭ ‬وجعله‭ ‬محامياً‭ ‬تخصص‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬العمال‭ ‬وحقوقهم‭ ‬المهدرة‭ ‬العامة‭ ‬والخاصة،‭ ‬وجمع‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬لديه‭ ‬من‭ ‬مواقف‭ ‬استخلصها‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬ميلر‭ ‬المسرحية‭ ‬ومقالاته،‭ ‬وكذلك‭ ‬الحياتية،‭ ‬وجميعها‭ ‬تجعل‭ ‬منه‭ ‬بطلاً‭ ‬لهذه‭ ‬الشريحة‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬والأكثر‭ ‬معاناة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬البشرية‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬تتسع‭ ‬لها‭ ‬المؤرخات‭.‬

 

وفي‭ ‬الختام

اختار‭ ‬ميلر‭ ‬الجدلية‭ ‬المستمرة‭ ‬والمتجددة‭ ‬من‭ ‬تلقاء‭ ‬نفسها‭ ‬كجزء‭ ‬مهم‭ ‬وأساسي‭ ‬في‭ ‬نهجه‭ ‬ليبقى‭ ‬بفكره‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬ويواصل‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافه‭ ‬بعد‭ ‬رحيله،‭ ‬وفي‭ ‬ما‭ ‬تضمنته‭ ‬بعض‭ ‬أجزاء‭ ‬من‭ ‬مذكرات‭ ‬عازفة‭ ‬البيانو‭ ‬الفرنسية‭ ‬فانيا‭ ‬فينلون‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الفكر‭ ‬الذي‭ ‬تجلت‭ ‬فيه‭ ‬عناصر‭ ‬رؤية‭ ‬ميلر‭ ‬الثلاثة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬حاضرة‭ ‬وبشدة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مظاهر‭ ‬الاحتفاء‭ ‬بذكرى‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭.‬

قامت‭ ‬جريدة‭ ‬الجارديان‭ ‬البريطانية‭ ‬بنشر‭ ‬مقتطفات‭ ‬منتقاة‭ ‬من‭ ‬مذكرات‭ ‬فينلون‭ ‬لتواصل‭ ‬عهدها‭ ‬مع‭ ‬ميلر‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يحنثوا‭ ‬به‭ ‬منذ‭ ‬وفاته،‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الأجزاء‭ ‬التي‭ ‬ذكرت‭ ‬فيها‭ ‬ميلر،‭ ‬تحدثت‭ ‬عن‭ ‬واحدة‭ ‬مــــن‭ ‬أقــــل‭ ‬أعماله‭ ‬شهرة،‭ ‬وهي‭ ‬مسرحية‭ ‬تلفزيونية‭ ‬تم‭ ‬بثها‭ ‬مباشرة‭ ‬عام‭ ‬1980‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬اللعب‭ ‬للوقت‮»‬‭ ‬وشارك‭ ‬في‭ ‬بطولتها‭ ‬‮«‬فينيسيا‭ ‬ريدجريف‮»‬‭ ‬و«جان‭ ‬ألكسندر‮»‬،‭ ‬ثم‭ ‬قدمت‭ ‬بعد‭ ‬أشهر‭ ‬عدة‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬بالأبطال‭ ‬أنفسهم‭.‬

  ‬وأتت‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الجارديان‭ ‬مع‭ ‬إعادة‭ ‬تقديم‭ ‬هذا‭ ‬العرض‭ ‬مسرحياً‭ ‬في‭ ‬مسرح‭ ‬شيفيلد‭ ‬ليرصد‭ ‬أحداثاً‭ ‬واقعية‭ ‬مر‭ ‬عليها‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬سبعين‭ ‬عاماً‭ ‬عن‭ ‬فرقة‭ ‬أوركسترا‭ ‬موسيقية‭ ‬نسائية‭ ‬تكونت‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬المعتقلات‭ ‬عام‭ ‬1943،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬التقى‭ ‬بعض‭ ‬أعضاء‭ ‬تلك‭ ‬الفرقة‭ ‬النسائية‭ ‬وتحدثن‭ ‬معه‭ ‬عن‭ ‬الهولوكوست‭ ‬وما‭ ‬لاقوه‭ ‬من‭ ‬تعذيب‭ ‬وتنكيل‭ ‬بهن،‭ ‬فإنه‭ ‬لم‭ ‬يناقش‭ ‬الأمر‭ ‬ولم‭ ‬يُدخل‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬جدال‭ ‬بيزنطي‭ ‬لا‭ ‬جدوى‭ ‬منه،‭ ‬بل‭ ‬رصد‭ ‬التعصب‭ ‬العنصري‭ ‬والتطرف‭ ‬في‭ ‬السلوك‭ ‬من‭ ‬الأطراف‭ ‬المختلفة،‭ ‬بصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬دياناتهم،‭ ‬ووجد‭ ‬في‭ ‬سلوك‭ ‬بعض‭ ‬الفتيات‭ ‬اليهوديات‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬معادٍ‭ ‬للسامية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غيرهن،‭ ‬لتبدأ‭ ‬الجدلية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬مفر‭ ‬منها‭.‬

وتشهد‭ ‬فينلون‭ ‬في‭ ‬كلماتها‭ ‬وعباراتها‭ ‬على‭ ‬صدق‭ ‬ما‭ ‬رصده‭ ‬ميلر‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير،‭ ‬فالكراهية‭ ‬أياً‭ ‬كان‭ ‬مبررها‭ ‬نتاجها‭ ‬سلبي،‭ ‬كما‭ ‬أظهر‭ ‬احتراماً‭ ‬شديداً‭ ‬للكفاح‭ ‬والمقاومة،‭ ‬ولم‭ ‬يخص‭ ‬اليهود‭ ‬فقط‭ ‬بذلك،‭ ‬ولكن‭ ‬رؤيته‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬المطلق‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬عانى‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬كنموذج‭ ‬لأي‭ ‬حرب‭ ‬لا‭ ‬جدوى‭ ‬منها،‭ ‬ومنهم‭ ‬اليابانيون،‭ ‬الألمان،‭ ‬الفرنسيون،‭ ‬البولنديون‭ ‬وغيرهم،‭ ‬وكعادته‭ ‬ركز‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬أن‭ ‬العمل‭ ‬الذي‭ ‬يؤديه‭ ‬المرء‭ ‬في‭ ‬العلن‭ ‬بكل‭ ‬عزة‭ ‬وفخر‭ ‬أياً‭ ‬كانت‭ ‬ماهيته،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يقدر‭ ‬ويقدس‭.‬

وما‭ ‬أثار‭ ‬جدلاً‭ ‬مضاعفاً‭ ‬عند‭ ‬اليهود‭ ‬هو‭ ‬عدم‭ ‬تناوله‭ ‬للمحرقة‭ ‬وبدا‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬معالجته‭ ‬متعمداً‭ ‬وكأنه‭ ‬حدث‭ ‬غير‭ ‬مهم‭ ‬عنده،‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬يؤمن‭ ‬به،‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬يُرض‭ ‬الفيلم‭ ‬بعضاً‭ ‬من‭ ‬العازفات‭ ‬أبطال‭ ‬القصة‭ ‬الحقيقية‭ ‬اللاتي‭ ‬كن‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭ ‬وقتها،‭ ‬وأكثر‭ ‬ما‭ ‬أحزنهن‭ ‬أنهن‭ ‬لم‭ ‬يجدن‭ ‬الألم‭ ‬الذي‭ ‬شعرن‭ ‬به‭ ‬مجسداً،‭ ‬وربما‭ ‬يكون‭ ‬الأمر‭ ‬صحيحاً،‭ ‬فميلر‭ ‬لم‭ ‬يكتب‭ ‬حتى‭ ‬يجدد‭ ‬الآلام،‭ ‬ولكنه‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬حقائق‭ ‬تصنع‭ ‬الأمل،‭ ‬دون‭ ‬رؤية‭ ‬مزيفة‭ ‬وغير‭ ‬واقعية‭.‬

أظهرت‭ ‬مذكرات‭ ‬فانيا‭ ‬التي‭ ‬كتبتها‭ ‬باللغة‭ ‬الفرنسية‭ ‬وترجمت‭ ‬إلى‭ ‬سبع‭ ‬لغات‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬العناصر‭ ‬الثلاثة‭ ‬التي‭ ‬تبناها‭ ‬ميلر‭ ‬ليعيش‭ ‬فكره،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يتذكره‭ ‬أحد‭ ‬حينها،‭ ‬فالأهم‭ ‬عنده‭ ‬أن‭ ‬يسهم‭ ‬بعد‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬أو‭ ‬مائة‭ ‬أو‭ ‬ألف‭ ‬عام‭ ‬في‭ ‬إنقاذ‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬مستقبل‭ ‬مظلم‭ ‬لمحه‭ ‬في‭ ‬الأفق،‭ ‬فتولدت‭ ‬لديه‭ ‬تخوفات‭ ‬عبّر‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬سنواته‭ ‬الأخيرة‭ ‬بقلب‭ ‬يرتجف‭ ‬وعقل‭ ‬مهموم‭ ‬بالأجيال‭ ‬اللاحقة،‭ ‬فبالنسبة‭ ‬له‭ ‬لن‭ ‬يعيش‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬عاش،‭ ‬فالبشر‭ ‬جميعهم‭ ‬راحلون‭ ‬وقلة‭ ‬قليلة‭ ‬يبقى‭ ‬فكرها‭ ‬وفلسفتها‭ ‬