بواكير الحركة التشكيلية في الكويت

لا تعتبر الموروثات التاريخية في أي مكان ظاهرة فنية، و لا نستطيع أن نصفها بهذا الوصف من حيث الدقة التعبيرية أو الدليل الدامغ، فما يكتشف من آثار هنا وهناك يدخل من حيث التصنيف ضمن الفنون التطبيقية أو الحرفية، لأنها تفتقر إلى عامل الحس التعبيري والتخاطب الرمزي الذي يدل على التميز والتفرد في الطرح والتناول والمعالجة.
الأختام السريانية أو الدلمونية والآشورية، وغيرها من الآثار الفرعونية والهندية والفارسية إلى أن نصل إلى عهد الرسوم عند إنسان الكهوف، لا علاقة لها بالحس ولا بالشعور الإنساني، إنما هي تعاملات كانت سائدة في تلك المجتمعات هدفها لغوي وتواصل اجتماعي بين أفراد أي مجتمع كان.
ولكنها تعتبر في الوقت نفسه، الذي لا تعتبره فناً بمعناه العلمي والأكاديمي، طرحاً راقياً من التخاطب يجمع بين اعتباره نواة لظاهرة فنية مستقبلية استند إليها الإنسان كمادة حياتية ضرورية، واتخذها طريقاً وسبيلاً إلى عالم الفن التشكيلي بمفهومه العلمي الأكاديمي.
وللتوضيح فقط، فإننا لم نجد ضمن الاكتشافات التاريخية لوحة مؤطرة تحكي معاناة فرد أو قصة عاشق أو شاعر ملهم، فكل الآثار المكتشفة عبر هذه السنين هي إما أختام لها استخدام يومي خاص، وإما هي جداريات لغوية تعتبر نمطاً من التواصل بين الناس مع اختلاف شعوبهم وانتماءاتهم.
هذا تقديم مهم للدخول إلى ما طرحه الباحث المتمكن د. خليفة الوقيان في دراسته الرائعة «الثقافة في الكويت - بواكير - اتجاهات - ريادات» الطبعة الرابعة، حيث استدل الباحث الفاضل بكتاب التشكيل المعاصر في دول مجلس التعاون الخليجي للفنان عبدالرسول سلمان ص97، باعتبار العصر البرونزي عهداً مبكراً للجهود الفنية لإنسان هذه الأرض (الكويت)، مستعيناً بالاكتشافات الأثرية في جزيرة فيلكا، ومعتبراً الأختام الدائرية طرازاً فنياً محلياً لما تتضمنه من زخارف وخطوط هندسية وأشكال حيوانية مختلفة تمتاز بالرشاقة وإبداعات الفنان القديم.
جذور الفن وجذوته
كما أن الباحث ذكر كذلك ما نشره طارق فخري تحت عنوان «أصول الفن الكويتي» بمجلة «عالم الفن» في العدد الثاني بتاريخ 10/10/1971، وكذلك استمد رؤيته في طرحه لكتاب «الفن التشكيلي في الكويت» عن فنون الصناعات الشعبية في الكويت لصفوت كمال، معتبراً أن الحرف الشعبية والصناعات الضرورية في صناعة السدو (غزل الصوف) وصناعة الحلي الشعبية وبعض الزخارف المعمارية والصناعات الخشبية دليل ظاهر لاعتبار هذه الفترة توثق انطلاقة الحركة التشكيلية في الكويت أو المنطقة بأسرها.
وهذا طبعاً لا يطابق الحقيقة والواقع، مع احترامي وتقديري لكل تلك القامات التي استندت إلى ما طرحت من شواهد وقرائن كدليل يؤرخ لبدايات الحركة التشكيلية في الكويت، مع يقيني واعترافي بأن تلك الفترات التي ذهب إليها الباحثون الأفاضل هي دلالة قاطعة للحس المطابق للمعاينات اليومية للمفردات في المجتمع البشري في تلك الفترة من حيث صناعة السدو أو هيكل السفينة، وما يشبه ذلك من الصناعات الضرورية لتلك المجتمعات البدائية في نشأتها وحاجتها لتلك الصناعات، التي أخذت بعض التخريجات التي ممكن مجازاً أن تدل على دلالة حسية للبعض منهم ولكنها ليست قطعية.
ومازلت مستعيناً بدراسة د. خليفة الوقيان الرائعة، حيث تطرق موفقاً إلى اعتبار الفنان الكويتي عبدالله الفرج (1836 - 1901) فناناً شاملاً، واعتبار الفراغ بين المرحلة السابقة والعصر الذي ظهر فيه الفرج والفترة التي برز فيها الفنان معجب الدوسري تأخراً كبيراً، مما يدل على قطع التواصل بين المرحلتين.
وأتفق معه كل الاتفاق في اعتبار هذه الفترة (القرن التاسع عشر) هي البداية الحقيقية لظهور البذرة الفنية في شخص الفنان عبدالله الفرج الشاعر والملحن والرسام، لأن تلك المرحلة هي بداية استمرت في زمننا الحاضر إذا اعتمدنا ما قدمه الفنان عبدالله الفرج من أعمال نحت وتصوير جداري، وتمكنه من الخط العربي وبراعته في نقشه وفق ما يقوله الأستاذ خالد الفرج، الذي أكد أن عبدالله الفرج اشتغل في الرسم والنحت والتصوير الذي اندثر بعد وفاته، باعتبار أن تلك الصور من المحرمات والمحظورات الدينية، حسب ثقافة المجتمع في تلك الأيام.
وعلى هذا، فإن عبدالله الفرج يعتبر الظاهرة الأولى المبشرة لريادة فنية في المجتمع الكويتي، وبالتالي فإن قياسنا للعمر الافتراضي للحركة التشكيلية يبدأ من القرن التاسع عشر وما بعده، باعتبار معجب الدوسري هو الرائد الأول وفق الوثائق والصور (1922 - 1943) الموثقة لتلك الفترة، وهي فترة قصيرة قياساً بالعمر الذي عاشه الفنان الرائد معجب الدوسري وأعماله الموجودة في المتحف الكويتي، وما استند إليه الأستاذ أحمد محبوب العامر، والأستاذ الباحث خالد عبدالرحمن العبدالمغني في رسائلهما وبحوثهما عن تاريخ الدوسري، وتقديم ما يعتبر دليلاً حقيقياً ثابتاً لنبوغ وظهور فنان في تلك الفترة، نستطيع وبكل واقعية اعتباره الرائد الأول والحقيقي للبذور التشكيلية التي ظهرت وأينعت ورأت النور إلى يومنا هذا، وحلقة وصل أساسية بين القرنين التاسع عشر والعشرين وزماننا هذا الذي نعيشه.
معرض الأبطال
كان التطرق إلى ما سلف ضرورة مهمة أيضاً حتى نصل إلى الفترة الحقيقية التي اعتمدت دولة الكويت فيها النشاط التشكيلي ضمن اهتماماتها الرسمية والأطر التأسيسية لحركة تشكيلية وصلت في فترة من فتراتها إلى قمة التنافس الدولي ضمن المهرجانات والبيناليات الدولية، وقدمت من المبدعين الكويتيين من لا يختلف عليهم اثنان بأنهم فنانون وموهوبون ومتميزون وصلوا إلى العالمية بفضل ما خططت له الدولة وجهودهم الخاصة.
ويعتبر معرض الأبطال الذي أقيم عام 1957 في مدرسة المباركية، واشترك فيه طلبة المدارس ومنهم الفنان الراحل عبدالله القصار والفنان الراحل أيوب حسين والفنان بدر القطامي، الباب المشرع أمام الشباب الكويتي للانطلاق نحو عصر تشكيلي متطور ومزدهر.
وجاءت منه فكرة تشجيع النشء والهواة ممن تتوافر فيهم البوادر الفنية، فكانت إدارة المعارف في تلك الفترة هي الأساس في التخطيط والإعداد بقيادة مدير المعارف آنذاك الشيخ المرحوم عبدالله الجابر، الذي كان كريماً معطاءً سخياً ذا نظرة ثاقبة نحو المستقبل بأمل وتفاؤل وحكمة غير متناهية في قراراته وأوامره، وهذه الفترة هي الفارق الصحيح الموثق رسمياً في السجلات الرسمية الكويتية، حيث رأت إدارة التوجيه بإدارة المعارف في تلك الحقبة ضرورة إنشاء وإعداد مقر يمارس فيه الشباب الكويتي موهبته بكل حرية وتمكن، ويكون بعد ذلك نواة لتأسيس كلية الفنون الجميلة بالكويت في المستقبل القريب.
فكانت المبادرة والنجاح في تأسيس المرسم الحر الذي انتسب إليه كل من لديه موهبة من الكويتيين وغيرهم من الجنسيات المقيمة، بهدف اكتشاف المواهب وصقلها قبل اتخاذ أي قرار رسمي لتطوير تلك المواهب، واختيار إنشاء وتأسيس المرسم الحر والبعثة الأولى للقاهرة.
بعد نجاح فكرة معرض الأبطال الذي كان في عام 1957 بمدرسة المباركية، حيث ظهرت بعض المواهب التي تحتاج إلى مركز أو متنفس يمارس فيه هؤلاء الهواة موهبتهم، رأت كما أسلفت إدارة المعارض فتح باب إنشاء المرسم الحر للفنون الجميلة، حيث انتسب لهذا المرسم الفنان عبدالله القصار، والفنان عيسى صقر، الذي يعتبر أول من سجل اسمه في هذا الملتقى الفني الذي جمع عدداً كبيراً من أهل الكويت ظهر منهم بعد ذلك عدد من الفنانين صقلوا موهبتهم بالدراسة الأكاديمية أو التقنية من حيث الممارسة والاستمرار العملي.
فان جوخ الكويت
ومنهم على سبيل الذكر الفنان بدر القطامي، والفنان عبدالعزيز الحشاش، والفنان محمد الدمخي، الذي سافر بعد ذلك إلى القاهرة لتلقي الدراسة في كلية الفنون الجميلة.
هذا هو الفنان الذي قال عنه الفنان د.عبدالهادي الجزار إنه نابغة الفن الخليجي و«فان جوخ» الكويت، الذي حاز الجائزة الأولى في مهرجان أقصر للفنون عام 1966 وبعدها توفاه الله في عام 1967، تاركاً حصيلة فنية تثبت ما أقول وهي إنتاجه بين عامي 1961 و1967 فقط، وجميع هذه الأعمال الزيتية توثق مرحلة مهمة في عمر الحركة التشكيلية بالكويت، التي سار على نهجها من أتى بعدهم من الفنانين.
ولما رأت إدارة المعارف (وزارة التربية) في ما بعد الاستقلال عام 1961، وبعد تأسيس المرسم الحر عام 1960 كنواة لفكرة كلية الفنون الجميلة في المستقبل، أخذت الدولة على عاتقها إرسال البعثات الدراسية إلى الكليات المتخصصة لتلقي العلوم الفنية بشكل أدق وأوسع ومميز، فكانت البعثات إلى جمهورية مصر العربية وغيرها ابتداء من عامي 1963 و1965 كدفعة دراسية أولى ضمت الفنانة سامية السيد عمر التي ذهبت إلى إسبانيا، وكانت أول فتاة كويتية تحصل على شهادة فنية من دولة أوربية.
وكانت الفنانة موضي الحجي هي أول فتاة كويتية تبعث للدراسة في كلية الفنون الجميلة في القاهرة.
وكان معها في تلك الفترة الفنان محمود الرضوان والفنان صالح العجيل والفنان عبدالعزيز الحشاش والفنان المبدع عبدالله القصار والفنان عيسى صقر والفنان عبدالله سالم والفنان العالمي المعروف سامي محمد، الذي صبّ اهتمامه في فن النحت، حاملاً معه في الوقت نفسه هموم فن التصوير والرسم الزيتي، وقد تتلمذ على يد الفنان المصري المبدع جمال السجيني رائد فن النحت العربي بعد محمود مختار، أستاذ الأساتذة في هذا المجال، وعلى سبيل الذكر هناك الأساتذة د. حسني البناني ود.عبدالعزيز درويش ود.صلاح عبدالكريم ود. حامد ندى ممن منحوا بكل إخلاص علمهم للطلبة المبتعثين من الكويت.
وقد ظهر بعد هذا الجيل الرائع في فترة الستينيات مجموعة من الفنانين هم الخطوة الثانية بعد مَن ذكرت، وليسوا بعيدين عنهم زمنياً، وهم: الفنان خزعل القفاص والفنان عبدالحميد إسماعيل والفنان إبراهيم إسماعيل والفنان خالد القعود والفنان خليفة القطان والفنان الإماراتي الذي كان يدرس في الكويت عبدالقادر الريس والفنان جاسم بوحمد.
«وللعلم والملاحظة وبين قوسين ذكر أسماء الفنانين ليس من حيث التسلسل التاريخي، إنما على سبيل الذكر وليس الحصر كذلك».
ومنذ تلك الفترة تحديداً بعد عام 1961م، وخلال فترة الستينيات بدأت النهضة الفنية في الكويت، حيث انطلق الفنان الكويتي يطلب المزيد من التحصيل والعلم في مجال الفنون من شتى دول العالم، فذهبت مجموعة إلى بريطانيا وأمريكا وفرنسا وغيرها من تلك الدول التي يتسابق عليها طلاب الفنون بدعم رسمي من القيادة في الكويت، على رأسها حضرة صاحب السمو، المغفور له بإذن الله، الشيخ عبدالله السالم الصباح - طيّب الله ثراه - حيث كان، ومعه مجموعة من الرجال المهتمين بمستقبل الكويت وأبنائها، يحرص على بذل كل ما فيه الخير للمصلحة العامة. وهنا أذكر من الواجب الأدبي والأخلاقي جهود الشيخ عبدالله الجابر الصباح - رحمه الله - والأستاذ عبدالعزيز حسين - رحمه الله - والأستاذ المرحوم أحمد محبوب العامر وأحمد العدواني وأحمد السقاف - رحمهم الله - هذا الجيل المخلص من الرعيل الذي قامت على أكتافه الكويت الحديثة، ومعهم الأستاذ الفاضل سعدون الجاسم - أطال الله في عمر العم أبوعمر - الذي كان داعماً ومؤسساً للحركة التشكيلية في الكويت خلال تحمله المسؤولية، حيث كان وكيلاً لوزارة الإعلام في السبعينيات من القرن الماضي.
هكذا أُسس المرسم الحر، وخطت الكويت خطواتها الأولى نحو الفن والحضارة التشكيلية الحديثة.
والفنان أمير عبدالرضا أحد الذين يشار إليهم بالبنان كموجه أسس الفنان الكويتي في مراحله الأولى، وأحد رؤساء الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية, أما الأستاذ الفنان محمود بوشهري فهو موجه رائد ظل معطاء لتلامذته حتى وفاته.
وكان محمود سويلم الموجه الذي أشار على المسؤولين بتأسيس المرسم الحر في الكويت، أما الأستاذ الفنان جواد جاسم بـوشــهري، فهو من الفنانين الأوائل، والذي ساهم مع زملائه في دعم الحركة التشكيلية ونموها.
تأسيس الجمعية الكويتية للفنون الجميلة
عيسى صقر مرة أخرى يجتمع مع زملائه الفنانين لمعالجة أمر جديد هو الفراغ في الفترة المسائية، حيث كان المرسم يعتبر مرفقاً حكومياً يغلق أبوابه بعد انتهاء فترة العمل الرسمي الصباحي للحكومة ومرافقها.
فيجد الشباب أنفسهم مساء متشوّقين لممارسة الهواية، فكانت فكرة تأسيس تجمّع فني آخر يكون مرادفاً ومؤازراً للمرسم الحر في الكويت يصب الشباب الموهوبون طاقاتهم في إنتاج فني ناجح ومثمر!
فكانت فكرة إنشاء الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية عام 1968 منطلقاً على أساسين مهمين، الأول والرئيس هو التشجيع الرسمي من أصحاب القرار في البلاد، والثاني وجود بذرة يانعة يمكن لها أن تصبح منارة شامخة في سماء الفنون الجميلة، فكان فعلاً ذلك، ونهضت الجمعية على سواعد الفنان الكويتي. في تلك الفترة السابقة لزماننا هذا بخمسين عاماً تقريباً أُسست الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية وأخذت مقراً لها في منطقة القبلة من البلاد، وبالتحديد في منزل السيد طالب النقيب، وهو مبنى مجلس الأمة الحالي على شارع الخليج العربي، إذ ضم مجموعة من الفنانين الناشئين ممن كانت أعمارهم أقل من 18 عاماً ومازالوا طلاب مدارس، بصفتهم أعضاء مؤازرين، وهم على سبيل الذكر لا الحصر: الفنان عبدالرضا باقر والفنان علي نعمان والفنان يوسف القطامي وعبدالعزيز التميمي والأخ الصديق عبدالحميد البلالي والفنان الراحل جاسم مبارك والفنان الإماراتي عبدالقادر الشريف، المعروف حالياً في دولة الإمارات العربية بالفنان عبدالقادر الريس، هؤلاء كانوا كما قلت أعضاء مؤازرين يعملون بجانب الفنانين الكبار الأعضاء العاملين في الجمعية، ولم يبخل الكبار على الصغار أبداً بالنصيحة أو التوجيه لإرشادهم نحو الطريق الفني الصحيح.
حيث كانت الجمعية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي أشبه ما تكون بخلية نحل تعمل ليل نهار، تمهّد الطريق بكل قوّة وصلابة أمام الراغبين في الوصول إلى المراكز الفنية العالمية والمحلية.
فظهر كثير من الفنانين، وكانت الأخت الفنانة ثريا البقصمي أصغر أعضاء الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية، واتخذت لنفسها طريقاً ومنهجاً فنياً شخص للجمهور بصمتها وعرفها للناس بأنها الفنانة ثريا البقصمي، وقد مر على رئاسة الجمعية عدد كبير من الفنانين لكل واحد منهم إسهامه وعطاؤه الخاص في سبيل الحركة التشكيلية والمصلحة العامة، ومن هؤلاء شيخ الفنانين المرحوم الفنان خليفة القطان رئيساً، والفنان والصديق خالد القعود، والفنان الراحل أمير عبدالرضا - رحمه الله - والفنان محمود الرضوان الذي سلّم رئاسة الجمعية بعد عقدين من الزمان للفنان الأستاذ عبدالرسول سلمان، الرئيس الحالي للجمعية الكويتية للفنون التشكيلية ورئيس اتحاد الفنانين العرب.
جيل أكاديمي
وفي بداية ثمانينيات القرن الماضي ظهر جيل تميّز بأنه مدعم أكاديمياً ومؤسس علمياً، أخذ علومه الفنية من الشرق والغرب، فصار عندنا جيل جديد من الفنانين المبدعين، تخرجوا في الجامعات الفنية في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، هذا الجيل تميز بصفة مهمة أرغب في تسليط الضوء عليها قليلاً، فهم عشقوا الفن وحملوه في قلوبهم لأسباب كثيرة، أهمها معرض الربيع الذي كان يقيمه الفنانون الرواد في كل عام، منذ عام 1958، واستمر إلى يومنا هذا بحلته الجديدة، والأمر الآخر المتابعة المستمرة لأعمال هؤلاء الرواد الذين كانت بالنسبة لهم مدرسة مجانية تضيف إلى ما لديهم من حب وشغف للفن إضافات تثري خزينتهم الثقافية وتمدهم بالدعم المعنوي والفكري.
ومن هؤلاء الفنانين المبدعين ممن اعتبرهم الجيل الثالث من الحضارة الفنية في الكويت الفنان محمد قمبر والفنان قاسم ياسين والفنان عبدالعزيز آرتي والفنان محمد الشيباني والفنان جعفر إصلاح والفنان صفوان الأيوبي والفنان سالم الخرجي والفنان جعفر دشتي والفنان حميد خزعل، وغيرهم ممن برزوا في هذه الفترة وبعد تخرّجهم وتقلّدهم مهام أعمالهم، فصارت مشاركاتهم الفنية في المعارض المحلية والدولية لبنة جديدة تضاف إلى الصرح التشكيلي الكويتي. وصار لكل واحد منهم أسلوب وبصمة تميّزه عن غيره، وسارت سفينة الحركة التشكيلية في عصرها الذهبي، وكل ذلك بفضل من الله جلّت قدرته، ثم العطاء الرسمي الحكومي الذي مازال يدعم الحركة التشكيلية في البلاد كما كان في البدايات رغم بعض الصعاب المالية التي يواجهها العالم بين الفترة الأخرى.
المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب محراب الفنون والثقافة في الكويت
وفي استعراض لمسيرة تأسيس المرسم الحر، فإنه بدأ بذرة انبثقت من إدارة المعارف، ثم احتضنته وزارة التربية بعد الاستقلال والتشكيل الوزاري الأول، ومن ثم كانت وزارة الإعلام هي الجهة التي قامت على تبنّي رعاية المرسم الحر، ثم انتقل المرسم الحر من مقره القديم في مدرسة قتيبة، الملاصقة، للمتحف العلمي في منطقة المرقاب، إلى بيت الغانم ليكون مقراً جديداً يضم المجموعة المتفرغة للفن التشكيلي، وهم جيل الروّاد والمبتعثين الأوائل.
رأت الدولة والقائمون على الفنون بصفة عامة تأسيس جهاز يتخصص في رعاية كل الأنشطة الفنية في البلاد، وقد كان ذلك في عهد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ جابر الأحمد الذي أمر بتأسيس المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، في مبادرة مباركة لرعاية الفنون، وإيماناً منه - رحمه الله - بأن الحضارات والشعوب لا تذكر إلا بتراثها الفني والثقافي.
فكان ميلاد المجلس صرحاً شامخاً يرعى الفنون والفنانين والمثقفين، وقد أسند إلى وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء كمؤسسة تعمل تحت رعاية مجلس الوزراء الكويتي، وكان في تلك الفترة الأستاذ المرحوم عبدالعزيز حسين هو وزير الدولة، هذا الرجل المؤسس للثقافة الكويتية، والذي حمَّل ثقل وعبء مسؤولية المجلس الوطني للشاعر المرحوم أحمد العدواني أميناً عاماً، ومعه الدكتور خليفة الوقيان أميناً عاماً مساعداً، فاكتمل الهرم الفني والثقافي في الكويت وصار رمزاً بارزاً يرعى الفنون والآداب والثقافة فيها.
إلى جانب هذا كانت الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية برعاية وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل تشق العباب وتمهّد الطريق أمام جيل رابع من الفنانين الشباب تشجعهم وتدفعهم للمشاركة والمنافسة في المعارض المحلية والدولية، هذا الجيل الذي يحمل الراية هذه الأيام تشرّبت عروقه من الأجيال السابقة له، فلابد له أن يكون على مستوى من المسؤولية المتميزة في الأداء والعطاء، لا يجوز أن نتجاهله أو نحجب عنه الأضواء، وهم مجموعة أرى فيهم النبت الصالح والعطاء المستقبلي الصادق، منهم الفنان عبدالله العتيبي والفنان سعد البلوشي والفنان عبدالله الجيران والفنانة خديجة باهوايد والفنانة شيماء أشكناني والفنانة سوسن البدر والدكتورة عبير الكندري والدكتور الفنان وليد عنبر، وآخرون ممن لا تحضرني أسماؤهم، وهم لديهم من الفن والمستوى والمقدرة الفنية ما يؤهلهم لكي يصبحوا - بإذن الله - جيلاً واعداً يحمل الراية بعدما حملها الروّاد ومن تلاهم طوال هذه السنين ■
من أعمال المثال سامي محمد
لوحة سريالية للفنان الكويتي الراحل عبدالله القصار
د
لوحة عقاب بحار للفنان الراحل محمد الدمخي